هل صدَّق الشباب الفلسطيني تقرير الهجرة عن غزة؟

لا يمر يوم دون اختبار ما الذي تغير في وجه الشاب ثروت كحيل عبر النظر لبقعة كبيرة من الماء على سطح منزله، بقي على هذا لفترة طويلة مضت من الحصار، ينتظر المعابر ليكمل دراسته في الخارج، هذه الصورة تعكس صورة اللهفة التي أصابت محمد صادق حين سمع أن معبر رفح سيفتح أبوابه بعد ثلاثة شهور من الإغلاق، ليعود لبيته في أسرع وقت يلملم حقائبه ويضع ما يمكن أن يحمله ليسافر غدًا أو بعد غد، فقد فتحت مصر معبر رفح لمدة يومين فقط للعالقين والراغبين في الخروج من أصحاب الحالات الإنسانية والطلبة والإقامات.
لا يكفي يومان حتى لخروج المرضى، يعاود ثروت النظر لبقعة الماء فوق سطح المنزل، ويضحك معلقًا على تقرير المركز الفلسطيني للإحصاء عن الشباب بأن 37% من الشباب في قطاع غزة راغبين في الهجرة، في مقابل 15% من الشباب في الضفة الغربية، ولا يرغب المهاجرون في العودة في الوقت الحالي.
ثروت لم يشكك في صحة الإحصائية كما فعل آخرون، لكنه استغرب من حجم التقارير الدولية التي تصدرها مراكز الدراسات والمؤسسات الدولية عن المأساة في غزة دون أي حراك، فيقول لـ”نون بوست”: “يكتبون التقارير ليأتوا لنا بمشاريع الإغاثة فيستفيدون وتزداد معاناتنا، لا حل إلا الهجرة”.
ويضيف كحيل الذي يعيش وضعًا ماديًا جيدًا ويخدم في شركة والده للمقاولات: “أتوجه كل يوم صباحًا لسطح البيت أتفقد وجهي في بقعة الماء، ثم أذهب للعمل، بشكل روتيني وبغض النظر عن كونه ممتعًا أو مملاً أو مضيعة للوقت فقد توقف قطاع البناء بسبب الأوضاع في غزة، وأعود للبيت أروى الأشجار، وأتابع مسلسل على اليوتيوب لأرى ما يفعل الخائن بالبطل، ثم آخذ سيارة والدي مساءً قبل العودة للبيت والنوم للذهاب للعمل مرة ثانيةّ وأنا في حالة نفسية سيئة”.
عدد الذين غادروا من معبر رفح خلال يوم عمل كامل 330 مسافرًا بالإضافة إلى 802 حاج فقط من أصل عشرات الآلاف من المحتاجين للسفر بعد وعود مصر بحل أزمة معبر رفح بالكامل، ليبقى آلاف الشباب عالقين في حالة فراغ
لكن يحيى منصور لم يصدق الإحصائية بشأن رغبة شباب غزة بالهجرة، ويقول لـ”نون بوست”: “النسبة أكبر بكثير وأعتقد أن عينة الدراسة بها مشكلة”.
ويضيف يحيى الذي يعمل مديرًا ماليًا في مؤسسة الوئام الخيرية: “غزة عبارة عن سجن، لكن الفرق بين السجين العادي وسكان غزة أن السجين يعرف محكوميته متى ستنتهي أما نحن فلا نعرف، فلا أفق في غزة في ظل الوضع الراهن، آلاف الخريجين مصيرهم الشارع، لقد ضاع من عمري 12 عامًا وأنا أطارد للحصول على احتياجات الحياة الرئيسية، الماء والكهرباء والغاز، وقد نجح الاحتلال أن يشغلنا في حالنا”.
وكشف المتحدث باسم المعابر في غزة هشام عدوان لـ”نون بوست” أن عدد الذين غادروا من معبر رفح خلال يوم عمل كامل 330 مسافرًا بالإضافة إلى 802 حاج فقط من أصل عشرات الآلاف من المحتاجين للسفر بعد وعود مصر بحل أزمة معبر رفح بالكامل، ليبقى آلاف الشباب عالقين في حالة فراغ.
وعن أسباب تفكير الشباب بالهجرة يقول محمد نشبت معد البرامج في فضائية الأقصى التابعة لحماس: “أسعى للهجرة من غزة لضيق الأفق، وانعدام الإنسانية وانعدام مقومات الحياة الكريمة، ولكثرة الأزمات والحروب واستمرار الحصار، لمحاولة التخلص من المراهقة السياسية وتغليب الخاص على العام، وتوفير مستقبل آمن واعد لأبنائي”.
لم تبد القيادة الفلسطينية لا في غزة ولا في الضفة الغربية مخاوفها من رغبة الشباب في الهجرة نتيجة سوء الأوضاع
ويضيف نشبت لـ “نون بوست”: “كندا وجهتي الجديدة لارتفاع مستوى التعليم وخدمات المواطنين، وتشجيع الإنتاج هناك”.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره الصادر عن أوضاع الشباب في المجتمع الفلسطيني في يوم الشباب العالمي، تبلغ نسبة البطالة بين الشباب الفلسطيني 44%، وعدد عاطلين عن العمل يبلغ 217 ألف فرد، حيث تبلغ نسبة الشباب من سن 19-29 عامًا نحو 30% من الشباب.
إلى الآن لم تبد القيادة الفلسطينية لا في غزة ولا في الضفة الغربية مخاوفها من رغبة الشباب بالهجرة نتيجة سوء الأوضاع، إذ إن حالة النقد الكبيرة التي تراها صفحات التواصل الاجتماعي من قبل الشباب للواقع السياسي والاقتصادي السيء الذي تعيشه فلسطين، تنذر بمخاوف كبيرة أهمها إحباط الشباب من المشاركة السياسية في مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وخلو المؤسسات الفلسطينية من التجديد لعدم إدخالهم فيها.