ترجمة وتحرير نون بوست
في ظل الموسم الأدبي الحالي، تزدان المكتبات بما لا يقل عن 581 رواية جديدة، يتحدث بعضها عن الأكوان المتوازية التي من المحتمل أن نعيش فيها قريبا.
يُعد الموسم الأدبي الحالي بمثابة حديقة غنية بعدة أنواع نادرة من الكتب. وفي الأثناء، يُمكنك العثور على كل الكنوز الأدبية، بما في ذلك قصص الحب فضلا عن العودة على الأخبار المتفرقة، والسيرة الذاتية الخيالية، والمنوعات المتعلقة بالمستجدات على الساحة العالمية، بالإضافة إلى الملاحم العظيمة والحروب والهجرة، والكتب العلمية. ولعل أبرز ما يشد الانتباه خلال موسم 2017، وجود العديد من الكتب التي تتحدث عن المستقبل، سواء من خلال التعبير عن الواقع المرير، أو التكهن بالتطورات المحتملة في مجال العلوم والتكنولوجيا.
في حقيقة الأمر، استغلت الروايات هذه المناسبة الأدبية الرائعة للانتقال بالقارئ إلى عالم مواز والقيام بنقلة نوعية، في مجال القص تحديدا، مما فتح المجال أمام نظرية “تعدد الأكوان” المجنونة والمثيرة للاهتمام في الآن ذاته. عموما، يتم الخوض في هذه المواضيع بأقلام كتاب ليسوا معتادين بالضرورة على هذا النوع من الروايات.
في هذا الإطار، كان لسويسرا حضور بارز من خلال هذه الروايات. فقد انخرط للمرة الأولى الكاتب السويسري الألماني مارتن سوتر (صاحب رواية “فيل”)، الذي تعوًد على قصص الرعب أكثر من روايات التنبؤ، على غرار الكاتبة أود سانيي، في كتابة هذا النوع من الروايات .وفي الأثناء، تطرق كلاهما إلى اكتشاف مستقبلنا برقة وقوة في الوقت ذاته.
فضلا عن ذلك، بادر كل من ماري داريوسيك (صاحبة كتاب “حياتنا في الغابات”) ودون ديليلو بالغوص في أعماق هذه العوالم الموازية، حيث تملي علوم متقدمة جدا قوانينها، في حين اختص إيمانويل روبن (صاحب كتاب “تحت ثعابين السماء”) في الخيال الجيوسياسي. في الحقيقة، كانت أولى الكتابات لبعض الروائيين تختص في هذا المجال. ولعل أبرز دليل على ذلك الرواية المتميزة لتوماس فلاهو، الذي تخرج حديثا من المعهد الأدبي في مدينة بيان السويسرية. وتصور هذه الرواية، التي تعتبر أولى مؤلفات هذا الشاب والتي صدرت تحت عنوان “اوستوالد”، منطقة الألزاس تحت تأثير حادث نووي كبير.
الفيل الوردي الصغير لمارتن سوتر
تدور أحداث الرواية الجديدة لمارتن سوتر “فيل”، (للناشر كريستيان بورجوا)، حول فيل صغير وردي اللون ومشع، يبلغ عرضه أربعين سنتيمترا وطوله ثلاثين سنتيمترا. ويُعد هذا المؤلف، الذي كتب عشرات الروايات والذي ينحدر من زيوريخ (البالغ من العمر 69 سنة) من بين الكتاب السويسريين الذين يُقبل القراء على مطالعة مؤلفاته بلهفة. وقد ترجمت العديد من مؤلفاته إلى لغات عديدة، علما وأن بعضها قد جسد من خلال أفلام سينمائية.
تعتمد هذه الكاتبة أسلوبا لينا للغاية للتعبير عن الواقع المرير، في هذا الموسم الأدبي. وقصت أود سانيي، أصيلة جنيف والبالغة من العمر 32 سنة، حيثيات رحلتها ضمن “أخبار الغرب البدوي”.
في حين ناقش ضمن روايته السابقة التمويلات المالية الهائلة نسج هذا الشاعر الغنائي (الذي كتب لصالح ستيفان إيشر) حكاية انطلاقا من فرضية علمية ممكنة ولكنها لم تتحقق بعد. وتتمثل هذه الفرضية في “خلق” حيوان قزم ذو لون مشع عن طريق التلاعب الجيني. علاوة على الشخصيات المرسومة بدقة والتشويق المبهر، يكمن تميز الرواية في فكرة هذا الفيل المصغر، الذي يختزل في حد ذاته التناقضات العنيفة لعملية التلاعب الجيني.
