هل يستقيل مفتي الديار التونسية أُسوة بوزير المالية؟
مباشرة إثر تقديم وزير الاستثمار والتعاون الدولي ووزير المالية بالنيابة الفاضل عبد الكافي استقالته لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد من منصبه على رأس الوزارتين بسبب تهم فساد تلاحقه، كشفت مصادر قضائية إحالة ملف فساد يتعلق بمفتي الديار التونسية عثمان بطيخ، للقطب القضائي المالي، مما جعل تونسيون يتساءلون عن إمكانية تقديم المفتي استقالته إسوة بالوزير.
تهم فساد
أول أمس الجمعة، أكدت مصادر قضائية رسمية في تونس إحالة ملف فساد يتعلق بمفتي الديار عثمان بطيخ، للقطب القضائي المالي، مع بقاء المفتي في حالة سراح، ويتعلق الملف المحال للقضاء بشبهة فساد تتعلق بموسم حج 2015، عندما كان بطيخ وزيرًا للشؤون الدينية آنذاك، بعد شكوى تم تقديمها للنيابة العامة ثم فتح تحقيق في الغرض وتم إحالتها إلى القطب القضائي المالي.
هذه التجاوزات تتعلق بشروط اختيار المرافقين وعددهم، منها تكليف امرأة تبلغ من العمر 76 سنة لمرافقة الحجاج والحال أن السن الأقصى محدد بـ60 سنة
وتتعلق تهم فساد بطيخ الذي تم تعيينه مفتيًا للجمهورية التونسية في يناير/كانون الثاني 2016، باختياره المرشدين المرافقين للحجاج بشكل تشوبه شبهة المحاباة، وذلك إبان عمله كوزير للشؤون الدينية عام 2015، ورغم تعيين بطيخ في منصب المفتي، فإن التحقيق في قضيته ظل مستمرًا حتى تمت إحالته للقضاء.
من جانبه قال المحامي سيف الدين مخلوف في تصريحات إذاعية، إنه هو الذي رفع القضية ضد مفتي الجمهورية عثمان بطيخ عندما كان وزيرًا للشؤون الدينية سنة 2015، ومن المنتظر حسب مخلوف أن يستمع قاضي التحقيق السابع بالقطب القضائي المالي مباشرة بعد العطلة القضائية لبطيخ بتهمة ارتشاء موظّف عمومي واستخلاص منفعة لا وجه لها لنفسه أو لغيره، كما سيتم دعوة باقي الشهود والمتهمين للمثول أمامه، حسب قوله.
عثمان بطيخ يتفقد الحجيج التونسيين في مكة المكرمة
وبالعودة إلى ملف القضية، قال المحامي إنّه حصل على وثائق تفيد بارتكاب بطيخ لتجاوزات في اختيار المرشدين الذي يرافقون الحجاج على نفقة الدولة التونسية، وأوضح أن هذه التجاوزات تتعلق بشروط اختيار المرافقين وعددهم، منها تكليف امرأة تبلغ من العمر 76 سنة لمرافقة الحجاج والحال أن السن الأقصى محدد بـ60 سنة، وفق قوله.
وينص الفصل 96 من المجلة الجنائية في تونس على “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكلف بمقتضى وظيفة ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغل صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما”.
ضجة كبيرة
الكشف عن هذا الملف جاء بعد أيام قليلة من الضجة التي خلفها بطيخ على خلفية موافقة دار الإفتاء لدعاوى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، خاصة أن بطيخ كان قد رفض هذا المقترح في السنة الماضي بعد أن قدّمه نائب تونسي يشغل خطة وزير الآن، وقال حينها بطيخ معلقًا على المقترح: “الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقًا، القرآن صريح في ذلك، هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره، كما 1+1= 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6″، ودعا بطيخ النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية بالبلاد بعيدًا عن إثارة إشكاليات هامشية “نحن في غنى عنها”، بحسب قوله.
شغل بطيخ منصب مفتي الجمهورية التونسية منذ العام 2008 في عهد ابن علي واستمر بعد الثورة إلى أن عزله الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد دعا بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة في تونس إلى إيجاد صيغ قانونية تسمح بالمساواة بين المرأة والرجل في الإرث، كما أعلن نيته طلب تغيير قوانين أخرى من ضمنها المساواة في اختيار الزوج، داعيًا رئيس الحكومة ووزير العدل إلى مراجعة المنشور رقم 73 الذي يمنع زواج التونسية من أجنبي إذا لم يشهر إسلامه لدى المفتي، مما أثار جدلًا كبيرًا في البلاد، جعل البعض يتساءل عن أولويات المرأة التونسية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس.
وعبرت دار الإفتاء التونسية عن مساندتها دعوة السبسي إلى العمل على إقرار المساواة في الإرث، حيث اعتبرت أن الاقتراحات المعلَن عنها تدعيمًا لمكانة المرأة وتفعيلاً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف، وأضاف بيان صادر عن مفتي الجمهورية، أن هذه الدعوة تتماشى مع “المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين”.
بطيخ يثير سخط التونسيين بمواقفه الأخيرة
وأحدث هذا البيان ضجة كبيرة في تونس وخارجها، حيث قال عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، إن دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام، وأوضح أن دعوات التسوية بين النساء والرجال في الميراث بدعوى إنصاف المرأة هي عين الظلم لها، لأن المرأة ليست كما يظن كثير من الناس أنها أقل من الرجال في جميع الأحوال، فقد تزيد المرأة على نصيب رجال يشاركونها نفس التركة في بعض الأحوال”.
من جانبه طالب الأمين العام للأئمة التونسيين فاضل عاشور، عثمان بطيخ بالاستقالة، متهمًا إياه بتحويل “المؤسسة الدينية إلى منبر سياسي”، وشغل بطيخ منصب مفتي الجمهورية التونسية منذ العام 2008 في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي واستمر بعد الثورة إلى أن عزله الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي من منصب الإفتاء عام 2013، ثمّ أعاد الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي تعيينه في بداية عام 2016 كمفتي لتونس.
مواقع التواصل الاجتماعي
موقف عثمان بطيخ من دعوة السبسي وقضية الفساد التي كشف عنها النقاب ضدّه شغلت التونسيين وكانت محل تندرهم، في هذا الشأن كتب التونسي محمد شعيبي على حسابه الخاص على الفيس بوك تدوينة جاء فيها: “مفتي الجمهورية يصف السبسي بأب وأستاذ التونسيين جميعًا! لا يا سيدي بوك أنت وحدك يعطي فيك في شهرية! أما الشعب المهمش لا شهرية له ولا أب له…”.
فيما كتبت هدى اليوسفي: ” تتعذر رؤية مفتي الجمهورية لهذا العيد”.
من جهته كتب التونسي ياسين البجاوي تدوينة على حسابه الخاص على الفيس بوك جاء فيها: “نظرًا لشغور منصب مفتي الجمهورية أعلمكم أن عيد الأضحى المبارك يوم 1 من سبتمبر”.