ترجمة وتحرير: نون بوست
أعلن بايدن مرور 100 يوم على دعمه غير المشروط لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” ضد شعب غزة متظاهرًا بأن قتل الفلسطينيين وتشويههم وتهجيرهم مجرد شبح. كتب بايدن في 14 كانون الثاني/ يناير: “لا ينبغي لأحد أن يتحمّل ولو يوما واحدا مما مروّا بهم، ناهيك عن 100 يوم”. لكن بيانه، الذي أكد مقتل الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس، لم يُشِر إلى العشرة آلاف طفل فلسطيني الذين قُتلوا وما الذي كان ينبغي لهم أن لا يمروا به على الإطلاق. كانت إشارته الوحيدة إلى محنة المدنيين الفلسطينيين بشكل غير مباشر: فقد مدح بايدن نفسه لمساهمته في “زيادة قصيرة في المساعدات الإنسانية الحيوية الإضافية إلى غزة” عندما كانت هناك هدنة مؤقّتة للسماح بتبادل الرهائن والسجناء في تشرين الثاني/ نوفمبر
كان بيان بايدن تجسيدًا للتشدق الذي قدمه الرئيس لتلبية الاحتياجات “الإنسانية” بينما يسهّل في الوقت نفسه كل خطوة تقوم بها “إسرائيل”. كان البيت الأبيض يعلم منذ البداية مدى وحشية حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” في غزة، ومع ذلك تأكد بايدن من أن “صديقه العظيم” بنيامين نتنياهو سيكون لديه أسلحة أمريكية لتنفيذها، وسيتمتع بالدعم الكامل من قدرات أمريكا الاستخباراتية والهجومية الواسعة، والحصول على الدعم السياسي لواشنطن دون “خطوط حمراء”. لقد ضمن بايدن ورفاقه أن أكاذيب “إسرائيل”، مهما كانت فظيعة أو فاحشة، ستُحتضن وسيُروج لها من على منصة وزارة الخارجية والبيت الأبيض كل يوم. وعلى مدى الأيام المائة الماضية، شاهدت الإدارة المذبحة التي ارتكبت بحق شعب غزة، ومع ذلك يعترف المسؤولون بأنهم “بذلوا جهودا كبيرة لتجنب الدعوة إلى وقف إطلاق النار”.
تشير محاولات الإدارة خلال الأشهر الماضية نشر قصص في وسائل الإعلام حول “نفاد صبر” بايدن من نتنياهو، وكيف يشعر أنتوني بلينكن بالقلق إزاء كومة الجثث الفلسطينية المتزايدة، وكيف يسعى البيت الأبيض إلى تجنب اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا إلى الإفلاس الأخلاقي الذي تتغلغل في نفوس أصحاب السلطة. صرح السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين لموقع “أكسيوس”، واصفًا ما يسمعه من كبار مسؤولي الإدارة: “تجاهل نتنياهو بايدن في كل منعطف. إنهم يتوسّلون إلى ائتلاف نتنياهو، لكنهم يتعرضون للصفعات مرارا وتكرارا”.
قال بلينكن لكاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان خلال فعالية في دافوس بسويسرا، كما لو أنه لم يكن أحد الداعمين الرئيسيين لتدمير غزة: “ما نراه كل يوم في غزة أمر مؤلم”. وأضاف قائلا “المعاناة التي نراها بين الرجال والنساء والأطفال الأبرياء تحطم قلبي”. ثم تبنى نبرة أحد المحللين في أحد مراكز الأبحاث، وليس نبرة أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين: “السؤال هو، ما الذي يجب فعله؟”.
هذه المشاعر، التي يتم التعبير عنها كجزء من حملة سياسية لا تكاد تكون مخفية، لا يتم الترويج لها على أنها تحفظات أو مخاوف صادقة بل هي العمود الفقري لجهود حثيثة لنشر الادعاءات التي يمكن للبيت الأبيض أن يتذرع بها لاحقًا، بما في ذلك خلال انتخابات سنة 2024، في محاولة لجعل الأمر يبدو كما لو أنهم مراقبون عاجزون يريدون فقط مساعدة الإسرائيليين في الدفاع عن أنفسهم ولكن نتنياهو الخائن ذهب إلى أبعد من ذلك. لم تكن الفضيحة الفعلية، في هذه الرواية، القتل الجماعي لفلسطينيي غزة في حملة إبادة جماعية سلحها البيت الأبيض، وإنما كيف استخدم نتنياهو وعصابته من المارقين، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الحرب العادلة لتنفيذ أجنداتهم “المتطرفة”.
