يصدر في العالم ما يُعرف بـ”مؤشر الابتكار العالمي” منذ العام 2007 وهو تقرير حالة الابتكار في العالم ويقيسها في 127 دولة حول العالم، ويشارك في نشره كل من جامعة كورنيل والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال “إنسياد” والمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة المتخصصة.
يهدف تقرير المؤشر إلى ترتيب القدرات الابتكارية لاقتصادات العالم ونتائجها، ويعد الابتكار محركًا للنمو والازدهار في الاقتصاد، والدول بحاجة إلى الابتكار والإبداع لتطوير الاقتصاد والمضي قدمًا في مسيرة التنمية المستدامة، ومن بين الأمور التي يعتمد عليها المؤشر مستوى البحث والتطوير الحاصل في البلد.
وجدير بالذكر أن الابتكار يعد أحد أهم سمات التحول من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد المعرفة، وهو مفتاح التنمية الاقتصادية ويمكن أن يعتمد عليه أي اقتصاد كمورد رئيسي للتنمية ورافد لعملية النمو في البلاد.
وحسب ما صرح به المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية فرانسس غري، فإن الابتكار “محرّك النمو الاقتصادي في اقتصاد عالمي يزداد اعتمادًا على المعرفة، ولكن المزيد من الاستثمار في الابتكار ضروري لتعزيز الإبداع البشري والانتاج الاقتصادي”، وأضاف قائلاً “يمكن للابتكار أن يساعد على تحويل الانتعاش الاقتصادي الحالي إلى نمو طويل الأجل”.
عالم يغص بالمتغيرات
في عالم يملأه التغيير والتحول وظهور العديد من المشكلات الجديدة ليس لدى الإنسان في الوقت الحالي سوى التسارع المعرفي والابتكار لإيجاد حلول لتلك المشكلات بما يتلاءم مع التغييرات، وتوظيف الابتكار في مختلف التخصصات والاتجاهات أنتج عبر التاريخ صنع العجلة ومن ثم السيارة وبعدها الطائرة ومن ثم الصاروخ، وانتقل العالم من السهام والرماح إلى الرصاص والقنابل وقذائف تعبر القارات، كما انتقل العالم لعلاج أصعب الأمراض المستعصية بفضل ابتكار أمصال وأدوية للأمراض المنتشرة، كل هذا بفضل الابتكار (المحرك الرئيسي لتطور المجتمع ونمو الاقتصاد).
بقدر ما تملك الدولة اكتشافات وابتكارات وإنجازات علمية، بقدر ما تحقق تنافسية عالية وإمكانيات فائقة ونمو متواصل
ويعرف الابتكار بأنه إيجاد شيء جديد لم يسبق استحداثه من قبل، أو تطوير شيء موجود أصلاً من خلال إعادة تصنيعه وهيكلته بطريقة جديدة ومختلفة تمامًا عن القديمة، كما يُمكن تعريف الابتكار بأنّه توجيه القدرات العقليّة وتسخيرها في إيجاد فكرة جديدة، ويمكن تطبيقها.
أما فيما يخص مجالات الابتكار فهي كثيرة، حيث تشمل المجالات التكنولوجيّة كافة وتطبيقاتها من الأجهزة والمعدات، والمجالات العلمية التي تضمّ المجالات الفيزيائية والكيميائية كابتكار تطبيقات وأجهزة علميّة تخدم المجال العلمي والمجالات الطبية التي تضم كلاً من الصحة والطب والصيدلة، كابتكار علاج جديد.
وكذلك يدخل الابتكار المجالات الاجتماعية كإيجاد حلول للفقراء، وفي المجالات الصناعية كابتكار معدات جديدة أو إدخال تحسيات على أخرى قديمة، والمجالات الإدارية كابتكار خطط إنتاج جديدة توفر الطاقة والجهد والمال، وغيرها من المجالات الأخرى.
على الصعيد العربي، فقد حلت دولة الإمارات في صدارة اللائحة للعام 2017 فيما حصدت المرتبة 35 على الصعيد العالمي وحلت قطر في المركز الثاني عربيًا والـ49 عالميًا
ويرتكز حساب الابتكار على مؤشرين، الأول يتعلق بمدخلات الابتكار والثاني مخرجات الابتكار، بالنسبة لمدخلات الابتكار فهي تقسم إلى كل من المؤسسات ورأس المال البشري والبحث والبنية التحتية وتطور الأسواق وتطور الأعمال، أما لمخرجات الابتكار فتقسم إلى المخرجات المعرفية والتكنولوجية والمخرجات الإبداعية.
