ترجمة وتحرير نون بوست
وفقا لما ورد في مسودة تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اقترف التحالف العسكري الذي تقوده المملكة السعودية، الذي ما فتئ يشن غارات جوية في اليمن، العديد من “الانتهاكات الجسيمة” لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتهاكات التي طالت الأطفال الصغار خلال السنة المنصرمة قد أسفرت عن مصرع 502 طفل وإصابة 838 آخرين.
في الحقيقة، “لا يزال قتل الأطفال والتسبب في إصابتهم بتشوهات أكثر انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن تفشيا. وخلال الفترة التي عاد عليها التقرير، مثلت الهجمات الجوية السبب الرئيسي وراء أكثر من نصف الإصابات في صفوف الأطفال، حيث لقي 349 طفلا على الأقل حتفهم وجُرح 333 آخرون”، وذلك وفقا لمسودة التقرير الذي يتكون من 41 صفحة والذي حظيت به مجلة “فورين بوليسي”.
عموما، عمدت السعودية وباقي الدول المتحالفة معها وبدعم من الولايات المتحدة، منذ آذار/مارس سنة 2015، إلى التدخل في اليمن لإجبار المتمردين الحوثيين على التخلي عن السلطة هناك. في المقابل، كانت الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف محل العديد من الانتقادات الحادة نظرا لتسببها في قتل المدنيين، وتعطيل البنية التحتية، وتدمير التراث المعماري للبلاد.
التحالف الجوي بقيادة السعودية مسؤولا عن إسقاط أكبر عدد من الضحايا في صفوف الأطفال، حيث بلغ عددهم 683 طفلا، فيما تسبب المتمردون الحوثيون في قتل أو إصابة 414 آخرين
والجدير بالذكر أن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة في زمن الحرب، فرجينيا غامبا، قد تكفلت شخصيا وبشكل رئيسي بإعداد مسودة التقرير السري. وقد أبلغت غامبا كبار المسؤولين في الأمم المتحدة، يوم الإثنين، أنها تعتزم التوصية بضم التحالف الذي تقوده السعودية إلى قائمة البلدان والكيانات التي تقوم بقتل الأطفال والتسبب في تشويههم، وفقا لما أفاد به مصدر موثوق. وفي هذا الصدد، سيكون اتخاذ هذا القرار بيد غوتيريس، الذي سيتيح للملأ الاطلاع على التقرير النهائي أواخر الشهر الجاري.
عموما، كان التحالف الجوي بقيادة السعودية مسؤولا عن إسقاط أكبر عدد من الضحايا في صفوف الأطفال، حيث بلغ عددهم 683 طفلا، فيما تسبب المتمردون الحوثيون في قتل أو إصابة 414 آخرين. على النقيض من ذلك، تسبب تنظيم الدولة في وقوع ستة ضحايا من الأطفال مقابل ضحية واحدة سقطت على يد تنظيم القاعدة. من جانب آخر، تسببت طائرات التحالف في تدمير 28 مدرسة. ويعد التحالف الذي تقوده السعودية القوة الوحيدة في اليمن التي تمتلك طائرات حربية وطائرات الهليكوبتر الهجومية، ما يجعل أصابع الاتهام تتجه نحوها لارتكابها مثل هذه المجازر.
على صعيد آخر، تم إدراج جملة من النتائج في نسخة من مسودة تقرير الأمم المتحدة السنوي فيما يتعلق بالأطفال والنزاعات المسلحة. وفي هذا الإطار، تم توثّيق انتهاكات حقوق الإنسان تجاه ما لا يقل عن 15 ألف و500 طفل من قبل القوات الحكومية والإرهابيين وجماعات المعارضة المسلحة في خضم أكثر من 12 نزاعا حول العالم. وفي السياق ذاته، نُسبت أربعة آلاف حالة من الانتهاكات الموثقة ضد الأطفال إلى الحكومات، فيما ارتكبت المنظمات الإرهابية أو المتمردين الغالبية العظمى من الفظائع التي يبلغ عددها حوالي 11 ألف و500 انتهاكا.
من جانبهم، حث المسؤولون السعوديون بشكل سري الأمم المتحدة على الدخول في مناقشات رفيعة المستوى قُبيل الإقدام على نشر هذا التقرير. فضلا عن ذلك، جنّد هؤلاء المسؤولون دعم الولايات المتحدة لهم، التي حثّت الأمم المتحدة على عدم إدراج التحالف الذي تقوده السعودية ضمن لائحة البلدان والكيانات التي تقوم بقتل الأطفال والتسبب في تشويههم، مؤكدة على أنه من الظلم توريط جميع أعضاء التحالف، حتى أولئك الذين لم يشاركوا في الفظائع، وذلك وفقا لما صرح به مصدران موثوقان. عموما، وبالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، يشمل التحالف كلا من البحرين ومصر والكويت والسودان والإمارات العربية المتحدة.