عموما، تتجلى هذه التناقضات من خلال الشعور بالرعب إزاء فكرة القدرة على تحويل الكائنات الحية بطريقة إرادية والإحساس بالانبهار أمام هذه الحياة الجديدة والمثيرة للدهشة (أي بعد عملية التحول). ويسمح كتاب “فيل”، الموثق بالاعتماد على أحدث التطورات في مجال علم الوراثة وعلم سلوك الفيلة، بالتفكير في مكانة المقدسات وحدود السلطة المطلقة للإنسان، (سيُنشر هذا الكتاب يوم 24 آب/أغسطس).
أود سانيي وتعطل الإنترنت
تعتمد هذه الكاتبة أسلوبا لينا للغاية للتعبير عن الواقع المرير، في هذا الموسم الأدبي. وقصت أود سانيي، أصيلة جنيف والبالغة من العمر 32 سنة، حيثيات رحلتها ضمن “أخبار الغرب البدوي”. كما غاصت في الماضي والحاضر السوري عبر شخصية الباحثة في “ثلوج دمشق”. فضلا عن ذلك، تحدثت سانيي مرة أخرى عن المستقبل القريب جدا، من خلال “كتابها الذي يحمل عنوان “نسيج واسع مثل العالم” (صدرت كتبها الثلاثة عن دار النشر “زوي”).
في الحقيقة، تتناول الرواية العالم الكلي، كما تُصور وضعية المبحرين على الإنترنت في الوقت الراهن. وفي هذا الصدد، تنتمي جميع شخصيات الرواية من الشباب إلى رواد شبكة الإنترنت، بغض النظر عن الهدف من ذلك، على غرار بيع المنتجات الحيوية عبر شبكة الإنترنت، أو لكونهم “مديرين لشبكات التواصل الاجتماعي”، أو نجوم ألعاب الفيديو، أو مطورين، أو مشرفين على الحاويات في ميناء عملاق أو نشطاء بيئيين.
وفي الأثناء، تصف الكاتبة حياة شخصياتها، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعالم الافتراضي، بكل دقة. ويُعد ذلك أمرا مثيرا، حيث تسعى هذه الشخصيات إلى التغيير والقيام بثورة أو ربما تكون مهووسة بالانجذاب نحو الفراغ. وقد انخرطت تلك الشخصيات في مشروع مجنون، يتمثل في إحداث عطب على مستوى الإنترنت في جميع أنحاء العالم. ولكن، هل سيكون ذلك بمثابة حلم أم كابوس؟ (ستنشر الرواية في 24 من آب/أغسطس).
ماري داريوسيك تُبلور ثورة الاستنساخ
بعد رواية “حياتنا في الغابات”، عادت مؤلفة “الحقائق البديهية” إلى إثارة موضوع التغيرات الجسدية الهائلة. ولا يتعلق الأمر في هذه الرواية بالتحول إلى خنزير، وإنما براوية يتهاوى جسدها في شكل أشلاء، وسط عالم تكثر فيه الازدواجية المقلقة. وتتناول الرواية قصة شابة متخصصة في علم النفس تعيش داخل عالم مضطرب ينتشر فيه التلوث والعنف الاجتماعي، علما وأن ماري داريوسيك (48 سنة) كانت قد تلقت تدريبا في مجال علم النفس.
اخترع الكاتب أحد أكبر مراكز الأبحاث السرية، “صفر كاف”، حيث تضع التكنولوجيا المتطورة جدا على ذمة عملائها فرصة تحويلهم إلى “مخلوقات عينات”، في انتظار التطورات العلمية القادرة على إحيائهم في شكل “بشر خالدين”.
عموما، تبدو كل أحداث الرواية متأثرة بهذه الازدواجية، بالمعنى الحرفي والمجازي. فمنذ أن كانت طفلة، داومت الراوية على أداء زيارات منتظمة للمركز الذي ينام فيه “نصفها” الغامض، الذي تُطلق عليه اسم ماري. ويتمتع هذا النصف بملامح الشخصية الرئيسية عيناها، ذلك أنه يبدو في صورة امرأة شابة وجميلة ترقد بسلام. في الحقيقة، يُعد هذا النصف بمثابة “جسد احتياطي” لتوفير مختلف أعضاء الجسم في حال احتاجت البطلة لأي عضو ما إثر الإصابة بمرض خطير.
في المقابل، هناك أمر يُؤرق الراوية، يتمثل في تعلقها بماري فضلا عن أحد مرضاها، الذي همس لها، على امتداد حصتي علاج رفض خلالهما التكلم، أنه يجب الرحيل قريبا والاختفاء والالتحاق بالغابات… (ستنشر الرواية يوم 24 آب/أغسطس 2017).