طوال السبع سنوات الماضية حلت سويسرا في المركز الأول ضمن قائمة مؤشر الابتكار العالمي لعام 2017 لقدرتها على تحقيق جميع ركائز نموذج مؤشر الابتكار، خاصة فيما يتعلق ببيئة الأعمال والقدرة على تحويل الموارد المتاحة إلى مخرجات مبتكرة.
وجاء بعد سويسرا كل من السويد وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدنمارك وسغافورة وفنلندا وألمانيا وإيرلندا في المراكز العشر لأكثر البلدان ابتكارًا في العالم لعام 2017، وعلى الصعيد العربي، فقد حلت دولة الإمارات في صدارة اللائحة للعام 2017 فيما حصدت المرتبة 35 على الصعيد العالمي وحلت قطر في المركز الثاني عربيًا والـ49 عالميًا.
اقتصاد المعرفة
في الواقع، من يملك التكنولوجيا بطريقة فعالة، يملك الثروة والسلطة وهذا جرى عبر التاريخ، فالمصريون القدماء والصينيون والإغريق والرومان بنوا حضاراتهم على أساس المعرفه سواء في الزراعة أوالبناء أوالنقل وأمور أخرى كل حسب الزمن الذي عاش فيه والقدرات التي كانت متوفرة لديه.
طوال السبع سنوات الماضية حلت سويسرا في المركز الأول ضمن قائمة مؤشر الابتكار العالمي لعام 2017 لقدرتها على تحقيق جميع ركائز نموذج مؤشر الابتكار، خاصة فيما يتعلق ببيئة الأعمال والقدرة على تحويل الموارد المتاحة إلى مخرجات مبتكرة
وكذلك في العصر الحديث، فكل من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان لديهم الثروة والسلطة والكلمة العيا بفضل الابتكار الذي تمكنوا عبره من بناء قدراتهم التكنولوجية والمعرفية وتطوير اقتصاداتهم وإتاحة معيشة مرفهة لمجتمعاتهم، وهذا الأمر ليس من الأمور الكمالية بل من الأمور الأساسية في المجتمع، فدون ابتكار لا وجود لتنمية مستدامة.
وبقدر ما تملك الدولة اكتشافات وابتكارات وإنجازات علمية، بقدر ما تحقق تنافسية عالية وإمكانيات فائقة ونمو متواصل، أما العالم العربي فلا يزال يقبع بعيدًا عن الإنجازات العلمية التي تحققت في العالم خلال العقود الماضية، فمساهمة الدول العربية لا تزال متواضعة جدًا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
والواقع أن اقتصاد المعرفة ومن يدعي تبنيه عليه أن يهتم بالتجديد والابتكار المستمرين في المنتجات وأسلوب تقديم الخدمات وأهم ما يميزه اليوم تسريع وتكثيف عمليات إنتاج واستخدام ونشر المعارف والتقنيات الجديدة، ويُجمع خبراء الاقتصاد أن معايير التنافس الاقتصادي بين المدن التي تبنت هذا النموذج تعتمد على قدرتها على جذب المبدعين والموهوبين والاحتفاظ بهم وصهرهم في بوتقتها.
يعد الابتكار محركًا للنمو والازدهار في الاقتصاد، والدول بحاجة إلى الابتكار والإبداع لتطوير الاقتصاد والمضي قدمًا في مسيرة التنمية المستدامة
حدد البنك الدولي عدة نقاط تعتبر أساسًا لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، تتلخص بإنشاء مؤسسات عالية الجودة تساعد على تنمية مناخ الأعمال وتنمية نظم التعليم والتدريب التي ترتكز على تعليم وإنتاج الكفاءات بناء على متطلبات السوق وتطوير البحث العلمي والابتكار ودعم الشركات التي تعتمد على معامل البحث، وأخيرًا اعتماد التفاوض والوساطة بين مختلف الأطراف كوسيلة لفض المنازعات.
متى ما كانت هذه العناصر متوفرة، كان هناك ابتكارًا وبيئة مناسبة ومنافسة للصناعة ودونها لن تحظى الدولة بميزات الابتكار، حري بالدول العربية أن تعمل على هذه العناصر وتضع جدول زمني قد يمتد لعقدين من الزمن، لبناء هذه البيئة لكي يكون لديها ابتكارات ومبتكرين وإلا ستبقى في عداد المتخلفين، ولا عجب عندها أن تعاني من الفقر والبطالة والفساد.