في غضون أسبوعين فقط، أرسلت المملكة العربية السعودية إسماعيل ولد الشيخ الذي يفترض أن يكون مبعوثًا أمميًا إلى اليمن لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة، أرسلته إلى كل من عمان وطهران لمطالبة الدولتين بالتأثير على تحالف الحوثي/صالح للقبول بالتسوية السياسية بوجهة نظر سعودية، بعد أن ضيق الجيش الموالي لصالح والحوثيين الخناق على المدن السعودية وإسقاط معسكرات تعد الأكبر في الحدود اليمنية السعودية.
وبعد زيارة ولد الشيخ إلى طهران، صرّح وزير الخارجية العراقي قاسم الأعرجي في اليوم التالي لزيارة المبعوث الأممي إلى إيران، الأحد 13 من أغسطس، قائلاً إن السعودية طلبت من بلاده رسميًا التوسط من أجل تخفيف التوتر بين الرياض وطهران.
لكن المملكة العربية السعودية نفت عبر مصدر مسؤول (نشرت ذلك التصريح وكالة الأنباء السعودية الرسمية) يوم الأربعاء 17 من أغسطس 2017، أي بعد أربعة أيام كاملة من حديث وزير الخارجية العراقي وزيارة ولد الشيخ إلى إيران، ويبدو أن نفيها جاء بناءً على ما استنتجه إسماعيل ولد الشيخ من الرد الإيراني.
وعلى عكس ما قرأه العديد من المحلليين السياسيين بأن هناك نية ووساطات خلف الكواليس بعيدًا عن أعين الشعوب المقهورة لتوقيع صفقة تقارب سياسية إيرانية سعودية، فإن المملكة العربية السعودية بشكل عام لا سيما المذهب الذي تتبعه (الوهابي) ليس في أبجدياته الوفاق أو التقارب مع وجهة نظر أخرى، بل إن قوانين الساسة وأصحاب الأموال في المملكة أن من لا يتفق مع رؤاهم فهو بحكم المرتد ويجب إخضاعه أو محاربته أو تأليب العالم ضده لتركيعه.
ولعل موقف قطر نموذجًا رغم أن الأخيرة من أهم أعمدة وأركان مجلس التعاون الخليجي وغالبًا ما كانت تتوارى في قضايا مهمة في المنطقة احترامًا للسعودية، إلا أن اختلافًا بسيطًا في وجهات النظر جعل المملكة تعتبر الدوحة عاصمة للإرهاب!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقارب المملكة العربية السعودية مع جمهورية إيران إلا في حالة فقدان سيطرتها على أحداث العوامية والتغلغل الحوثي وقوات صالح نحو العمق السعودي أكثر وتوجه الحشد الشعبي نحو الحدود السعودية لمناصرة إخوانهم في اليمن، بالتالي يمكن أن تلجأ لإيران لتخفيف التوتر وليس لمقتدى الصدر.
المملكة العربية السعودية بشكل عام لا سيما المذهب الذي تتبعه (الوهابي) ليس في أبجدياته الوفاق أو التقارب مع وجهة نظر أخرى
لكن قد يتساءل البعض عن تصريح وزير الخارجية العراقي بشأن أن السعودية طلبت وساطة لتخفيف التوتر بينها وبين إيران، إضافة إلى إرسالها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى الرياض، فهل يعقل أن يرتكب مسؤول عراقي هذا الخطأ من موقعه كمسؤول ومحاسب على أي حرف يتفوه به؟
بالعودة إلى وصول المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى كل من مسقط ومن ثم توجهه إلى طهران، قالت مصادر مرافقة لولد الشيخ لـ”نون بوست” فضلت عدم الكشف عن اسمها لأنها ليست مخولة بالحديث لوسائل الإعلام، إن المبعوث الأممي ذهب إلى عمان ومن ثم إلى إيران بناء على طلب سعودي من أجل الضغط على الحوثيين في اليمن للقبول أولاً بالمبادرة السعودية التي تدعوهم لتسليم محافظة وميناء الحديدة الاستراتيجي دون قتال، وثانيًا لإقناعهم بالتوقف عن التقدم أكثر نحو العمق السعودي، ووقف الهجمات الصاروخية نحو المدن والمحافظات السعودية.
