“ماذا بوسع الذين لا يعرفون عن جورج أورويل غير (مزرعة الحيوان، و1984) أن يعرفوا عنه سوى ذلك”؟ .. سؤال طرحه “برتارد كريك” في مقدمته لكتاب أورويل المقالي: “لماذا أكتب”.
الحقيقة أن الذي لم يقرأ لأورويل قبل ذلك على الأقل سمع بـ1984 أو بمزرعة الحيوان، روايتان من أعظم ما كتب في الأدب الإنجليزي، حتى إن رواية “مزرعة الحيوان” أصبحت كتابًا معياريًّا لامتحان المستوى المتقدم ضمن امتحانات كمبريدج للمهارة في اللغة الإنجليزية.
لكن إذا كنا قد عرفنا “أورويل” ككاتب روائي فهل عرفناه ككاتب مقالات عظيم؟ على الأرجح لا، لقد وصفه الناقد الأمريكي أرفينج هوي بأنه: “كاتب المقالات الأعظم منذ هازلت ورُبما منذ د. جونسون”.
دعونا الآن نتعرف أورويل كصحفي وروائي بريطاني:
من يكون أورويل؟
جورج أورويل “إريك آرثر بلير” صحفي وروائي بريطاني، اشتهر بمعارضته للحكم الشمولي، كتب في النقد الأدبي والشعر والصحافة الجدلية، ولد في 25 من يونيو عام 1903، في قرية “مونتهاري” بولاية “البنجاب” الهندية” لأسرة متوسطة الحال، وتوفي في 21 من يناير 1950.
من أشهر أعماله رواية 1984 الديستوبية والتي كتبها عام 1949، روايته مزرعة الحيوان التي كتبها عام 1945، كتابه عن الحرب الأهلية الإسبانية “الحنين إلى كاتالونيا” 1983. وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة أعظم 50 كاتب بريطاني منذ عام 1945.
أمضى أورويل معظم حياته في كتابة المقالات في الصحف والمجلات، أحب أورويل إثارة الجدل عن تحدي الأوضاع الراهنة، فهو إنجليزي محب للقيم الإنجليزية القديمة، لذلك نجده ينتقد الأوساط الاجتماعية المختلفة. أصيب بالسل في ديسمبر 1947، وبدأت حالة أورويل الصحية تتدهور مع الوقت حتى توفي في 21 من يناير 1950.
أهم أعمال أورويل
السقوط والخروج باريس ولندن “Down And Out In Paris And” 1933
في ديسمبر عام 1929 بدأ في كتابة أول كتبه، وهو عبارة عن تقارير عن تلك الفترة التي عاشها في كل من لندن وباريس بين الفقراء، أو ما يسمونها “سياحة الأحياء الفقيرة”، سجَّل أورويل خبرته في الحياة الوضيعة التي عاشها بين المتشردين في عمله هذا، لكن هذا العمل لم يُطبع حتى عام 1933، وقد نشره تحت اسمٍ مستعار وهو “جورج أورويل”.
أيام بورما “Burmese Days ” 1934
رواية جورج أورويل الأولى، والتي تفضح الكثير من أسرار حياته، وتلقي الكثير من الأضواء على مواقفه السلبية من الاستعمار. تناول جورج أورويل في هذه الرواية خبراته في فترة الخدمة الاستعمارية في بورما، حيث عمل شرطيًّا في مطلع حياته في الهند عندما كانت مستعمرة إنجليزية.
كانت هذه التجربة في بورما نقطة انعطاف في حياة أورويل، أوحت له بروايته الأولى، والتي ضمت الكثير من مشاعر الكره والعداء نحو الأنظمة الاستعمارية، وأظهرت بوضوح العلاقة بين السيد والعبد، ومن خلال تلك الرواية نكاد نشعر بالتأثير الكبير الذي تركته حياته هناك ودوره كرجل بوليس على فكره بشكل عام، وعلى رواياته اللاحقة، لا سيما أشهر رواياته 1984.
الحنين إلى كاتالونيا “Homage to Catalonia” 1938
تعتبر رواية “الحنين إلى كاتالونيا” إحدى الروايات التي تشد القارئ إلى النهاية، استعان أورويل فيها بأسلوب الكتابة التقريرية الصحافية والتأملية والوصفية معًا، وهي طريقة يتقنها، الرواية تدور حول الحرب الأهلية الإسبانية، يمكننا اعتبارها تقريرًا صحفيًّا طويلًا، يروي فيه الكاتب تفاصيل حياته اليومية في إسبانيا.
سافر أورويل إلى إسبانيا في أواخر عام 1933، ومن ثمَّ انضم إلى الجماعات التي تقاتل ضد الجنرال “فرانشيسكوا فرانكو” في الحرب الأهلية الإسبانية، حيث انضم لحزب العمال المستقل، وقد وثق أحداثها في الرواية. يتحدث أورويل في الرواية عن التحاقه بإحدى الكتائب المقاتلة في “برشلونة” في ثكنة “لينين”، وكيف أصبح “رفيقًا”.
