في الوقت الذي تعالت فيه حدة الانتقادات القطرية ضد المملكة العربية السعودية بشأن وضع العراقيل أمام سفر الحجاج القطريين لأداء فريضة الحج، قابلها رفض سعودي لما أطلقت عليه محاولة الدوحة “تدويل” الأزمة، فوجئ الجميع بخبر تناقلته وكالة الأنباء السعودية يفيد بأن العاهل السعودي “أمر بإرسال طائرات الخطوط الجوية السعودية إلى الدوحة لنقل الحجاج القطريين كافة على نفقته الخاصة، كما أمر بالسماح للحجاج القطريين بالعبور إلى المملكة عبر المنفذ البري من دون تصاريح إلكترونية”.
القفزة النوعية في الموقف السعودي من رفض تام لفتح معبر سلوى والذي يعد النافذة البرية الوحيدة بين الرياض والدوحة والمغلق منذ 5 من يونيو الماضي إلى فتحه دون تصاريح وتحمُل المملكة نقل القطريين وإقامتهم ومعيشتهم على نفقتها الخاصة، أثارت الكثير من الجدل وفرضت العديد من التساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة التي زرعت بذور الريبة لدى البعض بينما رآها آخرون باعثًا للتفاؤل بشأن انفراجة مرحلية في الأزمة الخليجية.
الخبر في صورته الأولية ربما يكون مقبولاً لدى البعض رغم حالة الغموض التي خيمت علي توقيته ومضمونه، إلا أن عزف وسائل الإعلام الرسمية السعودية على أن هذه الخطوة جاءت نتيجة وساطة من الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، حفيد ثالث حكام قطر الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، والذي التقى العاهل السعودي في مقر إقامته في طنجة المغربية بعد يوم واحد فقط من اجتماع جمعه وولي العهد محمد بن سلمان في قصر السلام في جدة، نقلته من مرحلة الغموض إلى الشك والترقب في ظل ما تبعث به من رسائل سياسية تهدف إلى إحراج الدوحة.
هذا التصعيد الذي وصفه البعض بأنه “تجاوز للخطوط الحمراء” أثار العديد من التساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء التحركات السعودية الأخيرة وسيناريوهات استخدام الرياض لبن علي آل ثاني ضد قطر.
لماذا الآن؟
بعد فشل دول الحصار في تحقيق أهدافها طيلة 74 يومًا منذ قطع العلاقات مع قطر رغم استخدام الأوراق المتاحة من مقاطعة دبلوماسية وحصار اقتصادي بري وبحري وجوي وتهديد عسكري -غير رسمي أحيانا- ، في مقابل نجاح الدوحة في عبور الأزمة من خلال عدد من الاستراتيجيات والجهود المبذولة في مختلف الاتجاهات، يبدو أن الرياض ارتأت أن تلجأ إلى ورقة جديدة في هذا المضمار، لكنها هذه المرة تختلف في الشكل والمضمون، وتحمل تصعيدًا خطيرًا للأزمة غير مسبوق، ومن هنا كان اختيار أحد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر لاستخدامه بما يحقق الأهداف السعودية حيال الدوحة، لذا كان اختيار الشيخ عبد الله آل ثاني.
عبد الله بن علي بن جاسم آل ثاني، هو أحد كبار الأسرة الحاكمة في قطر، ولد عام 1957، وهو الابن التاسع لحاكم قطر السابق الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني وحفيد حاكم قطر عبد الله بن جاسم آل ثاني، وأخو الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، ويقيم حاليًا بمنطقة عرعر في السعودية.
فرض هذا الاسم نفسه على الساحة خلال اليومين الماضيين، وذلك حين التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قصر السلام بمدينة جدة، مساء الأربعاء ليلتقي بعدها مباشرة في اليوم التالي بالعاهل السعودي في طنجة بالمغرب، في لقاء تناقلته وسائل الإعلام السعودية بحفاوة غير معهودة.
حفاوة غير مسبوقة استقبل بها الإعلام السعودي والإماراتي خبر لقاء المسؤول القطري مع سلمان ونجله في جدة وطنجة، أثارت العديد من علامات الاستفهام
في اللقاء الأول الذي جمعه بولي العهد السعودي ثمن آل ثاني دور القيادة السعودية وعمق العلاقات مع الشعب القطري، فيما بعث محمد بن سلمان برسالة إلى القيادة القطرية، أكد فيها عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعب السعودي والشعب القطري، وبين القيادة في السعودية والأسرة المالكة في قطر.
