هناك ما يُقارب 370 مليون شخص ينتمون للسكان الأصليين للعالم، موزعين بين 90 دولة مختلفة في قارات العالم أجمع، يتكونون من 5000 مجموعة أو أكثر من الأعراق والألوان المختلفة في شكل مجتمعات لها لغاتها الخاصة، بل ولها ثقافتها الفريدة من نوعها والمستقلة بذاتها عن البلاد التي تعيش فيها تلك المجتمعات.
تنفصل هذه المجتمعات ثقافيًا وحضريًا ومجتمعيًا عن البلاد التي تعيش فيها، الآن، فعلى الرغم من كونهم السكان الأصليين، فإنهم منعزلون تمامًا بعد احتلال أراضيهم ومناطقهم من قِبل مستعمر آخر، فالساكن الأصلي للبلاد نشأ على أرضها، لتصبح لديه حقوق تاريخية في الإقامة فيها، على عكس المستعمر أو المستوطن الذي انتقل إلى أراضٍ أخرى لأغراض توسعية أو سياسية أو اقتصادية.
يمثل السكان الأصليون 5% من نسبة سكان العالم، يتحدثون الآلاف من اللغات المختلفة، وهناك بضع مئات من قبائل السكان الأصليين لم يُسمع عنهم ولم يُعرف عنهم أي معلومات حتى الآن، وذلك لأنهم لم يستطيعوا الوصول إلى العالم الحضري كما فعل الآخرون، كما ضاعت هوية بعضهم بعد نقلهم جبريًا من مواطنهم الأصلية وحرمانهم من استخدام لغتهم الأصلية، وتجريدهم من كل مهاراتهم الفريدة مثل الصيد والزراعة.
يُعاني السكان الأصليون من الاضطهاد بشكل مستمر من قبل حكومات بعض الدول، والتمييز العنصري تجاههم وعدم الاعتراف بهم، فبعض الدول مثل أستراليا والولايات المتحدة على سبيل المثال ترفض منحهم شهادات ميلاد تُثبت هويتهم أو تُثبت جنسيتهم، كما تحرمهم تمامًا من استخدام لغتهم ولا تعترف بها، والبعض الآخر يهجرهم قسريًا من أراضيهم ويبيعها للمستثمرين الأجانب على سبيل المثال.
من السكان الأصليون للعالم؟
تبلغ نسبة السكان الأصليين في العالم نحو 5% من عدد السكان الإجمالي في العالم، وهو ما يُقارب 370 مليون فرد من السكان الأصليين في 90 بلدًا
ربما يعرف الكثيرون منّا قصة الهنود الحمر، السكان الأصليين للقارة الأمريكية قبل اكتشافها، وبالطبع مع كل تلك الدعاية الإعلانية المختلفة من أفلام إلى برامج ومسلسلات أصبح الكثيرون حول العالم على دراية بتاريخ الهنود الحُمر وعلى دراية بالتمييز العنصري الذي يتعرضون إليه في الولايات المتحدة، إلا أنهم ليسوا الوحيدين، فكما ذكرنا سابقًا، تبلغ نسبة السكان الأصليين في العالم نحو 5% من عدد السكان الإجمالي في العالم، وهو ما يُقارب 370 مليون فرد من السكان الأصليين في 90 بلدًا.
السكان الأصليون في أستراليا
على الرغم من أن توصيفهم بـ”السكان الأصليين” لا يُعجبهم، بل لا يعجب أي فرد من السكان الأصليين، إذ إن لكل مجموعة أو مجتمع أو قبيلة منهم اسم معين له تاريخ منحدر من قدم الأزل منذ نشأتهم على الأرض، وربما اسم بلغتهم الخاصة التي يعتزون بها على الرغم من حرمانهم من استخدامها، فمصطلح السكان الأصليين في أستراليا يعني مجموعة من سكان بعض المناطق المهمشة في أستراليا، ولا يعني لأستراليي اليوم أنهم سكان القارة الأوائل.