رغم ادعاءاته بأن إنقاذ الرهائن هو الهدف الأسمى في تدمير غزة، إلا أن “إسرائيل” لم تنقذ أي رهينة، بل قتلت ما لا يقل عن ثلاثة من مواطنيها وربما قتلت المزيد في هجمات جيشها على حماس.
في هذا السياق، صرّح مسؤول أمريكي رفيع المستوى في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر لشبكة “إن بي سي” عندما كثف البيت الأبيض رسائله السياسية السريّة: “إذا سارت الأمور بشكل سيئ حقًا، فنحن نريد أن نكون قادرين على الإشارة إلى تصريحاتنا السابقة”. وذكرت شبكة “إن بي سي” أن “المسؤول قال إن الإدارة قلقة بشكل خاص بشأن رواية مفادها أن بايدن يدعم جميع الأعمال العسكرية الإسرائيلية وأن الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة استُخدمت لقتل المدنيين الفلسطينيين، كثير منهم من النساء والأطفال”. بعبارة أخرى، كان البيت الأبيض يشعر بالقلق من عدم إمكانية تبييض الحقائق الباردة المتعلقة بأفعاله.
كل هذه الأقوال والأفعال ستكون عنصرًا أساسيًا في استراتيجية إدارة بايدن في تكديس كل شرور هذه الحرب، بما في ذلك دعمه الحاسم لأعمال “إسرائيل” التي أمطرت المدنيين في غزة بالدمار الشامل، على عاتق نتنياهو ثم إنهائه. وما يحدث مناورة كلاسيكية لبايدن نفّذها طوال حياته المهنية التي امتدت لخمسين سنة – بما في ذلك أثناء غزو واحتلال العراق سنة 2003، وهي الحرب التي سهلها بايدن وادعى لاحقًا أنه عارضها – للتأكد من أنه يستطيع تحقيق كلا الخيارين عندما يكون ذلك مناسبًا سياسيًا.
تتمثل الرواية الشائعة في أن الجهود التي بذلها بايدن لفعل الصواب لصالح ضحايا 7 تشرين الأول/ أكتوبر والدفاع عن “حق إسرائيل في الوجود” في مواجهة جحافل إرهابيي حماس المتعطشين للدماء، تعرضت للاستغلال من قبل عدد قليل من الفاسدين في الحكومة الإسرائيلية. إنها خطة مناسبة بالنظر إلى أن سيطرة نتنياهو على السلطة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر كانت في طريقها إلى الانهيار بسبب سياساته الداخلية، ومن المؤكد أنه سيواجه مواجهة داخلية بسبب ما يوصف في “إسرائيل” بالفشل الاستخباراتي الذي أدى إلى هجوم حماس بالإضافة إلى إخفاقاته في إعادة الرهائن الإسرائيليين إلى الوطن خارج هدنة تشرين الثاني/ نوفمبر التي تم التفاوض عليها مع حماس. ورغم ادعاءاته بأن إنقاذ الرهائن هو الهدف الأسمى في تدمير غزة، إلا أن “إسرائيل” لم تنقذ أي رهينة، بل قتلت ما لا يقل عن ثلاثة من مواطنيها وربما قتلت المزيد في هجمات جيشها على حماس.