دون ديليلو يسعى للخلود
يُعتبر دون ديليلو، الذي يبلغ من العمر 81 سنة، روائيا شهيرا، عمد إلى تناول الواقع الأمريكي بشكل لصيق. ومن خلال هذه الرواية، يتجول الكاتب برشاقة بين كوابيس أبناء وطنه، حيث تطرق إلى أحداث 11 من أيلول/سبتمبر وظاهرة الإرهاب والاغتيالات السياسية. وفي روايته الأخيرة “صفر كاف”، التي ستُصدرها دار “أكت سود” للنشر، أشار ديليلو إلى حلم الخلود الذي يُراود بعض الشخصيات الثرية.
في هذا السياق، اخترع الكاتب أحد أكبر مراكز الأبحاث السرية، “صفر كاف”، حيث تضع التكنولوجيا المتطورة جدا على ذمة عملائها فرصة تحويلهم إلى “مخلوقات عينات”، في انتظار التطورات العلمية القادرة على إحيائهم في شكل “بشر خالدين”. ومن هذا المنطلق، طلب روس لوكهارت، الملياردير وصاحب أسهم في هذا المركز، توظيف هذه التكنولوجيا المتطورة لإيجاد حل لزوجته التي تُعاني من مرض عضال. ولكن، ابنه شكك بقوة في هذا الخيار اليائس. (ستنشر يوم سبعة أيلول/سبتمبر)
إيمانويل روبن والحاجز الضخم “لمكافحة الإرهاب”
بالإضافة إلى كونه روائيا، كان إيمانويل روبن، الذي ولد سنة 1980، رساما وعالما في مجال الجغرافيا أيضا. وبالتالي، يبدو ولعه بالجيوسياسية الخيالية منطقيا تماما. وتدور أحداث رواية “تحت ثعابين السماء”، التي تصور جدارا اسمنتيا يفصل بين الغرب والشرق، يطلق عليه اسم “الجدار الشرقي”، في سنة 2050.
يُعتبر هذا الجدار أحد أقسام الحاجز الضخم المناهض للإرهاب الذي شُيد سنة 2020. ويحول “بينكم وبيننا” أو “بين الشرق الذي هجره الأمل والغرب الذي هجره الإيمان”، كما تقول إحدى شخصيات الرواية الأجانب. وتُوجه هذه الشخصية حديثها إلى راو آخر يُدعى وليد وهو شهيد توفي قبل عشرين سنة، في سن الخامسة عشر. وقد كان وليد يصنع طائرات ورقية تحمل بدورها طائرات دون طيار لمهاجمة “بلد الطائرات”.
تسرد الرواية حكاية شقيقين، فيليكس وفيلكس، اللذان كانا في بادئ الأمر محاصران من قبل قوات الأمن في مخيم للاجئين، قبل أن يتمكنا من الفرار من هذه المنطقة المعزولة.
في الواقع، تصف الرواية مشهدا يخترق فيه العنف الجيش الدفاعي وغير المجدي الغربي من ناحية، في الوقت الذي تكثر فيه “نتوءات” الإرهابيين والقتلة من ناحية أخرى. وفي منتصف الرواية، تتجسد معاناة المدنيين من كلا الجانبين. في المقابل، يبدو الجدار بصدد التهاوي والانهيار. ولكن، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ (نُشرت يوم 16 أغسطس/آب).
توماس فلاهو يُفجر فسهايم
وُلد توماس فلاهو في مونت بيليه سنة 1991، وقد استوحى روايته الأولى “لوزان”، من مسقط رأسه. أما أحداث “اوستوالد” (الصادرة عن دار نشر “أوليفييه”) فتدور في منطقة الألزاس وتحديدا في إقليم بلفور، في المناطق الحدودية السويسرية. وفي الأثناء، تقع هذه المناطق فريسة اضطراب هائل. فعلاوة على الزلازل الاجتماعية التي يُصورها، يسرد توماس فلاهو تفاصيل حادث نووي هائل، يهز أوساط منطقة فسهايم، حيث تجد المنطقة نفسها معزولة تماما ومحاطة بالجنود، على غرار منطقتي تشيرنوبيل وفوكوشيما.
على العموم، تسرد الرواية حكاية شقيقين، فيليكس وفيلكس، اللذان كانا في بادئ الأمر محاصران من قبل قوات الأمن في مخيم للاجئين، قبل أن يتمكنا من الفرار من هذه المنطقة المعزولة. فبين ذعر البعض والفوضى التي شابت البعض الآخر، تمتع هذان الأخوان برحلات استثنائية ومروعة. (ستنشر يوم 24 آب/أغسطس 2017).
المصدر: لوتون