“لا أكل ولا أمل من البحث والتنقيب، فقطعة أثرية واحدة من الممكن أن تصعد بنا إلى السماء السابعة وتنتشلنا من الواقع المذري الذي نعيشه الآن” بهذه الكلمات علق أبو الدهب (اسم الشهرة) على سؤاله عن سعيه طيلة السنوات الخمسة الماضية للتنقيب عن الآثار داخل منزله القابع في محافظة الشرقية.
أحلام الثراء السريع ومحاولة اللحاق بركب قطار الأغنياء في أقصر وقت، كانت الدافع الأبرز وراء انتشار عمليات التنقيب عن الآثار في مصر، والتي باتت ظاهرة تهدد تاريخ البلاد وحضارتها، خاصة في ظل الأرقام المفزعة التي تتحدث عنها تقارير تجارة الآثار وحجم تهريبها للخارج.
العديد من التساؤلات تفرض نفسها بقوة، في محاولة لاقتحام هذا السرداب المظلم لفك بعض الطلاسم المتعلقة بحجم السوق الحقيقية لهذه التجارة الرائجة وأبرز حيل التهريب للخارج، ومدى تحمل الدولة لمسؤوليتها حيال هذه الجريمة خاصة مع ما يثار بشأن تورط بعض المسؤولين في هذه المنظومة.
20 مليار دولار
يعد سوق تجارة الآثار أكبر الأسواق في مصر من حيث الحجم، ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية تكشف الرقم الحقيقي لحجم هذه السوق، فالعديد من التقارير تؤكد تجاوزها لـ20 مليار دولار سنويًا، حسبما نشر موقع “هاف بوست” وأكد عليه بعض رجال الآثار داخل مصر.
ومع ذلك ورغم بلوغ حجم سوق تجارة الآثار هذا الرقم الباهظ الذي يعادل 4 أضعاف دخل قناة السويس الذي يقترب من 5 مليار دولار سنويًا، وضعفي دخل السياحة، العديد من الأثريين أشاروا إلى تجاوز الحجم الحقيقي لهذه السوق الرقم المعلن عنه لا سيما بعد ثورة 25 من يناير 2011، حيث زادت معدلات التنقيب وسرقة مخازن الآثار من شتى المتاحف في دلتا مصر وصعيدها.
وتعد محاولة تهريب 9 آلاف قطعة أثرية خارج مصر عن طريق أحد العاملين بتجارة الذهب في منطقة عين شمس بالقاهرة في أبريل 2016 هي الأكبر من نوعها خلال العقود الأخيرة، إلا أنه قد تم إحباطها عن طريق مباحث الآثار التي كشفت أن تلك القطع تم استخراجها من مقابر بالصعيد.
أجازت مؤسسة الأزهر على لسان رئيس لجنة الفتوى السابق الدكتور عبد الحميد الأطرش، التنقيب عن الآثار، مشيرة أنه حلال طالما كان في نطاق الأرض المملوكة لمن يقوم بعملية التنقيب
ثلث الآثار المصرية مهربة
هذه السوق الكبيرة لتجارة الآثار لا بد أن يقابلها بضاعة تضاهي هذا الحجم، وهو ما يبعث على القلق حيال تاريخ مصر وحضارتها، كما أشار الأمين العام لجمعية الأثريين العرب الدكتور محمد الكحلاوي، الذي أكد أن ما يقرب من 30% من الآثار التي تمتلكها مصر تم سرقتها خلال السنوات الخمسة الأخيرة فقط.
الخمس سنوات الأخيرة التي حددها الكحلاوي في أعقاب ثورة 25 من يناير باتت فيها متاحف مصر ومخازنها مستباحة للصوص والسارقين في الوقت الذي تخلت فيه الشرطة عن دورها في تأمين هذه المخازن الأثرية، وإن كان الأمر لم يتوقف عند ذلك وفقط بل تجاوز ذلك إلى تواطؤ بعض المسؤولين لإتمام عمليات السرقة كما سيرد ذلك لاحقًا.