في هذا الصدد، ضغطت واشنطن على الأمم المتحدة حتى لا تدرج سوى الدول المسؤولة مباشرة على الفظائع في اليمن، وذلك وفقا لما صرّحت به المصادر الآنف ذكرها. في المقابل، يبدو أن تحديد دول مسؤولة بعينها أمر معقد، نظرا لأن التحالف يأبى أن يصدر أي معلومات بشأن أي عضو من التحالف بصدد القيام بعمليات معينة، وذلك حسب ما أكده بعض المسؤولين.
تم إدراج المملكة العربية السعودية على اللائحة بناء على أن التحالف الذي تقوده كان مسؤولا عن أكثر من نصف الخسائر في صفوف الأطفال، التي بلغت 1953 طفلا في خضم النزاع اليمني.
من جهته، نفى مسؤول في البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة الحجة الآنف ذكرها قائلا: “لم نتباحث مطلقا حول حجة من هذا القبيل مع أي طرف في الأمم المتحدة”. في الأثناء، يضع نشر هذا التقرير، الذي من المتوقع أن يصدر أواخر الشهر الجاري، أنطونيو غوتيريس في موقف حرج للغاية. ففي حال أقدم على إلحاق العار بالتحالف السعودي، سيواجه خطر انسحاب أكثر الحكومات العربية تأثيرا. ولكن، إذا لم يتخذ الأمين العام الإجراءات اللازمة، من المرجح أن يتعرض لاتهامات بتقويض التزام الأمم المتحدة إزاء حقوق الإنسان.
خلال شهر شباط/فبراير الماضي، سعى غوتيريس إلى إيجاد حل وسط، حيث اقترح على كبار مستشاريه أن تؤجل الأمم المتحدة إصدار هذا التقرير من ثلاثة إلى ستة أشهر بهدف السماح للتحالف بالتحرك حتى يعمل على تحسين صورته في اليمن. خلافا لذلك، أبدى مكتب محامي الأمم المتحدة للأطفال تخوفه إزاء أي تأخير من شأنه أن يعرضهم للانتقادات. أما غوتيريس، الذي من المتوقع أن يتسلم التقرير النهائي أواخر هذا الأسبوع، فلم يفصح عما سيقوم به في هذا الصدد.
في حقيقة الأمر، تعود جذور الأزمة الحالية إلى سنة 2001، حين تم تبنّي القرار 1379 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يُكلّف على أساسه مسؤول كبير في الأمم المتحدة بتقديم تقرير بصفة سنوية لتوثيق الهجمات ضد الأطفال ضمن النزاعات المسلحة. ويشمل هذا التقرير مرفقا يمثل قائمة سوداء للحكومات والجماعات الإرهابية والمسلحة التي تقتل وتشوه الأطفال. وفي الأثناء، أثارت هذه القائمة جدلا واسعا بين الدول التي أعربت ت عن استيائها إزاء إدراجها علنا في قائمة تضم البعض من أكثر المنظمات الإرهابية شهرة في العالم، من قبيل تنظيم القاعدة، وبوكو حرام، وتنظيم الدولة.
من جانب آخر، تعكس مسودة التقرير الأخير انخفاضا في العدد الإجمالي للخسائر التي يقع توثيقها في اليمن. وقد عزت مسودة فرجينيا غامبا ذلك إلى الوقف المؤقت للقتال، بموجب اتفاق وقف أعمال القتال الذي وقع خلال شهر أبريل/نيسان سنة 2016. على الرغم من ذلك، أوردت غامبا أن عدد الضحايا الفعلي قد يكون أعلى، في إشارة إلى أن “توثيق الانتهاكات التي يتم ارتكابها ضد الأطفال كان محدودا بسبب القيود المفروضة التي تمنع النفاذ إلى المناطق المعنية وانعدام الأمن في البلاد”.
