ترجمة وتحرير نون بوست
أثبتت العملية الإرهابية التي تعرضت لها مدينة برشلونة أن تنظيم الدولة ما يزال محافظا على جزء هام من قدراته على شن الهجمات على الرغم من مرور ثلاث سنوات على بداية حملة التحالف الدولي ضده.
أعلام البلدان السبعين المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة
في الثامن من أغسطس/آب سنة 2014، أعطى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إشارة انطلاق أولى الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة في العراق. وكان ذلك بعد مرور أكثر من شهر على إعلان أبو بكر البغدادي “لدولة الخلافة” انطلاقا من مدينة الموصل، وذلك بعد أن نجح هذا التنظيم في نشر الرعب في صفوف السكان المحليين، واستهدف بشكل خاص اليزيديين والمسيحيين.
وبعد أن وقفت الولايات المتحدة تشاهد التقدم الكبير الذي أحرزه تنظيم الدولة في شهر حزيران/يونيو حتى وصل إلى أسوار العاصمة بغداد، قررت الإدارة الأمريكية أخيرا التحرك من أجل إنقاذ حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. وبذلك، لم تتحرك واشنطن إلا عندما بات تنظيم الدولة يشكل تهديدا ليس فقط للعرب بمختلف طوائفهم، بل أيضا للأكراد الذي يعتبرون حلفاء للغرب.
ثلاث سنوات من القصف الجوي
تشكل التحالف الدولي شيئا فشيئا ضد تنظيم الدولة، الذي ظلت الولايات المتحدة أكبر المساهمين فيه وصاحبة القرار الأول والأخير في نفس الوقت داخله. وعموما، امتدت الضربات الموجهة ضد التنظيم في شهر أيلول/سبتمبر سنة 2014 إلى الأراضي السورية، ثم في الشهر الموالي قرر البنتاغون تشكيل “قوة مهام خاصة” لإنجاز العملية التي أطلق عليها اسم “بالعزيمة الصلبة”.
في الوقت الراهن، اليوم تؤمّن فرنسا حوالي سبعة أو ثمانية في المائة من ضربات التحالف، وذلك في إطار “عملية الشمال” الخاصة بها. وتقوم قيادة الأركان الأمريكية بتحديد الأهداف الأرضية للطيران الفرنسي، تاركة له حرية الاختيار بين إطلاق الصواريخ أو الانسحاب. من جهتها، تساهم الدول السبعين العضوة في هذا التحالف الدولي بأشكال متنوعة، ومنها من لا تعدو مشاركته أن تكون رمزية. والجدير بالذكر أن هذا التحالف يرفع شعار “مهمة واحدة لأمم متعددة”.
تحظى القوات الحكومية، المتهمة دائما بارتكاب انتهاكات جسيمة، بدعم مليشيات تابعة لإيران تحركها أحقاد كبيرة ضد السنة
في التاسع من أغسطس/آب سنة 2017، أعلن البنتاغون أن التحالف قام بتنفيذ 24566 ضربة جوية، منها 13331 ضربة جوية في العراق، و11235 ضربة جوية في سوريا. وتقدر منظمة “آروايز” غير الحكومية والمتخصصة في تعداد ضحايا مثل هذه الهجمات أن عدد المدنيين اللذين قتلوا في العراق وسوريا على يد قوات التحالف خلال هذه الفترة لا يقل عن 4887 شخصا، حيث من المرجح أن يكون العدد قد وصل إلى 7528 شخصا.
في الواقع، ارتفعت هذه الخسائر البشرية في صفوف المدنيين بشكل كبير خاصة خلال المعركة الأخيرة التي شهدتها مدينة الموصل، حيث التجأ التحالف الدولي لاستخدام قذائف محملة بالفسفور الأبيض، وهو أمر يرتقي بحسب منظمة العفو الدولية إلى كونه “جريمة حرب”.
أما بالنسبة للخسائر التي تكبدها تنظيم الدولة، فلا توجد طريقة لتقييمها بشكل دقيق، خاصة وأن التحالف من جهته نشر أرقاما تبدو غير واقعية، حيث أعلن، على سبيل المثال، عن مقتل 20 ألف شخص من عناصر التنظيم خلال العام الأول من عملية العزيمة الصلبة، و25 ألف عنصر خلال العام الثاني. في المقابل، تتجاوز الحصيلة الحقيقية لعمليات هذا التحالف مسألة الأرقام وأعداد القتلى لتشمل أبعادا أخرى.
انتصار بشق الأنفس
احتاج التحالف الدولي لثلاث سنوات، دامت خلالها المعارك الشرسة لمدة تسعة أشهر، من أجل استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة، بعد أن كان قد سيطر عليها في غضون أيام قليلة في شهر حزيران/يونيو سنة 2014. أما مدينة الرقة السورية التي أعلن منها تنظيم الدولة تأسيسه في نيسان/أبريل سنة2013، فلا تزال تحت سيطرته، رغم كونها محاصرة من جميع الجهات.