وفي اليوم التالي اجتمع مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في مقر إقامته في طنجة، حيث دار الحديث عن “عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين شعبي المملكة العربية السعودية ودولة قطر” وتشديد سلمان على “حرص المملكة واهتمامها الدائم والمستمر براحة حجاج بيت الله الحرام وتسخيرها الإمكانيات كافة ليؤدوا مناسكهم بكل ويسر وسهولة واطمئنان”.
بينما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن عبد الله آل ثاني شكره وتقديره للعاهل السعودي بسبب “موافقته على ما رفعه نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان، بخصوص دخول الحجاج القطريين إلى السعودية عبر منفذ سلوى الحدودي لأداء مناسك الحج، والسماح لجميع المواطنين قطريي الجنسية، الذين يرغبون في دخول المملكة لأداء مناسك الحج من دون التصاريح الإلكترونية”، موضحًا أن ذلك بناء على “وساطته”.
أن تستقبل السعودية عن طريق ملكها وولي عهدها عبد الله بن علي بن جاسم آل ثاني، والاحتفاء الإعلامي واسع النطاق بهذا الاستقبال، وما نجم عنه من قرارات ورسائل ضمنية بعثت بها القيادة السعودية للشعب القطري، فهذا وفق مراقبين يحمل نوايا “غير بريئة” كشف عنها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي عقده في السويد الخميس الماضي، حين قال: “على الرغم من أنه كان من دوافع سياسية منع الشعب القطري من الحج وسياسيًا من السماح لهم، ونحن نرحب بهذه الخطوة التي تعتبر خطوة إلى الأمام للتخلص من هذا الحصار المفروض على بلدي”.
وهو ما أشار إليه الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، أن زيارة عبد الله بن علي كانت فقط “بهدف حل بعض الأمور المتعلقة بممتلكاته الشخصية في حائل”، وتابع في تغريدة له على حسابه الشخصي على “تويتر” “وعندما تطرق لموضوع عراقيل الحج، وجدوها فرصة أن يخرجوا من هذا المأزق”.
ولي العهد السعودي خلال استقباله عبد الله آل ثاني في قصر السلام بجدة
الإعلام يعزف
حفاوة غير مسبوقة استقبل بها الإعلام السعودي والإماراتي خبر لقاء بن علي آل ثاني مع سلمان ونجله في جدة وطنجة، أثارت العديد من علامات الاستفهام، خاصة أنها تأتي بحسب البعض في إطار “المكايدة السياسية” التي يبديها إعلام الرياض وأبو ظبي ضد قطر.
قناة “العربية” أفردت مساحات كبيرة لهذا اللقاء، وأعدت تقريرًا عن الرجل وصفته فيه بأنه “سليل أسرة باني قطر الحديثة”، وقالت إنه يحظى بقبول داخل الأسرة الحاكمة في قطر، مستعرضة الإنجازات التي حققتها قطر في عهد حكم عائلته التي عرف عنها – بحسب “العربية” – حسن تثبيت ركائز الحكم وإدارة الدولة، وحسن التعامل مع دول الجوار في القرن الماضي، كما أنه في عهد جده عبد الله بن علي آل ثاني حاكم قطر شهدت دولة قطر نهضة ملحوظة ونقلة حضارية بإنتاج البترول من حقول دخان البرية والحقول البحرية، وهو الحال أيضًا مع موقع قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتي.
أما صحيفة “سبق” الإلكترونية السعودية، فألقت الضوء على فترة ولاية “ابن جاسم آل ثاني” في أثناء حكمهم قطر الذي امتد بين عامي 1913 و1972، والتي شملت اكتشاف أول حقل نفط بحري بالعالم، وتصدير النفط للخارج لأول مرة، وإنشاء إذاعة وتليفزيون قطر، وصكّ أول عملة قطرية، وتقديم الماء والكهرباء مجانًا للشعب القطري.