يعتبر سكان أستراليا الأصليين من أكثر الثقافات والأعراق حفاظًا على نفسها عبر التاريخ، فهم من بين قلة من السكان الأصليين ما زالوا موجودين ومحتفظين بشكلهم الأصلي وبعاداتهم الثقافية وحتى بالأديان التي يؤمنون بها
يعود تاريخ الأستراليين الأوائل أو السكان الأصليين لأستراليا قبل 50 ألف عام في الماضي، إلا أنهم يشكلون الآن 3% من سكان أستراليا، وهو ما يعادل نصف مليون نسمة تقريبًا، عندما تراهم من الممكن أن تظنهم مجموعة من الأفارقة المهاجرين، إلا إذا دققت في ملامحهم ستجد أنهم يختلفون كثيرًا عن ملامح سكان إفريقيا، فهم يتمتعون ببشرة سوداء كذلك، إلا أن لهم دومًا وجوهًا كبيرةً وأنفًا عريضًا قصيرًا وشعرًا غير مجعد على عكس الأفارقة.
يعتبر سكان أستراليا الأصليين من أكثر الثقافات والأعراق حفاظًا على نفسها عبر التاريخ، فهم من بين قلة من السكان الأصليين ما زالوا موجودين ومحتفظين بشكلهم الأصلي وبعاداتهم الثقافية وحتى بالأديان التي يؤمنون بها، بل ما زال منهم من يحتفظ بأساليب حياته القديمة، كالصيد من أجل الحصول على الطعام، إلا أن كل ما سبق تقريبًا يواجه تهديد الانقراض، وهذا ليس الآن فحسب، بل منذ تاريخ الاستعمار البريطاني لأستراليا.
تعرض الأستراليون الأصليون في الماضي إلى العديد من التصفيات الدموية، وما زالوا يتعرضون اليوم إلى اضطهاد عرقي وتمييز عنصري من قبل الأستراليين البيض، بل إن بعض الأستراليين ساكني أستراليا اليوم يظنون أنه لم يعد هناك أي أسترالي أصلي مُتبق.
الأمازيغ
الوشم على الجلد من الثقافة الأمازيغية
“أمازيغ” هي كلمة أمازيغية تجمع على “إيمازيغن” ومؤنثها “تمازيغت” وتجمع “تِمازيغين”، ويعني اللفظ في اللغة الأمازيغية الإنسان الحر النبيل، ويختلط الأمازيغ في المعرفة بالبربر، حيث تكون البربر كلمة لاتينية تعني المتوحشين أو الهمجيين البدائيين، أطلقها الرومان على كل الأجانب وبينهم الأمازيغ، وذلك في غزواتهم لبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
يرى البعض أن أصل الأمازيغ يعود إلى أوروبا، استنادًا إلى معطيات لغوية وبشرية توحي بأن الإنسان الأمازيغي من نسل الغاليين (gaulois) أو له صلة بمن سبق لهم أن استعمروا شمال إفريقيا.
يعني اللفظ في اللغة الأمازيغية الإنسان الحر النبيل، ويختلط الأمازيغ في المعرفة بالبربر، فالبربر كلمة لاتينية تعني المتوحشين أو الهمجيين البدائيين
ولكن يستند البعض إلى كشوفات علم الآثار والفنون القديمة، مفادها أنه تم العثور على أول إنسان في التاريخ في بعض مناطق إفريقيا، وبالتالي فالإنسان الأمازيغي لم يهاجر إلى شمال إفريقيا ولكنه وجد فيها منذ البداية، بل ويعتبر الساكن الأصلي لمناطق من شمال إفريقيا أهمها مناطق المغرب العربي ومناطق غربية من صحراء مصر.
للأمازيع ممالك وإمبراطوريات تعود لمئات السنوات قبل الميلاد، بل يذكر التاريخ معارك بينهم وبين الحضارة الفرعونية المصرية القديمة، كما يكون للأمازيغ لغة خاصة وهي الأمازيغية (تَمازيغْتْ) وهي إحدى اللغات القديمة المصنفة كلغة أفروآسيوية، تتفرع إلى عدة لهجات متحدَّثة حسب المنطقة.
