تزايدت حالات دخول النساء العراقيات إلى عالم الإجرام بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ما يثير المزيد من القلق بشأن الأمن العام والاستقرار الاجتماعي في العراق، إذ ارتكبت النساء جرائم متعددة شملت السطو المسلح والخطف والانضمام إلى شبكات تجارة المخدرات.
يعد هذا التحول الملحوظ في سلوك النساء مؤشرًا على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها هذه الشريحة المهمّة، والتي تتطلب تحليلًا عميقًا للأسباب والتداعيات، بالإضافة إلى البحث عن سبل فعالة للقضاء على هذه المشكلة المتفاقمة.
الأسباب والدوافع
يرى العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالعراق الدكتور علي البياتي، أن من أبرز العوامل التي تدفع بعض النساء إلى مثل هذه الممارسات هو الفقر والبطالة وعدم الاستقرار، فضلًا عن الرغبة بالانتقام والثأر والمشاكل العشائرية الموجودة.
ويضيف في حديثه لموقع “نون بوست” أن معظم المتورطات انخرطن في هذا المجال تحت ضغوط الإكراه والابتزاز والتهديد الذي تمارسه العصابات الموجودة خاصة في المناطق غير المستقرة.
ويبيّن أن تأثيرات الحروب وإدمان المخدرات والكحول، بالإضافة إلى عامل الفضول والمغامرة أحيانًا، والحرية المطلقة عند البعض، وكل ما سبق هي عوامل اجتماعية ونفسية تلعب دورًا بكل تأكيد في دفع النساء إلى عالم الجريمة.
يؤكّد البياتي كذلك أن كل ذلك نتاج المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والعوامل النفسية كالاكتئاب والقلق والشعور بالخوف والضعف والاستسلام للضغوطات التي تمارسها هذه العصابات، سواء بسبب عامل القرابة أم الصداقة، بالإضافة إلى الولاء والتبعية لهذه العصابات بهدف الحصول على امتيازات معيّنة.
ويشير إلى تحديات تتعلق بالعادات والتقاليد الدخيلة والمفاهيم الدينية وكذلك بطبيعة القوانين والتشريعات وعمل المؤسسات والتي عادة لا تحمي النساء ولا تعاقب من يعتدي عليهن ابتداءً من داخل البيت إلى الشارع والوظيفة.
نفّذت الجهات الأمنية العراقية عدة عمليات طالت العصابات النسائية في العاصمة بغداد والمحافظات خلال الأسابيع الماضية، آخرها اعتقال عصابة مكونة من 4 نساء ورجل احتجزوا فتاة بغرض المتاجرة بها في بغداد.
كشفت وزارة الداخلية العراقية في 11 يناير/كانون الثاني الحاليّ، أن “مفارز مديرية مكافحة إجرام بغداد التابعة لوكالة شؤون الشرطة تمكنت من إلقاء القبض على أربع متهمات ورجل احتجزوا فتاة داخل دار ضمن منطقة السيدية ببغداد”.
وقبل ذلك أعلنت الوزارة الإطاحة بعصابة للاتجار بالبشر مكونة من 4 متهمين بينهم ثلاث نساء في منطقة البياع ببغداد، فضلًا عن عمليات أخرى أدت إلى تفكيك الكثير من هذه العصابات.
تداعيات كارثية
يقول الباحث النفسي والاجتماعي الدكتور أحمد مهودر، إن مشكلة دخول النساء إلى عالم الجريمة آخذة بالازدياد في السنوات الاخيرة، وهو أمر طارئ على بنية وطبيعة ونوع العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع العراقي العشائري المحافظ.
وفي حديثه لـ”نون بوست” نوه مهودر إلى أن سمات المجتمع العراقي وخصوصيته كانت تمنع ولفترات طويلة حدوث هكذا مشكلات ولم تكن هنالك نساء ينخرطن في الجريمة إلا في حالات نادرة، بينما الآن بدأت هذه الحلقة تتسع بشكل كبير.
يحذّر الباحث الاجتماعي من التأثيرات السلبية الخطيرة التي يمكن أن يعكسها انخراط النساء في عالم الجريمة على أمن المجتمع عبر مستويات الجريمة وتعقيد التحديات الأمنية خصوصًا أن المرأة هي نصف المجتمع بل هي المجتمع بأكمله.
ويشدد مهودر على خطورة دخول المرأة إلى مستنقعات الجريمة وتأثيرات ذلك على تنشئة الأجيال والآثار الاجتماعية الخطيرة لتورط النساء في الجرائم بما يضرّ هيكل المجتمع وقيمه، فضلًا عن زيادة الضغوط الاجتماعية وتدهور العلاقات داخل المجتمع العراقي باعتبار أن المرأة عنصر فاعل في بناء المجتمع.
ويضيف بأن هذه المشكلة ستكون لها تأثيرات وخيمة خاصة على الأسرة وعلى الأطفال، من خلال زيادة حالات الانحراف داخل هذه الأسر، ما يسهم في تشويه البيئة الأسرية.
