عاد ستيف بانون كبير مخططي الاستراتيجيات السياسية في البيت الأبيض إلى عمله كرئيس تنفيذي في الموقع الإلكتروني “برايتبارت نيوز” الذي أنشأه لحساب تيار من اليمين الأمريكي المتطرف يقدم نفسه تحت اسم اليمين البديل، يأتي هذا بعد قرار ترامب بالتخلي عن بانون أمس الجمعة، وهو الذي ساعده على الفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية، بعد أسابيع من التكهنات ووسط أجواء توتر في البيت الأبيض بعد الحادثة العنصرية في ولاية فرجينيا.
بانون المعروف عنه معاداته للسامية والمرتبط بالمجموعات العنصرية من الأمريكيين البيض المعادين للأقليات، ذكر لموقع بلومبيرغ نيوز بعد مغادرته البيت الأبيض: “إذا كان هناك أدنى التباس فاسمحوا لي بتوضيح الأمور، أنا أغادر البيت الأبيض وأذهب للكفاح من أجل ترامب وضد معارضيه في الكابيتول ووسائل الإعلام وعالم الأعمال”.
موجة من الاستقالات
تأتي إقالة ستيف بانون بعد موجة من الاستقالات ضربت البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي خاصة بعد أحداث العنف في مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا التي فجرتها جماعات اليمين المتطرف والعنصريون البيض والنازيون الجدد، حيث لقيت امرأة تبلغ من العمر 32 عامًا حتفها وأصيب 19، عندما دهس رجل بسيارة مجموعة تحتج على مسيرة لعنصريين بيض في المدينة.
في حال استقالة ترامب فقد تؤول الرئاسة إلى نائبه مايك بينس الذي يعد مختلفًا عن ترامب ويعتبر أحد المحافظين المتشددين، تمتع بنس باحترام كثير من النواب الجمهوريين
ويعتقد كثيرون أن ما دعا إلى إقالة بانون الاعتقاد بأنه من دفع الرئيس إلى التعامل مع أحداث فيرجينيا بالصورة التي بدا فيها ترامب وكأنه منحاز إلى صف العنصريين والنازيين الجدد، وهو ما أثار موجة غاضبة وواسعة ضد الرئيس، شملت حتى العديد من مقربيه والجمهوريين، وتصحيحًا لموقف الرئيس كان ستيف بانون كبش الفداء، بالتخلي عنه وإظهار الرئيس بأنه ليس في إدارته من يقبل العنف والعنصرية وينحاز لجماعات اليمين المتطرف.
تلك الأحداث أدت لإعلان استقالة 3 من المجلس الاستشاري في البيت الأبيض، في لجنة المصنعين الأمريكيين، تعنى تلك اللجنة بإسداء النصح للرئيس الأمريكي بشأن أفضل سبل تطوير وإنعاش الصناعات في البلاد. وأولئك الأشخاص لهم وزنهم وثقلهم في الولايات المتحدة والسوق الصناعية بأمريكا والعالم، وهم الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” للتكنولوجيا بريان كرزانيتش، الرئيس التنفيذي لشركة “أندر أرمور” للمنتجات الرياضية كيفن بلانك، رئيس مجلس إدارة ومدير شركة “ميرك وشركاه” للأدوية كينيث فريزر.
ستيف بانون
قال بيان صادر عن كرزانتيش: “استقلت لألفت النظر إلى الضرر الذي يلحقه المناخ السياسي المليء بالاستقطاب بالعديد من المسائل العامة ومن بينها الصناعات الأمريكية”، وقال بلانك في تغريدة على موقع تويتر “تعمل أندر أرمور في الإبداع والرياضة لا في السياسة”، فيما أعلن فريزر سبب استقالته بشكل صريح بأنها جاءت احتجاجًا على التعصب والتطرف في أعقاب أحداث العنف التي شهدتها مؤخرًا ولاية فرجينيا.
لم يبق من حاشية ترامب الذين دخلوا معه للبيت الأبيض سوى صهره جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب، بعد سلسة الاستقالات المتتالية على مدار الأشهر الـ7 الماضية، التي تدل على هشاشة إدارة ترامب وتصدعها
وقال في بيان نشره على حساب الشركة بموقع تويتر: “قوة بلادنا تنبع من تنوعها، والإسهامات التي قدمها رجال ونساء من مختلف الأديان والأعراق والميول الجنسية والمعتقدات السياسية، على القادة الأمريكيين تكريم قيمنا الأساسية عن طريق رفضهم الواضح تعابير الكراهية والتعصب والجماعات التي تدعي تفوقها، والذي هو بالضد من المثل الأمريكية العليا في أن كل الناس خلقوا متساوون“.
