كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن مساعٍ قام بها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة للقاء بـ”أب” القبة الحديدية الإسرائيلية إبان العدوان على غزة العميد، عوزي روبين.
وقال الموقع إن محاولات العتيبة لقاء الجنرال الإسرائيلي تعد دليلًا إضافيًا على تنامي العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل”، وتكشف تسريبات رسائل إيميل سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة أنه كان قد اتصل بعوزي روبين عبر محلل رفيع المستوى مؤيد لـ”إسرائيل”.
وسعى كبير دبلوماسيي الإمارات في أمريكا للحصول على تقييم للأضرار التي تسببت بها حرب الأيام الثماني التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة وذلك من “أب” منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية المعروفة بالقبة الحديدية، حسبما ورد في رسائل إيميل مسربة حصل موقع ميدل إيست آي على نسخة منها.
وكان الشخص الذي عرف يوسف العتيبة على عوزي روبين هو أحد كبار المحللين المؤيدين لـ”إسرائيل” في واشنطن، ولكن ليس واضحًا ما إذا كان الرجلان قد التقيا فعلًا، إلا أن رسائل الإيميل التي حصلت عليها مجموعة القرصنة المعروفة باسم “غلوبال ليكس”، تكشف عن علاقات دبلوماسية متنامية بين المملكة الخليجية و”إسرائيل”.
وقع تبادل الرسائل بعد شهر من عملية “إسرائيل” التي أطلق عليها اسم “عمود السحاب”، وشنت خلالها القوات الإسرائيلية هجمات على أهداف داخل قطاع غزة
في رسالة إلى يوسف العتيبة مؤرخة في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 2012، كتب روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لأحد مراكز البحث والتفكير المؤيدة لـ”سرائيل” في واشنطن، يقترح عليه لقاء مع عوزي روبين العميد السابق في الجيش الإسرائيلي الذي قاد منظومة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية، بعد ذلك بثلاثة أيام فقط، كان روبين والعتيبة يتبادلان رسائل الإيميل بشكل مباشر.
وقع تبادل الرسائل بعد شهر من عملية “إسرائيل” التي أطلق عليها اسم “عمود السحاب”، وشنت خلالها القوات الإسرائيلية هجمات على أهداف داخل قطاع غزة، مما نجم عنه بحسب إحصائيات الأمم المتحدة مقتل 174 فلسطينيًا، منهم 107 مدنيين، من ضمنهم 33 طفلًا، سقط خلال المواجهات ستة إسرائيليين اثنان منهم كانوا جنودًا.
زار روبين واشنطن ليشيد بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية ودورها في صد الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة خلال الأيام الثماني للحرب، وقال في كلمة وجهها لجمع من الضيوف: “كانت المواجهة الأخيرة من الناحية الاستراتيجية إلى حد كبير حربًا أديرت بكسبة زر”.
فيما بعد كتب ساتلوف الذي استضاف روبين، يقول للعتيبة: “لقد خطرت ببالي بالأمس عندما كنت أستمع إلى كلمة فذة ألقاها أبو منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية المضادة للصواريخ عوزي روبين، والذي أنهى كلمته بتصريح عن إمكانية استفادة دول الخليج من هذه المنظومة في مواجهة الصواريخ الإيرانية، وأنا أفترض أن جانبكم تلقى منه ومن زملائه اتصالات مباشرة، وإذا لم يحدث ذلك، فإمكاني بالتأكيد ترتيب شيء بهذا الخصوص”.
رد العتيبة قائلًا: “لم أقابل عوزي من قبل، ولكنني مهتم بمعرفة كيف كان أداء المنظومة في غزة، لقد قرأت ما ورد في الصحافة عن أدائها ولكن يهمني أن أعرف المزيد وبشكل أكثر تحديدًا”.
“أخبرني عندما تكون في واشنطن في المرة القادمة”.
