الجماعة الإسلامية في حظيرة الدولة المصرية مجددًا

tarek_zomor

في خطوة تبدو وكأنها محاولة لاستباق سكرات الموت والهروب من شبح الحل، أنهى حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر) انتخابات أجراها على مقعد الرئيس، والذي خلا باستقالة الرئيس السابق للحزب الدكتور طارق الزمر، المقيم حاليًا خارج مصر، وتلاحقه مذكرات توقيف من الإنتربول لاتهامه في أعمال عنف يقول الزمر عنها إنها ملفقة، وتأتي في إطار الخصومة السياسية له مع نظام الرئيس السيسي، بسبب مساندة الأول للرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في مواجهة السيسي ونظامه الذي تشكل إثر تداعيات أحداث 30 من يونيو عام 2013.

ظلت شؤون الأحزاب تمارس ضغوطًا شديدة على الحزب، واستمرت إلى ما قبل إجراء الانتخابات على مقعد الرئيس بـ”24 ساعة” وهو الموعد الذي قررت فيه هيئة المفوضين لدائرة شؤون الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حجز الدعوى المقدمة من لجنة شؤون الأحزاب لحل حزب البناء والتنمية

وأسفرت الانتخابات عن فوز الشيخ محمد تيسير أمين الحزب بالقاهرة برئاسة البناء والتنمية، بنسبة بلغت 97.36%، وبذلك يبدأ الحزب توفيق أوضاعه مرة أخرى، والاختيار – طواعية أو مرغمًا ـ الجنوح للسلام بعد أشهر من تعقد وتوتر علاقته بأجهزة الدولة الأمنية والمعنية حاليًا بشؤون جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، خاصة بعدما أبدت الجماعة الإسلامية وحزبها نوعًا من المواجهة والتمرد بإعادة انتخاب الزمر رئيسًا للحزب في مايو الماضي، رغم عدم وجوده بالقاهرة وملاحقته أمنيًا، وهو ما وضع الحزب سريعًا تحت مرمى نيران الإعلام المصري، ولجنة شؤون الأحزاب التي اتهمت “البناء والتنمية” بشكل مباشر بالقيام على أساس ديني، ودعت لحله ومصادرة أمواله.

ظلت شؤون الأحزاب تمارس ضغوطًا شديدة على الحزب، واستمرت إلى ما قبل إجراء الانتخابات على مقعد الرئيس بـ”24 ساعة” وهو الموعد الذي قررت فيه هيئة المفوضين لدائرة شؤون الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة حجز الدعوى المقدمة من لجنة شؤون الأحزاب لحل حزب البناء والتنمية، وتصفية أمواله وتحديد الجهة التي يؤول إليها لكتابة تقريرها بالرأي القانوني في الدعوى، وذلك بعدما قدم محامو الحزب 3 حوافظ مستندات ومذكرات دفاع تضمنت حصرًا كاملاً لكل أعضاء البناء والتنمية بجميع المحافظات.

أزال أعضاء اللجنة القانونية للبناء والتنمية، والذين قاموا بمهمة تبدو سياسية أكثر منها قضائية، قائمة أعضاء الحزب المتهمين في قضايا عنف وإرهاب من ذاكرة البناء والتنمية، وهم تحديدًا 85 شخصًا، بعدما تمت إلغاء عضويتهم بالإضافة إلى توضيح موقف 52 آخرين لا ينتمون للحزب مطلقًا، وإزالة الاعتراضات والملاحظات الأمنية التي كانت ستجبر الحزب على مغادرة الملعب السياسي، وبالتبعية إعادة الجماعة الإسلامية إلى وضعها القديم، مجرد ملف أمني في أدارج الأمن الوطني، بدلاً من التعامل معها حاليًا كأحد الأطراف الممثلة شرعيًا عن الإسلام السياسي في مصر ـ ولو بشكل مستتر ـ عبر حزبها القائم على الأرض حتى الآن “البناء والتنمية”.

من الرئيس الجديد لـ”البناء والتنمية”؟  

جاء انتخاب الشيخ محمد تيسير ليفجر مفاجأة كبرى لكل المتابعين للجماعة الإسلامية وذراعها السياسي البناء والتنمية، بداية من ترشحه منفردًا، في ظل غياب نجوم الحزب عن المنافسة وعلى رأسهم الأمين العام جمال سمك، وأحمد الإسكندراني المتحدث الرسمي باسم الحزب، وكذلك القيادات الذين قاموا بعمل مراجعات للتخلي عن العنف كمنهج حال وقوع أي خلاف مع الدولة، بل ويؤمنون أيضًا بأهمية التنسيق الأمني.