وتكتظ صفحات التاريخ المصري بمئات جرائم التهريب لقطع أثرية هي الأشهر في حضارة مصر الفرعونية، لعل أبرزها تهريب رأس الملكة نفرتيتي زوجة الملك إخناتون لألمانيا في 1912م، كذلك حجر رشيد الذي تم اكتشافه في قلعة جوليان بمدينة رشيد، حيث حصل عليه الإنجليز ضمن اتفاقية مع الجانب الفرنسي حين هزم في معركة أبو قير، وهو الآن في المتحف البريطاني بلندن.
ومن أشهر القطع الأثرية التي تم تهريبها أيضًا تمثال مهندس الهرم الأكبر من عصر الأسرة الرابعة والذي تم اكتشافه عام 1912 في مقبرة بالجيزة، حيث خرج إلى ألمانيا في نفس عام الاكتشاف ويعرض الآن في متحف هيلدسهابم.
رغم عدم وجود إحصائيات رسمية تكشف الرقم الحقيقي لحجم هذا السوق فالعديد من التقارير تؤكد تجاوزه لـ20 مليار دولار سنويًا
20 مليار دولار حجم سوق تجارة الآثار في مصر سنويًا
جدلية القانون والدين
حالة من الجدل يعاني منها المصريون حيال قضية التنقيب عن الآثار ما بين قانون يجرم ويغلظ العقوبة في مواجهة فتاوى تجيز التنقيب وتضع له عدة شروط، وهو ما أثار الجدل خلال السنوات الماضية.
الدستور المصري في مادته (49) ينص على “تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها وصيانتها وترميمها واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه، ويحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها، والاعتداء عليها والإتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم”.
أما القانون رقم 117 لسنة 1983 فقد نص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، والغرامة من 5 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه، لمن يثبت تورطه في تهريب أو الإتجار بالآثار، وقد تم تعديله أكثر من مرة لمواكبة التطورات العصرية في محاولة لتغليظ العقوبة لعل آخرها تعديلاتها بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والتي حولت الجريمة من جنحة إلى جناية تصل العقوبة فيها للسجن المؤبد والغرامة ما بين 100 ألف جنيه إلى 500 ألف.
وفي المقابل فقط أجازت مؤسسة الأزهر على لسان رئيس لجنة الفتوى السابق الدكتور عبد الحميد الأطرش، التنقيب عن الآثار، مشيرة أنه حلال طالما كان في نطاق الأرض المملوكة لمن يقوم بعملية التنقيب وليس في زمام الدولة، مبينًا أن الشرع الحنيف سمح لمن أحيا أرضًا مواتًا بأن يمتلكها وينتفع من خيراتها، وهو ما أجازه من قبل بعض علماء السلف في مصر.
ما يقرب من 30% من الآثار التي تمتلكها مصر تم سرقتها خلال السنوات الخمسة الأخيرة فقط
حلم الثراء السريع
في العقود الأخيرة بات التنقيب عن الآثار ظاهرة تكاد لا تخلو مدينة أو حي في محافظات مصر من الدلتا للصعيد منها، فمع تأزم الوضع الاقتصادي وانسداد الأفق أمام الكثير من المواطنين ما كان أمامهم إلا البحث عن نوافذ أخرى ربما تعيدهم للحياة مرة أخرى، حتى ولو كان ذلك عبر المغامرة والبحث عن الأمل تحت الأنقاض.
(ش ب)، أحد المقيمين بمحافظة الجيزة، تحول بين ليلة وضحاها إلى أحد أثرياء منطقة “نزلة السمان” بالهرم، مما دفع المقربين منه إلى البحث عن سبب هذا الثراء الفاحش رغم ما كان يعانيه في حياته، وهو الذي لا يتجاوز راتبه 1600 جنيه (90 دولارًا) حسبما ذكرت مصادر مقربة منه.
المصادر ذاتها أشارت إلى أن المقيمين في منطقة الهرم يعلمون جيدًا أن الثراء المفاجئ يعني تجارة الآثار، ملفتة إلى أنه خلال الأعوام الثلاث الأخيرة كان (ش ب) يقوم بعمليات حفر وتنقيب عن الآثار داخل منزله القريب من الأهرامات، وبعد شهور طويلة من التعب استطاع أن يجد ضالته، حيث عثر على مقبرة صغيرة بها بعض القطع الأثرية والحلي الذهبية، وهذا سر ثراءه الأخير، بحسب المصادر.
أما (ع ح) ، محاسب بمحافظة الشرقية فأشار إلى أنه من عاشقي التنقيب عن الآثار، مؤكدًا أنه لن يكل ولا يمل إلا حين يعثر على ما يريده حتى ولو كلفه ذلك ملايين الجنيهات.
في حديثه لـ”نون بوست” كشف أنه وأفراد من أسرته باعوا 4 أفدنة زراعية بقيمة تقترب من مليوني جنيه من أجل الكشف عن الآثار في منزله الواقع بالقرب من منطقة صان الحجر الأثرية في محافظة الشرقية (شرق الدلتا)، ومع ذلك لم يتم العثور على أي مردود حتى الآن.
وعن سبل هذا الإنفاق الطائل كشف أنهم يستعينون بـ”شيوخ” – يقال عنهم دجالين – من أجل فك الطلاسم الموجودة على أبواب المقابر الأثرية، وأن الجزء الأكبر من الأموال التي تنفق تكون ثمنًا للمواد التي يطلبها الشيخ – الدجال – من أجل فك هذه الطلاسم، علمًا بأن جرام واحد من “الزيبق” المستخدم في هذه العملية قد يتجاوز 200 ألف جنيه.
بينما لفت (ص م) أحد المهتمين بالتنقيب إلى أن تجار الآثار هذه الأيام لم يعودوا كما كان في السابق، إذ إن الغالبية العظمى منهم قيادات سابقة في جهات سيادية، كاشفًا أنه معظم عمليات التنقيب التي تتم خلال الفترة الأخيرة تكون تحت إشراف ومتابعة من تلك القيادات، مضيفًا: “دورنا ينتهي عند الكشف عن تلك القطع الأثرية وهم – قاصدًا القيادات من جهات سيادية – من يقومون بتسويقها وتهريبها خارج مصر”.
وأوضح أن عمليات التنقيب عن الآثار تكون بطريقتين: الأولى عن طريق شراء أجهزة خاصة بالتنقيب وفي الغالب تكون تحت ستار شركات بيع أجهزة التنقيب عن المياه والآبار الجوفية، منوهًا أن هناك شركتان في مصر متخصصتان في هذه الأجهزة هما: شركة تسمى “أليكس ديتكتورز” ومقرها مدينة نصر، وتبيع الجهاز بنحو 6000 جنيه (350 دولار)، وشركة “جى إم دي للاستيراد والتصدير، المتخصصة في أجهزة كشف المعادن والمياه الجوفية، ومقرها منطقة المهندسين بالجيزة.
أما الطريقة الثانية فعن طريق الحفر العشوائي المعتمد على توجيهات “شيوخ” لديهم القدرة على معرفة ما إن كان في هذا المكان آثار أم لا، على حد قوله.
المقيمون في منطقة الهرم يعلمون جيدًا أن الثراء المفاجئ يعني تجارة الآثار
حيل التهريب
يتفنن المصريون في تهريب الآثار خارج بلادهم، وبحسب ما تم ضبطه من قطع أثرية مهربة طيلة السنوات الماضية يمكن الوقوف على أبرز تلك الحيل والتي تمحورت في الآتي:
– داخل حقائب الملابس: حيث توضع القطع الأثرية داخل حقائب الملابس في صناديق مغلقة لا يمكن ملاحظتها بسهولة، إلا أنه من الممكن أن يتم كشفها حين يتم تفتيش تلك الصناديق قطعة قطعة وهو أمر مرهق جدًا للعاملين في الجمارك المصرية.
– داخل حاويات: حيث تم ضبط حاويات تضم 2000 قطعة أثرية تعود للحضارة الفرعوينة والرومانية واليونانية داخل إحدى الحاويات بميناء دمياط خلال الفترة الأخيرة كانت متجهة إلى تايلاند وكان على متنها مناديل ورقية وأدوات صحية.