ثم سعى ساتلوف للحصول على إذن بتقديم روبين للتمهيد للقاء يجري بين الرجلين مستقبلًا، فوافق العتيبة على ذلك، وما لبثت الاتصالات أن آتت أكلها على وجه السرعة، ففي رسالة إيميل مؤرخة في الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2012، قال العتيبة: “أخبرني عندما تكون في واشنطن في المرة القادمة”، رد روبين قائلًا إنه عاد للتو إلى البلاد، وأنهى رسالته بالعبارة التالية: “ربما في المرة القادمة، مع تحيات عوزي”.
اقترح العتيبة فيما بعد مساعدة واينيب في “إيجاد بعض المتحدثين الإماراتيين وربما غير الإماراتيين لمناقشة موضوع الإخوان المسلمين والتطرف في المنطقة
لم ينكر ساتلوف رسائل الإيميل التي تبادلها مع العتيبة، بل قال في رسالة إيميل تلقاها منه موقع ميدل إيست آي: “لا أعلم إن كان الناس المعنيون قد التقوا، ولكنني لا أعتقد أن اللقاء الذي تشير إليه تحديدًا قد وقع، وبالمناسبة، أنا لا أتوسط بين الناس ليجتمعوا، بل إن معهد واشنطن، مثله في ذلك مثل غيره من مراكز البحث والتفكير، ينظم بشكل منتظم لقاءات من شأنها أن تجمع بين كل ألوان الطيف من البشر، من جميع الحكومات والخلفيات، وعبر تشكيلة واسعة من المناسبات والنشاطات”.
من الجدير بالذكر أن الاتصالات بين العتيبة وروبين تأتي ضمن عدد من الحوارات التي جرت بين الدبلوماسي الإماراتي وساتلوف، الذي عمل منذ وقت طويل في معهد سياسات الشرق الأدنى “واينيب”، أحد مشاريع مجموعة الضغط المعروفة باسم لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، والتي لا يعمل فيها من الباحثين والأساتذة إلا من كان حصريًا من أنصار “إسرائيل”.
افتتح ساتلوف كلامه بالتعبير عن شكره لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة على “هدية العام الجديد السخية”، دون أن يحدد ما الذي أعطي له.
وفي رده على سؤال من موقع ميدل إيست آي، قال ساتلوف إنه لا يذكر ماذا كانت الهدية، مضيفًا أن سياسة المعهد الذي يعمل فيه تصرح بأن بإمكان العاملين فيه قبول الهدايا الشخصية من الحكومات الأجنبية إذا كانت قيمتها لا تتجاوز عشرين دولارًا.
وكان ساتلوف في فبراير/شباط من عام 2012، قد طلب من العتيبة تنظيم وليمة عشاء حصرية له أن يشعر بحرية تكبد تكاليفها، قائلًا: “ربما كان في ذلك بعض الجرأة، ولكن هل أطمع في استضافتك لأهم الشخصيات لدينا – أعضاء مجلس إدارتنا – على العشاء في منزلك؟ سوف يكونون (نحو خمسة عشر منهم) في المدينة لعقد اجتماع، مساء الثلاثاء السادس من مارس/آذار”.
أجاب العتيبة وقد شعر بأن فرصة سانحة قد لاحت: “إنها فكرة عظيمة، يسعدني أن أستضيف مثل هذه المجموعة المتنفذة للتحاور بشأن مثل هذا الموضوع المهم، طلبي الوحيد هو أن يظل الأمر سرًا وطي الكتمان”.
لم يكشف ساتلوف النقاب عن أسماء من حضروا العشاء، ولكنه أخبر موقع ميدل إيست آي بأن مثل هذه النشاطات التي تشارك فيها تشكيلة واسعة من المسؤولين الأمريكان
يشتمل مجلس إدارة واينيب على شخصيات مثل بيتر لوي المدير التنفيذي لويستفيلد ونجل الملياردير واليميني الأسترالي الداعم لـ”إسرائيل” فرانك لوي.
كما يشتمل على مؤسسه باربي واينبيرغ نائب الرئيس السابق لمنظمة إيباك، ويشار هنا إلى أن واينبيرغ بالاشتراك مع نائب مدير قسم الأبحاث في إيباك مارتين إنديك ساعد في تأسيس واينيب ككيان منفصل في ثمانينيات القرن الماضي لتوفير مسافة لما لديهم من أفكار عن السياسات المؤيدة لـ”إسرائيل”، الأمر الذي يعتبر اعترافًا منهما بمشكلة الصورة أو السمعة التي تعترضهم حينما يقترحون باستخدام الأوراق الرسمية لمنظمة إيباك أفكارًا لما ينبغي أن تتبناه الولايات المتحدة من سياسات.
