أعلن الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، في مؤتمر صحفي في الأمس أن مدينة كركوك العراقية فيها الأكراد والعرب أيضًا، وأن هويتها الأساسية تركمانية، معتبرًا أن شمولها في الاستفتاء الكردي المزمع تنظيم في إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول المقبل أمر “غير دستوري”.
وأكد المسؤول التركي على سلطات الإقليم التراجع عن قرار تنظيم استفتاء الاستقلال في العراق. كما توقع مقاطعة التركمان مع بقية العرب للاستفتاء، الأمر الذي سيجعل نتيجته محل مساءلة دائمًا، وستجر المخاطر لأجواء الاستقرار والأمن بالإقليم، وأشار إلى أن أنقرة ستواصل مشاوراتها مع دول المنطقة بخصوص تنظيم الاستفتاء.
من يرفض ومن يقبل فكرة الاستفتاء؟
يسعى الاستفتاء في إقليم كردستان العراق لاستطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، بشأن إن كانوا يرغبون بالانفصال عن العراق أم لا!. ويرفض التركمان والعرب شمول محافظة كركوك وبقية مناطق النزاع بالاستفتاء. ويعد التصويت غير ملزم، لكنه قد يشكل نواة لإقامة دولة مستقلة كحلم يسعى الأكراد إلى تحقيقه منذ نال الإقليم حكمًا ذاتيًا في عام 1991.
وكانت رئاسة أقليم كردستان العراق أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستمضي قدمًا في الاستفتاء بشأن استقلال الإقليم على الرغم من طلب الولايات المتحدة الأمريكية بتأجيله، إذ سبق اتصال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون برئيس الإقليم مسعود بارزاني معربًا عن رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء و”تأييدها لاستمرار المباحثات والمفاوضات بين الإقليم وبغداد”.
تدعم الإمارات انفصال كردستان العراق لأسباب يعود إلى الرغبة بمناكفة تركيا قدر الإمكان، فضلاً عن أن وجود دور للإمارات في كردستان يعني نفوذًا كبيرًا في مجال الاقتصاد، خصوصًا في قطاع النفط والغاز مستقبلاً
يحتاج الاستفتاء لكي ينجح لتوافق ثلاثة دوائر هي الدائرة الداخلية والإقليمية والدولية، ما يتعلق بالدائرة الداخلية فهناك معارضة لمسألة الاستفتاء داخل إقليم كردستان تنطلق من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيش فيها الإقليم والتي أدت لعدم تسلم الموظفين لرواتبهم، بالإضافة إلى تعطل البرلمان الكردي عن العمل بعد حدوث مشاكل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني وبين حركة التغيير.
وتأتي بغداد، في صدارة الرافضين، إذ أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن إجراء الاستفتاء، سيعقد الأمور، بدلا من حل المشاكل العالقة، بين حكومته وأربيل. واعتبر العبادي بأن الاستفتاء “غير دستوري”، وأن الإقليم “جزء من العراق، والأكراد مواطنون من الدرجة الأولى، وسيبقون كذلك”. هذه الأمور ستصعب من إجراء الاستفتاء، أما من حيث شرعية الإجراء فالدستور العراقي تحدث عن الأقليم ولكنه لم يتحدث عن انفصالها عن العراق لذا وكما يرى رجائي فايد رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية، طالما أن هناك إقليم يريد الخروج والانفصال فبالتالي لا علاقة له بما يقوله الدستور في هذا الشأن.
بالنسبة للدائرة الإقليمية، فلا عجب أن إيران وتركيا من أكثر البلدان المعارضة على عملية الاستفتاء إذ نقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، عن اللواء محمد باقري قوله إن الطرفين التركي والإيراني أكدا على “أن هذا الاستفتاء لو جرى سيشكل أساسًا لبدء سلسة من التوترات والمواجهات داخل العراق وستطال تداعياتها دول الجوار”. وشدد على القول إن مسؤولي البلدين يؤكدون على “أن هذا الأمر غير ممكن و لاينبغي أن يحدث”.
ترفض تركيا الاستفتاء من أسباب داخلية بالدرجة الأولى، فهي تخشى من تداعيات هذا الانفصال على وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها لوجود أكراد على أراضيها، ومن المحتمل أن تطالب بالانفصال أيضًا في المستقبل في حال تمكن إقليم كردستان من الانفصال عن العراق.
بينما تقف الإمارات على النقيض حيث تدعم انفصال كردستان العراق لأسباب يعود إلى الرغبة بمناكفة تركيا قدر الإمكان كما يرى العديد من المراقبين، فضلاً عن أن وجود دور للإمارات في كردستان يعني نفوذًا كبيرًا في مجال الاقتصاد، خصوصًا في قطاع النفط والغاز مستقبلاً. كما تجاهر “إسرائيل” بدعم انفصال كردستان العراق، وذكر نتنياهو بأن “الأكراد شعب شجاع وموال للغرب، ويتقاسمون قيمنا”، وكان أعلن، في 2014، أنه يتعين على بلاده دعم تطلعات الأكراد في الاستقلال.
وبالنسبة للدائرة الدولية، فقد حذرت واشنطن من أن إجراء استفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق قد يشتت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش. وقالت الخارجية الأميركية في بيان “نقدّر تطلعات إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء الاستقلال لكن إجراءه سيصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش”. وأضافت أنها “تشجع السلطات الكردية في العراق للتواصل مع الحكومة المركزية العراقية بشأن القضايا المهمة”.