حديث المصدر لا يستبعد أن تكون السعودية ذاتها من طلبت من العراق تسريب معلومات عن نيتها تخفيف التوتر مع إيران بهدف أن تشعر الأخيرة بدور المنتصر والآمر والناهي، وتدعو الحوثيين إلى القبول بالحلول السياسية، لتسجل المملكة العربية السعودية أدلة جديدة على أن إيران ما زالت تدعم الحوثيين، في حال أن دعت طهران الحوثيين وقبول الأخيرين بدعوتها.
غير أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني لقناة الجزيرة القطرية يوم الثلاثاء الماضي، بأن بلاده ترحب بأي وساطة لتخفيف التوتر مع السعودية، ودعا الأخيرة إلى القبول بالحقائق على الأرض في اليمن، هو ما جعل المسؤولين في القصر الأميري السعودي يشتاطون غضبًا ويخرجون ببيان قصير يتهمون إيران بدعم الإرهاب في العالم ويجب ردعها، بحسب البيان المنشور في وكالة الأنباء السعودية.
لماذا تريد السعودية التهدئة؟
وبالعودة إلى الشأن اليمني ومسببات التخبط السعودي الأخير، فإنه ومع التقدم الإماراتي وسيطرتها على الجزر اليمنية وتحقيق أهدافها من “عاصفة الحزم”، وفشل الرياض في تحقيق واحد من الأهداف المعلنة بعد عامين وأربعة أشهر من بدء العاصفة على اليمن بهدف ردع الحوثيين وإعادتهم إلى كهوف صعدة وتدمير الصواريخ البالستية اليمنية، وإعادة هادي إلى صنعاء، وإعلان صالح الاستسلام، لم يتحقق أي هدف، بل إن المدن السعودية أصبحت تحت النيران اليمنية ومعسكراتها تتساقط وفوضى العوامية تشتد.
وهو ما جعل السعودية تعيش في أحداث هي الأولى من نوعها منذ إعلان تأسيس المملكة، لذا شعرت أن أمنها مهدد بالخطر، وأن الإمارات تحقق أهدافها بالسيطرة على المواني والجزر اليمنية وتثبيت السيطرة ببناء قواعد عسكرية فيها، بينما ستخرج من الحرب بخفي حنين إضافة إلى خسارة كبريائها أمام العالم، فضلًا عن الخسارة البشرية من جيشها الذي يقاتل في الحد الجنوبي.
منذ مايو الماضي تعلن السعودية على الأقل كل يومين مقتل جندي أو اثنين من قواتها البرية خلال مواجهات مع الحوثي وقوات صالح
ومنذ مايو الماضي تعلن السعودية على الأقل كل يومين مقتل جندي أو اثنين من قواتها البرية خلال مواجهات مع الحوثي وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في الحد الجنوبي على الحدود اليمنية، وهذا يعني أن قواتها في استنزاف مستمر.
وتواترت مؤخرًا الاشتباكات بين القوات السعودية من جهة والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى، وتحدثت مليشيا الحوثي نهاية الشهر الماضي عن سيطرتها على مواقع حدودية سعودية، لكن الرياض تقول إنها صدت الهجمات التي تعرضت لها تلك المواقع، غير أن الحوثيين ردوا بمقاطع فيديو تؤكد سيطرتهم على ذات المواقع.
ولذات الأسباب آنفة الذكر، أرادت المملكة العربية السعودية أن تتحرك في عدة جوانب السياسية وعسكرية واقتصادية، فعلى المستوى السياسي أرادت أن تثبت أن إيران ما زالت تدعم الحوثيين وقوات صالح عبر إرسال الموفد الأممي إليهم للتفاوض معهم، ومن ثم إرسال رسالة إلى شعبها والشعوب العربية أنها تقاتل قوات إيرانية وليست يمنية، وأن الأسلحة أو الصواريخ التي تطلق من اليمن ما هي إلا إيرانية أيضًا، أما الأسلحة اليمنية فقد تم تدميرها وفقًا لإعلان أحمد العسيري في 21 من أبريل 2015 عندما أعلن انتهاء عاصفة الحزم وإطلاق إعادة الأمل.
وعلى المستوى العسكري، تريد المملكة العربية السعودية السيطرة على ميناء الحديدة القريب من ميناء جازان الدولي، بالطرق السياسية ومساومة الحوثيين وصالح بتسليم الميناء والمحافظة مقابل الراتب وفتح مطار صنعاء، لكي تخرج من الحرب على أقل تقدير بهذا الميناء على غرار ما حققته الإمارات بالاستيلاء على ميناء عدن وجزر سقطرى وميون وأخرى، وميناء المخا الاستراتيجي.
