دخلت الإمارات في حملة “عاصفة الحزم” لمحاولة وقف سعي جماعة الحوثي للسيطرة على السلطة في البلاد، إضافة إلى محاربة القاعدة في اليمن، وزجت بقواتها للتصدي للتنظيمات الإرهابية قبل نحو عامين ليصار سؤال مهم فيما إذا كانت نية الإمارات مساعدة اليمن في التخلص من الأخطار المحيطة به من القاعدة والحوثيين واستباب الأمن أم أن للإمارات مآرب أخرى هناك!.
لقد كشف تقرير لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية في اليمن، دعم دولة الإمارات جماعات مسلحة وممارستها الاحتجاز غير القانوني والإخفاء القسري في اليمن، وأردف التقرير السري الذي حصلت الجزيرة على نسخة منه بأن هناك معلومات موثقة تفيد بأن قواتها تخفي قسرًا شخصين بعدن منذ أكثر من ثمانية أشهر.
التقرير الذي لا يزال يتكتم عليه فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية باليمن سيستكمل تحقيقاته إلى حين تقديم التقرير النهائي نهاية العام الجاري. وحتى ذلك الوقت سيظهر لهم دلائل وإثباتات أكثر حول أعمال التحالف العربي عمومًا والإمارات والسعودية خصوصًا في اليمن بعد إنطلاق “عاصفة الحزم” في مارس/آذار 2015 والتي لا يبدو أنها حققت أهدافها بعد مضي أكثر من سنتين على انطلاقها.
دور الإمارات والسعودية في دعم القاعدة باليمن
بحسب تقرير الخبراء فقد انتشرت مليشيات ومجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي، تتلقى تمويلا مباشرًا ومساعدات من السعودية والإمارات، يشير إلى أن إحدى تلك المجموعات في تعز يقودها شخص يدعى أبو العباس (السلفي) وتموله الإمارات، وقد رفضت هذه المجموعة الانضواء إلى الجيش اليمني؛ بالإضافة لعدم خضوع قوات رسمية – كقوات النخبة الحضرمية وقوات الحزام الأمني التي ترعاها وتمولها الإمارات – لسلطة الحكومة الشرعية.
الدعم الإماراتي والسعودي لتقوية الفصائل الإسلامية المسلحة المتشددة في مواجهة الحوثي ذو الصنيعة الإيرانية، أدى بدوره إلى تفكك كيان الدولة وقامت مقامها تنظيمات إرهابية متطرفة تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة.
ويشير التقرير أن الإمارات تدعم جماعة “أبو العباس” المتحالفة مع تنظيم القاعدة في تعز، وهي جماعة تعمل خارج إطار الدولة وترفض الانصياع للمقاومة الشعبية والحكومة الشرعية، والتي تدعي السعودية والإمارات أنهما تدعمانها، كما أنشأت الإمارات الحزام الأمني في عدن وقوات النخبة الحضرمية.
الصراع في تعز عزز دور “أبو العباس” بدعم مباشر من الإمارات، وخلال صراعه مع الحوثيين سمح بانتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل تعز، لتعزيز قواته وتقييد النفوذ السياسي والعسكري لحزب الإصلاح. فالمدعو “أبو العباس” سمح خلال صراعه مع الحوثيين بالحد من نفوذ حزب الإصلاح الذي تعاديه الإمارات بحكم أنه من جماعة الإخوان المسلمين، وانتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل مدينة تعز بوصفهم عاملًا يضاعف من فاعلية قواته.
الدعم الإماراتي والسعودي لتقوية الفصائل الإسلامية المسلحة المتشددة في مواجهة الحوثي ذو الصنيعة الإيرانية، أدى بدوره إلى تفكك كيان الدولة وقامت مقامها تنظيمات إرهابية متطرفة تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة، وهو ما أسهم في إطالة أمد الصراع وتكوين بيئة حاضنة للتطرف وللجماعات المتشددة.
