للسنة الثالثة على التوالي، لم ينتظر تنظيم الدولة الإسلامية خروج فصل الصيف من دون أن يترك بصمته وينفذ هجمات دموية راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من جنسيات مختلفة، آخرها ما حدث في أشهر شوارع مدينة برشلونة وأكثرها ازدحامًا “لا رامبلا”.
هجوم جديد لم تتضح تفاصيله بعد، أوقع 13 قتيلاً ونحو ثمانين جريحًا في حادث دعس بوسط مدينة برشلونة بعد أن صدم سائق بشاحنته عمدًا حشدًا من المدنيين، سرعان ما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه.
التنظيم قال في بيان نشرته “وكالة أعماق” التابعة له: “منفذو هجوم برشلونة من جنود الدولة الإسلامية ونفذوا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف” والتي من بينها إسبانيا التي تشارك بـ300 جندي لتدريب الجنود العراقيين في العراق وبأنظمة دفاع جوي من نوع “إم آي إم-104 باتريوت”.
إسبانيا التي فككت خلال الثلاث سنوات الأخيرة عدة شبكات لجهاديين مرتبطين بتنظيم الدولة فكريًا وتنظيميًا، وقعت هذه المرة في فخ الجهاديين، وبطريقة خلنا أنها لن تجدي نفعًا بعد هجوم برلين المرعب الذي نفذه التونسي أنيس العمري في 19 من ديسمبر الماضي.
المتعاطون مع تنظيم الدولة في إسبانيا يتركزون في المدن التي يسكنها عدد كبير من المهاجرين والأجانب، من بينها إقليم كاتالونيا الذي يعد أكثر الأقاليم كثافة في وجودهم حيث يعتبر مركزًا للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين
تعتبر إسبانيا منطقة ساخنة بالنسبة للجهاديين، ففي 11 من مارس 2004 وقعت تفجيرات في محطة قطارات “أتوشا رينفي” في العاصمة مدريد، أسفرت عن مقتل 191 شخصًا وجرح 1755، كما تشير إحصائية لصحيفة “آي بي سي” المحلية، إلى أن هناك أكثر من 170 محتجزًا بتهمة “الإرهاب الجهادي” في السجون الإسبانية، كما أشارت الصحيفة إلى أن من بينهم 79 شخصًا تهمتهم بالقيام بأعمال إجرامية داخل إسبانيا بينما بقيتهم من المتشددين.
على صعيد آخر، ورغم نمط عيش الإسبانيين المتقدم ونظامهم التعليمي المتطور، إلا أن أكثر من 120 إسبانيًا التحق بصفوف تنظيم الدولة خلال السنوات الماضية، فوفق تقرير للبوليس الدولي “الانتربول” يبلغ عدد مقاتلي التنظيم القادمين من إسبانيا 126 شخصًا، من بين 4000 مقاتل أوروبي.
تقول تقارير إعلامية إن المتعاطفين مع تنظيم الدولة في إسبانيا يتركزون في المدن التي يسكنها عدد كبير من المهاجرين والأجانب، من بينها إقليم كاتالونيا الذي يعد أكثر الأقاليم كثافة في وجودهم حيث يعتبر مركزًا للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين من الدول العربية والإسلامية، غالبيتهم من المغاربة والجزائريين والباكستانيين.
وخلال الحرب في سوريا والعراق، سقط عشرات الإسبانيين بين قتيل وجريح في المعارك التي يخوضها تنظيم الدولة ضد خصومه، حيث ذكرت صحيفة “الباييس” أن هناك 25 شابًا منهم 7 من الإسبان وبقيتهم من المغاربة الذين كانوا يعيشون في إسبانيا، لقوا مصرعهم في ميادين القتال.
الإرهاب العابر للقارات لن يتوقف في المستقبل القريب، فكل دول العالم مهددة اليوم وخاصة منها تلك المشاركة في التحالف الستيني
إن استهداف تنظيم الدولة لإسبانيا لم يكن اعتباطيًا وإنما كان هدفه الأساس تدميريًا، فمن ناحية يهدف التنظيم إلى ضرب القطاع السياحي الذي يعتبر أحد أهم الموارد الرئيسية للدولة، ومن ناحية أخرى، يراهن على بث الخوف في صفوف الإسبانيين وتحريضهم للضغط على حكومتهم للانسحاب من التحالف الدولي الذي أفقد التنظيم قدرته على الهجوم ودمر المناطق التي كان يسيطر عليها.
يبدو أن الإرهاب العابر للقارات لن يتوقف في المستقبل القريب، فكل دول العالم مهددة اليوم وخاصة منها تلك المشاركة في التحالف الستيني، كما أن أسباب بروز أنياب الجهاديين لا تزال على حالها خاصة مع صعود موجة الشعبوية والعنصرية التي يؤججها اليمين المتطرف، إضافة إلى تواصل استهداف آلاف المدنيين وتدمير مدن على ساكنيها بالكامل على غرار ما حدث في الموصل والرقة والفلوجة وتكريت والرمادي وغيرهم.
الدعاية الجهادية العابرة للحدود سلاح فتاك بيد تنظيم الدولة، فرغم الضعف الذي عرفه خلال الأشهر الأخيرة، فإنه نجح في استقطاب ودمغجة آلاف المتعاطفين معه خلال السنوات الأخيرة، وكل هؤلاء الشغوفين بمتابعة إصدارات “الدولة” مشروع ذئاب منفردة قادرة على التحرك بمفردها “استجابة لنداءات استهداف دول التحالف”، على غرار ما حدث في “لا رامبلا” أشهر شوارع مدينة برشلونة وأكثرها ازدحامًا.