وبعد عشاء مارس 2012، كتب ساتلوف إلى العتيبة ليخبره بأنه “في الليلة الماضية كسبت مجموعة من الأصدقاء”، وكال المديح لسفير الإمارات على “صدقه وصراحته” مع مجلس إدارة واينيب حيث “فتح أعينهم على القلق الحقيقي الذي تشعر به الإمارات العربية المتحدة تجاه إيران”.
من جهته قال العتيبة لساتلوف: “استمتعت بصدق بالمحادثة، وكانت رسالتي الرئيسية هي الانسجام بين “إسرائيل” والعديد من البلدان العربية عندما يتعلق الأمر بإيران”.
لم يكشف ساتلوف النقاب عن أسماء من حضروا العشاء، ولكنه أخبر موقع ميدل إيست آي بأن مثل هذه النشاطات التي تشارك فيها تشكيلة واسعة من المسؤولين الأمريكان والأجانب باتت حدثًا منتظمًا، والإيحاء بغير ذلك إنما “يعكس الطبيعة التآمرية، وليس الإخبارية، للتحقيق الذي تقومون به”.
تفاعلات متبادلة عالية المستوى
استمر ساتلوف في السعي لضمان المزيد من المشاركة في مناسبات بحضور صديقه الإماراتي، فمنذ عام 1996، استضاف واينيب تشكيلة من ضباط الجيش والمخابرات الإسرائيليين كزملاء زائرين في مكاتبه في واشنطن، جزئيًا بهدف التأثير على النقاش الدائر في واشنطن عن مجمل القضايا بما في ذلك فلسطين وإيران.
لا يقبل معهد واشنطن التبرعات من مصادر أجنبية ولا يسعى للحصول عليها، سواء كانت تبرعات لإفراد أو شركات أو حكومات أو مؤسسات
طلب ساتلوف من العتيبة النظر في إمكانية السماح للمسؤولين الإماراتيين بالعمل في واينيب كزملاء زائرين، الأمر الذي يشير إلى مستوى الاهتمام الذي كانت توليه لهذا البلد الخليجي تلك التجمعات الصقورية المؤيدة لـ”إسرائيل” في أمريكا.
وكان العتيبة في وقت مبكر قد وعد ساتلوف “بالنظر في هذه المسألة وانتظار ما سيرد به جماعتنا في الجيش”.
وفي معرض جوابه على أسئلة تقدم بها إليه موقع ميدل إيست آي، قال ساتلوف إنه تقدم بعروض مشابهة لعدد من الحكومات التي تستضيف الضباط الإسرائيليين والأردنيين والأتراك، وأن واينيب كان قد استضاف دبلوماسيًا من وزارة الخارجية الفرنسية وكذلك دبلوماسيين ومسؤولين آخرين في حكومة الولايات المتحدة، وأضاف: “للأسف، لم تتح لنا الفرصة بعد لاستضافة ضابط من الإمارات”.
اقترح العتيبة فيما بعد مساعدة واينيب في “إيجاد بعض المتحدثين الإماراتيين وربما غير الإماراتيين لمناقشة موضوع الإخوان المسلمين والتطرف في المنطقة”، علمًا بأن جماعة الإخوان المسلمين وتشكيلاتها المختلفة اكتسحت نتائج الانتخابات التي أجريت في مصر وتونس وتركيا والكويت، وذلك على الرغم من أنها تجري شيطنتها من قبل الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل” على اعتبار أنها مصدر للتهديد.
كما كتب العتيبة إلى ساتلوف مقترحًا منح واينيب علامات مرتفعة بسبب مقال لدافيد بولوك الذي كتب موضوعًا بعنون “الدفاع عن العلاقة الأمريكية السعودية”.