بعد فشل دول الحصار في تحقيق أهدافها طيلة 74 يومًا منذ قطع العلاقات مع قطر رغم استخدام الأوراق المتاحة يبدو أن الرياض ارتأت أن تلجأ إلى ورقة جديدة في هذا المضمار، لكنها هذه المرة تختلف في الشكل والمضمون
مؤامرة تحريضية
بعد أقل من ساعات من قرار العاهل السعودي بفتح معبر سلوى أمام الحجاج القطريين بناء على ما أوردته وكالة الأنباء السعودية كونه نتيجة وساطة الشيخ القطري، فوجئ الجميع بتدشين حساب على “تويتر” يحمل اسم (الحساب الرسمي للشيخ عبد الله علي آل ثاني) لتكون أولى تغريداته بعد بسم الله الرحمن الرحمن “شكرًا ياخادم الحرمين وشكرًا يا ولي العهد على استقبال وإكرام أخيكم وقبول وساطته وهذا طبع إخوان نورة”.
شكراً ياخادم الحرمين وشكراً يا ولي العهد على استقبال وإكرام أخيكم وقبول وساطته وهذا طبع إخوان نورة.
— عبدالله علي آل ثاني (@abdullahthanii) August 18, 2017
ثم أعقبها بتغريدة أخرى: “ما وجدته من حرص الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان على الشعب القطري دعاني لطلب تخصيص رقم للاتصال لتسهيل زيارات القطريين لأقاربهم وحلالهم”ً.
ماوجدته من حرص الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان على الشعب القطري دعاني لطلب تخصيص رقم للاتصال لتسهيل زيارات القطريين لأقاربهم وحلالهم.
— عبدالله علي آل ثاني (@abdullahthanii) August 18, 2017
وبدأت الأمور تتضح رويدًا رويدًا مع التغريدة الثالثة : “تفضل الملك كعادته بالموافقة وأمر بتخصيص غرفة عمليات خاصة بطاقم سعودي تتولى شؤون القطريين وتكون تحت إشرافي في ظل قطع العلاقات”.
تفضل الملك كعادته بالموافقة وأمر بتخصيص غرفة عمليات خاصة بطاقم سعودي تتولى شؤون القطريين وتكون تحت إشرافي في ظل قطع العلاقات
— عبدالله علي آل ثاني (@abdullahthanii) August 18, 2017
البعض يذهب إلى التشكيك في هذا الحساب كونه أحد إفرازات اللجان الإلكترونية السعودية التي تسعى إلى الإساءة لقطر، معززين رأيهم بعدد من الأدلة:
الأول: نفي نجل الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني امتلاك والده لأي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غرد علي بن عبد الله بن علي آل ثاني يقول: #بيعتي_لتميم هذا الحساب لا يمثل أبوي الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله آل ثاني وحسبي الله ونعم الوكيل.
#بيعتي_لتميم هذا الحساب لا يمثل ابوي الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله ال ثاني وحسبي الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/zadVNuj7is
— A.A.A.AlThani (@AAA_Althanii) August 18, 2017
الثاني: دخول سعود القحطاني، المستشار الإعلامي في الديوان الملكي والمقرب من محمد بن سلمان، على خط التمجيد في عبدالله آل ثاني، وهو ما أثار سخرية العديد من القطريين.
القحطاني المعروف عنه كونه أداة ترهيب المغردين وأحد أبرز قياديي اللجان الإلكترونية السعودية غرد يقول: جزاك الله خيرًا سمو الشيخ وقواك الله لخدمة الشعب القطري الشقيق يابن الأكرمين وسليل الحكام”.
جاه الكرام مقدر عند الكرام.
جزاك الله خير سمو الشيخ وقواك الله لخدمة الشعب القطري الشقيق يا ابن الأكرمين وسليل الحكام.— سعود القحطاني (@saudq1978) August 18, 2017
بعض الأصوات ألمحت إلى أن القحطاني من دشن حساب عبدالله بن علي، وهو ما جاء على لسان أحد المغردين: “ذكرني باللي يسوي حساب ويدخل يمدح نفسه من حسابه الثاني”.
ذكرني باللي يسوي حساب
ويدخل يمدح نفسه من حسابه الثاني
????? pic.twitter.com/EPcCl5fLOf— سعود المعاضيد (@saoudalmaadeed) August 18, 2017
بحسب ما نقله”العربي الجديد” فإن “هناك حملة تحريضية ممنهجة ومؤامرة سعودية إماراتية ضد الدوحة تجلت خيوطها في التغريدات المتلاحقة التي تبايع الشيخ القطري، حيث كتب مغرّدون سعوديّون: “تبن علي هو الممثل الشرعي للقطريين”، وأنّه “أمير قطر القادم”، وهي خطوة وصفها الموقع بأنها “تؤكّد المؤامرة السعودية – الإماراتيّة للانقلاب على القيادة القطريّة، بعد إثبات الأخيرة تمسّكها بسيادة قطر وبالقانون بعيدًا عن الاتهامات الكاذبة لدول الحصار”.