مرزعة الحيوان “Animal Farm” 1945
رواية ديستوبية نشرت في 17 من أغسطس 1945، وهي تعتبر إسقاطًا على الأحداث التي سبقت عهد ستالين وعهده قبل الحرب العالمية الثانية، كان أورويل اشتراكيًّا ديمقراطيًّا، وعضوًا في حزب العمال المستقلين البريطاني لسنوات، وناقدًا لجوزيف ستاليل، ومتشككًا في سياسته بعد تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية.
اختارت مجلة التايم الرواية كواحدة من أفضل 100 رواية بالإنجليزية منذ عام 1923 وحتى 2005. تعد الرواية مثالًا من الأدب التحذيري على الحركات السياسية والاجتماعية التي تطيح بالحكومات الفاسدة وغير الديمقراطية، إلا أنها تؤول إلى الفساد والقهر بسقوطها في شرك السلطة.
ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين “1948” 1949
رغم معاناة أورويل الشديدة مع السل فإنه شرع في كتابة هذه الرواية، عمد أورويل إلى استخدام “لغة جديدة” ابتكرها لتسخر من نفاق الحكومة، فنجد أن وزارة “الحب” تشرف على “التعذيب”، ووزارة “الوفرة” على “ترشيد الاستهلاك”، ووزارة “السلام” على “الحرب”!
الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، والجهل قوة 1984
الاسم الأولي للرواية كان “الرجل الأخير في أوروبا” إلا أنه تغير إلى 1984، تعرضت الرواية منذ صدورها إلى المنع والملاحقة القضائية بحجة أنها عمل هدَّام وله أيديولوجية تخريبيَّة.
تدور أحداث الرواية في “أوشينيا” إحدى ثلاث دول عظمى اقتسمت العالم بعد حرب عالمية طاحنة، تدور معظم الأحداث في مقاطعة “إيرستريب 1″، والتي كانت فيما مضى “إنجلترا”، وتغوص المدينة بملصقات لرئيس الحزب مكتوب عليها “الأخ الأكبر يراقبك”، في حين تراقب شاشات العرض الحياة الخاصة والعامة بسكان المقاطعة.
لماذا ينبغي لك القراءة لجورج أورويل؟
– رجُل من العامة
اختار أورويل الكتابة ببساطة ووضوح لأنه اعتقد أن هذه هي الطريقة الأفضل للوصول لأكبر قدر من القرَّاء العاديين، فهو صديق عامة الناس لا الشعب كله، أورويل ليس رجلًا مثقفًا يكتب من أجل أن يفهمه حفنة من المثقفين، فهو رجل واضح وصريح وشريف للغاية.
جورج أورويل لا يكتب من أجل “النخبة” أيًّا كانت، لقد اختار جمهوره بعناية شديدة، ذلك الجمهور الذي عَلَّم نفسه بنفسه، الطبقة الأقل من المتوسطة، أو ما يسموها الطبقة الوسطى الدنيا، التي لم تحظ سوى بتعليمٍ ثانوي، فرغم حبه لآليات الحداثة وإلمامه بالأدب الحداثي فإن آليات الحداثة لم تظهر إلا في رواية واحدة فقط له وهي تجربته المُبكرة “ابنة القس”.
– إيصال الحقائق
طول حياته كان يعمل جورج أورويل على إيصال الحقائق وفضح الأكاذيب ومعاداة الحكم الشمولي وأن يجعل السياسة فنًا، فهذا دافعه الأول كما يقول: “عندما أجلس لكتابة كتاب لا أقول لنفسي: سوف أنتج عملًا فنيًّا، بل أكتبه لأن هناك كذبة أريد فضحها، أو حقيقة ما أريد إلقاء الضوء عليها، وهمي الأول الحصول على من يستمع، لكن ليس بإمكاني القيام بمهمة تأليف كتاب أو حتى مقالة طويلة لمجلة لو لم تكن أيضًا تجربة جمالية”.
– القدرة على التنبؤ
الذي يقرأ لأورويل يجد أنه رجل يجيد التنبؤ، فنجده كتب في 1984 عن نشأة دول شمولية بوليسية سوف يصبح فيها 2 + 2 = 5، وأن الأمم تتجه إلى تشكيل حكومات غير ديمقراطية.
لم يقف أورويل عن نقد وتحليل الفكر الاستبدادي وطريقة عمله، بل تجاوز ذلك ليتنبأ بما سيحدث في المستقبل.
– اللغة الجديدة
بلغ تأثير كتابات أورويل على اللغة السياسية حد اشتقاق مصطلح “أورويلي”، الذي يُطلع على اللغة أو الكلام أو التعبير الذي يمارس تزييف الحقائق، كما يُطلق على العالم الديكتاتوري.
يرى أورويل أن فساد اللغة سببًا في حالة الفوضى السياسية التي رآها وعاشها في عالمه، ومن ثمَّ فقد رأى أن إصلاح اللغة السياسية يمكن أن يكون الخطوة الأولى لإصلاح السياسة.
عَمَد أورويل إلى السخرية كطريقة للتخلص من بعض الظواهر اللغوية، مثل الكلمات العلمية المشوشة والمفردات اللاتينية واليونانية وفساد الاستعارة.
“لقد صممت اللغة السياسية كي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق، ولكي تقتل ما هو جدير بالاحترام”، جورج أورويل
والآن أخبرنا أي أعمال أورويل ترغب بقراءتها؟