الأثري أحمد الراوي، مدير الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، كشف في تصريحات له أن دبي تعد من أكثر المنافذ المستخدمة في عملية تهريب الآثار المصرية، وباتت ترانزيت لتهريب الآثار وذلك بسبب الكميات الكبيرة التي تهرب إليها خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعدما فشل تجار الآثار في تحويل مصر وسويسرا إلى محطة ترانزيت لتهريب الآثار، فما كان أمامهم سوى دبي التي تعد سوقًا مفتوحة لمثل هذه الأنواع من التجارة.
الراوي كشف أن إجمالي عدد القطع الأثرية التي تم ضبطها في المنافذ الأثرية قبل تهريبها تبلغ قرابة 60 ألف قطعة أثرية منهم 3180 قطعة أثرية في 2015، و2700 في 2014.
تجار الآثار هذه الأيام لم يعودوا كما كانوا في السابق، إذ إن الغالبية العظمى منهم قيادات سابقة في جهات سيادية
الآثار المصرية في المتاحف العالمية
“حين تقف في طابور قد يتجاوز طوله أكثر من كيلومتر تقريبًا من أجل الدخول إلى قاعة الآثار المصرية في متحف اللوفر بفرنسا تشعر بالحسرة في الوقت الذي تعاني فيه متاحفنا من ندرة زوارها”، بهذه الكلمات علقت الدكتورة فاطمة الزهراء الجبالي المدرس المساعد بكلية الآثار جامعة الفيوم والباحثة المتخصصة في الآثار المصرية، على حجم الآثار المصرية الموجودة في متاحف أوروبا وأمريكا.
الجبالي لـ”نون بوست” أشارت أن المعروض من الآثار المصرية في متاحف أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلدان العالم لا تشكل أكثر من 10% من إجمالي الآثار المصرية المهربة للخارج، مشيرة إلى أن النسبة العظمى منها يتم بيعها لرجال أعمال كبار ونبلاء أوروبيين يملكون متاحف خاصة بهم يعرضون فيها تلك المقتنيات.
الأستاذة بكلية الآثار جامعة الفيوم لفتت إلى أنها خلال زياراتها لبعض الحفريات والمقابر الفرعونية المكتشفة حديثًا تجد أنها فارغة من داخلها، ما يعني أنها تعرضت للسرقة قبل وصول بعثات التنقيب عنها، وهو حال الكثير من المقابر الأثرية المصرية.
وأضافت أن هناك بعض المتاحف في أوروبا تخصص قسمًا كاملاً لعرض القطع الأثرية المصرية، والعجيب – على حد قولها – أن تلك الأقسام تحقق نسب الدخول الأعلى لتلك المتاحف في ظل الإقبال الجماهيري الكبير حيالها، ومن أبرز تلك المتاحف:
– المتحف البريطاني في لندن.. حيث يضم ما يقرب من 110 ألف قطعة أثرية مصرية، كما أنه يحتوي على أحد أفضل وأقيم الاكتشافات المصرية الحديثة وهو حجر رشيد.
– متحف أشموليان للفن والآثار.. ويعد من أقدم المتاحف في بريطانيا، ويضم كوكبة متنوعة من آثار مصر والنوبة، وقد وصلت إليه أول قطعة أثرية مصرية عام 1683م.
– متحف اللوفر في باريس.. وبه قسم كامل للآثار المصرية حيث يضم تمثال الكاتب الجالس وتمثال رمسيس الثاني، فضلاً عن عدة تماثيل لها علاقة بإخناتون ونفرتيتي، وعلى مسافة لا تبعد كثيرًا عن اللوفر هناك مسلة فرعونية في قلب ميدان الكونكورد.
– متحف متروبوليتان في نيويورك.. ويحتوي على ما يقرب من 40 ألف قطعة أثرية إضافة إلى معبد يعود إلى حقبة مصر الرومانية يسمى ديندور، أهدته مصر للمتحف عام 1956.
متاحف روما.. هناك ثلاثة متاحف في روما تعرض الآثار المصرية بصورة كبيرة، الأول: المتحف المصري الميلادي في الفاتيكان، الثاني: متحف دى سكولتورا أنتيكا جيوفاني بارراكا، الثالث: متحف ناسيونالي رومانو في قصر التيمبس.