علاوة على ذلك، لا يزال التنظيم يحافظ حتى هذه اللحظة على سيطرته الميدانية على العديد من الجيوب على الأراضي العراقية، بالإضافة إلى جزء هام من نهر الفرات. ولذلك، لم تساهم حالة التعبئة والاستنفار الدولي ضد هذا التنظيم سوى في دعم آلته الدعائية والتسويق له وتسهيل استقطابه للعناصر الجديدة.
لكن الأخطر من ذلك يتمثل في قرار الولايات المتحدة المتمثل في عدم اعتماد التحالف على دعم السكان المحليين في أي مكان يقوم فيه بعمليات عسكرية، على الرغم من أن هؤلاء السكان يعدون من أول ضحايا التنظيم. في المقابل، فضلت الولايات المتحدة الاعتماد على “محررين” غرباء عن المجتمعات والطوائف المحلية.
الولايات المتحدة، التي تقف مترددة بين المصالحة مع إيران أو الدخول في مواجهة ضدها، قد خيرت التعاون مع طهران في العراق وسوريا، رغم تمسكها بالخطاب العدائي ضدها في العلن، وهو ما سبب ارتباكا غير مسبوق على الميدان
في العراق، تحظى القوات الحكومية، المتهمة دائما بارتكاب انتهاكات جسيمة، بدعم مليشيات تابعة لإيران تحركها أحقاد كبيرة ضد السنة. أما في سوريا، فقد تم التخلي رسميا عن فصائل المعارضة من قبل واشنطن، التي فضلت دعم الفرع المحلي من منظمة حزب العمال الكردستاني، وهي مليشيا كردية بدأت عملياتها ضد تركيا قبل ثلاثة عقود.
القرار بين يدي ترامب
أدى التدخل الغربي ضد تنظيم الدولة إلى تشجيع حكومة كردستان العراق على إطلاق عملية استقلال الأقاليم الكردية في شمال العراق. وبشكل عام، تسبب هذا التحالف الدولي في إحداث شرخ عميق جدا بين العرب والأكراد، وهو ما ينذر بشكل جدي باندلاع حرب بين المليشيات الشيعية والكردية في العراق، بالإضافة إلى تسببه في اتساع الهوّة بين السنة والشيعة.
وبينما لا يوجد أي حل واقعي ومستدام لمواجهة الخطر الإرهابي دون تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا والعراق، تسبب التحالف الدولي في تعقيد الأوضاع أكثر من أي وقت مضى، بشكل يعرقل التوصل إلى أي حل.
وكانت الولايات المتحدة، التي تقف مترددة بين المصالحة مع إيران أو الدخول في مواجهة ضدها، قد خيرت التعاون مع طهران في العراق وسوريا، رغم تمسكها بالخطاب العدائي ضدها في العلن، وهو ما سبب ارتباكا غير مسبوق على الميدان.
بيّنت العملية الإرهابية التي هزت مدينة برشلونة في 17 أغسطس/آب سنة 2017، أن الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة لا يزال قائما
فضلا عن ذلك، قد أنفقت الولايات المتحدة، حسب الأرقام الرسمية، 14 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات قام فيها التحالف بعمليات واسعة ضد تنظيم الدولة. وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكن ملاحظة الكلفة الباهظة التي انجرّت عن هذه الحملة بالنسبة للدول السبعين المشاركة دون الأخذ بعين الاعتبار الكلفة المنتظرة لعملية إعادة إعمار مدينة الموصل فقط، التي قد تصل لمليار دولار.
ولنا أن نتخيل كيف كان الوضع سيؤول إليه لو أن هذه المبالغ الخيالية قد تم استثمارها منذ البداية لتنمية سوريا والعراق وبناء مؤسسات ديمقراطية. لكن فضلت واشنطن وحلفاءها مواصلة ترميم النظام الاستبدادي العراقي، والتأقلم مع الدكتاتور بشار الأسد، وتشجيع النزعة التوسعية الكردية. وبالتالي، تبقى هذه السياسة التي لا تروق لبقية الدول الأعضاء في التحالف، رهينة بيد البيت الأبيض.
من جهة أخرى، بيّنت العملية الإرهابية التي هزت مدينة برشلونة في 17 أغسطس/آب سنة 2017، أن الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة لا يزال قائما. وتأتي هذه التطورات بعد نجاح السلطات الأسترالية في إحباط مخطط مماثل ضد طائرة، بتوجيه من تنظيم الدولة انطلاقا من الشرق الأوسط. كما لا يزال التهديد الإرهابي غامضا بشكل كبير في الولايات المتحدة، بينما يبدو حقيقيا وقريبا داخل الدول الحليفة لها.
في الحقيقة، تعد الولايات المتحدة في الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي بمنأى عن الشعور بالخوف الذي يعتري أوروبا أمام هذه التهديدات الإرهابية. وفي هذا الصدد، أورد الموقع الرسمي للتحالف الدولي أن الأراضي الأمريكية مهددة هي أيضا بشن هجمات إرهابية خلال سنة 2017، وهو ما يثبت أن قيادة الأركان الأمريكية لا تأمل في تحقيق انتصار سريع على تنظيم الدولة.
المصدر: لوموند