تجذب الرياضة بأجوائها التنافسية الصاخبة، ومتعتها الممزوجة بقلق الترقب والإثارة، مختلف شرائح المجتمع، فتجد كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، مثقفها وجاهلها، مجتمعين على عشق الرياضة ومتابعة منافساتها الشيقة، لذا لا نستغرب ولع العديد من الأدباء والكتاب بعالم الرياضة والرياضيين، ذلك الولع الذي استقبلته أذهانهم الصافية، وترجمته أقلامهم المبدعة، تحفًا أدبيةً، وروائع خالدةً، دارت أحداثها في فلك الرياضة والرياضيين.
ومن تلك التحف الأدبية، اخترنا لكم خمسة أعمالٍ من صفحات الأدب العالمي، اجتمع فيها جمال الأدب ودقة تصويره وروعته، بحماس الرياضة وصخب منافساتها وإثارتها، لتكون بحقٍ روائع خالدةً تستحق الإعجاب والإشادة:
“كرة القدم بين الشمس والظل” للكاتب إدواردو غاليانو
أول تلك الأعمال وأكثرها شهرةً على الصعيد العالمي، رواية الكاتب الأورغواني إدواردو غاليانو “كرة القدم بين الشمس والظل”، التي صدرت عام 1997 باللغة الإسبانية، وتُرجمت إلى عدة لغاتٍ أخرى، منها العربية والإنجليزية، وهي تحكي قصة كرة القدم منذ انطلاق أولى بطولات كأس عالم عام 1930، وحتى مونديال الولايات المتحدة عام 1994، على شكل روايةٍ شيقةٍ متكاملة، تتضمن مجموعةً من الأحداث والأقاصيص الممتعة، التي ارتبطت ببطولات كأس العالم على مدى 54 عامًا.
بيليه، مارادونا، بوشكاش، كرويف، بيكينباور، وغيرهم من مشاهير الكرة في تلك الحقبة، هم أبطال تلك الرواية، إضافةً إلى المدربين والحكام، وعددٍ من الشخصيات الأخرى المرتبطة بهم، وهي فضلًا عن كونها عملًا وثائقيًا يرصد تاريخ بطولات كأس العالم، تُعتبر تحفةً أدبيةً فلسفيةً عميقةً مليئةً بالحكمة والتأمل، يجتمع فيها الأدب والفكر والثورة والحلم، إلى جانب كرة القدم، التي يراها الكاتب محورًا للعالم، ويشبهها بالشمس التي تدور وتضيء العالم من حولها، كما يرى في كتابه هذا، تعويضًا عن فشله الذريع كلاعب كرة، حيث يقول عن ذلك:
“لقد كنت أشعر أنني بكتابي هذا سأحقق بيدي ما لم أحققه بقدمي، فقد كنت مجرد أخرقٍ ووصمة عارٍ في الملاعب، ولهذا لم أجد وسيلةً سوى أن أطلب من الكلمات ما رغبت فيه كثيرًا وأنكرته عليّ الكرة، من ذلك التحدي ومن ذلك التفكير بالذنب، وُلد هذا الكتاب”.
“الصيف الخطر” للكاتب إرنست هيمنغواي
إذا كانت الرواية الماضية هي الأشهر على صعيد الأدب الرياضي العالمي، فإن كاتب هذه الرواية إرنست هيمنغواي، يعتبر الأشهر على الإطلاق بين الأدباء الذين كتبوا في فلك الرياضة، فقد عُرف الروائي الأمريكي المولود عام 1899 بعشقه الجارف لرياضة مصارعة الثيران، ذلك العشق الذي ظهر في عدة فصولٍ ومواقف من رواياته الشهيرة مثل “الشمس تُشرق أيضًا” و”موت في الظهيرة”.
أما رواية “الصيف الخطر” التي نتحدث عنها، فقد أفردها بالكامل للولوج إلى عالم رياضته المفضلة، حيث دارت أحداثها في إسبانيا، بلد تلك الرياضة وراعيتها، بين اثنين من أفضل المصارعين “الماتادورات”، أحدهما يمثل الجيل القديم بحنكته وهدوئه وخبرته، والآخر صهره الذي يمثل الجيل الصاعد، بعنفوانه واندفاعه وحماسه، حيث ترصد الرواية التنافس المحموم بين الرجلين، في سبيل الانفراد بلقب “الماتادور الأول في إسبانيا”، عبر سلسلةٍ من حفلات المصارعة الخطيرة، التي برع الكاتب بسرد أحداثها المثيرة، ووصف أدق تفاصيلها وخفاياها، بعين الخبير المتابع والأديب المصور، الذي استهواه عالم تلك الرياضة الدموية، التي رأى فيها التقاءً لمعظم مكنونات النفس البشرية، من شجاعةٍ وجرأةٍ وتضحيةٍ وإقدامٍ وأنانيةٍ وغيرةٍ وغرورٍ وعشقٍ للتحدي والمغامرة.
وقد مثلت هذه الرواية آخر أعمال هيمنغواي الأدبية، حيث أتمها عام 1960 قبل وفاته بعامٍ واحد، ولكنها بقيت طي الأدراج نحو ربع قرن، إلى أن طبعها أحد عشاق هيمنغواي ونشرها عام 1985، أي بعد وفاة كاتبها بـ24 عامًا!
