كان من المقرر اجتماع المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض اليوم، إلا أنه أُرجئ إلى غد الإثنين بعد تأخر وفد منصة موسكو عن الحضور، إذ أعلنت المنصة استعدادها لحضور الاجتماع الذي دُعيت إليه مطلع أغسطس/آب لإعادة هيكلة صفوف المعارضة بعدما أسقطت اعتراضاتها على مكان انعقاد المؤتمر.
سيناقش المجتمعون في اجتماع الغد نقاطًا ساخنة للخروج برؤية موحدة للمعارضة السورية، والذهاب بوفد موحد للتفاوض مع النظام السوري الذي يواجه ضغطًا من روسيا للتعامل بجدية في مفاوضات جنيف المقبلة في نهاية أغسطس/آب الحالي، حيث يرى محللون أنه من الممكن أن يكون حظًا أوفر في التوصل إلى تسوية سياسية.
المعارضة بموقف صعب
سيحاول المجتمعون في الرياض التفاهم على النقطتين الخلافيتين الأبرز المتمثلتين بالدستور وبقاء الأسد من عدمه، وفي الوقت الذي تدعو كل من منصة القاهرة والهيئة العليا للمفاوضات إلى أن يكون مستقبل سوريا دون الأسد، تمانع منصة موسكو الخوض في النقطتين، وشهدت الأيام الأخيرة انعطافة في مسار الأزمة السورية إذ شهدت المعارضة السورية ضغوطًا كبيرة من العديد من الأطراف بهدف التعاطي بواقعية أكثر مع المعطيات السياسية التي أفرزها الوضع في الميدان، وبالأخص مع استلام روسيا زمام الأمور في سوريا من أمريكا التي غابت عن الساحة إلا فيما يخص محاربة “الإرهاب”.
السعودية بصدد نقل الأوراق التي تملكها في الأزمة السورية إلى مصر، ونقل تبعية عدد من الكيانات السياسية اللاعبة في الشأن السوري من السعودية إلى مصر
وضمن سياق عربي مضطرب عكرته الأزمة الخليجية، استدارت السعودية باتجاه القبول بالواقع الجديد في سوريا الذي قادته روسيا وبعض القوى الدولية، إلى جانب انشغال تركيا بتحقيق مصالحها القومية عبر إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدودها.
من جهتها عملت الهيئة العليا للمفاوضات على تشكيل لجنة مؤلفة من 5 أشخاص في الخامس من الشهر الحاليّ للحوار مع منصتي القاهرة وموسكو، ويهدف اجتماع الغد إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاث بشأن مجمل قضايا التفاوض مع النظام، مع بحث إمكانية توحيد وفد المعارضة الذي يتولى مهمة التفاوض مع وفد النظام تحت رعاية أممية في مدينة جنيف السويسرية.
قدري جميل رئيس منصة موسكو
إلى ذلك توقع ديمستورا أن تشهد الأزمة السورية ما أسماه “تحولات نوعية” خلال الأشهر القليلة القادمة، وتوقع انعقاد محادثات أستانة في أوائل سبتمبر/أيلول المقبل على أن تستأنف بعدها المفاوضات السياسية في جنيف بشكل جدي بين وفدي النظام والمعارضة في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين.
وجدير بالذكر أن الجولة السادسة من محادثات جنيف السورية لم تتوصل إلى تقدم ملموس بعد 4 أيام من المحادثات غير المباشرة بين النظام والمعارضة، وتم إرجاؤها إلى جولة سابعة في نهاية أغسطس/آب الحاليّ.
لا شك أن المعارضة السورية تمر اليوم بأحلك وأسوأ أيامها، ويأتي هذا بالدرجة الأولى بسبب تغول روسيا في الملف السوري وفرض سياسة المنتصر عسكريًا على جميع الأطراف، وسط إصرارها على إيجاد قنوات للتوافق بين المعارضة والنظام، وإنتاج حل سياسي يحقق من خلاله بوتين نصرًا يستثمره في الانتخابات الرئاسية القادمة مطلع العام المقبل.
