بعد خطاب العرش الذي وجه فيه العاهل المغربي محمد السادس مجموعة من الانتقادات اللاذعة للطبقة السياسية والأحزاب والإدارة، محملًا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع في المملكة، ينتظر المغربيون غدًا خطابًا جديدًا للملك من المتوقع أن يعلن فيه العديد من القرارات، منها المتعلق بتركيبة حكومة سعد الدين العثماني، خاصة في ظل عدم رضاه عن مردود بعض الوزراء حسب متابعين للشأن المغربي.
إجراءات وقرارات منتظرة
خطاب جديد يلقيه ملك المغرب محمد السادس غدًا بمناسبة الذكرى الـ64 لثورة الملك والشعب، من المنتظر أن يكون تكملة لخطاب العرش الذي ألقاه نهاية يوليو الماضي، إذ من المتوقع أن يعلن من خلاله جملة من الإجراءات لإخراج البلاد من الوضع السياسي والاجتماعي الصعب الذي تمر به، إلى جانب حزمة من القرارات المهمة التي قد تؤسس لمرحلة جديدة في الحياة السياسية المغربية.
في آخر اجتماع وزاري له عبر الملك المغربي عن استيائه وانزعاجه وقلقه بخصوص عدم تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط
ويأتي هذا الخطاب بعد أن أنهت المفتشية العامة للإدارة الترابية في وزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية عملها القائم على الأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة وتحديد المسؤوليات في تعثر مشاريع “الحسيمة منارة المتوسط”.
وسبق أن حمل الملك المغربي في خطابه السابق الطبقة السياسية والأحزاب الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، معتبرًا أن تعطيل مسؤول ما لمشروع تنموي أو اجتماعي لحسابات سياسية أو شخصية يعد خيانة، وتصرفات عدد من المسؤولين تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة بأن التسابق على المناصب يكون للاستفادة من الريع واستغلال السلطة والنفوذ.
العاهل المغربي يتفقد سير مشروع منارة المتوسط
وكانت الحكومة قد رصدت في شهر يونيو الماضي، بتعليمات ملكية، مبلغًا ماليًا قدره 650 مليون دولار لتنفيذ برنامج منارة المتوسط الذي يشمل أكثر من 500 مشروع تنموي لفائدة منطقة الريف، وهو المشروع الذي أعلنه الملك محمد السادس قبل عامين لكن تنفيذه واجه صعوبات وعراقيل كانت أحد الأسباب التي فجرت غضب السكان.
وفي آخر اجتماع وزاري له عبر الملك المغربي عن استيائه وانزعاجه وقلقه بخصوص عدم تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي انطلق أكتوبر 2015، وأصدر حينها تعليماته لوزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية للقيام بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن الموضوع ورفع تقرير بهذا الشأن، وقرر الملك على إثر ذلك عدم الترخيص للوزراء المعنيين بتتبع المشروع بالاستفادة من العطلة السنوية.
الفصل 59
يتوقع متابعون للشأن السياسي المغربي لجوء العاهل المغربي إلى رفع حالة الاستثناء بموجب الفصل 59 من الدستور الذي ينص على “إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة”.
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني
و”يُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية”، و”تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها”.
وعن اللجوء لإعمال حالة الاستثناء، يقول المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق لنون بوست “هو الخيار المتعقل والأنسب لكونه إجراءً دستوريًا يدخل ضمن الاختيارات العديدة المتاحة لرئيس الدولة والتي أوكلها له نص وروح الدستور، ويمكن أن يشكل الضمانة المؤسساتية لصيانة الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور”.
تعديل حكومي؟
باللجوء إلى هذا القرار يمكن للملك إجراء تعديل حكومي وإحالة الوزراء والمسؤولين الواردة أسماؤهم ضمن تقارير التحقيق إلى القضاء، إلا أن الأزرق يرى أن ذلك غير مطروح لأن المملكة لم تركز المؤسسات التي جاء بها الدستور خاصة منها المؤسسات الجهوية.
الفصل 59 ينص على التالي “لا يُحل البرلمان في أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية”
وبخصوص إمكانية اللجوء إلى خيار حل البرلمان والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، يرى رشيد لزرق صعوبة إعادة الانتخابات للأسباب التالية التي تتمثل في أن قانون المالية للسنة الحالية لم يضع في الحسبان الانتخابات، ما من شأن ذلك أن يؤدي إلى اختلال التوازنات، وأيضًا تأثير ذلك على الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وبعض الدول الإفريقية، إلى جانب استباق نتائج التحقيقات التي باشرتها التفتيشات المعنية، ورمي الكرة للمؤسسة الملكية عوضًا عن رئاسة الحكومة عبر تفعيل الفصل 104 من الدستور الذي ينص على ما يلي “يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، يقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحًا يتضمن، بصفة خاصة، دوافع قرار الحل وأهدافه”.
كما أن الفصل 59 ينص على “لا يُحل البرلمان في أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية، تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة، تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها”.
حكومة فعاليات وطاقات وطنية
في مقابل ذلك، يرى المحلل المغربي رشيد لزرق أن الأمر يتطلب إصلاحًا سياسيًا وذهاب القيادات الشعبوية وإفراز قيادات واعية ومسؤولة، وبين الأزرق لنون بوست أن حالة الاستثناء تتيح للملك تعيين حكومة جديدة لفاعليات وطاقات وطنية تتولى تنفيذ المشاريع الكبرى والاستحقاقات الوطنية بالسرعة والفاعلية المطلوبة، وتشكلت حكومة سعد الدين العثماني في 5 من أبريل الماضي، وتضم حزب العدالة والتنمية (ذا المرجعية الإسلامية) الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لحظة إعلان التشكيل الحكومي
وقبل أيام أعلنت الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني خطة تصحيح تتضمن 6 إجراءات عملية، تتعلق بإصلاح الإدارة وتشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات الإدارية، وقال رئيس الحكومة حينها: “قررنا وضع برنامج واقعي عملي وسريع لتصحيح الاختلالات”، وأضاف أن الإدارات الحكومية ستكون مضطرة في الأشهر المقبلة لتقديم اقتراحات ملموسة إلى مكتبه لتنفيذ المبادئ التوجيهية.
ويؤكد مراقبون أن الشارع المغربي فقد الثقة في وزراء حكومة سعد الدين العثماني والأحزاب السياسية المغربية، خاصة بعد أن خاطب الملك محمد السادس المسؤولين بقوله إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو تنسحبوا، وإشارته إلى أن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسة، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم.