ترجمة وتحرير نون بوست
مع اقتراب نهاية الحرب ضد تنظيم الدولة، ستعود مدينة الموصل تحت سيطرة الحكومة العراقية. في الواقع، يعد ذلك بمثابة الجانب المضيء من الخبر، ولكن إحدى النتائج الثانوية والسلبية للحملة تتمثل في مدى انتشار إيران الذي أصبح في الوقت الراهن متوغلا في جميع أنحاء العراق. وفي الحقيقة، يبدو أن هذا التوسع لن يتوقف عما قريب.
لقد تم توفير قوة قتالية حاسمة في معركة الموصل وغيرها من المناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة من قبل الجماعات شبه العسكرية التي تتلقى الإمدادات والدعم من إيران، والتي تجتاز الحدود بين إيران والعراق بكل أريحية. وعموما، فرضت الحكومة العراقية عليهم عقوبات في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2016، كما شكلت جزءا من قوات الحشد الشعبي، وهو تحالف من الجماعات شبه العسكرية، لبعضها ولاءات متعددة.
في هذا الصدد، أعلن أبو مهدي المهندس، وهو قائد شبه عسكري يعتبر أحد أقرب حلفاء العراق في إيران، في الرابع من تموز/ يوليو أن قوات الحشد الشعبي لن تختفي، حتى لو أمرت الحكومة بحلها. وجاء تصريحه في إشارة إلى أن إيران ستعمل على حماية مصالحها في العراق خلال السنوات القادمة. وتعتزم هذه الوحدات، والقوى السياسية المرتبطة بها، منع العراق من وضع سياسته الأمنية المستقلة التي يمكن أن تحد من قدرة إيران على دعم حلفائها في سوريا وفي أماكن أخرى.
قبل الانتخابات العامة التي ستجرى خلال السنة المقبلة، تسعى الأغلبية الساحقة من القوى السياسية العراقية إلى تعزيز استقلالها عن إيران
في المقابل، أبدى العديد من العراقيين استياءهم من تدخل إيران في بلادهم عن طريق الجماعات المسلحة. وفي الحقيقة، لا يعد ذلك مجرد قضية طائفية، فالعديد من الشيعة يريدون أن يكون تأثير إيران في البلاد محدودا. وبالإضافة إلى العداوات التاريخية والاختلافات العقائدية مع إيران، عاش معظم العراقيين، السنة والشيعة على حد السواء، عقودا من الصراع حيث لطالما أعربوا عن قلقهم من تدخل إيران الذي من شأنه أن يؤجج الصراع.
قبل الانتخابات العامة التي ستجرى خلال السنة المقبلة، تسعى الأغلبية الساحقة من القوى السياسية العراقية إلى تعزيز استقلالها عن إيران. والجدير بالذكر أن العلاقة التي تجمع بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يمكن أن يعود له الفضل في الانتصارات الأخيرة ضد تنظيم الدولة، وبين إيران تأزمت منذ فترة طويلة. وفي الوقت الراهن، أصبح العبادي ناقدا للسلوك غير القانوني لبعض عناصر قوات الأمن، بما في ذلك الجماعات المدعومة من إيران. والجدير بالذكر أن موقف حكومته كان يتمثل في تعزيز مؤسسات الدولة.
آية الله العظمى علي السيستاني، الزعيم الروحي الشيعي في العراق. ويمكن أن تشكل أعماله تحديا حقيقيا للهيمنة الإيرانية
في الوقت نفسه، أعلن عمار الحكيم، أحد كبار السياسيين العراقيين وسليل إحدى العائلات الشيعية الأبرز في البلاد، في أواخر تموز/يوليو أنه سيغادر المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو حزب سياسي أسسته عائلته في طهران بدعم من إيران في الثمانينات. كما قام بإنشاء حزبه الخاص، الذي أراد من خلاله العمل في استقلالية عن إيران.
علاوة على ذلك، نأى التيار الصدري، الذي يمثل ملايين المسلمين الشيعة الفقراء في بغداد وفي جنوبيّ العراق، بنفسه وانضمّ إلى المعسكر المناهض لإيران. وقد أدى زعيم الحركة الشعبية، مقتدى الصدر، هذا الصيف زيارة إلى السعودية، التي تعتبر أكبر منافس إقليمي لإيران. كما زار مقتدى الصدر دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة سنية أخرى تعارض طهران. وفي الحقيقة، تهدف هذه الرحلات إلى المساعدة في تطوير العلاقات الثنائية، وبالتالي استقلال العراق عن إيران.
في الواقع، يقود الائتلاف السياسي الرئيسي الوحيد الذي اعتمد رسميا نهجا مواليا لإيران رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. فمنذ توليه منصبه سنة 2014، كانت الهزيمة التي تكبّدتها القوات المسلحة من قبل تنظيم الدولة تلاحقه، حيث تمّ تحميل المسؤولية له وهو ما أثر سلبا على شعبيته. ولذلك، سعى المالكي منذ ذلك الحين إلى إعادة تصوير نفسه على أنه “قديس” عراقي مؤيد لإيران في مواجهة مع قائمة من المتآمرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، وإسرائيل، والأكراد، والولايات المتحدة، وغيرها من البلدان.
