لا تقتصر جهود الرئيس التركي الذي عاد لرئاسة حزب العدالة والتنمية بموجب مرور التعديلات الدستورية في استفتاء 16 من نيسان الماضي على التغييرات في مؤسسات الدولة سواء على مستوى الحكومة أو الجيش، بل ساهمت عودته إلى قيادة الحزب في بث روح التغيير داخله، حيث يرى أردوغان أن التغيير ضروري جدًا للاستعداد لانتخابات 2019 سواء المحلية في مارس أو “البرلمانية والرئاسية” التي ستعقد في آن واحد في نوفمبر من 2017 على الأغلب.
فبعد التغييرات التي حصلت في مجلس الوزراء من تعيين وزراء جدد ومساعدين جدد لرئيس الوزراء وحتى مستشارين جدد في رئاسة الجمهورية وفي وقف الديانة وبعدها في قيادة الأركان عبر مجلس الشورى العسكري الأعلى، بدأ أردوغان عملية التغيير داخل الحزب بتعيين مساعدين جدد له ومستشارين ومساعدين لهم والآن يستعد للتغيير في المستويات الأقل داخل الحزب.
توحي كلمة أصدقاء جدد في خطاب أردوغان بالرغبة في كسب المزيد من الأصدقاء من الخارج وقد استطاع أردوغان قبل ذلك استقطاب قادة من أحزاب أخرى
ويعتقد أن أجندة الحزب في ذكراه السادسة عشر التي احتفل بها قبل أيام ستكون كلمة التغيير كلمة مفتاحية فيها، وليس مجرد التغيير الشكلي فحسب بل إن التغيير هذه المرة سيكون جذريًا وفق المؤشرات الأولى للتغييرات وتصريحات الرئيس أردوغان الذي يبدو أنه سيحتاج الأصدقاء كافة وكل من يمكنه أن يحشد له المزيد من الدعم في العمليات الانتخابية المقبلة.
وقال أردوغان بحفل في مدينة إسبارطة قبل عدة أيام: “التغيير في حزب العدالة والتنمية سيكون تغييرًا جذريًا”، مؤكدًا: “الآن نسعى لتحديث أنفسنا بطريقة مناسبة لروح العصر الجديد، وفي هذا الطريق أحتاج إلى أصدقاء لديهم الحماس والطاقة لإعادة تشكيل حزب العدالة والتنمية”، وأضاف أردوغان “بفضل أصدقائنا الذين يقومون بواجباتهم، نقدم عرضنا النقي ولأننا لدينا أصدقاء جدد، سوف نستمر في هذاالطريق”.
توحي كلمة أصدقاء جدد بالرغبة في كسب المزيد من الأصدقاء من الخارج وقد استطاع أردوغان قبل ذلك استقطاب قادة من أحزاب أخرى، وخلال السنة الماضية كسب دعم أحزاب كاملة مثل حزب الحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير وحزب الهدى بار، وبهذا تحديدًا نجح في الجمع بين الحصول على الدعم من الحركة القومية والهدى بار، وفي ذلك إبداع واضح وقدرة على التحكم في المتناقضات، حيث إن الحركة القومية يمثل القومية التركية فيما يعد حزب الهدى بار حزبًا كرديًا لكنه ذو ميول إسلامية أكثر من الميول القومية الموجودة في حزب الشعوب الديمقراطي.
يعد التغيير الجذري في تشكيلات حزب العدالة والتنمية واجبًا على أردوغان في ظل عمل المعارضة على ترتيب صفوفها وخاصة في تجميع كتلة الرفض التي اقتربت من 50% في الاستفتاء الماض
ولكن هنا لا بد ألا نمر دون الإشارة إلى أن حزب الحركة القومية عانى من انقسام خلال الاستفتاء السابق وكانت هناك كتلة معتبرة منه صوتت ضد التعديلات الدستورية، ويسعى الآن عدد من أنصار هذه الكتلة على رأسها المساعدة السابقة لرئيس الحزب والتي أخرجت من الحزب ميرال أك شينار لتأسيس حزب جديد، كما أن مواقف الحزب وتحالفاته عرضة للتغيير وعملية إرضائه تحتاج إلى مراعاة كبيرة.
ويعد التغيير الجذري في تشكيلات حزب العدالة والتنمية واجبًا على أردوغان في ظل عمل المعارضة على ترتيب صفوفها وخاصة في تجميع كتلة الرفض التي اقتربت من 50% في الاستفتاء الماضي، وقد ظهر جليًا ما يقوم به زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو من ترتيبات وفعاليات في الآونة الأخيرة في هذا الإطار، ولهذا بدا لأردوغان وهو أمر منطقي جدًا ضرورة شد أحزمة الحزب ومعالجة الترهل الذي أصابه والذي ظهر جليًا في انتخابات يونيو 2015 وكان فشل الانقلاب في 15 من تموز نعمة كبيرة له ساهمت في تعديل كفة الأمور لصالحه.
ولما سبق فإن أردوغان قرر أن يجري تغييرات جذرية في صفوف قادة الحزب في المدن والمحافظات بنسبة تصل من 40 إلى 50 %، حيث يرى أن اختيار شخصيات جديدة في مواقع رؤساء المدن والشعب تتمتع بكفاءة إدارية ودعم شعبي سيضخ دماءً جديدة في جسد الحزب وسيساهم في جني ثمار جيدة في المراحل المقبلة، ويبدو أن أردوغان لا يحب الانتظار طويلاً فقد طلب من اللجنة العليا للحزب تقديم قائمة جديدة بأسماء المرشحين لتبوء المناصب القيادية للحزب في 81 محافظة وما تحتها من المدن ثم الشعب والأحياء الأصغر فالأصغر.
يريد أردوغان أن يكرس المزيد من النجاحات على المستوى الداخلي في المجالات كافة ليصل إلى تركيا أشد تماسكًا على المستوى الداخلي ليجد انعكاسات ذلك على المستوى الخارجي
ويريد أردوغان أيضًا أن يحافظ على مسيرة الحزب الذي أسسه بمسارها التصاعدي منذ 16 سنة والتي حقق فيها الفوز في 12 عملية انتخابية وقدم من خلالها رئيسين لتركيا و4 رؤساء للوزراء و6 رؤساء للبرلمان، وقد بدأ في عملية قطف ثمار هذه النجاحات بشكل أكبر في السنوات الأخيرة مثل تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي وتطهير مؤسسات الدولة من القوى التي تغلغلت فيها وتكريس قوامة المدنيين على العسكريين وبعض الأمور الأخرى التي كان دستور البلاد السابق يقف عائقًا أمامها.
ويريد أردوغان أن يكرس المزيد من النجاحات على المستوى الداخلي في المجالات كافة ليصل إلى تركيا أشد تماسكًا على المستوى الداخلي ليجد انعكاسات ذلك على المستوى الخارجي والتي بدأت إرهاصاتها تتحقق في الوجود الخشن لتركيا في بعض الملفات ولكن ما زال التوغل وتحقيق مكاسب صعبًا ما لم يحدث اختراقات داخلية أكبر.