تتشابه الظروف السياسية الخارجية التي تمر بها تركيا والأردن في الأزمة السورية واللاجئين وتهديدات داعش، إضافة إلى العلاقة مع النظام السوري. زيارة أردوغان التي أعلن عنها الاسبوع الماضي، حيث من المفترض أن يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عصر اليوم الاثنين إلى عمّان، تأتي في ظل أوضاع سياسية عربية تبدو صعبة، خاصة مع تصاعد الأزمة الخليجية التي أعلنت عمان عن تعليق تمثيلها الدبلوماسي مع قطر، فيما وقفت أنقرة إلى جانب الدوحة، وأعلنت استعدادها لتطوير العلاقات وزيادة التعاون التجاري والعسكري.
تطوير العلاقات عنوان المرحلة
وتعتبر زيارة الرئيس التركي للأردن التي تستغرق يوما واحدا فقط، مهمة وقد تعكس رغبة البلدين في تطوير مستوى التواصل بينهما، إلى جانب العمل على رفع مستوى العلاقات من الجانب الأمني إلى المستوى السياسي، فضلا عن تطوير الجانب الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمار والتبادل التجاري.
ويرى خبراء ومراقبون أردنيون أن زيارة الرئيس التركي تعكس مدى اهتمام تركيا بتطوير علاقاتها مع الأردن، خاصة مع تشابه التهديدات التي تمس أمن البلدين كداعش وتهديدات المليشيات الشيعية على الحدود السورية والعراقية مع الأردن.
من وجهة نظره، رأى أستاذ علم السياسة الدكتور سليمان الدبعي أن “زيارة أردوغان تعبير عن حالة تواصل رسمية رفيعة المستوى بين البلدين، بالرغم من أن التواصل نادر ومحدود جداً بين الطرفين”.
الدبعي: الرغبة في تنسيق العمل ضد داعش ساهمت في ترطيب الأجواء وتقاربها
وقال الدبعي لـ”أردن الإخبارية” إن “زيارة أردوغان للأردن سياسية بامتياز ولها أهدافها ودلالاتها، وهي رسالة حصرية تفيد بأن أنقرة مهتمة جدا بزيادة مساحة استعادة الثقة مع صاحب القرار في عمان”.
وأشار إلى أنه “فيما يبدو جليا أن الرغبة لدى عمان وأنقرة في التنسيق والعمل ضد تنظيم داعش، الذي يعتبر العدو المشترك للطرفين، قد ساهمت إلى حد بعيد في ترطيب الأجواء وتقاربها”.
ونوه إلى أنه “طوال السنوات الأخيرة الماضية، كانت عمان تتعامل بحذر شديد مع تركيا أردوغان، على أساس أنه يحتضن تنظيمات إسلامية ويقدم لها الدعم اللوجستي”. وتساءل أستاذ السياسة بقوله “هل سيتم على إثر الزيارة تشكيل غرفة عمليات أمنية مشتركة، لتبادل المعلومات والخبرات، خاصة أن البلدين ضمن الائتلاف الدولي المناهض لداعش”.
تاريخ العلاقة بين أنقرة وعمان
زيارة اردوغان التي تأتي استجابة لدعوة الملك عبدالله الثاني يبدو أنّها تعكس تحولاً متدرّجاً في العلاقات بين عمّان وأنقرة، بعد مرحلة فتور شديد حيث لم تتطور علاقات الأردن بتركيا، منذ صعود نجم أردوغان (كرئيس للوزراء، منذ العام 2003، ورئيساً للدولة منذ العام 2014)، فقد شهدت هذه العلاقات تبايناً شديداً في الرؤى والمواقف تجاه الملفات الإقليمية، بخاصة في مرحلة الربيع العربي، وما بعدها.
ويرى الكاتب محمد أبو رمان أن هنالك فجوة في العلاقات بين الأردن وتركيا ما تزال قائمة ترتبط أولاً بالتباين في علاقتيهما بالإمارات ومصر، فالأردن حليف للأخيرتين، بينما أردوغان يعتبر خصماً لهما، وحتى علاقته مع السعودية التي شهدت تقارباً، وحاول هو الإبقاء عليها مؤخراً عبر زيارته الأخيرة للسعودية ولقائه بالملك سلمان.
شهدت العلاقات تبايناً شديداً في الرؤى والمواقف تجاه الملفات الإقليمية، بخاصة في مرحلة الربيع العربي، وما بعدها
ويضيف أبو رمان في مقاله ”أردوغان في عمان.. صفحة جديدة؟ ” أن جليد الموقف الأردني بدأ يذوب عن العلاقات مع الأتراك مع شعور الأردن بأنّ المقاربة التركية تجاه تنظيم داعش بدأت بالتحول والتغيّر، إلى أن وصلت الأمور إلى تدخل الجيش التركي في حملة “درع الفرات”، إلى سورية وقيامه بالقضاء على جزء كبير من نفوذ التنظيم في شمال البلاد.
