ترجمة وتحرير نون بوست
مؤخرا، شهدت الساحة السياسية الجزائرية انقلابا أدى إلى إقالة عبد المجيد تبون، الذي عُين في أواخر شهر أيار/ مايو ليشغل منصب رئيس الوزراء، وتعيين أحمد أويحي خلفا له .في الواقع، عرف المسلسل السياسي الصيفي الجزائري نهاية مفاجئة. ولمدة أسابيع، كان رئيس الوزراء عبد المجيد تبون، الذي كان يعتبر من أحد المقربين من الرئاسة الجزائرية، هدفا لحملة عنيفة شنتها بعض وسائل الإعلام عليه بسبب الحملة التي أطلقها ضد لوبيات المال في الجزائر.
في أواخر شهر حزيران/ يونيو، أعلن رئيس الوزراء، عبد المجيد تبون، في بيانه الوزاري أنه “من الضروري” فصل المال عن السياسة”، ملمحا بذلك وبشكل واضح إلى القوى الاقتصادية التي تنامى نفوذها بشكل غير قانوني تقريبا من خلال الدعم الذي تقدمه لعشيرة بوتفليقة، الذي ساعدها بدوره في الحصول على جميع المشاريع العمومية على مدى الخمسة عشر سنة الماضية.
هل كان رئيس الوزراء عبد المجيد تبون ضحية لوبيات المال؟
يترأس هذه الأقلية المتزايدة من لوبيات المال رئيس مجموعة حداد، علي حداد، الذي يشغل منصب رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، الذي يُعد أكبر تجمع اقتصادي لرجال الأعمال الجزائريين. وبعد أسابيع قليلة من البيان الذي أصدره عبد المجيد تبون في البرلمان الجزائري، أكدّ تبون، خلال افتتاح مدرسة للضمان الاجتماعي، أن لوبيات المال أصبحت كيانا معاديا للحكومة الجزائرية؛ وقد تمثل موقف رئيس الوزراء في رفضه التواجد إلى جانبه علي حداد خلال تلك التظاهرة.
على خلفية تلك الحادثة، اجتمع عدد من أصحاب المؤسسات ورؤساء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث قاموا بتوجيه تهديدات لرئيس الوزراء عبد المجيد تبون. أثناء ذلك الاجتماع، صرح علي حداد بأن عبد المجيد تبون لا يعرف مع من يتعامل، فضلا عن أنه ليس الشخص الذي يجب أن يملي عليهم ما يجب أن يفعلوه.
تداولت وسائل الإعلام الجزائرية “توجيهات” الرئيس بوتفليقة، الذي طلب من رئيس وزرائه “تهدئة الوضع”، واعتبر أن مبادراته تمثل “تحرشا حقيقيا بالمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين”
والجدير بالذكر أن حدة هذا التوتر ازدادت بعد إشعارات التنفيذ التي تلقتها شركات البناء التابعة لمجموعة حداد. في هذا السياق، أوضح مصدر حكومي أن فريق حكومة تبون منع تحويل سلفة تصل قيمتها إلى 900 مليون يورو إلى المجموعة، نظرا لأن معظم مواقع البناء لم تتقدم فيها الأشغال. وأشار المصدر نفسه إلى أنه “كان يُسمح لعلي حداد باستدعاء وزراء حكومة عبد المالك السلال السابقة والتصرف كممثل رسمي للسفراء في الجزائر”.
يوم 25 تموز/ يوليو، وصلت وتيرة التوتر بين علي حداد وحكومة عبد المجيد تبون إلى ذروتها بعد أن نشرت مجموعة حداد بيانا درت فيه على الإجراءات التي اتخذتها في حقها الحكومة. ومن خلال هذا البيان، استنكرت المجموعة جميع إشعارات التنفيذ التي وصلتها والحملة العنيفة الموجهة ضدها.
بعد بضعة أيام، ظهر علي حداد مبتسما في إحدى الصور التي التقطتها وسائل الإعلام، خلال جنازة رئيس الوزراء السابق رضا مالك، رفقة الشقيق الأصغر للرئيس عبد العزيز بو تفليقة، سعيد بوتفليقة، والذي يعتبر مقربا جدا من عالم رجال الأعمال.
حرب العشائر
استنكرت العشيرة الرئاسية الهجوم الذي شنه تبون على مجموعة علي حداد. فخلال رحلة عبد المجيد تبون الأخيرة إلى فرنسا لقضاء عطلة، التقى نظيره إدوارد فيليب في “اجتماع غير رسمي” يوم 7 آب/ أغسطس. وعلى إثر ذلك، عمدت وسائل الإعلام الموالية لحداد والمقربة من شقيق الرئيس إلى تسليط الضوء على الجانب غير الرسمي لاجتماع باريس، حتى أنها لمّحت إلى أن هذا الاجتماع لم يكن بموافقة رئيس الدولة الجزائرية.
