في خطاب له هذا الأسبوع أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدًا جديدًا: “من الأفضل لكوريا الشمالية ألا تطلق أي تهديد للولايات المتحدة لأنها ستواجه بالغضب والنار”، لترد شبكة KCNA التابعة لحكومة كوريا الشمالية بأن الزعيم كيم جونغ أون سيتابع قليلًا المزيد من الحمق والغباء من الأمريكيين، أو كما عنونت سي إن إن “كيم لترامب: هات ما عندك”.
يعود التصعيد الأخير في اللهجة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى توتر قديم في العلاقات يرتبط بالبرنامج النووي الكوري، على الرغم من تصاعده منذ تولي الرئيس ترامب رئاسته ليصل إلى تهديدات مباشرة من بيونغ يانغ بإعلانها خطة لضرب أربعة صواريخ على بُعد 25 ميلًا من جزيرة غوام في المحيط الهادي التابعة للولايات المتحدة، إذا لم توقف الأخيرة مناورات سنوية تنفذها بالتعاون مع كوريا الجنوبية، فلماذا هذا التوتر بين البلدين؟ وماذا يعني؟ وإلى أين يمكن أن يصل؟
تاريخ البرنامج النووي الكوري
حصلت كوريا الشمالية على تكنولوجيا السلاح النووي في خمسينيات القرن الماضي عندما ساعدها الاتحاد السوفييتي على بناء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة، وفي الوقت نفسه كانت كوريا الشمالية محمية بالسلاح النووي السوفييتي من أعدائها وبالتحديد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 ذهبت هذه الحماية، مما دفع الزعيم الكوري كيم جونغ إل إلى البدء باستخدام المفاعلات النووية لصناعة الأسلحة.
لا يكفي امتلاك كوريا الشمالية لقنبلة نووية حتى تشكل تهديدًا للولايات المتحدة، لأنّها بحاجة إلى صاروخ متطور بعيد المدى قادر على حمل القنبلة إلى مسافات بعيدة
تحرص الولايات المتحدة على عدم امتلاك “دولة مارقة” (Rogue State) مثل كوريا الشمالية للسلاح النووي، وقد واجه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون هذه القضية بالمفاوضات مع كوريا الشمالية، وعلّق الرئيس جورج دبليو بوش المفاوضات وعمد إلى التهديد، فيما اتّبع باراك أوباما سياسة “الصبر الاستراتيجي” (Strategic Patience)، إلا أن نهج كل من الرؤساء الثلاث فشل في إيقاف البرنامج النووي الكوري، فقد امتلكت كوريا الشمالية قنبلة نووية عام 2006.
يؤمن الزعماء من سلالة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية بأن الخيار الوحيد لضمان أمن البلاد امتلاكها سلاحًا نوويًا، وقد رأوا احتلال الولايات المتحدة للعراق وإطاحتها بصدام حسين لاشتباهها في امتلاكه سلاحًا نوويًا، وشهدوا تفاوض الزعيم الليبي معمر القذافي مع الأمريكان للتخلي عن قدراته النووية ليُقتل لاحقًا بأيدي ثوار ليبيين تلقوا دعمًا من حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فالخلاص الوحيد بنظرهم من التهديد الأمريكي امتلاك السلاح النووي.
الرؤساء الكوريين الشماليين
ليست القنبلة كافية: كيف يعمل السلاح النووي؟
لا يكفي امتلاك كوريا الشمالية لقنبلة نووية حتى تشكل تهديدًا للولايات المتحدة، لأنّها بحاجة إلى صاروخ متطور بعيد المدى قادر على حمل القنبلة إلى مسافات بعيدة، لأن إسقاطها بالطائرة غير ممكن، لقدرة الولايات المتحدة وحتى حلفائها على إسقاط هذه الطائرة.
تملك كوريا الجنوبية ترسانة ضخمة من الصواريخ قصيرة المدى ومتوسطة المدى، لكنها ما زالت تعمل على تطوير صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل قنبلة نووية مسافة 15 ألف كيلومتر.
