ارتفع عدد قتلى الهجمات التي شهدتها مدينة برشلونة وبلدة كامبريس التابعين لإقليم كاتالونيا (شمالي شرق إسبانيا) الإسباني أمس إلى 14 قتيلا بعد أن توفيت امرأة أصيبت في بلدة كامبريلس، حسب خدمات الطوارئ الكتالونية، فيما يتواصل اسعاف نحو مئة أخرين أصيبوا بجروح متفاوتة في هذه الهجمات التي أثارت موجة تنديد دولية وتضامنا كبيرا مع إسبانيا.
تفاصيل الهجومين
عند الساعة الرابعة بعد ظهر أمس الخميس، نشرت شرطة برشلونة تحذيرا في موقعها على التويتر للمواطنين بعدم المرور عبر ساحة كاتالونيا، تبعه تنبيهات متتالية صادرة عن الشرطة والدفاع المدني الكاتالوني.
?Atropello múltiple en las #Ramblas. Se solicita a los ciudadanos no transitar por la zona de Plaza Catalunya. +info @emergenciescat
— Policía Nacional (@policia) August 17, 2017
وبعد دقائق، تبيّن أن حافلة صغيرة قامت بدهس حشد في جادة لارامبلاس السياحية التي يرتادها أكبر عدد من السياح في برشلونة عاصمة اقليم كاتالونيا الواقع شمال البلاد، وقالت دائرة الإعلام في الشرطة الكاتالونية إن “حادث صدم كبير في جادة لاس رامبلاس قام به شخص يقود شاحنة صغيرة ما أسفر عن إصابة العديد من الأشخاص “.
على إثر ذلك، قامت السلطات الأمنية مباشرة بتطويق المكان وإخلائه وطالبت الناس بالتزام الإجراءات الأمنية القصوى وخاصة الحانات والمقاهي والمطاعم وعدم التجمع في مكان واحد، كما قامت بإغلاق وسائل النقل العمومية وسط المدينة خوفا من عمل إرهابي آخر. في الوقت ذاته، قامت وحدات كوماندوز من الشرطة بتمشيط المنطقة بحثا عن مسلحين.
وقال شهود عيان، ” عندما رأينا شاحنة تندفع إلينا محاولة دهس الناس بأسرع ما يمكن، بدأ الجميع يجري ويصرخ طلبا للنجدة، في مشهد مريع وقاس خاصة مع بداية سقوط عديد الضحايا على الأرض”، وأوضح أخرين أن الشارع كان مكتظا بالسياح لحظة وقوع الحادث.
من جانبه قال جوسيب لويس ترابيرو من شرطة كاتالونيا الإقليمية إنّ سائق الشاحنة ترجّل منها بعد أن دهس المارة في تلك الجادّة التي كانت تعجّ بالسياح في ذلك الوقت، وأخذ يركض من دون أن يقول شيئا، لافتا إلى أنه لم يكن مسلحا على ما يبدو.
بعد هذا الهجوم، أفادت الشرطة الكاتالونية في تغريدة على موقع تويتر بأن سائقا دهس شرطيين في نقطة أمنية بمدينة برشلونة مساء الخميس، وأصيب أحد الشرطيين خلال الحادث وتم نقله إلى المستشفى، فيما تمّ قتل سائق السيارة.
وفي وقت لاحق بعد منتصف ليل الجمعة بدقائق، استهدف هجوم ثان إسبانيا، حيث دهست سيارة عددا من المشاة على شاطئ كامبريلس في منتجع سياحي، على بعد 120 كلم جنوب غرب برشلونة. وحصل تبادل لإطلاق النار بين ركاب السيارة ودورية لشرطة كاتالونيا وقتل فورا أربعة أشخاص يشتبه بأنهم “إرهابيون” كانوا في السيارة، أما الخامس فتوفي بعد دقائق متأثرا بجروحه.
وأشار متحدث باسم شرطة كاتالونيا إلى أن بعض المسلحين الذين قتلوا في العملية الأمنية كانوا يرتدون أحزمة ناسفة. وأفادت الشرطة عن جرح ستة مدنيين في عملية الدهس الثانية، من بينهم 2 جروحهما خطرة. فيما أصيب شرطي بجروح طفيفة. وذكرت الشرطة على حسابها على تويتر أن هذا الهجوم مرتبط باعتداء برشلونة.
وقبل ذلك وقع تفجير في منزل مساء الأربعاء في بلدة ألكانار الواقعة على بعد 200 كيلومتر إلى الجنوب من برشلونة، وقال قائد الشرطة، جوسيب لويس ترابيرو، في وقت سابق يبدو أن سكان هذا المنزل كانوا “يجهزون عبوة ناسفة”، وقد قتل في انفجار المنزل الذي دُمر بالكامل شخص واحد وجرح سبعة أخرون.