إقالة بانون أتت كما الإقالات التي حصلت مسبقًا منذ مايكل فلين إلى كبير المسؤولين رينش بريبوس والمتحدث الرسمي في البيت الأبيض شون سبايسر الذي استقال مؤخرًا احتجاجًا على تعديل في فريق الاتصالات الحكومي.
وكان مدير الاتصالات في البيت الأبيض مايك دوبكي قد قدم استقالته في 18 من مايو/أيار الماضي بعد مرور 3 أشهر فقط على توليه منصبه، وكذلك استقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايكل فلين بعد فضيحة اتصالات مع روسيا، واتهم فلين بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة، وأفادت تقارير أنه ضلل مسؤولين أمريكيين بشأن محادثته تلك مع السفير الروسي.
الرئيس ترامب وحيدًا
خروج بانون من البيت الأبيض إعلان نجاح مؤسسة الاستبلشمنت، وأن الجمهوريين تمكنوا عمليًا من تطويع قرارات الرئيس ترامب لصالح أجندتهم وأساليبهم التقليدية، وقد اعترف بانون بذلك عندما قال في تصريحات صحافية مع” بلومبرغ” و”ويكلي ستاندرد” إن زخم رئاسة ترامب انتهى، وتوقع أن تنتهج إدارة ترامب بعد استبعاده أساليب أكثر تقليدية.
مع ذلك لم يشف إقالة بانون من الحملة الشرسة ضد ترامب من الجمهوريين والديمقراطيين، حيث صدرت مواقف عدة من أعضاء جمهوريين في الكونغرس تضمنت دعوة غير مباشرة لعزل الرئيس من منصبه، وقالت نيلسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية، إن الإطاحة بأحد أكبر رموز اليمين المتطرف من البيت الأبيض لا يعفي الرئيس من تصويب موقفه من النازيين الجدد والعنصريين البيض، وأشار بيان صادر عن اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي أنه رغم إبعاد بانون فإنه لا يزال يقيم في البيت الأبيض أحد أكبر المتطرفين عنصريًا، في إشارة إلى ترامب الذي دعاه البيان للاستقالة.
على كل حال، لم يبق من حاشية ترامب الذين دخلوا معه للبيت الأبيض سوى صهره جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب، بعد سلسة الاستقالات المتتالية على مدار الأشهر الـ7 الماضية، التي تدل على هشاشة إدارة ترامب وتصدعها.
يعتقد كثيرون أن ما دعا إلى إقالة بانون الاعتقاد بأنه من دفع الرئيس إلى التعامل مع أحداث فيرجينيا بالصورة التي بدا فيها ترامب، وكأنه منحاز إلى صف العنصريين والنازيين الجدد
فمنذ مجيء ترامب إلى السلطة والمآزق لم تتوقف، وبعد كل مشكلة وتسريب للمعلومات تضرب البيت الأبيض تحصل إقالات في صفوف طاقم الرئيس، وتعد مسألة تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية والتي يُعتقد أن روسيا كان لها دور كبير في وصول ترامب إلى السلطة إحدى أكبر المسائل التي لا تزال تعصف بإدارة ترامب وتحصد المزيد من موظفي البيت الأبيض وطاقم ترامب.
ويُعتقد أن من يشرف على إعادة ترتيب البيت الأبيض هم مجموعة من الجنرالات من بينهم رئيس طاقم الموظفين الجنرال جون كيلي، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي الجنرال هربرت مكماستر، وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس.
نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس
لا يبدو أن المشكلة من أولئك الأشخاص الذين تمت إقالتهم بقدر ما تظهر من ربان البيت الأبيض، ترامب، والذي سيأتي دوره عاجلًا أو آجلًا بسبب سياساته الغريبة وعدم خبرته في السياسة وفوضويته في إدارة الأحداث إلى جانب عدائه لمؤسستي الإعلام والاستخبارات واللتين صممتا على الإطاحة به، وفي هذا السياق يرى صحفيون أمريكيون أن ترامب قد لا يكمل للخريف المقبل على أبعد تقدير.
وفي حال حصول هذا السيناريو فقد تؤول الرئاسة إلى نائبه مايك بينس والذي يعد إلى حد كبير مختلفًا عن ترامب ويعتبر أحد المحافظين المتشددين، في الوقت الذي يستهتر فيه ترامب بالمدارس العقائدية، إضافة إلى أنه أكثر صلابة وانضباطًا من ترامب المعروف باندفاعه ويصعب التكهن بردود أفعاله، وكذلك يتمتع بنس باحترام الكثير من النواب الجمهوريين، وجعلت الرزانة وثبات شخصيته منه أحد أبرز شخصيات واشنطن، فهل تشهد أمريكا انتقالًا سلسًا للرئاسة من ترامب إلى نائبه مايك بنس ليدير دفة الرئاسة فيما تبقى من فترة رئاسته.