“محمد علي” للكاتب توماس هاوسر
كتبٌ كثيرةٌ وأعمالٌ عديدةٌ أُلفت في وصف أسطورة الملاكمة الخالدة محمد علي كلاي، ولكن هذا العمل الرائع الذي أنجزه الكاتب الأمريكي توماس هاوسر عام 1991، يُعد الأكمل على الإطلاق في وصف سيرة أشهر رياضيي عصره، والذي رحل عن عالمنا الصيف الماضي، تاركًا إرثًا ثمينًا، تعدى ما يمكن أن يتركه مجرد بطلٍ في لعبةٍ رياضية، ليغدو أسطورةً خالدةً وعلمًا باسقًا من أعلام الفكر والثورة والتحرر.
رواية “محمد علي”، لم تكتفِ بسرد السيرة الرياضية للملاكم الأمريكي “كاسيوس كلاي”، المولود عام 1942، إنما تسهب في شرح جميع تفاصيل حياته على المستويات كافة، فتتحدث عن رفضه الخدمة في الجيش الأمريكي في أثناء حرب فيتنام، واعتناقه الدين الإسلامي وعلاقته بزعيم جماعة أمة الإسلام “أليجا محمد”، كما تبرز نضاله ضد العنصرية وعلاقته الشهيرة بالزعيم الأسود “مالكوم إكس”، فضلًا عن مسيرته الرياضية الحافلة، ونزالاته المشهودة أمام كبار ملاكمي عصرهم كجورج فورمان وجو فرايزر، وأسلوبه الشهير في الملاكمة الذي يشبهه الكاتب برقص الباليه حينًا، وبتحليق الفراشات وهجوم النحل تارةً أخرى، فيقول عنه: “يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة”.
الرواية التي فازت بـ”جائزة ويليام هيل” كأفضل كتابٍ رياضيٍ لعام 1991، والتي حققت أعلى نسبة مبيعاتٍ في وقتها، جاءت في 544 صفحة، استفاد فيها الكاتب من صداقته بالملاكم الشهير الذي روى له معظم تفاصيل حياته شفويًا، كما استنار الكاتب بآراء جميع من حوله، من زملاء ومدربين ومدراء وأقارب وأعداء أيضًا.
“كرة القدم: الحياة على الطريقة البرازيلية” للكاتب أليكس بيلوس
هي ليست مجرد روايةٍ أو عملٍ أدبي، بل يمكن اعتبارها وثيقةً رسميةً تؤرخ تفاصيل كرة القدم في البرازيل، إذ يعود الكاتب إلى عام 1894، عندما وصل ابن أحد المهاجرين البريطانيين إلى ميناء سانتوس، حاملًا كرتي قدمٍ بين يديه، وهاتفًا بفرح: “هذه شهادتي يا أبي، لقد تخرجت في كرة القدم”!
إنه تشارلي ميلر، الذي تحول إلى بطلٍ قوميٍ في بلاد السامبا، بعد أن أدخل كرة القدم إليها، لتصبح النسغ الذي يجري في عروق البرازيليين بدلًا من الدماء، والهوية التي تميز سكان تلك البلاد الفقيرة، الذين وجدوا في كرة القدم بابًا للفرح والأمل والحرية والمجد والشهرة.
العمل الذي ألفه الكاتب البريطاني المعاصر أليكس بيلوس، والذي صدر عام 2013 وتُرجم إلى عدة لغاتٍ عالمية بينها العربية، لا يروي قصة بيليه وليونداس وغارينشيا وزيكو وسقراط وسائر النجوم الذين صنعوا تاريخ السيليساو الكروي، بل يحكي تاريخ بلدٍ بأكمله، من وجهة نظر أديبٍ عاشقٍ لغاباته وشواطئه وسهوله ووديانه وسحره وجنونه، فيسهب في وصف الحياة في شوارع البرازيل ومدارسها وأنديتها، والمناخ السياسي الذي رافق كل مرحلةٍ من مراحل نمو الكرة فيها، مع التركيز على تأثير كرة القدم على حياة الشعب البرازيلي والذي يتعدى حدود الفوز والهزيمة في لعبةٍ رياضية!
“خطوط المخالفة” للكاتبين جاك ماك كالوم وجون ويرثيم
عبر اثنين من أبرز الكتاب والصحفيين الرياضيين في الولايات المتحدة، كُتبت هذه الرواية الظريفة ذات الأحداث المثيرة، والتي تدور قصتها حول شابٍ طموحٍ يُدعى جمال كيلي، يجد نفسه فجأةً مديرًا للعلاقات العامة في أحد أندية كرة السلة الشهيرة في الولايات المتحدة، وسط ظروفٍ غير مثالية، فيحاول إصلاح الأخطاء الإدارية والمشاكل التجارية في النادي، كما يعيد العلاقات الشخصية بين المدربين واللاعبين والمشجعين إلى مسارها السليم، مستعملًا طرقه ووسائله الخاصة، التي تتميز بالذكاء والطرافة في آن معًا، ليصل في النهاية إلى النجاح المطلوب.
الرواية التي صدرت عام 2006، في 336 صفحة باللغة الإنجليزية، تتسم بالمرح والطاقة الإيجابية، وتصف تفاصيل مباريات لعبة كرة السلة، وترصد المشاعر المشحونة التي تعتمر اللاعبين خلالها، كما توثق تاريخ مرحلةٍ معينةٍ من دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين الـNBA، علمًا بأنها العمل الروائي الوحيد في تاريخ ماك كالوم، الذي اشتُهر بكتابته سيرًا ذاتيةً لأساطير كرة السلة الأمريكيين، كمايكل جوردان وماجيك جونسون.