باحثون من “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية، ممنوعون من دخول اليمن على متن طائرات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة
في تصريح لها لصالح مجلة فورين بوليسي، قالت فرجينيا غامبا إن محتويات التقرير النهائي الذي لا يزال موضوع النقاش مع مختلف مكاتب الأمم المتحدة “لم تُوضع عليها اللمسات الأخيرة بعد”. وفي غضون ذلك، لم يصدر أي قرار نهائي بشأن البلدان التي سيتم إدراجها على اللائحة السوداء. علاوة على ذلك، أفادت غامبا أنها لم تكن على علم بالمحاولات التي تقوم بها الولايات المتحدة لمنع إدراج التحالف الذي تقوده السعودية ضمن هذه اللائحة، حيث “أن لا شيء مما أشرتم إليه قد بلغني”. كما رفضت غامبا التأكيد على ما إذا كانت قد أوصت بإدراج التحالف السعودية على القائمة من عدمه.
على الرغم من أن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، رفض الإدلاء بأي تعليق بشأن ما توصلت إليه غامبا، إلا أنه أوضح أن مسودة التقرير الذي حصلت عليه مجلة “فورين بوليسي” لا تعتبر “التقرير النهائي”. وخلال السنة المنصرمة، تم إدراج المملكة العربية السعودية على اللائحة بناء على أن التحالف الذي تقوده كان مسؤولا عن أكثر من نصف الخسائر في صفوف الأطفال، التي بلغت 1953 طفلا في خضم النزاع اليمني.
من جهتها، وردا على ذلك، هددت السعودية بالعمل على دفع دول عربية للخروج من الأمم المتحدة والتقليص في حجم المساعدات المقدمة إلى برامج المنظمة الدولية لمكافحة الفقر التي تقدر بمئات الملايين، ما لم يتم إعفاء التحالف من القائمة السوداء للأمم المتحدة. وفي مرحلة لاحقة، وافق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على مضض على إزالة التحالف بشكل مؤقت، متعللا بالمخاوف من فقدان أموال الخليج العربي، الأمر الذي قد يعرض حياة الملايين من الأطفال المحتاجين انطلاقا من جنوب السودان وصولا إلى اليمن للخطر.
في سياق متصل، شدد بان كي مون على أن التحالف سيقع إدراجه مجددا على القائمة، ما لم تُظهر مراجعة مشتركة بين الأمم المتحدة والسعودية لممارسات التحالف أن هذه الادعاءات لا مبرر لها أو أن الهجمات على الأطفال قد تم إيقافها. في المقابل، لم يقع إعادة إدراج السعودية على القائمة، في حين لم تتوقف الهجمات أبدا. والجدير بالذكر أن حوالي 600 طفل قد قتلوا في الوقت الذي جرح فيه نحو 1150 آخرين في اليمن، وذلك في الفترة الممتدة بين شهر آذار/مارس سنة 2016 وآذار/مارس سنة 2017، وفقا لإحصائيات اليونيسف.
لا تزال المدارس تتعرض للاعتداءات، والقنابل تتساقط، ولا يزال الأطفال عرضة للقتل
في الوقت الذي رفضت فيه البعثة السعودية لدى الأمم المتحدة طلبا بالإدلاء بتعليق على هذه المسألة، ادعى المسؤولون السعوديون بشكل سري ضمن محادثات مع الأمم المتحدة أنهم قد اتخذوا تدابير لتجنب وقوع خسائر في صفوف الأطفال، فضلا عن أن العدد الموثق للقتلى والجرحى قد انخفض بشكل ملحوظ منذ السنة المنصرمة.
في هذا السياق، تربط بعض الجماعات الخارجية هذا الانخفاض في عدد الضحايا بحقيقة أن المراقبين الخارجيين، بمن فيهم باحثون من “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية، ممنوعون من دخول اليمن على متن طائرات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، أكثر من كون التحالف قد التزم بضبط النفس. وخلال شهر تموز/يوليو الماضي، منع التحالف الذي تقوده السعودية الأمم المتحدة من تقديم المساعدات إلى العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ذلك أن ثلاثة صحافيين من “البي بي سي” كانوا يسافرون على متن طائرة الإغاثة.
من جانبها، أشارت أكشايا كومار، النائبة في الأمم المتحدة عن هيومن رايتس ووتش، إلى أنه “على الرغم من كل الوعود التي قدمها السعوديون إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بشأن ضبط النفس، إلا أنه لم تحدث أية تحسينات، التي تدعو للتفاخر، فيما يتعلق بحياة الأطفال اليمنيين. في الواقع، لا تزال المدارس تتعرض للاعتداءات، والقنابل تتساقط، ولا يزال الأطفال عرضة للقتل”.
المصدر: فورين بوليسي