وبحسب الدبلوماسي اليمني السابق، عباس المساوى، فإن الإمارات تعمل في اليمن وفق أجنداتها الخاصة لتمكين الجنوبيين من الانفصال عن الشمال، أما السعودية فقد عملت على دعم تنظيمات سلفية متشددة وجمعت جزءًا كبيرًا منها على الحدود السعودية اليمنية للدفاع عنها، وتدعم كذلك التنظيمات المتطرفة في مأرب، بحسب ما أشار لذلك المساوى. وبسبب السياسة المتبعة في اليمن من قبل كل من الإمارات والسعودية وفق أجندتهما الخاصة في شمال وجنوب اليمن، فإن كلا البلدين مسؤولان عن تجزئة الجغرافيا اليمنية حيث بات الجنوب للإمارات والشمال للسعودية.
ما تقوم به الإمارات في جنوب اليمن، تحت شماعة “الإرهاب”، يأتي بدافع ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري في تلك المناطق والسيطرة على منابع النفط والغاز والملاحة الدولية والمناطق الحيوية، بما يضمن مصالحه.
على صعيد آخر فإن هذا التقرير سيثير لغطًا في الولايات المتحدة، فالتقرير ليس صادر من أي من الجهات الإعلامية أو الصحفية أو منظمات تعمل وفق أجندة خاصة، بل سيصدر عن لجنة العقوبات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهذا يشكل حرجًا كبيرًا لواشنطن على أساس أنها تتجاهل دعم حلفائها (الإمارات والسعودية) في اليمن تنظيمات إرهابية تتبع للقاعدة بينما هي تجاهر ليلا نهارًا في محاربة “الإرهاب” في اليمن والعراق وسوريا ومناطق أخرى.
ويرى كبير الباحثين في معهد كيتو بأمريكا، دوغلاس بانداو أن موقف واشنطن تجاه الإمارات والسعودية سيتغير عندما ترى أن الدولتين المحسوبتين على أنهما حلفاءها تدعمان من تحاربه في اليمن كالقاعدة وربما يؤدي إلى تقليص دعمها للدولتين بحسب دوغلاس.
من جهته انتهز تنظيم القاعدة ما نتج من اضطرابات واكتسح الشطر الشرقي من البلاد واستولى على أراض وجمع عشرات ملايين الدولارات من خلال إدارة مدينة المكلا الساحلية في الجنوب، حيث يقع ثالث أكبر الموانئ في البلاد. حيث ذكر تقرير نشرته مجموعة صوفان الاستشارية للأبحاث الأمنية والاستخباراتية، إن تنظيم القاعدة استغل حالة الفوضى التي عمت أرجاء اليمن جراء الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية، وازداد قوة ونفوذًا.
عبد ربه منصور هادي رئيس الحكومة الشرعية في اليمن ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي
أمام هذا اضطلعت الإمارات في مهمة التحضير وتنسيق مهمة دحر القاعدة في المكلا جنوب اليمن، وذلك في عملية وصفتها بأنها معقدة وتمت من خلال حلفاء يمنيين، انتهت بانسحاب القاعدة “انسحابًا تكتيكيًا” دون خسائر، وهو ما أثار حفيظة البعض وتساءلوا فيما إذا كانت هناك صفقة بين الإمارات والتنظيم. وقد شبه ناشطون يمنيون عقب تلك الحادثة، بكونه تغيير مواقع وتبادل أدوار تبدو أشبه بلعبة شطرنج.
تنظيم القاعدة استغل حالة الفوضى التي عمت أرجاء اليمن جراء الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية، وازداد قوة ونفوذًا
وأن ما تقوم به الإمارات في جنوب اليمن، تحت شماعة “الإرهاب”، يأتي بدافع تحقيق هدفين رئيسيين، بحسب بوابة الشرق القطرية، الأول، ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري في تلك المناطق والسيطرة على منابع النفط والغاز والملاحة الدولية والمناطق الحيوية، بما يضمن مصالحها، وكذا تصفية المعارضين لنفوذ الإمارات بذريعة الحرب على “الإرهاب”.
