ترجمة حفصة جودة
“الفرق بين الحياة في القاهرة والحياة في الرياض كالفرق بين السماء والأرض فيما يتعلق بالنظافة والبنية التحتية للشوارع والنظام” هذا ما قاله عبد الله ربيع – 27 عامًا – والذي كان يعيش في الرياض لمدة 3 سنوات، كان عبد الله يعمل في مجال الموارد البشرية وقبل 5 أشهر كان يخطط لشراء سيارة جديدة بمبلغ 65 ألف ريال سعودي عندما وصله الخبر بتسريحه من العمل، ومُنح شهران ليغادر فيهما السعودية ويودع أصدقائه.
يقول ربيع: “هذا القرار صدر بعد عملية ترشيد الإنفاق في الشركة، وعلى إثرها بدأوا في تسريح بعض الموظفين”، خفضت الشركة عدد موظفيها من 2000 موظف إلى 800 موظف هذا العام، فالمملكة العربية السعودية تقع في أزمة مالية بعد انخفاض إيرادات النفط والتي تمثل 80% من الدخل الحكومي.
حاول ربيع – وهو والد لطفل يبلغ من العمر عامًا فقط – أن ينقل كفالته إلى شركة أخرى في السعودية، لكن الشركة رفضت كفالته فهي ترغب في توظيف عمال أجانب حتى يكونوا قادرين على تغيير مهنتهم أو مغادرة البلاد، لم يكن سهلًا على ربيع وأسرته العودة للحياة في القاهرة الصاخبة.
عمل عبد الله في الرياض قبل تسريحه منذ أشهر
يكمل ربيع حديثه قائلًا: “كنت منزعجًا بشدة لكنني عدت إلى أم الدنيا (مصر) وعشت في عذاب شديد، فأم الدنيا لم تعد كما كانت سابقًا”، لثلاثة أشهر حاول ربيع العثور على عمل براتب ملائم، قدّم ربيع للعمل في منصب بقسم الموارد البشرية بعدة شركات لكن رواتبهم كانت تتراوح بين 1200 و1300 جنيه مصري (67.5 دولار) في الشهر، بالإضافة إلى أن مقر العمل يبعد عن المنزل بأكثر من 20 كليومترًا، أضف إلى ذلك ارتفاع النفقات بعد ارتفاع البنزين مؤخرًا بنسبة تصل لأكثر من 50%.
يقول ربيع: “كيف أستطيع الذهاب إلى هذا العمل البعيد بهذا الراتب؟ كيف أدفع إيجار المنزل وفواتير المياه وثمن العلاج وحتى البامبرز”؟ بالإضافة إلى نفقات الحياة الأساسية كان راتب ربيع في الخليج يبلغ 5 أضعاف راتبه في مصر على الأقل، تراكمت الديون على ربيع ولم يعد قادرًا على دفعها واضطر للقبول بعمل منخفض الراتب لكنه على مسافة قريبة جدًا من منزله بإحدى ضواحي المعادي في القاهرة.
أم الدنيا
يقيم حسام مازورة – 35 عامًا – مع والديه في محافظة الغربية وزوجته منذ أشهر لأنه لا يستطيع تحمل تكلفة إيجار منزل، كان يعيش من قبل حياة كريمة من عمله كفني في شركة سعودية في محافظة الدمام الشرقية، عمل هناك لمدة 6 سنوات قبل تسريحه من العمل في شهر مايو الماضي.
حسام مازورة في منزل والده
يقول مازورة إن التخفيضات المالية على المشاريع حدثت فجأة بعد الحملة السعودية العسكرية على اليمن عام 2015، في ذلك العام سجلت السعودية عجزًا ماليًا بلغت قيمته 98 مليار دولار مما أدى إلى تعليق أو إلغاء مشاريع البناء في المملكة.
يضيف مازورة “كان هناك عجزًا في الميزانية لذا بدأوا في تسريح الموظفين، أما الآخرون فاستمروا في العمل لـ7 أو 8 أشهر دون راتب، وعند سؤالهم عن رواتبهم يخبرهم المديرون أن يرفعوا شكواهم إلى مكتب العمل والذي لا يقدم أي مساعدة على الإطلاق”، قدم مازورة على عمل قبل أسبوع ويأمل في الحصول عليه حتى يتمكن من الانتقال من منزل والديه.
يقول الدكتور عادل حميد يعقوب أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر إنه على الرغم من العبء المالي الذي تمثله الحملة العسكرية على اليمن، فإن العامل الرئيسي المسبب لأزمة سوق العمل في السعودية انخفاض عائدات النفط.
الأزمة المالية في السعودية سببها انخفاض عائدات النفط التي تشكل 80% من دخل الحكومة
وفقًا للبيانات الرسمية هناك أكثر من 10 مليون وافد أجنبي في السعودية من العدد الكلي للسكان البالغ عددهم 30.8 مليون نسمة عام 2014، ووفقًا لوزارة العمل المصرية فهذا العدد يشمل مليوني مصري يعملون هناك حتى عام 2016 وقد تأثروا على نطاق واسع من عمليات التسريح وخفض الميزانية.