ويدعو هويدر إلى تعزيز التوعية والتعاون بين قطاعات المجتمع ومؤسسات الضبط الاجتماعي من أسرة ومدرسة والدوائر الحكومية المعنيّة للعمل على حماية المرأة من دخول عالم الإجرام، والحدّ من التأثير السلبي لهذه الظاهرة.
ويعرب عن اعتقاده بأنه في حال توافّرت فرص التعليم والعمل للنساء والتمكين والعدالة الاجتماعية، فإن ذلك من شأنه أن يقلل من مستويات التورط في هذه الجريمة وتحسين المجتمع بشكل عام.
ويختم هويدر حديثه بالتطرّق إلى أهمية إعداد برامج خاصة لتأهيل وإصلاح النساء المتورطات في الجرائم، وإعادة إدماجهن في المجتمع وتوعيتهن وإيجاد فرص تناسب قدراتهن من أجل أن يصبحن فاعلات وإيجابيات في المجتمع.
تدمير المجتمع
تشير التقارير إلى أن سجون النساء في العراق تعج بالكثير من المتورطات بجرائم استدراج الشباب وقتلهم، والسطو المسلح والخطف وشبكات ترويج المخدرات والمتاجرة بالأعضاء البشرية وغير ذلك من الجرائم الخطيرة.
يرى الكاتب والباحث الاجتماعي العراقي علاء الوردي، أن “المرأة عرضة لذات التأثيرات المادية والنفسية التي تداهم الرجل، وعملية انخراطها في الجريمة تؤشر إلى قصور بنيوي في تشكيل البنى الاجتماعية لأي بلد كان”.
ويبيّن في حديثه لـ”نون بوست” بأن أهم أثر مباشر على انخراط المرأة في عالم الجريمة، هو التخلخل التام لهيكل العائلة، ما يفضي إلى تدمير المجتمع برمته، مؤكدًا أن هناك تأثيرًا مباشرًا على الأطفال، فالمرأة تمثل الرمز الحقيقي للعاطفة، وسقوطها يعني غياب عنصر من عناصر تشكل شخصية الطفل.
مبادرات وحلول
من جانبه يؤكد الخبير الأمني الدكتور قحطان الخفاجي، على أهمية دور المجتمع والحكومة في توفير فرص اقتصادية واجتماعية للنساء لتأمين الحياة السعيدة الطبيعية، وبالتالي تنأى المرأة بعيدًا عن الطرق الملتوية للحصول على قوتها اليومي.
وينتقد في حديثه عدم وجود برامج أو مبادرات حقيقية في السجون بهدف إعادة تأهيل النساء المتورطات بجرائم، بل بالعكس تمامًا هناك انحرافات داخل السجون وهناك المخدرات والابتزاز وغيرها.
ويعرب الخفاجي عن اعتقاده بوجوب اتخاذ ثلاث خطوات لمنع توريط النساء والرجال في الجرائم، أولّها التثقيف العام أو الإعداد المجتمعي العام، ومن ثم سن القوانين الصارمة المنطقية، والتطبيق العادل والصارم للقوانين.
ويرى الخفاجي ضرورة محاسبة المتورطات بمثل هذه الجرائم وفق القانون ودون تمايز، بعيدًا عن الاعتبارات العشائرية وغيرها.
ويشدد الباحث على دور المجتمع والحكومة وواجبها تجاه تأهيل عموم المجتمع بكل فئاته من خلال عملية التثقيف والتنشئة السليمة والتوعية والتحذير من المحاذير وإعطاء صور المآلات التي قد يصل لها من يسلك الطريق السيئ، والمحاسن التي يحصل عليها الإنسان عندما يسلك طريق النجاح.
ويضيف بأن عملية الثقة بالنفس يجب أن تُزرع في المواطن العراقي، ومن الضروري أن تتخذ الحكومة إجراءات تُدلل على ضمان حقوق المواطن وتوفير الحياة الكريمة له.
ويحذر من أن استمرار الواقع السيئ دون معالجة وحلول من الحكومة والمجتمع، فإن ذلك قد يتولد عنه انخراط الكثير من النساء والرجال على حد سواء في تلك العصابات والانزلاق نحو الانحراف.
يذكر أن مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية، العميد نبراس علي، أكد في تصريحات سابقة بأن الوزارة اتخذت إجراءات عديدة، ابتداءً من مراقبة المشكلات الاجتماعية وبحث أسبابها ومحاولة إيجاد الحلول الجذرية لها.
ويلفت المسؤول العراقي إلى نجاح تشكيلات الوزارة في تنفيذ عمليات إلقاء القبض بوقت قياسي، فضلًا عن التعاون المستمر بين المواطنين والشرطة لمعالجة المشاكل التي تحصل، واعتقال مرتكبي هذه الجرائم.