وأفادت السلطات الإسبانية بأن ضحايا هجوم برشلونة ينتمون إلى ما لا يقل عن 34 جنسية، فقد قالت وزارة الخارجية الإيطالية إن إيطاليين قتلا وجرح ثلاثة آخرون في الهجوم، وقالت بلجيكا إن مواطنة بلجيكية ضمن القتلى، وذكرت الخارجية الفرنسية أن 26 مواطنا فرنسيا أصيبوا بجروح في الهجوم، وأن 11 منهم حالتهم خطيرة، وأفادت السلطات الألمانية بأن 13 ألمانيا ضمن المصابين بعضهم حالته صعبة.
داعش تتبنى
لم تدم ساعات على الهجمات، حتى تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” في بيان نشرته وكالة أعماق الدعائية التابعة له، هجوم لا رامبلا، معتبرا “منفذو هجوم برشلونة من جنود الدولة الإسلامية ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف” ضد الجهاديين في سوريا والعراق، فيما لم تتبن أي جهة الاعتداء على كامبريلس.
وأعلنت إسبانيا الحداد لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام، ووصف رئيس الوزراء ماريانو راخوي الهجوم بأنه إرهاب جهادي، وقال في مؤتمر صحفي ببرشلونة “الحرب على الإرهاب هي اليوم الأولوية الأولى للمجتمعات الحرة والمنفتحة مثل مجتمعاتنا. إنه تهديد عالمي والرد يجب أن يكون عالميا”.
تواصل التحقيقات
إلى الساعات الأولى من صباح اليوم مازال منفذ الهجوم الأول سائق الشاحنة فارا، وقالت وسائل اعلام إن السلطات حددت هوية السائق ويدعى موسى أوكابير ويبلغ من العمر 17 سنة ولا يزال فارا تلاحقه السلطات، لكنَّ عمدة بلدية ريبوي، التي يقيم بها المشتبه فيه وتبعد 70 ميلاً (112.7 كم) شمال برشلونة، قال مساء الخميس، إنَّ الرجل الذي عرَّف نفسه باسم إدريس أوكبير ذهب إلى قسم الشرطة ليبلغ عن سرقة وثائق هويته، وفق تقارير اعلامية.
وتشتبه الشرطة في تورُّط الأخ الأصغر لإدريس أوكبير في الحادث، والذي عرَّفه الإعلام الإسباني باسم موسى، وقال إنَّه يبلغ من العمر 18 عاماً. ويُعتقد أنَّ موسى أوكبير سرق وثائق هوية أخيه الأكبر؛ لاستئجار الشاحنة البيضاء من طراز “رينو” المستخدمة في الهجوم، وفقاً لما جاء بصحيفة الديلي ميل البريطانية.
إلى جانب ذلك، أعلنت شرطة كاتالونيا الإقليمية إنها أوقفت مشبوهين، أحدهما إسباني والثاني مغربي. وولد الإسباني في جيب مليلية الإسباني في المغرب، وأوقف على بعد مئتي كلم جنوب برشلونة في منزل انفجرت فيه عبوة ناسفة الليلة الماضية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة سبعة آخرين بجروح، فيما أوقف المشتبه به الثاني (مغربي)، في ريبول على بعد نحو مئة كلم شمال برشلونة، لارتباطه بالحافلة المستخدمة في الاعتداء الأول، واعتقل رجل ثالث في بلدة ريبوي اليوم الجمعة.
قبل هذه الهجمات أظهرت بيانات حكومية في إسبانيا نشرتها وسائل اعلام محلية أن الشرطة ألقت القبض على 11 مشتبها بأنهم متشددون في منطقة برشلونة منذ بداية العام
وتعتقد السلطات الإسبانية أن ثمانية أشخاص ربما شكلوا خلية نفذت هجوم برشلونة، وخططت لاستخدام أسطوانات غاز البوتان. وقال خواكيم فورن المسؤول بحكومة إقليم كتالونيا لإذاعة محلية إن المهاجمين ربما خططوا لاستخدام الأسطوانات في الهجوم الأول الذي قاد خلاله مشتبه به سيارة فان ودهس المارة في شارع مزدحم. وقالت السلطات في بلدة فيك الصغيرة خارج برشلونة إنه جرى العثور على سيارة فان هناك فيما له صلة بالهجوم. وكانت وسائل الإعلام الإسبانية ذكرت في وقت سابق أن سيارة فان ثانية استؤجرت للهروب.