تتكون الصواريخ بعيدة المدى من عدة صواريخ مُركّبة فوق بعضها، يحمل كلّ منها الرأس النووي مسافة ثم يتولى الصاروخ التالي إكمال المسافة المتبقية وهكذا حتى يصل الرأس النووي إلى جو المنطقة المستهدفة وينفجر، وهذه التقنية بالغة التعقيد على الرغم من أن الولايات المتحدة تملك ترسانة ضخمة منها.
وفي ذكرى استقلال الولايات المتحدة، في 4 من تموز/يوليو 2017 جرّبت كوريا الشمالية بنجاح صاروخ هواسونغ 14 (HWASONG-14) بعيد المدى، حلّق الصاروخ مسافة 933 كليومترًا لأربعين دقيقة وسقط في بحر اليابان، ورأى محللون أنه إذا رغبت كوريا الشمالية باستخدام الصاروخ في هجوم حقيقي فإنّها ستوجهه بزاوية أقل تمكّنه من الوصول إلى هدف على بُعد 5500 كيلومتر، ممّا يضع ولاية ألاسكا الأمريكية على مرمى الصاروخ.
إلا أن محللين رأوا من متابعتهم لفيديو إطلاق الصاروخ أنه تعرض لاحتراق وتفكك قبل عودته إلى سطح الأرض، مما يعني أن مهندسي كوريا الشمالية لم يتمكنوا بعد من تصنيع مركبة يمكنها حمل الرأس النووي بأمان عبر طبقات الجو العليا، ويرى محللون أمريكان وخبراء مستقلون حسب واشنطن بوست أن كوريا الشمالية قد تتخطى هذه العقبة في نهاية العام المقبل.
التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية
إلا أن البنتاغون رأى بعد تجربة الصاروخ الكوري الشمالي الجديد أن كوريا الشمالية لا تقدر حتى الآن على حمل رأس نووي على صاروخها الجديد وتمكينه من الانفجار بفاعلية، يُعد هواسونغ 14 صاروخًا بعيد المدى قصيرًا نسبيًا بطول 16.9 متر، ممّا يعني عدم قدرته على حمل قنبلة نووية كبيرة الحجم، إلا إذا تمكّنت كوريا الشمالية من تصغير القنبلة (Miniaturization).
وفي مطلع آب/أغسطس الحالي كشف مسؤولون استخباراتيون أمريكان في تحليل سري أن كوريا الشمالية تمكنت من تطوير رأس نووي مُصغّر قابل للحمل على الصواريخ الكورية بعيدة المدى، ونقلت صحيفة واشنطن بوست أن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية قدّرت عدد الأسلحة النووية التي تملكها كوريا الشمالية بستين سلاحًا، فيما يرى خبراء مستقلون أن العدد قد يكون أقل من ذلك.
ويشير التحليل الاستخباراتي الأمريكي إلى أن من غير المؤكد ما إذا كانت كوريا الشمالية قد جرّبت الرؤوس النووية المصغرة حتى الآن، وزارة الدفاع اليابانية أكدت كذلك في الأسبوع الثاني من أغسطس الحاليّ أن هناك أدلة على تمكن كوريا الشمالية من تصنيع رأس نووي مصغر.
الرّدع النووي والمخاوف الأمريكية
تسعى الدول من خلال امتلاك قنبلة نووية إلى ردع أي هجوم معادٍ عليها لقدرتها على الرد من خلال هذه على أي هجوم، ولذلك تحرص كوريا الشمالية على استعراض تطور ترسانتها من الصواريخ بعيدة المدى، للحفاظ على الردع الاستراتيجي بينها وبين أي هجوم مباشر من الولايات المتحدة أو حلفائها.
وفي المقابل تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض عقوبات على كوريا الشمالية في محاولة لردعها عن مواصلة تطوير برنامجها النووي، ويرى محللون أن استمرار سياسة العقوبات مرهون بتطوير كوريا تقنية قادرة على استهداف الولايات المتحدة مباشرة.
وتواصل كوريا الشمالية تجاربها الناجحة للصواريخ قصيرة المدى للتأكيد على قدرتها على استهداف أعدائها الرئيسيين: اليابان وكوريا الجنوبية و62 ألف جندي أمريكي موجودين على أراضيهما، بالإضافة إلى القواعد الأمريكية القريبة مثل جزيرة غوام التابعة للولايات المتحدة، وتوفر التجارب فرصة لتطوير هذه الصواريخ، فضلًا عن إرسال رسالة سياسية تمنع كوريا الجنوبية واليابان – اللتين لا تملكان أسلحة نووية – من التفكير في مهاجمة كوريا الشمالية بعد رؤية الصواريخ القادرة على تدمير مدن بأكملها.