والهدف الثاني، هو تقديم نفسها لدى دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بأنها شريك فاعل في الحرب على “الإرهاب”، لتساعدها في تحقيق تطلعاتها لقيادة الخليج والمنطقة العربية، والتغاضي عن سجلها الأسود فيما يتعلق بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بذريعة أن من يتعرضون للتعذيب في سجونها ليسوا سوى إرهابيين.
الإمارات تريد تقديم نفسها لدى دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بأنها شريك فاعل في الحرب على “الإرهاب”، لتساعدها في تحقيق تطلعاتها لقيادة الخليج والمنطقة العربية.
وكان موقع جاينز البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية كشف قبل فترة أن الإمارات قطعت شوطًا كبيرًا في بناء قاعدة عسكرية لها في جزيرة “ميون” القريبة من مضيق باب المندب. وذكر الموقع في تقرير أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى أن الإمارات تنشئ مَدرجًا كبيرًا على الجزيرة الواقعة بين اليمن وجيبوتي. وأن أبوظبي تبني قاعدة لدعم عملياتها العسكرية في جنوب اليمن ولتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية.
أوضاع إنسانية صعبة والإمارات أحد المسؤولين
تؤكد منظمات الإغاثة الدولية تورط التحالف العربي بجانب الحوثيين في تعريض حياة الملايين من اليمنيين للخطر بسبب غلق المطارات ومنع تقديم أي مساعدات عبر المجال الجوي الذي تتحكم فيه السعودية.
حيث سبق أن اتهمت 15 منظمة إغاثية في بيان حمّل الطرفين السعودي والحوثي المسئولية فيما وصلت إليه الأوضاع داخل اليمن من تردي وتهديد لحياة الملايين، مع الإشارة إلى آخر مستجدات الوضع الكارثي داخل اليمن، وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير سابق له إن 7 ملايين من المواطنين اليمنيين باتوا على وشك المجاعة، في بلد يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
منظمة هيومن رايتس ووتس، وثقت حالات 49 شخصًا من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، اعتقلت واحتجزت منهم قوات أمنية مدعومة من الإمارات، 38 على الأقل
كما كشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشيتد برس” عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات داخل قواعد عسكرية ومطارات ومواني يمنية عدة، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب، كما أشارت الوكالة إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.
منظمة هيومن رايتس ووتش هي الأخرى، وثقت حالات 49 شخصًا من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، اعتقلت واحتجزت منهم قوات أمنية مدعومة من الإمارات، 38 على الأقل، كما ذكرت المنظمة الحقوقية الدولية، أن قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا، استخدمت القوة المفرطة خلال الاعتقالات والمداهمات، واعتقلت أقارب مشتبه بهم للضغط عليهم للاستسلام بشكل “إرادي”، واحتجزت تعسفًا رجالاً وشبانًا، واحتجزت أطفالاً مع راشدين، وأخفت العشرات قسرًا، ونقلت المنظمة عن أحد المحتجزين السابقين نقلاً عن محتجز آخر في أحد معتقلات عدن غير الرسمية الكثيرة قوله: “هذا سجن لا عودة منه”.
كشفت وكالة أسوشيتد برس وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات داخل قواعد عسكرية ومطارات ومواني يمنية عدة، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب
الحرب اليمنية التي تسعى السعودية اليوم للتخلص من أعباءها والانسحاب بأي شكل، بلغت الأوضاع المعيشية هناك أقسى درجاتها في العصر الحديث، إذ انتجت ما يقرب من 17 مليون مواطن ما يعني ثلثي الشعب اليمني تقريبًا يجدون قوت يومهم بصعوبة، منهم حوالي 7 ملايين في انتظار الموت البطيئ بسبب المجاعة إن لم يتم تدارك الأمر في أسرع وقت، ما يضع اليمن على قائمة الدول الأكثر تعرضًا لأزمة أمن غذائي في العالم.