أما على المستوى الاقتصادي، فتسعى المملكة العربية السعودية إلى المزيد من الضغط الاقتصادي والحصار البري والجوي والبحري على اليمن لتجويع الشعب اليمني، وختمت ذلك بأمر تعويم الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية وهو ما سيكون مردوده قاسيًا على الشعب اليمني في ظل الظروف القاهرة والحرب المستعرة وانعدام مصادر الدخل المتعددة، وهو أسلوب ممنهج للضغط على اليمنيين للخروج ضد الحوثيين، لكن هذه الإجراءات تأتي دائمًا عكسية.
ما موقف الحوثيين وصالح؟
منذ أن أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ موقفه الحيادي في الأزمة اليمنية، لم يعد له قبول لدى أطراف صنعاء ويرفضون الالتقاء به، ولذا كانت المهمة الثانية له في زيارته إلى إيران مزدوجة، أولها بأمر سعودي لإثبات أن إيران تدعم الحوثيين، والثاني من أجل التوسط له لقبول الحوثيين استقباله والتفاوض معه بعد أن أعلنوا رفضهم الجلوس معه وفشلت وساطة الصين في هذا المجال.
لكن المجلس السياسي بصنعاء (تحالف الحوثي/صالح) انتقد زيارة ولد الشيخ إلى إيران، معتبرًا أنها محاولة سعودية مستميتة لإدخال إيران في المشكلة اليمنية السعودية وربط الحوثيين بإيران، وفقًا لبيان المجلس السياسي في صنعاء.
ويرفض تحالف صنعاء وقياداته الذين استاءوا كثيرًا من زيارة ولد الشيخ إلى إيران، أي تفاوض بشأن مطار صنعاء الدولي أو ميناء الحديدة على اعتبار ذلك حق سيادي لا يمكن التفريط بهم، وهو ما يعني أن الخطة السعودية في هذا الصدد فشلت.
هل يمكن أن تقف الحرب؟
لا يبدو أن السعودية تسعى لإيقاف الحرب وفقًا لتفاهمات والقبول بأرض الواقع، وإنما تبحث عن كبش فداء تقدمه في هذه الحرب، وإن كان الإخوان المسلمون والأحزاب اليمنية عرضة للتضحية من قبل الرياض، وهذا لن يكون إلا بعد أن تفشل كل خططها في أن يقبل الحوثيون وصالح المبادرات السياسية لوقف الحرب في اليمن.
أرادت المملكة العربية السعودية أن تتحرك في عدة جوانب سياسية وعسكرية واقتصادية
ووفقًا لحديث السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر، فإن بلاده لا تملك نفوذًا على الأطراف اليمنية لفرض وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ سبتمبر 2014، معتبرًا في مقابلة صحافية يوم 7 من أغسطس 2017 أن الصراع أساسه بين اليمنيين وليست السعودية طرفًا فيه، وهذا يعني أن الحرب في اليمن ستتوقف فقط عندما تريد الرياض.
لكن متى وكيف سيتم وقف هذه الحرب؟ هذا يعتمد على الأحداث القادمة، واقتناصها فرص الخلاف بين تحالف صنعاء (الحوثي/ صالح)، وإن أرادت التخلص من الحوثيين التي تتهمهم بموالاة إيران.
فإن استطاعت توظيف الخلاف بين المؤتمر والحوثيين الذي بدا يطفو إلى السطح، واستقطبت أحد الجهات وإن كان حزب المؤتمر الشعبي العام مثلًا، فإن بإمكانها أن تحقق جزءًا من النجاح لحفظ ماء وجهها، لكن كبرياء السعوديين لا يمكنهم أن يذهبوا إلى حلف المؤتمر، وربما يلجأون إلى الحلف مع الحوثيين للتخلص من صالح، وهذا ما قد يزيد تعقيد الأوضاع في اليمن.
والشيء الآخر ربما بعد أن ترى أنها كانت مخدوعة من الإمارات في جرها إلى المنزلق اليمني، قد تعيد حساباتها في اليمن وتتمعن جيدًا فيما حققته خلال العامين وبضعة أشهر من حربها في اليمن، وما حققته الإمارات، قد تسعى إلى إنهاء الحرب، لكن هذا الأمر مستبعد، لكون أن من أصبح يمتلك القرار السعودي هو محمد بن سلمان الذي يعتبر رجل الإمارات في الرياض، ويتم توجيهه من سلطات دبي، ولهذا يبدو أن الخيار الأخير مستبعد، وستكون انتهاء الحرب في اليمن وفقًا لرغبة إماراتية خالصة.