تقول بطاقة تعريف “تيسير” أنه من مواليد مدينة الإسكندرية في ١٧من مايو ١٩٥٧، ويعمل مديرًا ماليًا بإحدى شركات المقاولات، حاصل على بكالوريوس من كلية التجارة شعبة المحاسبة جامعة أسيوط

وسبق لجمال سمك نفسه إعلان ذلك بلا مواربة في أحد تصريحاته خلال الانتخابات الماضية التي فاز فيها طارق الزمر، وأكد أن حزبه يرحب بالتنسيق مع الأمن لإتمام إجراء الانتخابات، نهاية بإعلان فوز الرئيس الجديد خلفًا لطارق الزمر الذي تقدم باستقالة مسببة من منصبه، بعد تحركات واضحة وجادة من السلطات المعنية كانت في طريقها إلى حل الحزب، وهو ما دعا الزمر للابتعاد عن الصورة كاملة.

تقول بطاقة تعريف “تيسير” أنه من مواليد مدينة الإسكندرية في ١٧من مايو ١٩٥٧، ويعمل مديرًا ماليًا بإحدى شركات المقاولات، حاصل على بكالوريوس من كلية التجارة شعبة المحاسبة جامعة أسيوط، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية بمعهد الدراسات الإسلامية، وهو إضافة لمنصبه في الحزب كأمين عام لمحافظة القاهرة، يشغل أيضًا منصب عضو الهيئة العليا للحزب لدورتين متتاليتين، وكان عضوًا بالمكتب السياسي لدورتين متتاليتين أيضًا، بالإضافة إلى إدارته للعلاقات العامة بالحزب، كما شغل منصب رئيس لجنة الانتخابات التي عقدت لانتخاب طارق الزمر رئيسًا للحزب قبل شهرين من الآن.

مصدر موثوق به من داخل البناء والتنمية قال لـ”نون بوست”، إنه جرى الاتفاق بين قيادات الجماعة والحزب على محمد تيسير، صاحب الأدوار الكثيرة في مطبخ الحزب خاصة أنه يعد وجهًا غير معروف للإعلام، وليس له تاريخ صدامي مع مؤسسات الدولة وخاصة الأمنية منها، مما يمكن البناء والتنمية من إفشال الحملة الموجهة ضد منصب رئاسة الحزب والتي صاحبته منذ بداية ظهوره على الساحة عام 2011، لا سيما أن طارق الزمر الرئيس الأشهر للبناء والتنمية يمتلك تاريخًا عنيفًا في بداية حياته، وكان ذلك يعرضه والحزب من خلفه للقصف الإعلامي المتواصل.

ولكن بحسب المصدر لا يعني أيضًا فوز تيسير أنه اختيار أمني بامتياز وتم فرضه على الحزب، لافتًا إلى أن تاريخ الجماعة الإسلامية يؤكد أنها ليست مُدّجنة ولا تخضع لتوصيات أمنية تنال من استقلال قرارها، موضحًا أن هناك فارق كبير بين الخضوع للتوجيهات والتعاطي مع الأحداث بحكمة حرصًا على استقرار الوطن ووحدة أبنائه.

تحالف الإخوان والجماعة الإسلامية إلى أين؟  

لا يخفى على أحد أن محاولة حزب البناء والتنمية للتماسك والحفاظ على مكاسبه في ظل عمليات تجريف الحياة السياسية المصرية، بدأت بانسحابه من تحالف دعم الشرعية المؤيد للإخوان قبل عامين من الآن، وتبع ذلك إجراء اتصالات مكثفة بين قيادات الجماعة الإسلامية في مصر والنظام، للوصول إلى تسوية سياسية خوفًا من عودة شبح صدام التسعينيات المسلح.

زاد الاتصالات سرعة وفاة عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق وأحد أهم مؤيدي الإخوان، الذي توفي في سجنه وأحدثت وفاته هيجانًا كبيرًا خاصة من الأجنحة الخاملة المؤيدة للإخوان داخل الجماعة الإسلامية وذراعها البناء والتنمية، وهو ما ساهم في اتهام الجماعة رسميًا للأمن بالتسبب العمد في وفاته.

تدرج ظهور قيادات الجماعة الإسلامية القدامى في المشهد العام بعد فترة اختفاء عن التأثير والزخم السياسي والدعوي، بعد ثورة 25 يناير مرورًا بفترة حكم محمد مرسي، لصالح طارق الزمر المقرب من الإخوان

بعد ظهور ملامح الصدام مرة أخرى، تدرج ظهور قيادات الجماعة الإسلامية القدامى في المشهد العام بعد فترة اختفاء عن التأثير والزخم السياسي والدعوي، بعد ثورة 25 يناير مرورًا بفترة حكم محمد مرسي، لصالح طارق الزمر المقرب من الإخوان، وعاد عبود الزمر وأسامة حافظ ـ الآباء المؤسسون للجماعة ـ لتوجيه انتقادات علنية قاسية لمواقف الإخوان المناهضة لموقف الجماعة الرامي إلى إيجاد حل سياسي سلمي في البلاد، اتقاءً لشر الضربات الأمنية التي يعلمون قوتها جيدًا.

وحذر عبود وحافظ صف الجماعة من التحالف مع الإخوان الرافضة للتهدئة، وهو ما ساهم في ابتعاد قيادات الجماعة والحزب تدريجيًا عن انتقاد السيسي مرورًا بفض التحالف مع الإخوان رسميًا، وهو ما أنهى فعليًا اتحاد دعم الشرعية الذي تبخر في الهواء، بعدما كان يحتل الواجهة الإعلامية والسياسية للتيار الإسلامي الداعم للإخوان. 