عندما يدلي بلينكن ومسؤولون آخرون بتصريحات على غرار “قد ينتهي هذا غدًا” إذا أطلقت حماس سراح الرهائن واستسلموا، فمن المفيد توضيح ما يقصدونه بكلمة “هذا”. ولا يعني “هذا” أن الفصل العنصري سينتهي، ولا تعني أن العقاب الجماعي للفلسطينيين سينتهي، ولا تعني رفع الحصار أو تفكيك معسكر الاعتقال في غزة وتحرير شعبه. ما يعنيه بلينكن وغيره من المسؤولين الأمريكيين عندما يقولون إن “هذا” يمكن أن ينتهي هو أن واشنطن ستستخدم في الواقع نفوذها الذي لا مثيل له لإنهاء الهجمات العسكرية الشاملة على غزة. وآنذاك فقط – سوف يُسمح لأي إغاثة إنسانية ذات معنى بالوصول إلى السكان الذين يتضورون جوعا، ويفتقرون إلى المياه النظيفة، ويشهدون الانتشار السريع للأمراض التي يمكن الوقاية منها. يعتبر هذا الموقف – الذي يقضي بربط الضروريات الإنسانية الأساسية للسكان المدنيين بقرارات حماس، وهي المجموعة التي تتهمها واشنطن أيضًا بقمع الفلسطينيين “الأبرياء” – معتلًا اجتماعيًا.
تتمثل الحقيقة في أن إنهاء “هذا” لا يضمن أن “إسرائيل” لن تستمر في توجيه ضربات مكثفة متى شاءت في غزة باسم “القضاء” على حماس، كما فعلت لعقود من الزمن، فيما يُطلق عليه الإسرائيليون اسم “قص العشب”. إن الولايات المتحدة تكذب فعليا على الفلسطينيين والعالم بشأن نهاية كل هذا. ولا شيء مثل إخضاع شعب بأكمله، وليس فقط قوات كوماندوز حماس، للهيمنة الإسرائيلية حتى لا يجرأ على المقاومة مرة أخرى، كفيل بإنهاء أي من “هذا” بشروط “إسرائيل”. لأن هذا قد يعني نهاية التطلعات إلى إقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن حقوق الإنسان الأساسية أو الكرامة.
مع استمرار المذبحة في غزة، تواصل لجنة من القضاة في محكمة العدل الدولية في لاهاي مداولاتها في المرحلة الأولية من الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” لانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية. وردّ نتنياهو على الاتهامات الموثقة بدقة ضد حكومته بإصدار إعلان استباقي للاستهزاء بقرار يأمر “إسرائيل” بوقف هجماتها على غزة، قائلًا: “لن يوقفنا أحد، لا لاهاي، ولا محور الشر، ولا أي شخص آخر”. وأضاف: “نحن مستمرون في الحرب حتى النهاية، حتى النصر الكامل، وحتى نحقق كل أهدافنا”. ومن غير المستغرب أن هذا الوعد بتحدي العدالة والقانون الدوليين لم يسفر عن إدانة من قبل إدارة بايدن أو حلفاء “إسرائيل” الرئيسيين الآخرين.
يعمل خبراء العلاقات العامة في البيت الأبيض على منح بايدن المرونة السياسية للتظاهر بأنه حاول حقًا الحد من المذبحة الجماعية – وكافح من أجل كبح جماح نتنياهو – قبل الحملة الانتخابية لسنة 2024. لكن الحقيقة أن إدارة بايدن واصلت دعم حملة الإبادة الجماعية، ليس فقط من خلال تسليم القنابل وتقديم الدعم للأكاذيب الخبيثة التي تروجها تل أبيب. على حد تعبير كين كليبنشتاين، كانت الولايات المتحدة تحلق بطائرات مسيرة فوق غزة، وفي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت فريقًا من القوات الجوية الأمريكية لمساعدة “إسرائيل” في الاستهداف. وقال أحد المصادر لموقع “ذي إنترسبت” إن الدور المحتمل لهؤلاء الأمريكيين هو “توفير معلومات استخباراتية عبر الأقمار الصناعية للإسرائيليين لغرض الاستهداف الهجومي”، وليس فقط المساعدة في عمليات إنقاذ الرهائن. وأظهر تحليل حديث لوكالة “أسوشيتد برس” حول الغارات الإسرائيلية على غزة أن “الغالبية العظمى من القنابل التي تم إسقاطها على القطاع المحاصر أمريكية الصنع”.