الرئيس الأمريكي أكد في الوقت نفسه أن بلاده مستمرة في الخيار الدبلوماسي لحل الأزمة مع كوريا الشمالية، لتؤكد الصين أنها ستلزم الحياد في حال بادرت كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ تهدد الأراضي الأمريكية
تعهدت الولايات المتحدة بحماية كوريا الجنوبية واليابان من خلال أكبر ترسانة من الصواريخ بعيدة المدى في العالم، وتفرض لذلك العقوبات على كوريا الشمالية بأمان، إلا أن امتلاك كوريا الشمالية سلاحًا قادرًا على إيصال قنبلة نووية إلى أرض الولايات المتحدة يعني نظريًا أن الإقبال الأمريكي على دعم كل من اليابان وكوريا الجنوبية سيكون أقل، الأمر الذي سيكسر التحالف المُصمّم للإحاطة بكوريا الجنوبية، وستصل آثار التهديد بعيدًا عن شبه الجزيرة الكورية.
دون أي تأخير ستبدأ كل من اليابان وكوريا بتطوير أسلحتهما النووية بهدف حماية نفسهما، الأمر الذي صرّح الرئيس ترامب بأنه لن يُمانعه، مما سيُطلق انتشار الأسلحة النووية (Nuclear Proliferation) الذي تسعى الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية لوقفه.
تملك الآن تسع دول حول العالم أسلحة نووية وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا و”إسرائيل” وباكستان والهند والصين وكوريا الشمالية، فيما تحافظ 190 دولة أخرى على حالة “عدم وجود أسلحة نووية” بعد توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968.
لكن نجاح تجربة كوريا الشمالية لصاروخ بعيد المدى قادر على حمل قنبلة نووية من شأنه أن يُغير هذه المعادلة، فإذا بدأت اليابان وكوريا بالنظر جديًا في تطوير سلاح نووي، سيشجّع ذلك دولًا أخرى مثل السعودية وتركيا لفعل الأمر نفسه.
ليس السلاح النووي وحده ما يحمي كوريا الشمالية
يُشجّع خبراء الولايات المتحدة على فعل ما بوسعها للحيولة دون انطلاق سباق تسلح نووي جديد (Nuclear Arms Race)، وقد ضغط الرئيس ترامب على الصين لتساعد في جهود وقف البرنامج النووي لجارتها الشرقية كوريا الشمالية، تواصل الصين أنشطة تجارية وعلاقات دبلوماسية مع كوريا الشمالية تُبقي النظام الكوري على قيد الحياة عمليًا باعتبارها الشريك التجاري الأول له 90% من التجارة الخارجية.
ولكن السلاح النووي ليس وحده ما يحمي النظام الكوري الشمالي، فهناك أربعة محاذير أخرى.
* تخشى الصين إذا انهار النظام الكوري – بفعل قطع العلاقات التجارية أو هزيمة عسكرية – من موجة عارمة من اللاجئين ستتدفق إلى أراضيها.
* يُعد توحد الكوريتين في حال انهيار نظام كوريا الشمالية تهديدًا كبيرًا للصين من وجود حليف رئيسي للولايات المتحدة في خاصرتها الشرقية، خاصة مع وجود ترسانة نووية ضخمة وجيش مجهز بعتاد ضخم، وثلاثين ألف جندي أمريكي على أرض كوريا الجنوبية.
* تصطف على الحدود مع كوريا الجنوبية أكثر من ثمانية آلاف مدفعية للجيش الكوري الشمالي قادرة على الوصول إلى سيؤول وتدمير منطقة يقطنها 25 مليون إنسان.
* السيناريو الأسوأ هو انهيار النظام في كوريا الشمالية تاركًا فراغًا سياسيًا قد يشبه كابوس العراق أو أفغانستان للصين وحتى للولايات المتحدة.