تعرض الأمازيغ للتعريب، وتحولت لغتهم إلى لغة شفوية فقط وغير مكتوبة، ولم يتم التدوين بها إلا قبل سنوات قليلة لأول مرة في التاريخ، كما فقد الكثير منهم هويته الأمازيغية إثر انخراطه في المجتمع العربي، ونسى لغته الأصلية بعد أن تحول لسانه إلى لسان عربي، إلا أن الأمازيغ ما زالوا يحتفظون بعاداتهم الثقافية التي تختلف كثيرًا عن عادات أهل المغرب العربي.
سكان كندا الأصليين
سكان كندا الأصليين أو “الشعوب الأولية في كندا” تضم “الأمم الأولى” منهم “الإنويت” (المعروفين لدى العامّة باسم “الأسكيمو”)، وشعب “الميتي”، استعمال صفة “الهندي”، والإنويت أو الإسكيمو هم شعب يسكن شمال الكرة الأرضية، وتعني الكلمة “الشعب الذي يأكل طعامه نيئًا”، هي كلمة أطلقها عليهم الأمريكيون الأصليون الآخرون ازدراءً، ويعيش الإنويت على صيد الحيوانات والأسماك بشمال شرق سيبيريا، يرتدون جلد وفراء الدببة، وكانوا لشدة انعزاليتهم يعتقدون أنهم الناس الوحيدون في العالم.
لا يرى الكنديون الأصليون أنهم مواطنون كنديون، بل يرون أنفسهم محالفين لكندا فقط، إذ إنهم السكان الأصليين للبلاد قبل استعمار الأوروبيين، وحافظوا على جذورهم وثقافتهم المختلفة تمامًا عن الثقافة الأوروبية والمستقلة بذاتها عن الثقافة الكندية، وهو ما كلفهم الثمن باهظًا اقتصاديًا ومجتمعيًا، وأدى إلى عزلهم عن المجتمع الكندي.
صورة لرئيس الوزراء الكندي مرتديًا زي الكنديين الأصليين
على الرغم من أن السكان الأصليين لكندا يعيشون حياة ذات مستوى أقل بكثير مقارنة بالمواطنين الكنديين، فإن التشكيل الوزاري الليبرالي الأخير في كندا تضمن وزيرين من السكان الأصليين كرسالة واضحة على اهتمام الحكومة الكندية بهم.
الأيزيديون
يرى الإيزيديون أن شعبهم ودينهم وجدوا منذ وجود آدم وحواء على الأرض ويرى باحثوهم أن ديانتهم انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين
لطالما سمعنا عن الأيزيديين على أنهم طائفة دينية في العراق، ولم يتم تناولهم على أنهم جماعة من السكان الأصليين، فهم مجموعة عرقية تتمركز في العراق وسوريّة، يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، سوريا، ألمانيا، جورجيا، أرمينيا.
ينتمون عرقيًا إلى أصلٍ كردي ذي جذور هندوأوروبية مع أنهم متأثرون بمحيطهم الفسيفسائي المتكون من ثقافات عربية وسريانية، فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزي العربي، أما أزياؤهم النسائية فسريانية.
يرى الإيزيديون أن شعبهم ودينهم وُجدوا منذ وجود آدم وحواء على الأرض ويرى باحثوهم أن ديانتهم انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، ويرى بعض الباحثين الإسلاميين وغيرهم أن الديانة الإيزيدية ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، ويرى آخرون أن الديانة خليط من عدة ديانات قديمة مثل الزردشتية والمانوية أو امتداد للديانة الميثرائية.
يتكلم الأيزيديين اللغة الكرمانجية، والعربية خصوصًا إيزيدية “بعشيقة” قرب الموصل وإيزيدية سوريا، صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوس دينهم باللغة الكرمانجية (إحدى لغات الأكراد الأربعة) أما كتبهم الدينية القديمة فمكتوبة باللغة السريانية، وكانت لهم لغةٌ قديمةٌ خاصة بهم اندثرت مع مرور الزمن بسبب اختلاطهم بالأكراد والعرب.
لا تنتهي القائمة عند هؤلاء، بل كما ذكرنا فإن السكان الأصليين يُقدرون بـ370 مليون نسمة، ولهم أيضًا يوم عالمي خاص بهم للاحتفال وهو التاسع من أغسطس/آب، لاستعادة حقوقهم المهضومة أمام التهجير القسري والحرمان من الهوية أو استخدام اللغة أو التمييز العنصري.