ظهر الأحد الثالث عشر من الشهر الحالي، فاجئ الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في خطاب ألقاه بقصر قرطاج، بمناسبة العيد الوطني للمرأة، الكثيرين بقوله: إن “المساواة بين الرجل والمرأة التي أقرها الدستور التونسي يجب أن تشمل جميع المجالات بما فيها المساواة في الإرث”، كما أعلن عن نيته طلب تغيير قوانين أخرى، من ضمنها المساواة في اختيار الزوج، داعيًا رئيس الحكومة ووزير العدل إلى مراجعة المنشور رقم 73 الذي يمنع زواج التونسية من أجنبي إذا لم يشهر إسلامه لدى المفتي، ما أثار جدلًا كبيرًا في البلاد، جعل البعض يتساءل عن أولويات المرأة التونسية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس.
المساواة في الميراث
الباجي قائد السبسي اعتبر أن “الإرث ليس مسألة دينية وإنما تتعلق بالبشر، وأن الله ورسوله تركا المسألة للبشر للتصرف فيها”، معلنًا عن تكوين لجنة لدراسة مسألة الحقوق الفردية وتفعيلها، والنظر في المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، مبديًا ثقته في ذكاء التونسيين، على حد تعبيره.
وعاضده في ذلك دبوان الافتاء بالجمهوية التونسية الذي قال في بيان له إن السبسي “أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين وهو الأب لنا جميعا بما أوتي من تجربة سياسية كبيرة وذكاء وبعد نظر”. وتابع الديوان في بيانه مؤيدًا توجهات السبسي: “في خطابه الأخير بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية كان كالعادة رائعا في أسلوبه المتين وكانت مقترحاته التي أعلن عنها تدعيما لمكانة المرأة وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات”.
ولا تعد الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي جديدة على تونس، فمنذ سنوات والجدل دائر هناك، بشأن قضية مساواة المرأة بالرجل في الميراث، والمعروف أن المرأة التونسية ورغم الحقوق الواسعة التي تتمتع بها مقارنة بنظيراتها في عدة دول عربية وإسلامية أخرى، فإن القانون التونسي للإرث مستمد من الشريعة الإسلامية ولم تشمله التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية الصادرة عام 1956.
جدل كبير
هذه المبادرة التي أعلن عنها رئيس تونس أحدثت جدلا كبير في تونس وصل صداه إلى الخارج، إذ عبّر عديد التونسيين عن رفضهم المطلق لها على اعتبار أن مثل هذه المبادرات ضرب لحقوق المرأة، إذ أن هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا، وحالات ترث فيها أكثر منه، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل.
ينص الفصل 21 على: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز
مقابل مباركة فئة أخرى للمبادرة معتبرينها جزءًا من حق المساواة الذي ينص عليه الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية، على اعتبار أن عدم المساواة في الإرث بين الجنسين يعد نوعًا من أنواع الاستغلال الاقتصادي للمرأة. وينص الفصل 46 من الدستور التونسي الجديد: “تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها، تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات، تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة”، فيما ينص الفصل 21 على: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز“.
في هذا الشأن كتب السياسي التونسي محمد الهاشمي الحامدي تدوينة على صفحته الخاص في موقع تويتر جاء فيها “الفكر الإصلاحي التونسي (الإصلاحي المزعوم) لا يعارض الزنا ولا زواج الرجل بالرجل لكنه يعارض تعدد الزوجات وأحكام الميراث في القرآن الكريم.”
الفكر الإصلاحي التونسي (الاصلاحي المزعوم) لا يعارض الزنا ولا زواج الرجل بالرجل لكنه يعارض تعدد الزوجات وأحكام الميراث في القرآن الكريم#تونس
— محمد الهاشمي الحامدي (@MALHACHIMI) August 17, 2017
في نفس السياق كتبت التونسية شيماء الشيخاوي تدوينة في حسابها الخاص في الفيس بوك، قالت فيها، “في ظلّ تحريف حكم الله في #الميراث و التجرّأ عليه: أنا #إمرأة و ضدّ #المساواة “بين الرّجل و المرأة في الميراث ، قال تعالى”يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
وتعد تونس في وجهة نظر البعض من أهم الدول العربية إنصافًا واهتمامًا بالمرأة وذلك منذ عام 1956، فقانون الأحوال الشخصية وإلغاء تعدد الزوجات والسماح للمرأة بطلب الطلاق هو قانون لا يزال حتى الآن يشكل استثناءً في العالم العربي إلى حد كبير – عند العلمانيين العرب-، فلطالما كان لتونس سياسيات تعمل على المساواة بين الجنسين، إذ أمسكت .تونس بزمام المبادرة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة كانعكاس مباشر للتيار المنبهر بالغرب الذي قاد تونس عقب الاستقلال
أولويات المرأة التونسية
لئن مثّلت هذه المبادرة إحدى أهم المطالب التي تسعى فئة من التونسيات لإقرارها في البلاد، فإنها لا تعكس بالضرورة أولويات التونسيات بمختلف طوائفهم، إذ اعتبر العديد من التونسيين أن دعوة رئيس الجمهورية إلى المساواة في الميراث بين الجنسين والسماح للتونسية المسلمة بزواج غير المسلم لا تجسد أولويات المرأة التونسية بشكل كبير
وترى منظمة العفو الدولية أنه ما زال أمام المرأة في تونس الكثير من الخطوات للوصول إلى تحقيق حقوقها الكاملة، إذ أفاد تقرير المنظمة الدولية لعام 2016/2017 أن المرأة تعاني من التمييز في القانون والواقع الفعلي، وتفتقر إلى الحماية الكافية من العنف بسبب النوع.
وأظهرت دراسة تونسية أعدت في وقت سابق أنّ العنف المسلط على النساء لم يعد مجرد حالات معزولة أو استثناء بل أصبح ظاهرة خطيرة إلى درجة أن تكرارها شبه يومي مع اختلاف المكان والزمان، وأوضحت الإحصائية التي أعدتها منظمة الكرديف ووزارة المرأة أنّ نصف النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و60 سنة تعرضن للعنف مرّة على الأقل من أزواجهن، وأن 70% من النساء تعرضن للعنف بأنواعه سواء المادي أو الجنسي أو كذلك الاقتصادي.
ورغم القوانين الخاصة بالمرأة في تونس، والتي تعتبر استثنائية مقارنة بباقي الدول العربية، فإن المرأة التونسية مازالت تعاني العديد من النقائص، من حيث الحماية الاجتماعية أو التشغيل الهشّ وكذلك ارتفاع نسب الأمية وارتفاع عدد النساء اللاتي لا يمتلكن بطاقات هوية ما منعهم من التمتع بحقهم في المشاركة في الانتخابات التي شهدتها تونس منذ الثورة، ويتوجّب على القائمين على الدولة وفق حقوقيين الاعتناء بهذه الوضعيات عوض التركيز على مسائل ثانوية، حسب قولهم.