وقال خافيير ثاراغوثا، وهو المدّعي العام بالمحكمة الوطنية، المختصّة بقضايا الإرهاب، إنَّه لا يبدو أنَّ منفذي الهجوم لهم صلاتٌ سابقة بـ”الجهاديين“. وقال ثاراغوثا لمحطّة Cadena Ser الإذاعية: “ما نعلمه حتى الآن، هو أنَّه لم يكن هناك أيَّ تحقيقٍ سابق بمقدوره التعرُّف عليهم. لا يوجد ما يُسمَّى انتفاء المخاطرة فيما يتعلَّق بهذه الأمور. فقد قامت أجهزة مكافحة الإرهاب بعملٍ جيد على مدار سنوات ومنعت حدوث عدة هجماتٍ إرهابية”.
وقبل هذه الهجمات أظهرت بيانات حكومية في إسبانيا نشرتها وسائل اعلام محلية أن الشرطة ألقت القبض على 11 مشتبها بأنهم متشددون في منطقة برشلونة منذ بداية العام، وهو ما يزيد على أي مكان آخر في البلاد، وقبل ذلك قالت وزارة الداخلية الإسبانية، إنه تم توقيف أكثر من 180 متهما بالارتباط بعمليات مسلحة منذ يونيو 2015 حين رفعت السلطات مستوى الإنذار إلى أربعة من أصل خمسة في عملياتها الداخلية والخارجية.
إدانة دولية
أثارت هذه الهجمات المتفرقة، موجة تنديد دولية وتضامنا كبيرا مع إسبانيا، حيث ندد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس باعتداء برشلونة واصفا إياه بــ”الهجوم الإرهابي“. وكتب ترامب على تويتر “تدين الولايات المتحدة هجوم برشلونة الإرهابي في إسبانيا وستقوم بكل ما هو ضروري للمساعدة. كونوا أقوياء، نحن نحبكم”.
من جانبه أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ا “تضامن فرنسا مع ضحايا الهجوم المأسوي في برشلونة“. وتابع ماكرون على موقع تويتر “سنبقى متحدين ومصممين“، في ذات السياق ندّد المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مساء الخميس بالاعتداء “المشين “في مدينة برشلونة الإسبانية، وكتب شتيفن سيبرت على موقع تويتر “نفكر بحزن كبير في ضحايا الهجوم المشين في برشلونة مع التضامن والصداقة إلى جانب الإسبان“.
من ناحيته دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجتمع الدولي إلى “توحيد جهوده” للتصدي “من دون هوادة لقوى الإرهاب“، وقال بوتين في برقية تعزية إلى العاهل الإسباني فيليب السادس “ما حصل يؤكد مجددا ضرورة أن يوحد المجتمع الدولي برمته جهوده في شكل حقيقي من أجل مكافحة لا هوادة فيها لقوى الإرهاب“، واصفا الهجوم بأنه “جريمة وحشية“.
ترامب يطالب بـ “إعدامات جماعية”
بعد عرض المساعدة على إسبانيا، نشر ترامب تدوينة أخرى قال فيها، “ادرسوا ما فعله الجنرال الأميركي بيرشينغ بالإرهابيين بعد القبض عليهم. اختفى بعدها إرهاب الإسلام المتطرف لمدة 35 عاماً”، في تلميح منه لتأييد فكرة الإعدامات الجماعية.
وكان ترامب يشير إلى الجنرال جون “بلاك جاك” بيرشينغ، الذي كان الحاكم الأميركي لمنطقة مورو ذات الغالبية المسلمة من 1909 إلى 1913، وفي ذلك الوقت، كانت الفلبين مستعمرة أميركية، وقوات الجنرال بيرشينغ تقاتل “التمرد الإسلامي” هناك، والواقعة التاريخية المشكوك فيها التي أشار إليها ترامب هي التالية: قوات بيرشينغ تجمع 50 متمرداً إسلامياً ثم تعدم 49 منهم برصاص مغمَّس بدم الخنزير الذي يعتبره المسلمون نجساً.
وبالاستناد إلى موقع التحقق من الوقائع “بوليتيفاكت”، فإنّ المؤرخ العسكري الراحل فرانك فاندايفر قال عام 2003 مشيراً إلى بيرشينغ: “لم أجد أي مؤشر إلى أنها كانت واقعة حقيقية، وبعد بحث موسع لتجربته في مورو، هذا النوع من الأشياء قد يكون معاكساً لشخصيته تماماً”، ونقل “بوليتيفاكت” نفي 4 مؤرخين للواقعة.