يقتل الجيش الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة في المتوسط 250 فلسطينيًا يوميًا في غزة، وقد أدى ذلك إلى نزوح 90 بالمائة من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وتشير التقديرات المتحفّظة إلى أن نحو 24 ألف فلسطيني لقوا حتفهم خلال المئة يوم الماضية، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، وأصيب أكثر من 60 ألفًا. وفي الضفة الغربية، تعمل “إسرائيل” على توسيع هجماتها. ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قتل المستوطنون المدعومين من الحكومة والقوات الإسرائيلية الرسمية أكثر من 330 فلسطينيًا، منهم 84 طفلًا على الأقل، وتم اعتقال أو سجن ما يقارب 6 آلاف فلسطيني يعيشون هناك.
بينما يقود البيت الأبيض أجندة دون ضوابط ولا قيود لدعم حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، فإنه يفعل ذلك بدعم الغالبية العظمى من السياسيين الأمريكيين. يوم الثلاثاء الماضي، قدّم السيناتور المستقل بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت مشروع قرار للتصويت في مجلس الشيوخ استنادًا إلى القيود القانونية التي تمنع الولايات المتحدة من تقديم الدعم لأي دولة “تنخرط في نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا”. وكان سيتطلب ذلك من وزارة خارجية بلينكن تقديم تقرير إلى الكونغرس حول انتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان، وأي دور للولايات المتحدة في تلك الانتهاكات، وكيف ردت الإدارة الأمريكية عليها. واعتمادًا على رد وزارة الخارجية، كان من الممكن تجميد المساعدات الأمريكية لـ “إسرائيل”.
حرِص البيت الأبيض على عدم وقف إطلاق النار، ودافع علنًا عن سلوك “إسرائيل” في مواجهة الأدلة الواضحة على نيتها الإبادة الجماعية المقدمة إلى المحكمة الدولية
عارض البيت الأبيض علنًا قرار ساندرز، واصفًا إياه بأنه “غير عملي”. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأدميرال جون كيربي، أحد أكثر المدافعين حماسة عن إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة الماضية، “لا نعتقد أن الآن هو الوقت المناسب”، وكرر الادعاء الذي دأبت الإدارة على إطلاقه مرارًا وتكرارًا لعدة أسابيع حول “انتقال” “إسرائيل” المفترض إلى عمليات أقل دموية في غزة. وأضاف: “نعتقد أن هذا الانتقال سيكون مفيدًا سواء من حيث تقليل الخسائر في صفوف المدنيين أو زيادة المساعدات الإنسانية”.
وقذ صوّت أعضاء مجلس الشيوخ ضد قرار ساندرز بأغلبية هائلة بلغت 72 صوتا مقابل 11 صوتا من الحزبين. وفي حين أن التصويت لا ينبغي أن يشكل مفاجأة لأي شخص يتابع السياسة الأمريكية بشأن دعم “إسرائيل”، إلا أنه قدم وضوحًا كئيبًا. يبدو أنه لا توجد جريمة إسرائيلية خطيرة بما يكفي لكي يفكر المشرعون الأمريكيون في إيقاف الدور الأمريكي في الحرب، ناهيك عن منع تسهيل القتل الجماعي للفلسطينيين، حتى لمراجعة ما إذا كان البيت الأبيض ملتزمًا بالقوانين الأمريكية. وعلى الرغم من الوصف الجمهوري الشائع لبايدن بأنه يدير إدارة خارجة عن القانون، فقد صوّت جمهوري واحد فقط، وهو السيناتور راند بول، لصالح قرار يهدف إلى التحقيق فيما إذا كان بايدن يخالف القانون بالفعل.