مع وقوف جميع القوى السياسية العراقية تقريبا ضد إيران سنة 2018، يبدو أن الموالين لإيران سيلْقون شر هزيمة في الانتخابات. ومع ذلك، من غير الوارد أن يؤثر ذلك على نفوذ إيران في العراق.
انضم عشرات الآلاف من الشيعة إلى الجيش والجماعات الأخرى، بما في ذلك القوات شبه العسكرية المؤيدة لإيران. وكان تأثير الفتوى غير المقصود إضفاء شكل من أشكال الشرعية الدينية على هذه الجماعات
من الصعب جدا في النظام الانتخابي العراقي أن يتحصل أي تحالف على أكثر من 20 في المائة من الأصوات. وهذا يعني أن التحالفات المختلفة يجب أن تشارك في المفاوضات وتكوّن ائتلافا بغية تشكيل الحكومة. وبينما تحاول الأطراف تأمين وزارات “مربحة”، ستغيب عن الأذهان الأهداف التي كانت تنطلق منها، على غرار المطالبة باستقلال عراق. وعلى غرار كل حكومة تشكلت منذ الغزو الذي اجتاح العراق سنة 2003، ستتكون الحكومة القادمة من الأحزاب التي ستجعل البلاد تسير في اتجاهات مختلفة الأمر الذي ستستغله إيران.
في الحقيقة، لا يمكن للولايات المتحدة وللمملكة العربية السعودية ولا لأي بلد آخر أن يكون له تأثير حاسم. والجدير بالذكر أن البلدان الخارجية فشلت على الدوام في التأثير إيجابيا على السياسة العراقية. وفي حال كانت هذه الأطراف تريد حقا التصدي للنفوذ الإيراني، فسينبغي عليها أن تقدم يد المساعدة للوحدات الأمنية، على غرار دائرة مكافحة الإرهاب، التي كانت إلى حد بعيد تعتبر القوة الأكثر فعالية ضد تنظيم الدولة. وعلى ضوء هذه المعطيات، ستسمح النجاحات المستمرة للأجهزة الأمنية المحترفة، بدلا من الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران، للعراق بضمان أمنه.
في ظل هذه الأوضاع، لا تزال هناك ورقة رابحة واحدة يمكن أن تشكل تحديا حقيقيا للهيمنة الإيرانية ألا وهي تدخل آية الله العظمى علي السيستاني، الزعيم الروحي الشيعي في العراق. ففي سنة 2014، أصدر آية الله السيستاني فتوى دعا فيها العراقيين للدفاع عن الدولة ضد تنظيم الدولة.
ردا على ذلك، انضم عشرات الآلاف من الشيعة إلى الجيش والجماعات الأخرى، بما في ذلك القوات شبه العسكرية المؤيدة لإيران. وكان تأثير الفتوى غير المقصود إضفاء شكل من أشكال الشرعية الدينية على هذه الجماعات. وقد تكهن العديد من المعلقين بأن آية الله السيستاني قد يكون الآن على أعتاب إلغاء فتواه، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى إجبار قوات الحشد الشعبي على حل نفسها. في المقابل، يبدو ذلك مستبعدا في الوقت الحالي.
مازال هناك بصيص أمل في اتخاذ إجراءات أكثر حسما خاصة وأن مستقبل العراق بين أيديهم ما يجعل هامش الخطأ حتى وإن كان صغيرا مثيرا للقلق.
في الحقيقة، تتمتع قوات الحشد الشعبي بشرعية واسعة نظرا لمساهمتها في الحرب القائمة، حيث يرغب العديد من العراقيين في الحفاظ على هذه القوات كجزء من قوات الأمن الرسمية. من جهته، عارض العبادي مثل هذا الحل وذلك للعديد من الأسباب.
في المقابل، يمكن أن تعيد أي فتوى جديدة من آية الله السيستاني، بعد التحرير الكامل للأراضي العراقية من تنظيم الدولة، تحديد التزامات أولئك العراقيين الذين تطوعوا سنة 2014 لدعم الجيش والشرطة في العراق، خاصة وأن يُمنع عليهم القيام بأي أعمال من شأنها أن تقوض سيادة العراق الوطنية.
من جانب آخر، أصر العبادي على أنه يحظر على قوات الحشد الشعبي العمل خارج العراق. وفي حال دعمت المؤسسة الدينية رئيس الوزراء في موقفه، فإن ذلك يمكن أن يدفع العراق نحو مزيد من الاستقلال عن إيران. ومنذ سنة 2003، فشل كل من آية الله السيستاني والمؤسسة الدينية إلى حد كبير في السيطرة على أسوأ الاتجاهات التي آلت إليها السياسة العراقية. وفي الوقت الراهن، تعد الرهانات كبيرة للغاية، إذ مازال هناك بصيص أمل في اتخاذ إجراءات أكثر حسما خاصة وأن مستقبل العراق بين أيديهم ما يجعل هامش الخطأ حتى وإن كان صغيرا مثيرا للقلق.
المصدر: نيويوك تايمز