شهدت الأيام الأخيرة انعطافة في مسار الأزمة السورية، إذ شهدت المعارضة السورية ضغوطًا كبيرة من العديد من الأطراف بهدف التعاطي بواقعية أكثر مع المعطيات السياسية التي أفرزها الوضع في الميدان بعد استلام روسيا للملف السوري من أمريكا
كما استحدثت موسكو عبر محادثات أستانة مناطق “خفض التصعيد” ونجحت حتى الآن بالاتفاق مع أمريكا والأردن على إدخال جنوب سوريا في مناطق خفض التصعيد وتوقف إطلاق النار بشكل نهائي تمهيدًا للاستقرار الذاتي في المستقبل، وزحفت هذه الاتفاقية إلى كل من الغوطة الشرقية وريف حمص وبقيت إدلب التي لا تزال قيد التفاوض بشأن إطلاق عملية عسكرية دولية فيها.
وسط هذا الوضع المتأزم في موقف المعارضة، ناشد ناشطو الثورة السورية ومعارضون ومثقفون الهيئة العليا للمفاوضات عدم تقديم تنازلات تتعلق بمصير النظام، إذ توقع البعض أن تشهد المرحلة المقبلة تغيرًا في الحل السياسي باتجاه القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية أو حتى انتهاء ولايته عام 2021 مع إعطاء وعود بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة، وذلك عبر إدخال شخصيات إلى وفد المعارضة التفاوضي يقبل ببقاء الأسد في السلطة، فالقاهرة لا ترى ما يمنع وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، في حين أن منصة موسكو ترفض أساسًا البحث في مسألة مستقبل الأسد في هذه المرحلة.
وأكد الأمين العام لحزب التضامن السوري المعارض عماد الدين الخطيب لصحيفة العربي الجديد قائلاً: “هيئة التفاوض اليوم في وضع لا تُحسد عليه، ومع انكفاء سيطرة فصائل المعارضة على الأرض، وتقليص نفوذها وتوجه أغلبها لإعلان الهدن مع روسيا والنظام، إضافة للاقتتال الحاصل بين بعض فصائلها وسيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب والخلافات الإقليمية وتغير المزاج الدولي، كل ذلك أضعف دور الهيئة، مما سيؤثر سلبًا على أهدافها، وبالتالي ستجد نفسها مضطرة للقبول بتغيير خياراتها”.
السعودية تنسحب من الأزمة السورية
أشارت مصادر إعلامية أن السعودية بصدد نقل الأوراق التي تملكها في الأزمة السورية إلى مصر، وهناك اجتماعات جرت في الفترة القريبة الماضية بين مسؤولين مصريين وسعوديين بحضور مسؤولين إماراتيين لنقل تبعية عدد من الكيانات السياسية اللاعبة في الشأن السوري من السعودية إلى مصر، وأشار موقع العربي الجديد نقلًا عن مصادر أن الخطوة السعودية تأتي في ظل فشل سياسة المملكة في إدارة تلك الكيانات، مما تسبب في تقزيم دورها في مواجهة الدور الإيراني والروسي، كما أنها أي السعودية لا يمكنها أن تجلس على طاولة مفاوضات متعلقة بالأزمة السورية وهي في موقف الضعيف.
توقع البعض أن تشهد المرحلة المقبلة تغيرًا في الحل السياسي باتجاه القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية أو حتى انتهاء ولايته عام 2021 مع إعطاء وعود بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة
يُشار أن مصر كان لها دور بارز في هدنة الغوطة الشرقية ومساعٍ لأداء دور في خفض التصعيد في مناطق أخرى بسوريا، بالتعاون مع كيانات محسوبة على السعودية في مقدمتها تيار الغد المعارض برئاسة أحمد الجربا، الشخصية المقربة والمدعومة من السعودية، ورئيس الائتلاف السوري السابق.
رئيس تيار الغد السوري أحمد الجربا
يُذكر أن مصر لا تجد بدًا من إعادة علاقتها الرسمية مع النظام السوري، وقد دفعت ببعض الشخصيات للتمهيد لهكذا خطوة بين الجانبين أعقبها عدد من الخطوات للتمهيد للشارع المصري، إذ ذهب وفد من الفنانين المصريين للمشاركة في معرض دمشق الدولي يرأسهم المخرج عمر عبد العزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية في مصر.
كما سبق هذه الزيارة قبل أيام إعلان بعض القوى والأحزاب السياسية المصرية، وهي الحزب الناصري، حزب الكرامة، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي، حزب التحرير، خلال مؤتمر صحافي بمقر الحزب الناصري في القاهرة، عزمها مخاطبة السلطات المصرية بضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين سوريا ومصر، وكذلك نيتها تشكيل وفد تضامني لزيارة مقر البعثة القنصلية السورية في القاهرة.