يضيف يعقوب قائلًا: “العمالة المصرية رخيصة ومُدرَّبة ويتحدثون اللغة العربية، مما يجعلهم مفضلين على باقي الجنسيات”.
الحياة في مصر أصبحت قاسية
بدأت أكبر شركات البناء في السعودية – مجموعة ابن لادن – بتسريح الوافدين الأجانب قبل عام، ووصل عدد العمال الذين تم تسريحهم إلى 77 ألف عامل في عام 2016، كان محمد عبد القادر يعمل موظفًا في قسم الموارد البشرية بمجموعة ابن لادن في جدة لمدة عامين، يقول عبد القادر إنهم توقفوا عن دفع رواتب الكثير من العاملين منذ 4 أشهر وهو من بينهم.
حصل عبد القادر على إجازة وعاد إلى مصر ليرى إن كان في إمكانه الحصول على وظيفة مستقرة، فعملية تسريحه تبدو وشيكة، يقول عبدالقادر: “الوضع في مصر أصبح قاسيًا لذا أعتقد أنه ينبغي عليّ العودة إلى جدة، فأنا مضطر للاستسلام للظروف وبصراحة لا أعلم ما ينتظرني عندما أعود”.
يجلس عبد القادر على جهاز الكمبيوتر في أحد مقاهي مدينة نصر
من الصعب الحصول على وظيفة شاغرة في مصر، فالوظائف المتاحة ذات رواتب منخفضة للغاية ولا تكفي لحياة كريمة نظرًا لارتفاع الأسعار بعد تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016، يقول عبد القادر: “في إحدى مقابلات العمل أخبروني أن الراتب سيتراوح بين 1200 جنيه (67.5 دولار) و2000 جنيه (112.6 دولار)، ما الذي يفعله هذا المبلغ في تلك الأيام”؟
قرر عبد القادر أن لديه فرصًا أفضل في جدة حيث يمكنه البحث عن وظيفة جديدة براتب أفضل، فمتوسط الرواتب في جدة يزيد نحو 6 أضعاف عن الرواتب في مصر بالنسبة لمنصبه، ويضيف “عند مقارنة الراتب بتكلفة المعيشة في جدة فالراتب ليس كبيرًا، لكنه يكفي لحياة كريمة”.
البطالة في السعودية
أحد الأسباب الأخرى وراء تسريح العمالة أن المملكة اتخذت خطوات نحو منع بعض الوظائف عن الأجانب في محاولة لخلق فرص عمل للشباب السعودي والحد من معدل البطالة بين المواطنين.
عاملون أجانب في منشأة خريص النفطية التي تقع على بعد 160 كلم عن العاصمة الرياض
فوفقًا للأرقام الرسمية ارتفع معدل البطالة في السعودية إلى 12.7% في الربع الأول من عام 2017، وتهدف رؤية عام 2030 التي صدرت العام الماضي إلى خلق مليون فرصة عمل للمواطنين السعوديين عام 2020، وحددت رؤية السعودية عام 2030 العديد من مشاريع البناء بالتعاون مع شركات أجنبية ضخمة.
الوضع سيكون صعبًا للغاية
عاش محمد رزق – 36 عامًا – في الرياض وعمل مهندسًا مدنيًا في شركة هاشم للمقاولات والتجارة لمدة 4 سنوات حتى تم تسريحه في فبراير 2017، كانت زوجته وبناته الثلاثة يعيشون في سموحة بالإسكندرية، بينما كان يعمل في السعودية لتوفير سبل المعيشة لأسرته.
يقول رزق – وهو في طريقه لدورة إدارة المشروعات -: “حتى الآن أواجه مشاكل مادية في الإسكندرية، في الرياض كانت تكلفة المعيشة رخيصة نسبيًا مقارنة بالراتب، آمل أن تزيد هذه الدورة من فرصي للحصول على عمل، فلم أشتر أي شيء منذ عودتي إلى الإسكندرية”.
محمد رزق يقود سيارته في شوارع الإسكندرية
وبسبب قلقه على وضعه المالي وإذا ما كان سيتمكن من توفير حياة كريمة لأسرته، فكر رزق في مشاركة صديقه لافتتاح متجر للهواتف المحمولة حتى يتمكن من الحصول على دخل ثابت حتى لو كان العائد قليلًا.
تبلغ رسوم المدرسة الخاصة لابنتيه الكبيرتين نحو 1238 دولارًا في العام، وحتى الآن يدفع تلك الرسوم من مدخراته، ولم يفكر أبدًا في نقلهم إلى مدرسة أرخص للحد من النفقات حتى يتمكن من الحصول على عمل.
يقول رزق: “من رحمة الله أنني أستطيع تغطية نفقات تعليم بناتي حتى الآن وملابسهم وجميع النفقات الأخرى، لا أستطيع السماح لهم بالذهاب إلى مدرسة أخرى أقل في جودة التعليم، هذا الأمر صعب للغاية”.
المصدر: ميدل إيست آي