ومن جهتها عبرت ألمانيا عن القلق من أن خطط إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء قد تؤجج التوتر في المنطقة وقال وزير الخارجية الألماني سيجمار جابرييل “بوسعنا فقط أن نحذر من اتخاذ خطوات أحادية الجانب في هذه القضية، وحدة العراق في خطر كبير”. وأضاف إن “إعادة رسم حدود الدولة ليس هو الطريق الصحيح وقد يؤدي إلى تفاقم الموقف الصعب والمضطرب أصلا في أربيل وبغداد أيضا”.
الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن
وجاء الموقف الأوروبي ليحاكي الموقف الألماني، إذ حث الاتحاد الأوروبي، في بيان صدر عنه، الإقليم الكردي على الابتعاد عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب. وأكد التكتل الأوربي دعمه لوحدة الأراضي العراقية، وحل المشاكل العالقة، وفقا للدستور وعبر الحوار. كما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن دعم بلادها وحدة العراق وأراضيها، في معرض تعليقها على عزم الإقليم الكردي إجراء الاستفتاء. وقالت زاخاروفا “أود أن أؤكد مرة أخرى أن روسيا تدعم وحدة الأراضي العراقية، وينبغي تسوية المشاكل القائمة بين بغداد وأربيل عبر حوار بناء”.
لماذا ترفض تركيا الاستفتاء؟
لا يزال الاستفتاء محل اعتراض من قبل العديد من الدول حول العالم، إلا أن الموضوع بالنسبة لتركيا وإيران من الأولويات وتطلب موقفًأ مشتركا وتنسيقًا من أعلى المستويات، حيث عارضت كل من إيران وتركيا في موقف مشترك للبلدين استفتاء استقلال الإقليم في أول زيارة لرئيس أركان الجيش الإيراني لتركيا اللواء محمد باقري، منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، إذ قال أثناء الزيارة إن لدى طهران وأنقرة موقفًا مشتركًا من استفتاء كردستان العراق بشأن الاستقلال، مؤكدًا أن البلدين يعارضانه.
حذرت واشنطن من أن إجراء استفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق قد يشتت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش
إذ أكدت تركيا على أهمية وحدة العراق ورفضت فكرة الاستفتاء من أساسها، ورأى أردوغان أنه “في حال أقدم الإقليم على الانفصال عن العراق، فإن ذلك لن يكون الأخير إنما ستقوم فئات أخرى بعد ذلك وستطالب بنفس الشيء”، إذ ترى أنقرة في استفتاء الإقليم وانفصاله فرصة لوحدات حماية الشعب الكردية التي تحمل مشروع انفصاليًا في سوريا والعراق وتركيا.
حيث يعد وجود وحدات حماية الشعب الكردية الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، على طول الحدود بين العراق وتركيا، مصدر قلق رئيسي لأنقرة. وتعد أنقرة هذه الجماعات “إرهابية” وتتهمها بالإنتماء إلى حزب العمال الكردستاني، الذي شن حركة تمرد منذ عام 1984 ضد القوات التركية في جنوب شرقي تركيا.
لقاء أردوغان باللواء الإيراني محمد الباقري رئيس أركان الجيش الإيراني
لذا ترفض تركيا الاستفتاء من أسباب داخلية بالدرجة الأولى، فهي تخشى من تداعيات هذا الانفصال على وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها لوجود أكراد على أراضيها، ومن المحتمل أن تطالب بالانفصال أيضًا في المستقبل في حال تمكن إقليم كردستان من الانفصال عن العراق عبر الاستفتاء. من جهة أخرى فأنقرة ما عادت تؤمن بمشاريع واشنطن في المنطقة، إذ خذلت واشنطن أنقرة بعدما لم تراعي مخاوفها من تسليح قوات سوريا الديمقراطية ودعمهم في معركة الرقة ضد “داعش”، فيما تجاهلت كل نداءات المساعدة والخطط التركية للدخول معها في معركة الرقة إلى جانب المعارضة السورية.
تأتي بغداد، في صدارة الرافضين للاستفتاء إذ أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن إجراء الاستفتاء، سيعقد الأمور، بدلا من حل المشاكل العالقة، بين حكومته وأربيل.
ولعل أنقرة باتت ترى في المشاريع الأمريكية أنها تراعي مصالحها أكثر من مصالح حلفائها الإقليميين كتركيا وإيران، بعدما تبين ذلك في دعم القوات الكردية في الرقة بسوريا وتقديم كافة أنواع الدعم لهم على حساب المصالح التركية. لذلك باتت أنقرة تخالف واشنطن في سياستها بالمنطقة ولا تقف على توافق معها، بعدما أدركت أن البيت الأبيض يبحث عن مصالحه فقط، وأن التطمينات الأمريكية للمنطقة وهمية وغير واقعية، فمشروع الانفصال في العراق مقبل برأي محللين، وعلى دول مثل تركيا وإيران أن تبحث عن مصالحها وتمنع حدوث هذا.
لذا فإنه من غير المتوقع أن تبدي أنقرة أي ليونة في موقفها من الاستفتاء وستبقى تضغط لإلغاء هذا القرار، وما زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري إلى تركيا قبل أيام إلا للتأكيد على هذا والتوفق عليه بين البلدين اللذين يشتركان في نفس المخاوف من انفصال الإقليم، إذ يمثل بالنسبة لهما خطًا أحمر يقوض أمن البلدين واستقرارهما على المدى الطويل.