الجماعة الإسلامية والأمن.. تفاهمات واضحة بعد عزل مرسي

انقطعت السبل بمكونات التيار الإسلامي في مصر كافة بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، تعليمات مشددة من وزارة الأوقاف بتشريد كل مشايخ السلفيين وخاصة المقربين منهم من جماعة الإخوان وإبعادهم كليًا عن المنابر وقطع البث عن كل القنوات الإسلامية من داخل مصر، سواء الناطقة بلسان الإخوان أو التابعة لحلفائهم من السلفيين، ولم تبق الأجهزة إلا على قناة واحدة معروف صاحبها بعلاقته القريبة والوثيقة بالأمن، ولكن هذا لا يسمح لها إلا ببناء خطتها البرامجية على شرائط مسجلة ودون بث مباشر، ورغم ذلك كان لافتًا عودة الجماعة الإسلامية دعويًا للعمل في بعض المساجد وتنظيم مؤتمرات وندوات دون مضايقة من الأمن وبالتبعية أجهزة الإعلام.

مارس حزب البناء والتنمية نشاطه السياسي بكل أريحية بعد أن نفذ كل بنود تعهداته بالانفصال عن الإخوان عبر سلسلة من القرارات التدريجية، أبرزها وأكثرها وضوحًا كان الانسحاب من “مبادرة واشنطن” التي دشنتها كوادر إخوانية العام الماضي

كما مارس حزب البناء والتنمية نشاطه السياسي بكل أريحية بعد أن نفذ كل بنود تعهداته بالانفصال عن الإخوان عبر سلسلة من القرارات التدريجية، أبرزها وأكثرها وضوحًا كان الانسحاب من “مبادرة واشنطن” التي دشنتها كوادر إخوانية العام الماضي في محاولة للتوافق مع القيادات المدنية لثورة 25 يناير، وهو ما ردت عليه الأجهزة الأمنية بتسهيل إجراءات جنازة الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، والسماح بتنظيم جنازة أسطورية له، وهو أمر غير مسبوق في فترات التوتر السياسي بين الدولة والإسلاميين، الأمر الذي استدعى توجيه شكر رسمي لأجهزة الدولة من الجماعة وأسرة الشيخ الراحل.

هل قدم البناء والتنمية قرابين الولاء للدولة؟

يقول الشاعر سلطان إبراهيم عضو الهيئة العليا بـ”البناء والتنمية” إن الحزب أعطى مثالاً للتجرد وتقديم مصلحة الوطن على المكاسب الحزبية، وانطلق كالفارس النبيل بمبادئه، مقدمًا المثال والأنموذج في العمل السياسي، وانطلقت كوادره بقمة النضج والوعي تقدم مصلحة الوطن في كل خطوة، وترفض العنف وما زال ذلك الوعي يزداد وتثبته الأيام، لافتًا إلى أن الحزب يسعى دائمًا لنزع فتيل الاحتقان بين أبناء الوطن.

ويرى سلطان أن الحزب كان ولا يزال أنموذجًا في التجرد، وتقديم مصلحة الوطن على مكسبه السياسي، موضحًا أنه حين حدث الاحتقان بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية في اجتماع الهيئة التأسيسية للدستور عام 2012، انسحب الأعضاء الممثلون للحزب ليضربوا مثالاً في التجرد وتقديم مصلحة الوطن، وكان مثالاً شهد له الجميع، كما سعى الحزب إلى نزع فتيل الاحتقان الطائفي، ونجح في حل الكثير من المشاكل الطائفية، وكانت تجاربه رائعة في المنيا والصعيد، ونظر البعض بعين الإنصاف والإعجاب، فوجدوا أن من يحل الأزمات والمشاكل بين المسلمين والأقباط، كانوا يتهمون من قبل بإثارتها.

ويؤكد عضو الهيئة العليا للحزب، أن البناء والتنمية تغلغل في الصعيد فاستطاع أبناؤه حل الكثير من أزمات الثأر ومشاكل العائلات، حتى شهد القاصي والداني بدورهم في تلك الخصومات، كما تحرك كوادر الحزب في شتى الميادين ليسطروا مبادرة وطن واحد وعيش مشترك، كما شارك الحزب أيضًا في مجال العمل الثقافي والأدبي، فشاركوا الوطن آلامه وآماله شعرًا وفنًا وثقافة.

وأشار القيادي السلفي إلى أن الوعي ظهر في كتابات وأقلام أبناء الحزب، وكان قلبهم ينبض دائمًا بحب هذا الوطن، ويحرص على مؤسساته وممتلكاته، وإدانة كل ما من شأنه الإضرار بمصالحه، مختتمًا: “كان الحزب ولا يزال نموذجًا في العمل السياسي الرائع المخلص، لمصحة من وأد هذه التجربة ولماذا هذا التشنج الغريب المقيت الداعي إلى هدمها”؟