في اليوم التالي، تداولت وسائل الإعلام الجزائرية “توجيهات” الرئيس بوتفليقة، الذي طلب من رئيس وزرائه “تهدئة الوضع”، واعتبر أن مبادراته تمثل “تحرشا حقيقيا بالمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين”. في الحقيقة، كانت هذه الرسالة موقعة من مدير ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحي، بعد أن طلب الرئيس شفويا منه كتابة رسالة إلى تبون تفيد بأنه يجب عليه تخفيف قسوته على رجال الأعمال في الجزائر.
انتهت حرب رئيس الوزراء ضد الفساد ورجال المال الذين أقحموا أنفسهم في السياسة في حملة اكتسبت شعبية كبيرة وأثّرت سلبا على عشيرة بوتفليقة
بعد ثلاثة أشهر فقط من اعتلاء هرم السلطة التنفيذية، حلّ أحمد أويحي محل عبد المجيد تبون. وتجدر الإشارة إلى أن خلف عبد المجيد تبون هو نفسه ذلك الشخص الذي لطالما كان يحلم أن يُصبح خلفا للرئيس بوتفليقة، على الرغم من أنه كان وفيا ومرافقا له طيلة فترة مرضه. في المقابل، يعتبر أويحي من الأشخاص الذين كانوا قادرين على تنفيذ جميع المهام الموكلة إليهم بحذافيرها والمقربين من الدولة العميقة. فضلا عن ذلك، يملك أويحي مكرا كافيا ليساعد بوتفليقة في تحديد مصيره الوطني.
في خاطرة له، كتب عبد المجيد تبون اقتباسا للرئيس الفرنسي السابق، فاليري جيسكار ديستان، مفاده أن “الرئاسة هي لقاء بين الرجل ومصيره”. وفي هذا الصدد، ذكر مصدر مقرب من الرئاسة الجزائرية أن “أويحي كان يفضل أن يبقى بوتفليقة دائما تحت ناظريه بدلا من أن يكون بعيدا عنه”.
مسلسل مفتوح حول خلافة بوتفليقة
توجد العديد من التفسيرات التي توضح حلقات هذا المسلسل الصيفي الصاخب الذي تعيش الجزائر على إيقاعه. في الحقيقة، كانت كل من عشيرة بوتفليقة وقادة الأجهزة الأمنية يريدان تحييد قوة لوبيات المال، الذين أصبحوا يتمتعون بنفوذ قوي في الجزائر وتمكنوا من فرض سلطتهم على حكومة السلال السابقة. فضلا عن ذلك، كانت هذه الأطراف ترغب في أن تلقي بظلالهم على خيارات خلافة بوتفليقة.
في المقابل، سرعان ما انتهت حرب رئيس الوزراء ضد الفساد ورجال المال الذين أقحموا أنفسهم في السياسة (في حملة اكتسبت شعبية كبيرة وأثّرت سلبا على عشيرة بوتفليقة). وقد خنقت العديد من القرارات والضغوط المسلطة من قبل حداد، فضلا عن طموحات عشيرة بوتفليقة، مهد عملية الأيدي النظيفة التي أطلقها عبد المجيد تبون.
أعلن الجيلالي أن حكومة عبد المجيد تبون رفضت أي قرار للاستقالة لا ينبثق عن بيان علني صادر عن الرئيس رسميا. وبالتالي، يجوز له أن ينقض أي محاولة من هذا القبيل بذريعة شغور منصب الرئاسة
في شأن ذي صلة، أكد أحد الإطارات في الدولة الجزائرية أن “لوبيات المال قد فازوا، ولكن المعركة حول الريع والخلافة لازالت مستمرة”. وأضاف المصدر نفسه أن “هناك العديد من الأطراف الفاعلة في الجزائر التي تدعم حملة مكافحة الأموال القذرة، على غرار الجيش، والذين لازالوا لم يقولوا كلمتهم حيال هذه المسألة. لكن تجدر الإشارة إلى أن جميع القرارات الأخيرة تعود بالأساس إلى بوتفليقة!”
في خضم الأزمة هذه السياسية الصيفية، لم يتردد رئيس حزب “جيل جديد”، المعارض سفيان الجيلالي، في التشكيك في قدرة رئيس الدولة على إدارة شؤون الحكم في الجزائر، متهما المقربين منه باتخاذ القرارات عوضا عنه، علما بأن عن عبد العزيز بوتفليقة لم يصدر أي بيان علني لشعبه منذ سنة 2012”.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن الجيلالي أن حكومة عبد المجيد تبون رفضت أي قرار للاستقالة لا ينبثق عن بيان علني صادر عن الرئيس رسميا. وبالتالي، يجوز له أن ينقض أي محاولة من هذا القبيل بذريعة شغور منصب الرئاسة. وإذا كان يريد أن يكون أكثر جدية، فيمكنه أن يستنكر الاستخدام غير المشروع لأطراف ثالثة للصلاحيات الدستورية”. ومنذ الإعلان عن إقالة عبد المجيد تبون من منصبه، هنأ علي حداد أويحيى قائلا له إنه “مستعد للعمل معه وجميع مؤسسات الجمهورية، في كنف الحوار والتعاون، من أجل بناء اقتصاد قوي قادر على المنافسة”.
المصدر: لوبوان