ترجمة وتحرير نون بوست
على مر التاريخ، اعتادت منطقة الشرق الأوسط التعرض للدمار والحطام. فقبل ألف سنة، أمر “الخليفة المجنون” في القاهرة، الحاكم بأمر الله، بتسوية جميع الكنائس بالأرض، بما في ذلك كنيسة القيامة في القدس، أي مكان دفن المسيح. وخلال سنة 1258، أقدم المغول على نهب بغداد، ما تسبب في تدفق نهر دجلة بمياه سوداء جراء الحبر السائل من الكتب التي تم التخلص منها وألقيت فيه.
بالإضافة إلى ذلك، لم يسلم أي شيء من شر تيمورلنك، سوى المستشفيات والمساجد، ضمن حملته التي أسماها أحد المؤرخين المعاصرين “بحج الدمار” في المدن الكبرى في المنطقة. وعند توقعه لخراب نينوى على يد البابليين، انتحب النبي التوراتي ناحوم، قائلا، “إنها فارغة، وخاوية، ومبددة”.
مع ذلك، يبدو خراب السنوات الثلاث الماضية، الذي لحق بالمنطقة الأسوأ على الإطلاق. ووفقا لما أفادت به الأمم المتحدة، تحول نصف المدينة القديمة في الموصل العراقية، بالإضافة إلى ثلث المدينة القديمة في حلب السورية، إلى مجرد دمار وخراب. والجدير بالذكر أن المئات من المآذن والأديرة والمعالم الأثرية قد تمت الإطاحة بها.
عموما، أعلنت اليونسكو، الذراع الثقافي للأمم المتحدة، أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على 22 موقعا من مجموع مواقع التراث الثقافي العالمي، البالغ عددها 38 والمعرضة للخطر. من جانبه، قال مايكل دانتي، التابع للمدارس الأمريكية للبحث الشرقي، التي تقوم بتعقب الدمار، إن “المنطقة أشبه بأوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية”.
ألحقت الجيوش الأمريكية والروسية، جنبا إلى جنب مع حلفائهم المحليين، القدر ذاته من الأضرار، على الأقل، في حربهم ضد المتطرفين. وقد أظهرت البيانات، التي تكفلت المدارس الأمريكية للبحث الشرقي بتجميعها
في الواقع، لا يتردد متطرفو تنظيم الدولة عن التباهي بدورهم في الخراب الحاصل في المنطقة، حيث قاموا بتصوير أنفسهم وهم بصدد تدمير المعابد القديمة والكنائس والمساجد. بالتالي، لا يعترض هؤلاء حين يلقي خصومهم معظم اللوم عليهم، لتدميرهم تراث المنطقة. في هذا الصدد، صرّح قائد قوات التحالف في الموصل، اللواء جوزيف مارتن، بأن “مسؤولية هذا الدمار تقع بالتأكيد على عاتق تنظيم الدولة”، وذلك على إثر تفجير المتطرفين لمئذنة في المدينة تعود إلى القرون الوسطى.
ومع ذلك، ألحقت الجيوش الأمريكية والروسية، جنبا إلى جنب مع حلفائهم المحليين، القدر ذاته من الأضرار، على الأقل، في حربهم ضد المتطرفين. وقد أظهرت البيانات، التي تكفلت المدارس الأمريكية للبحث الشرقي بتجميعها، أن تنظيم الدولة قد ألحق الدمار بحوالي 15 موقعا دينيا في الموصل، فيما تضرر 47 موقعا منهم 38 تم تدميرهم بشكل كبير، جراء العملية التي قادها التحالف بقيادة الولايات المتحدة لاستعادة المدينة.
من جهة أخرى، أدت الضربات الجوية الروسية الرامية إلى دعم بشار الأسد، الدكتاتور السوري، إلى تدمير عدة كنوز تاريخية؛ من بينها الأعمدة التي يقال أن القديس سمعان قد جلس فوقها لمدة 40 سنة. فضلا عن ذلك، دمّرت براميل الأسد المتفجرة المباني القديمة الواقعة في مختلف أنحاء سوريا، وهو الأثر ذاته الذي أحدثته متفجرات المتمردين المدعومين من قبل الغرب.
استعد، أطلق النار، صوّب
خلال سنة 2011، قدّم المجلس الدولي للمتاحف لحلف الناتو قائمة تضم المواقع الأثرية وإحداثياتها في ليبيا، التي تجنبها التحالف خلال حملة القصف التي أطلقها. في المقابل، كان التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن أقل اهتماما باللائحة التي تلقاها، إذ أن الغارات الجوية التي قام بها تسببت في ضرب المتحف الوطني في ذمار وإتلاف ما يحتويه من قطع أثرية، التي يبلغ عددها 12 ألف و500 قطعة.