من يغرد عبر حساب #عبدالله_بن_علي_آل_ثاني هو سعود القحطاني .. ١٠٠٪
— الدكتور حزام الحزام (@hazam_ksa) August 18, 2017
علاوة على ذلك فإن هناك تحيز واضح من إدارة شركة “تويتر” في الشرق الأوسط والتي يقع مقرها في دبي لصالح السعودية والإمارات ضد قطر، وهو ما تجسد في أكثر من موقف، منها نشر أخبارٍ مكثّفة عن الإمارات تجعلها في صورة متقدمة في مقابل تجاهل الأخبار القطرية، وكان “تويتر” قد أقفل حساب قناة “الجزيرة” ثم أعاده في السابع عشر من يونيو/حزيران الماضي، وسط حملة دول الحصار التحريضيّة على القناة، مما طرح أسئلةً كبيرة عن الضغط السعودي – الإماراتي على الشركة.
فيما علق الإعلامي جابر المري تعليقًا على قرار فتح المعبر أمام الحجاج القطريين بناء على وساطة الشيخ عبدا لله آل ثاني بقوله: حج القطريين حق لا يقبل المنة ولا المزايدة، ولسنا بحاجة لنفقة الملك، أطال الله في عمر أميرنا الشيخ تميم بن حمد”.
كما اتهم الرياض بـ”تسييس” الحج حيث غرد يقول: “مجرد الحديث عن وساطات (في إشارة إلى وساطة الشيخ عبد الله بن علي)، فإن هذا دليل على أن السعودية تسيس الحج وهذا ما لا يقل سياسيًا ودينيًا، وحجاج قطر ليسوا لاجئين لكي يدفع بهم إلى المجهول”.
2️⃣
وعندما تطرق لموضوع عراقيل الحج، وجدوها فرصة أن يخرجوا من هذا المأزق، وحولوا الأمر إلى قبول وساطة— عبدالرحمن بن حمد (@ahjh_althani) August 17, 2017
ماذا تريد السعودية؟
خلال 48 ساعة فقط بات بن علي آل ثاني محط أنظار الإعلام السعودي والإماراتي على حد سواء، وفي إطار حالة الجدل التي أثارها هذا التصعيد المفاجئ بات الحديث عن سيناريوهات استخدام هذا الرجل ضد قطر تساؤلا يفرض نفسه على الجميع سواء في الدوحة أو الرياض.
أولا: التدخل العسكري.. البعض ذهب إلى أن قطر ومنذ بداية الأزمة تثير حفيظة السعوديين بصورة كبيرة، كونها عائقًا أمام التحركات السعودية الإماراتية في المنطقة، وهو ما كشفته بعض التصريحات هنا وهناك في الفترة الأخيرة لعل أبرزها تسريبات يوسف العتيبة، والتي كشفت أن الدافع لحقيقي وراء الأزمة الخليجية كان عرقلة الدوحة توجهات أبو ظبي والرياض في جعل أنظمة المنطقة “علمانية”.
ولكن هنا سؤال يفرض نفسه: بعيدًا عن الأساليب التي ثبت فشلها منذ بداية الأزمة.. ماهي الإستراتيجيات الجديدة التي تملكها الرياض للضغط على الدوحة؟ البعض ذهب في تكهناته إلى احتمالية التدخل العسكري، وهذه النقطة سعت الدوحة لتأمينها بصورة كبيرة من خلال القاعدة العسكرية التركية، كما استبعد محللون أن تقع الرياض في هذا المستنقع خاصة أنه سيكون شهادة وفاة حقيقية لمجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى ذلك فمن الصعب إقناع واشنطن بهذه الخطوة في ظل وجود قاعدة العديد العسكرية في الدوحة.
ثانيًا: انقسام شعبي.. أما النقطة الثانية فتتمثل في إحداث فتنة وانقسام شعبي داخل قطر في مقابل تسليط الضوء على شخص آخر يتم تصعيده إعلاميًا، بالتزامن مع اتخاذ بعض القرارات لمغازلة القطريين كفتح منفذ سلوى البري والسماح لهم بالحج على نفقة المملكة، إلا أن الشواهد على أرض الواقع تشير إلى صعوبة مثل هذه الخطوة خاصة مع بداية الأزمة حيث اعتبر القطريون أن الحصار كان موجهًا لهم في المقام الأول وليس للنظام وهو ما زاد من دعمهم ومؤازرتهم لبلدهم.