الملف النووي الإيراني يثير القلق لدى الولايات المتحدة الأمريكية
ترامب والملف النووي لكوريا الشمالية
بعد استعراض ما يمكن أن تؤول له الأمور يُفترض أن الإدارة الأمريكية تتعامل بحذر مع كوريا الشمالية خاصة بعد امتلاكها سلاحًا نوويًا قادرًا حسب التقديرات الاستخباراتية على الوصول إلى الأراضي الأمريكية، وقد تعهد الرئيس ترامب بأنه لن يسمح لكوريا الشمالية بتهديد الولايات المتحدة بأسلحة نووية، وفي مقابلة مع قناة “إم إس إن بي سي” قال مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت مكماستر إن احتمال تسلّح كوريا الشمالية بصاروخ بعيد المدى مُحمّل برأس نووي أمر “لا يمكن التسامح معه من وجهة نظر الرئيس”.
وعلى خلفية إطلاق كوريا الشمالية صاروخين باليستيين عابرين للقارات من طراز هواسونغ 14 من في تموز/يوليو الماضي، انضمت روسيا والصين في 5 من أغسطس الحاليّ إلى بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي في فرض عقوبات اقتصادية جديدة على كوريا الشمالية، تشمل حظر صادرات تُدرّ مليار دولار على كوريا الشمالية سنويًا.
لتعلن كوريا الشمالية خططًا لضرب جزيرة غوام في المحيط الهادي التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي قابله ترامب بتحذير زعيم كوريا الشمالية من “حدث لم ير أحد مثله من قبل”، وأن التحذير الذي أطلقته بيونغ يانغ سيواجه “نارًا وغضبًا لم يرهما العالم قط”.
بيد أن الرئيس الأمريكي أكد في الوقت نفسه أن بلاده مستمرة في الخيار الدبلوماسي لحل الأزمة مع كوريا الشمالية، لتؤكد الصين أنها ستلزم الحياد في حال بادرت كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ تهدد الأراضي الأمريكية وردّت الولايات المتحدة، إلا أنها تعهدت في الوقت نفسه بأنها ستمنع أي محاولة أمريكية أو كورية جنوبية للإطاحة بالنظام الكوري الشمالي وتغيير النظام السياسي في البلاد، فيما قالت طوكيو إن قواتها ستعترض أي صاروخ كوري شمالي متجه صوب جزيرة غوام الأمريكية، لأن أي تهديد لتلك الجزيرة يعتبر تهديدًا لليابان ووجودها.
وفي خضم هذه التطورات، ووسط انقطاع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين واشنطن وبيونغ يانغ، ذكرت وكالة أسوشييتد برس نقلًا عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أن جوزيف يون مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لسياسات كوريا الشمالية عقد لقاءات منتظمة لشهور مع باك سونغ إل المسؤول الكبير من بعثة كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة.
كانت واشنطن قد تفاوضت مع بيونغ يانغ على إطلاق سراح أوتو وامبير الطالب الأمريكي الذي كان قيد الاعتقال في كوريا الشمالية وتوفي بعد إطلاق سراحه في حزيران/يونيو الماضي، وحسب تقرير أسوشييتد برس، فإن قنوات الاتصال الخلفية التي بدأت بعد مفاوضات ترامب بشأن الطالب الأمريكي، استمرت حتى يومنا هذا.
تقول الوكالة إن خطوط الاتصال الخلفية الموجودة قد تشكل أساسًا لمفاوضات أكثر جدية، تتضمن الأسلحة النووية، أُغلقت “قناة اتصال نيويورك” في يوليو 2016، عندما فرضت إدارة الرئيس أوباما عقوبات على بيونغ يانغ، إلا أن المحادثات التي بدأتها إدارة ترامب قد أعادت إحياء هذه العملية، الأمر الذي يبدو غريبًا وسط تبادل التهديدات العلنية بين زعيمي البلدين.
البعض يعد الزعيم الكوري مجنونًا، ممّا يجعل الرأي العام يخافه، إنّه ليس مجنونًا وليس انتحاريًا أيضًا، وليس حتى شخصًا غير متوقع
وترى جيني تاون الخبيرة في الشؤون الكورية في كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة أن لقاءات يون وباك تركّز في الغالب على مصير مواطنين أمريكان ثلاث محتجزين لدى كوريا الشمالية، وعلى المخاوف الأمنية المتنامية في ظل وجود توتر بين البلدين.