كتب العتيبة قائلًا: “أردت أن أحيطك علمًا باعتقادي أن القطعة التي كتبها دافيد بولوك عن السعودية هي أفضل تحليل رأيته حتى الآن، حاول أن تجد وسيلة لنشرها في صحافة التيار العام لأن هذه القطعة بحاجة لأن يروج لها على أوسع نطاق”.
موقع ميدل إيست آي وصحيفة هآرتس نشرا عام 2015 خبرًا مفاده أن طائرة خاصة تطير مرتين في الأسبوع بين تل أبيب وأبو ظبي
رد عليه ساتلوف متحسرًا أنه حاول “مع جميع المنابر الصحفية ضمن التيار العام ولكنها رفضت نشرها”، الأمر الذي اعتبره “مؤشرًا محزنًا في هذا الزمن”.
ثم بادر العتيبة، الذي يبدو أن اتصالاته ومعارفه يتجاوزون بقدر كبير مراكز البحث والتفكير، إلى عرض القيام بجهود من قبله للمساعدة في ذلك، إلا أن ساتلوف رفض المساعدة، قال العتيبة: “ولا حتى بوليتيكو؟ بإمكاني ممارسة بعض الضغوط هناك إذا لزم الأمر”.
وفي رده على ميدل إيست آي، كتب ساتلوف يقول: “التزامًا بسياسته المعتمدة منذ وقت طويل، لا يقبل معهد واشنطن التبرعات من مصادر أجنبية ولا يسعى للحصول عليها، سواء كانت تبرعات لأفراد أو شركات أو حكومات أو مؤسسات، فنحن نعتمد حصريًا على الدعم المالي الذي يردنا من مصادر أمريكية، ولم نسع للحصول على أي تبرعات، ولم نقبل بأي تبرعات، ترد تحديدًا من مصدر إماراتي”.
تزايد الاقتراب بين الإمارات و”إسرائيل”
لا يوجد لدى الإمارات العربية المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية مع “إسرائيل”، إلا أن الذي حدث في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015 هو سماح حكومة أبوظبي لـ”إسرائيل” بإنشاء مكتب دبلوماسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة التي تتخذ من عاصمة الإمارات مقرًا لها، وذلك على الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون بأن المكتب الدبلوماسي يخدم حصريًا ضمن الوكالة، التي تعتبر منظمة دولية.
الانسجام في مسائل السياسة بين الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل” نجم عنه زيادة في التفاعلات المتبادلة، وذلك بينما تتبنى الإمارات ومعها المملكة العربية السعودية كل على حدة موقفًا أشد حزمًا وعداءً ضد إيران المجاورة
وكان موقع ميدل إيست آي وصحيفة هآرتس نشرا عام 2015 خبرًا مفاده أن طائرة خاصة تطير مرتين في الأسبوع بين تل أبيب وأبو ظبي، وكان قد صدر تقرير عام 2012 عن موقع الاستخبارات الفرنسية مفاده أن إيه جي تي إنترناشيونال وقعت عقدًا بقيمة 800 مليون دولار لتزويد سلطة البنية التحتية الوطنية الحرجة في أبو ظبي بمعدات تصوير وسياجات إلكترونية ومجسات لرصد البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط.
ووصف موقع المؤسسة الاستخباراتية مالك إيه جي تي، واسمه ماتي كوتشافي، بأنه “رجل الأعمال الإسرائيلي الأعظم نشاطًا في أبو ظبي”.
ما من شك من الناحية السياسة أن الانسجام في مسائل السياسة بين الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل” نجمت عنه زيادة في التفاعلات المتبادلة، وذلك بينما تتبنى الإمارات ومعها المملكة العربية السعودية كل على حدة موقفًا أشد حزمًا وعداءً ضد إيران المجاورة، والتي تعتبرها “إسرائيل” أيضًا مصدر تهديد كبير لها.
إلا أن العلاقات العلنية مع “إسرائيل” يمكن أن تثير غضب الفصائل الفلسطينية، التي يتمسك الكثيرون منها بموقف مفاده أن تطبيع الروابط الدبلوماسية بين “إسرائيل” وسبعة وخمسين بلد عربي ومسلم لا ينبغي أن يتم إلا بعد أن يسمح للفلسطينيين بالعيش في دولة خاصة بهم.
المصدر: عربي 21