أن تستقبل السعودية عن طريق ملكها وولي عهدها لعبد الله بن علي بن جاسم آل ثاني، والاحتفاء الإعلامي واسع النطاق لهذا الاستقبال، وما نجم عنه من قرارات ورسائل ضمنية بعثت بها القيادة السعودية للشعب القطري، فهذا وفق مراقبين يحمل نوايا “غير بريئة”
ثالثًا: الضغط على قطر.. السيناريو الثاالث الذي ذهب إليه البعض تفسيرًا للتحركات السعودية الأخيرة، هو ممارسة الرياض الضغط على الدوحة عبر ورقة عبد الله بن علي آل ثاني، في محاولة لإثنائها عن موقفها الصامد ضد دول الحصار وتمسكها بمبادئها التي أعلنتها رفضًا لإملاءات ومطالب الدول الأربعة.
نجاح الدوحة خلال الشهرين الماضيين في الصمود أمام أسلحة دول الحصار السياسية والاقتصادية والإعلامية كافة كان المفاجأة غير المتوقعة لكثير من المقربين من دوائر صنع القرار في العواصم الأربعة (الرياض -أبو ظبي – المنامة – القاهرة) ومن ثم كان لا بد من إيجاد ورقة ضغط جديدة يمكن العزف عليها عبر مغازلة الشعب القطري واستمالته، وهو ما فطن إليه القطريون سريعًا حسبما تجسد تغريداتهم على “تويتر” ردًا على تصريحات اللجان الإلكترونية السعودية.
رابعًا: الوساطة.. وهذا الرأي الذي يتبناه بعض المتفائلين بشأن نقاء التحركات السعودية الأخيرة من أي شوائب سياسية تآمرية كونها خطوة للوراء تسعى من خلالها إلى التقارب مع الدوحة عبر تخفيف قيود السفر للحج، وهو ما يفنده تعاطي السعوديين – مسؤولين ومواطنين عاديين ولجان إلكترونية – مع تصعيد ابن علي آل ثاني كونه أمير قطر القادم حسبما وصف بعض المغردين.
أني أرى الشيخ #عبدالله_بن_علي_المجد يعتلي عرش قطر بزفة من الحرس الأميري و تأيد من الشعب القطري
ويلٌ لمن وضعت أسمائهم في #القائمة_السوداء.— دلال القحطاني (@dalalbntmohamad) August 18, 2017
ترقب يشوبه الحذر
حالة من الترقب والقلق أثارها التطور النوعي في التوجهات السعودية التي كشفت عنها التحركات الأخيرة التي تستهدف “تفخيخ” الأسر الحاكمة في محاولة لإسقاطها أو إعادة هيكلتها بما يتماشى مع توجهات الرياض ومعها أبو ظبي، وهو ما يخالف العقيدة القديمة للمملكة والتي كانت تتجنب الولوج في هذه المنطقة الحمراء.
فالعزف السعودي على هذا الوتر ربما يحمل بين نغماته قنابل موقوتة قد تطيح بالعديد من الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج، ولربما تكون الرياض أول من يدفع فاتورة هذا العزف الجديد، خاصة في ظل ما تعاني منه البنية الداخلية السياسية للمملكة من تناقضات كفيلة أن تكون معول هدم سريع لنظام آل سعود على وجه الخصوص ومجلس التعاون عامة.
فالمستجدات التي شهدتها السعودية خلال الفترة الأخيرة على رأسها انقلاب القصر الذي أطاح بولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وتصعيد محمد بن سلمان بدلا منه، وما كان لهذه الخطوة من انعكاسات على التيار الداعم لبن نايف في المملكة سواء في الداخل أو الخارج، يفترض أن تكون كفيلة أن تدفع الرياض إلى تجنب الدخول في هذه الدائرة المفرغة من الداخل كون نظامها أول من قد يفقد بوصلته بداخلها.
وهكذا تدخل الأزمة الخليجية مرحلة جديدة من التصعيد غير المتوقع، لجأت فيها الرياض إلى استخدام آخر ما تبقى لديها من أوراق، وتبقى الأيام القادمة وتعاطي القطريين مع الخطوة السعودية الأخيرة هي الفيصل في مدى نجاح مثل هذه الورقة التي ستزيد – بلا شك – من حجم التصدع في العلاقات بين الدوحة وشقيقتها الكبرى.