ويأمل البلدان أن تضع الاتصالات غير الرسمية أرضية لمحادثات دبلوماسية، الأمر الذي أعلنت إدارة الرئيس ترامب أنها ستكون مهتمة به، فقد صرح ترامب من إجازته في ملعب الغولف بأنه “سيكون دائمًا جاهزًا للنظر في المفاوضات”.
إلا أن حديث ترامب عن “الغضب والنار” قد يؤدي إلى انهيار قناة الاتصال الخلفية حسب تاون، التي ترى أن فقدان الكوريين الشماليين للثقة في الأمريكان قد يؤذي قناة الاتصال الخلفية ويؤدي إلى امتناع المسؤولين الكوريين عن لقاء المبعوث الأمريكي يون.
وكما أدت عقوبات الرئيس أوباما إلى انهيار قناة الاتصال الخلفية في نيويورك في العام الماضي، قد تحدث تصريحات الرئيس ترامب الهجومية الأثر نفسه هذا العام، وقد يعني ذلك خسارة أداة مهمّة لمنع حرب الكلمات بين البلدين من التصاعد إلى ما هو أسوأ.
هل هناك مبالغة في تقدير تهديد كوريا الشمالية؟
على الرغم من التقديرات الاستخباراتية للقدرة النووية لكوريا الشمالية، إلا أن خبراء أمريكيين كبارًا حذروا من خطر المبالغة في تقدير التهديد، يرى سيغفريد هيكر المدير الفخري لمكتبة لوس ألاموس الوطنية والمسؤول الأمريكي السابق عن تفتيش منشآت كوريا الشمالية النووية، أن حجم الترسانة النووية التي بحوزة بيونغ يانغ لا يتجاوز 20-25 قنبلة على أكبر تقدير، وحذّر هيكر من المخاطر المحتملة من تضخيم الزعيم الكوري.
زار هيكر كوريا الشمالية سبع مرات بين عامي 2004 و2010، والتقى قادة رئيسيين لبرنامج التسليح. يقول هيكر: “إن البعض يعد الزعيم الكوري مجنونًا، ممّا يجعل الرأي العام يخافه. إنّه ليس مجنونًا وليس انتحاريًا أيضًا. وليس حتى شخصًا غير متوقع”. مضيفًا أن التهديد الحقيقي هو تورط الولايات المتحدة بحرب نووية على شبه الجزيرة الكورية.
بالغت الاستخبارات الأمريكية في السابق بتقدير التهديد الكوري الشمالي. وفي مطلع العقد الماضي قدّرت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش أن بيونغ يانغ كانت قاب قوسين أو أدنى من تطوير صاروخ بعيد المدى قادر على استهداف الأراضي الأمريكية. التقدير الذي لم يثبت حتى الآن. ومؤخرًا، يُفاجأ محللون وسياسيون مرارًا من تمكّن كوريا الشمالية من إحراز تقدم في شهور أو سنوات قبل الموعد المتوقع، حسب جيفري لويس مدير برنامج الحد من انتشار الأسلحة النووية لشرق آسيا في مركز الحد من انتشار الأسلحة النووية.
كانت هناك كذلك شكوك بشأن قدرات الصين النووية في ستينيات القرن الماضي، حسب لويس، الذي درس مسعى الصين لإجراء تجربة نووية ناجحة في عام 1964. يعتقد لويس أنه ليس هناك سبب للاعتقاد بأن كوريا الشمالية لم تحرز تقدمًا بعد إجرائها عددًا من التجارب الناجحة لانفجارات نووية. ويقول: “إن السؤال الأهم هو كيف يمكننا التعامل مع روسيا على نحو مختلف عن تعاملنا مع الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ستالين أو الصين تحت حكم ماوتسي تونغ؟ تجرب كوريا أسلحتها بسريّة، لذلك لن يمكننا الحصول على الكثير من التفاصيل. ولكن، يبدو أن كثيرين يصرون على وجود مستويات مستحيلة من الأدلة لأنّهم ببساطة لا يرغبون بقبول الحقيقة التي يفترض أنها باتت واضحة”.