من ناحيتها، طالما اشتكت أنقرة من البرود الدبلوماسي الأردني معها، والخبراء في عمان بالملف التركي ينتقدون بلادهم، لأنها تتجاهل إقامة تواصل استراتيجي مع دولة جارة ومهمة بوزن تركيا.
من جهته، أعرب سفير الأردن لدى أنقرة أمجد العضايلة، عن أمله في أن تكون زيارة الرئيس التركي صفحة جديدة لإنشاء علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية، تعود بالفائدة على الشعبين الصديقين.
وصل التبادل التجاري بين الأردن وتركيا إلى نحو مليار دولار لكنه انخفض بسبب التوترات في المنطقة
وقال العضايلة إن “الوضع السياسي والأمني في المنطقة، سيكون ضمن أجندة المباحثات بين الجانبين، لا سيما أن أنقرة وعمّان هما الأكثر تضرراً من التحديات الناجمة عن استمرار الأزمة السورية دون حل”.
وتابع أن “الأزمة السورية ستتصدّر المباحثات السياسية بين الزعيمين، إلى جانب مكافحة الإرهاب وعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، لكون تركيا تترأس في الوقت الراهن منظمة التعاون الإسلامي”.
وبحسب السفير الأردني، سيبحث أردوغان المنتجات التي تستوردها تركيا من الأردن، وعلى رأسها البوتاسيوم والفوسفات، فضلاً عن بحث سبل زيادة الاستثمارات التركية في منطقة العقبة، إلى جانب تفعيل خط “الرورو” الرابط بين مينائي اسكندرون التركي والعقبة الأردني.
وصل التبادل التجاري بين الأردن وتركيا إلى نحو مليار دولار لكنه انخفض بسبب التوترات في المنطقة، وإغلاق الخط البري الذي يمر عبر سوريا”، إضافة إلى إنشاء خط بحري بين تركيا والأردن؛ الأمر الذي سيزيد الصادرات بين البلدين.
وأشار السفير إلى أنّ “كيفية إنهاء الحرب في سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها، وسبل دعم الحكومة العراقية بمكافحتها للإرهاب وتحقيق المصالحة الاجتماعية، وإعادة إعمار كل من سوريا والعراق، ستكون من أهم المواضيع المطروحة على طاولة مباحثات أردوغان مع العاهل الأردني”.
الملف السوري والعراقي يتصدر المشهد
أما المحلل السياسي سامي شريم، فقد اعتبر أن “الزيارة لا يمكن فصلها عما يجري في سوريا والعراق من تطورات، وبالتأكيد سيحرص أردوغان على إقناع الأردن بضرورة تعزيز التعاون في الملفين السوري والعراقي”.
وقال شريم لـ”أردن الإخبارية” إنه “لا يوجد ما يشي بوجود انفتاح غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، على رغم زيارة أردوغان، لكن ثمة استدارة أردنية بمواقفها السياسية المنحازة للخليج تجاه تركيا”.
لا يوجد ما يشي بوجود انفتاح “غير مسبوق” بين عمان وأنقرة
ورأى أن “زيارة أردوغان تأتي في سياق تساؤلات حول الصحوة الأردنية المتأخرة، التي يتبناها كثير من السياسيين الأردنيين وعنوانها، لماذا تخلى الخليجيون عن الأردن في أحلك الظروف الاقتصادية، وما الذي يمنعنا من التقارب مع تركيا وإيران طالما أن ثمة مصالح اقتصادية؟”.
ولفت شريم إلى أن “القمة الأردنية التركية تأتي كما يبدو استعدادا لمحادثات جنيف 6 إضافة إلى ترتيبات المرحلة النهائية للأزمة السورية، خاصة وأن الدولتين تستضيفان لاجئين سوريين ولهما مع سورية حدود مشتركة، ومصالح يجب المحافظة عليها”.
تعتبر قضية القدس في سياق المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل تمثل ضلعاً آخر من أضلاع التقارب الأردني- التركي المفترض
إلى ذلك، وبعيدا عن المكاسب الاستثمارية التي تنطوي عليها الزيارة، يبدو أن أردوغان جاء وفي جعبته مقايضة قوامها دعم تركي لشرعية الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، مقابل علاقات أكثر من عادية بين الطرفين قد تصل إلى مرحلة التحالفات.
وتعتبر قضية القدس في سياق المواجهة الدبلوماسية مع “إسرائيل” تمثل ضلعاً آخر من أضلاع التقارب الأردني- التركي المفترض، بخاصة أن الدولتين تظهران اهتماماً كبيراً بالقدس، لاعتبارات استراتيجية ورمزية وسياسية عديدة.
الأردن والموقف من محاولة الانقلاب
يذكر أن الأردن أدان محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا العام الماضي، حيث أعلن عبر سفير عمّان في أنقرة الوقوف مع تركيا في حربها ضد الإرهاب، وفي مواجهة تنظيم فتح الله غولن، كما أغلقت الحكومة الأردنية المدرسة الوحيدة التابعة لتنظيم فتح الله غولن في الأردن، بسبب كثرة مخالفاتها
المصدر: أردن الإخبارية