في الأسبوع المقبل، سيختبر المحامون من مركز الحقوق الدستورية مبادئ الفرع القضائي للحكومة الأمريكية أثناء تقديمهم الحجج في دعوى قضائية مرفوعة نيابة عن الفلسطينيين في غزة تتهم بايدن وبلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن بانتهاك قوانين الولايات المتحدة والقانون الدولي. وأحد القوانين التي اتُّهم بايدن وأتباعه بانتهاكها، تم إقراره في سنة 1988 برعاية بايدن نفسه، حين كان سيناتور، وقد جعل قانون الولايات المتحدة رسميًا متسقًا مع الالتزامات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لسنة 1948، وفرض عقوبات جنائية على ارتكاب الإبادة الجماعية أو المساعدة أو التحريض عليها. وتتهم الدعوى “هؤلاء المسؤولين الأمريكيين بالفشل في منع الإبادة الجماعية، والمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية”. وعلى غرار طلبات جنوب أفريقيا في لاهاي، يطلب المحامون الأمريكيّون من محكمة اتحادية في كاليفورنيا “الأمر بإنهاء الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي لإسرائيل” أثناء الفصل في القضية.
قالت كاثرين غالاغر، المحامية البارزة في مركز الحقوق الدستورية وأحد المحامين الرئيسيين الذين يرفعون الدعوى، إن “إدارة بايدن تعرف ما هو القانون دوليًا وتعرف ما هو القانون محليًا”. وأشارت في مقابلة لها إلى مجلدات من البيانات الأمريكية والتأكيدات القانونية التي تتناول الغزو الروسي لأوكرانيا، بما في ذلك الطلبات المقدمة إلى محكمة العدل الدولية لدعم محاكمة روسيا، وقالت إنها تنطبق على الحرب ضد غزة. وأضافت: “عندما يكون الضحايا فلسطينيين والجناة إسرائيليين، نرى الولايات المتحدة تنقلب على عقبيها وتتجاهل تمامًا التزاماتها بعدم توفير الوسائل التي يتم من خلالها تنفيذ الإبادة الجماعية”.
وبغض النظر عن أحكام المحكمة أو الشروط القانونية المحددة المرتبطة في نهاية المطاف بسلوك الحرب الإسرائيلية ضد غزة – أو دور بايدن وآخرين في هذا الشأن – تظل هناك حقائق أساسية لا يمكن إنكارها بكل مصداقية. لقد كانت هذه مذبحة غير مقيّدة تم إطلاقها ضد السكان المدنيين بدعم كامل من الولايات المتحدة ومجموعة صغيرة من الدول القوية الأخرى، وحتى لو تغلبت “إسرائيل” على دعوى الإبادة الجماعية في لاهاي، فإن التراجع الحتمي بين صفوف تحالف القتل لا يمكن أن يمحو حقيقة أن العالم قد شهد ما فعلوه وما زالوا يفعلونه في غزة.
على مدار المائة يوم الماضية من الهيجان الإسرائيلي الدموي في غزة، شهِد بايدن سلسلة لا حصر لها من الأحداث التي كان من الممكن أن يبرر كل منها وقف الدعم السياسي والعسكري الأمريكي للحرب الهجومية الصريحة التي تشنها “إسرائيل”. ولا توجد دولة على وجه الأرض تتمتع بنفوذ أكبر على “إسرائيل” من الولايات المتحدة، ولا يوجد سياسي يتمتع بنفوذ أكبر من بايدن. والولايات المتحدة هي تاجر الأسلحة والمدافع عن هذا المشروع برمته، ولو كان بايدن غير راضٍ أو غير صبور حقًا أو أي مصطلحات أخرى يتم تغذية وسائل الإعلام بها حول قلقه المفترض بشأن حرب نتنياهو، لكان بإمكانه أن يتصرف، لكنه لم يفعل.
بدلاً من ذلك، حرِص البيت الأبيض على عدم وقف إطلاق النار، ودافع علنًا عن سلوك “إسرائيل” في مواجهة الأدلة الواضحة على نيتها الإبادة الجماعية المقدمة إلى المحكمة الدولية، وتحايل على الكونغرس للحفاظ على تدفق الأسلحة، ثم عارض علانية القرار الذي سعى إلى دعم القانون الأمريكي الذي يهدف إلى ضمان عدم استخدام الأسلحة الأمريكية وغيرها من المساعدات لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. تلك هي الحقائق ذات الصلة، وليست هناك حاجة لأن تكون وسائل الإعلام بمثابة أحزمة ناقلة لمواقف الإدارة المخادعة. فتصرفات بايدن هي الدليل الوحيد المهم، وهي دليل دامغ.
المصدر: إنترسبت