المعروض من الآثار المصرية في متاحف أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلدان العالم لا تشكل أكثر من 10% من إجمالي الآثار المصرية المهربة للخارج
قسم الأثار المصرية في متحف اللوفر بفرنسا
خارطة التنقيب
وعن أبرز مناطق التنقيب عن الآثار في مصر، أشارت الجبالي إلى وجود عدة مناطق معروفة ومحددة في مصر تكثر فيها عمليات التنقيب نظرًا لوقوعها ضمن النطاق الجغرافي لأماكن سكن وإقامة الفراعنة القدماء، وأبرزها:
– الجيزة: منطقة الأهرامات، كفر الجبل، نزلة السمان، دهشور، سقارة وأبو رواش.
– القاهرة: المطرية، عين شمس، حلوان.
– الإسكندرية: العطارين، محرم بك، الرمل، العامرية، اللبان.
– بني سويف: أبو صير، ميدوم.
– الأقصر: الوادي الأثري الكبير.
– أسوان: غرب النيل، محيط معبد إدفو.
– القليوبية: شبين القناطر، سنديون، تل اليهودية، سرياقوس.
– المنيا: تل العمارنة، ملوي، منطقة الشيخ عبادة.
– الفيوم: كيمان فارس التي كان يطلق عليها شدت، اللاهون، هوارة.
– المنوفية: قويسنا.
– الوادي الجديد: الواحات (الداخلة – الخارجة – الفرافرة).
الصعيد من أكثر مناطق التنقيب عن الآثار
كشفت جهات رقابية عن تورط المستشار محمد الصاوي مدير نيابة مدينة نصر أول، وشقيقه المستشار محمود الصاوي عضو نيابة النقض، مع 7 ضباط شرطة بإدارات مختلفة بوزارة الداخلية، في قضية فساد كبرى بمؤسسات الدولة خاصة بتهريب آثار
مسؤولية من؟
رغم الجهود التي تبذلها مباحث الآثار من أجل تضييق رقعة عمليات التهريب فإن أصابع الاتهام لا تزال تشير إلى مسؤولية الدولة وتخاذلها حيال هذا الملف الذي يهدد تاريخ مصر وحضارتها وسرقته لصالح جهات أجنبية إما بهدف المال أو التقرب عبر تقديم هدايا لشخصيات عامة من التراث المصري.
أحد المهتمين بالتنقيب عن الآثار في تصريحاته السابقة لـ”نون بوست” أشار أن تلك العمليات تكون تحت مرأى ومسمع قيادات داخل جهات سيادية، هي من تمول العملية وتهربها خارج البلاد مستغلة ما تتمتع به من نفوذ، وهذا ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام في أكثر من موضع دون أن يتم فتح تحقيق في هذا الشأن.
وبالعودة إلى الوراء قليلاً فقد أثيرت العديد من علامات الاستفهام حيال تورط جمال وعلاء مبارك نجلي الرئيس المخلوع، وبعض قيادات الحزب الوطني المنحل وعلى رأسهم الوزير الراحل كمال الشاذلي ومعهم زكريا عزمي وصفوت الشريف وأحمد عز وطاهر القويري وزاهي حواس، في قضايا تهريب آثار، وتجارة الزيبق الأحمر، حسبما نشرت صحيفة “الفجر” المصرية في عددها الصادر بتاريخ 13 أغسطس 2011.
كذلك ما أثير بشأن اتهام ضباط شرطة وقضاة في هذه الجريمة، ففي مايو 2015 كشفت جهات رقابية عن تورط المستشار محمد الصاوي مدير نيابة مدينة نصر أول، وشقيقه المستشار محمود الصاوي عضو نيابة النقض، مع 7 ضباط شرطة بإدارات مختلفة بوزارة الداخلية، في قضية فساد كبرى بمؤسسات الدولة خاصة بتهريب آثار، بعد تسجيل مكالمات لهما وتصويرهما من قبل الرقابة الإدارية.
وهكذا يواصل التراث المصري نزيفه عبر سرقة مخزونه الأثري الذي فقدت مصر منه في أخر خمسة سنوات فقط ما يزيد عن ثلثه تقريبًا، بحسب آثريين، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني منها المصريون تظل هذه النسبة قابلة للزيادة مستقبلا.