الطلب الدولي على القطع الأثرية يشجع على عمليات النهب. فعلى سبيل المثال، تم تغريم سلسلة محلات” هوبي لوبي” للفنون والحرف اليدوية، خلال تموز/ يوليو الماضي، بمبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار
فضلا عن ذلك، ألحقت الغارات الجوية الدمار “بسد مأرب العظيم”، الذي يمثل أحد عجائب الهندسة القديمة، و”مجمع القاسمي” المتكون من أبراج من الطوب الطيني في المدينة القديمة في صنعاء. من جانبها، قالت المديرة السابقة للمجلس الدولي للمتاحف، هانا بينوك، إن أفضل حماية للقطع الأثرية تتمثل غالبا في تركها مدفونة تحت الأرض. وفي الأثناء، تتزايد الضغوط بشأن ضرورة التحرك الدولي في هذا الغرض، فخلال شهر آذار/ مارس الماضي، أعاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التأكيد على أن الهجمات المنفذة على المواقع الثقافية تعتبر جريمة حرب.
خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أقر الجهادي المالي، أحمد الفقي المهدي، أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكابه جرائم تدمير آثار ثقافية في مالي. في الحقيقة، اعترف الزعيم المتطرف بإصدار أوامر للقيام بهجمات على الأضرحة الإسلامية في تمبكتو. وفي أعقاب شروع مجلة الإيكونوميست في طباعة النسخة التي تتضمن حيثيات هذه القضية، كان من المتوقع أن يمنح قضاة المحكمة الجنائية الدولية التعويضات التي ستدفع لجبر هذا الضرر(على الرغم من أن الغموض لا يزال يلف أولئك الذين سيدفعونها)، وهو ما يشكل سابقة يحتذى بها ضمن دعاوى مماثلة تتعلق بمواقع أثرية أخرى.
في الواقع، يستمر الدمار لفترة طويلة وذلك حتى بعد توقف أعمال إطلاق النار، ليصبح الفقر واليأس وانهيار العزة المدنية من العوامل التي تعجّل بالخراب. ففي سوريا، اختفت الصخرة التي تحمل بصمة يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مسجد في حلب خلال السنة الماضية. أما فيما يخص المستودعات الأثرية في مصر، البالغ عددها 72 مستودعا، التي تحتوي على آلاف القطع الأثرية غير المصنفة، فتقوم بحراستها شرطة غير مسلحة، بينما تغري كنوزها صائدي الغنائم.
حيال هذا الشأن، تجدر الإشارة إلى أن الطلب الدولي على القطع الأثرية يشجع على عمليات النهب. فعلى سبيل المثال، تم تغريم سلسلة محلات” هوبي لوبي” للفنون والحرف اليدوية، خلال تموز/ يوليو الماضي، بمبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار، وذلك على خلفية استيرادها للآلاف الصفائح المسمارية والأختام اللولبية من العراق. وبالتالي، ساعدت هذه التجارة بطريقة غير مباشرة، على الأقل، في تمويل تنظيم الدولة. في الأثناء، يفلت معظم المهربين من العقاب.
تعدّ عملية إعادة الإعمار بمثابة تلطيف للمرحلة النهائية من الدمار. ففي لبنان، رثى خبراء الآثار الكنوز المدفونة تحت مناطق بيروت، التي تم إعادة تطويرها بعد الحرب الأهلية
خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، قامت شرطة العاصمة في لندن، التي تعد أحد أكثر أسواق الآثار ازدحاما في العالم، بتعليق عمل وحدة الفن والتحف فيها. من جهتها، تمتلك السلطات في العالم العربي أولويات أكثر إلحاحا من الحفاظ على الموروث الثقافي، أو أنها غير موجودة بالمرة. وعلى الرغم من أن الهدنة المحلية قد هدّأت من حدّة الأوضاع في ليبيا، إلا أن البلاد لم تعد تمتلك إدارة فعالة للآثار لحماية كنوز البلاد. وقد تكفلت مجموعة من المقاتلين بحماية مدينة “لبدة الكبرى”، مسقط رأس الإمبراطور الروماني في القرن الثاني، سيبتموس سيفيروس، من أيدي المتشددين الذين لا يعيرون التاريخ الأهمية اللازمة.
في كثير من الأحيان، تعدّ عملية إعادة الإعمار بمثابة تلطيف للمرحلة النهائية من الدمار. ففي لبنان، رثى خبراء الآثار الكنوز المدفونة تحت مناطق بيروت، التي تم إعادة تطويرها بعد الحرب الأهلية. أما في حلب، فقد بدأت عمليات التنقيب في الأراضي، التي غالبا ما يقوم بها التابعون للنظام السوري. فضلا عن ذلك، من المتوقع أن تتجاوز البعض من الكنوز الحرب القائمة، حيث تمت إعادة تسليط الأضواء على قلعة المدينة الرائعة، التي تعود إلى القرن 12، بينما من المنتظر أن يصدح برج الساعة في المدينة القديمة للمرة الأولى منذ ست سنوات.
وفقا لما أفاد به أحد علماء الآثار، قد تشهد بعض الواجهات عمليات ترميم، ولكن أساسات الأبراج الشاهقة التي قد ترتفع قريبا فوق المدينة ستدمر طبقات من موقع أثري عمره ثمانية آلاف سنة، ذلك أن “الجرافات قد تسبب ضررا أكبر من الدبابات”.
المصدر: الإيكونوميست