أثارت قضية إفلاس شركة “إير برلين” ثاني أكبر شركة طيران ألمانية بعد لوفتهانزا، موجة من التساؤلات حول علاقة الأزمة الخليجية برفض أبوظبي تمويل الشركة المفلسة التي تمتلك حصة رئيسية فيها تقدر بـ29%.
أبوظبي ومنعها لتمويل الشركة تكون بذلك قد خلفت وعدها مع المستشارة الألمانية ميركل، فالإماراتيين وعدوا -أثناء زيارة المستشارة ميركل للإمارات- باستمرار تقديم الحقن المالية للشركة حتى خريف عام 2018. إضافة إلى أن الإحجام المفاجئ عن دعم الشركة جاء قبل الانتخابات البرلمانية الألمانية المزمع إجراؤها في سبتمبر/أيول القادم.
وداعًا لشركة طيران برلين
ليست المحطة الأولى في عثرات إير برلين وأزماتها، إذ لم يكن حظ الشركة المفلسة سعيدًا خلال الأعوام الماضية، ومشاكلها كانت تتراكم إلى أن انفجرت بها الفقاعة وأعلنت الثلاثاء الماضي 15 آب/ أغسطس الحالي أنها بدأت إجراءات إعلان إفلاسها بعدما أبلغتها المساهمة الرئيسية فيها، مجموعة “الاتحاد” للطيران، بأنها “لن تقدم لها أي دعم مالي إضافي”. وقال بيان صادر عن الشركة إن “الحكومة ولوفتهانزا وشركاء آخرين يدعمون “اير برلين” في جهودها لإعادة الهيكلة”، مؤكدًا أن طائراتها ستواصل رحلاتها.
التعثر في أداء الشركة كان واضحًا من خلال النظر في أداءها المالي، فباستثناء تحقيقها أرباحًا ضئيلة عام 2012، لم تسجل “اير برلين” أرباحًا منذ العام 2008. وتفاقم الوضع مؤخرًا حيث منيت الشركة التي تعاني من دين يبلغ حوالى مليار يورو بخسارة تاريخية في 2016 بلغت 782 مليون يورو.
أحد أسباب فشل الشركة الألمانية كان الاتحاد للطيران بعدما أجبر الشركة الألمانية التابعة له إلى التركيز على المسافرين من فئة رجال الأعمال، وهو المجال الذي لم تحظى فيه “اير برلين” بفرصة بسبب المنافسة القوية بين لوفتهانزا وباقي الخطوط الجوية الأخرى
وبعيد إعلان الشركة إفلاسها أعلنت الشركة الألمانية المنافسة “لوفتهانزا” في بيان لها أنها تجري مفاوضات مع “إير برلين” من أجل “شراء نشاطات” الشركة التي تواجه صعوبات “ما سيسمح بتوظيف عاملين فيها”. كما سارعت الحكومة الألمانية لنجدة الشركة الذي يواجه 8500 موظف فيها مستقبل غامض، حيث أعلنت وزيرة الاقتصاد الالمانية، بريغيته تسيبريس، في مؤتمر صحفي منح قرض بقيمة 150 مليون يورو إلى “إير برلين” لتجنب توقف رحلاتها بينما ما زال عدد من المقاطعات في فترة عطل مدرسية، وقالت إن “هذا المبلغ يفترض أن يكون كافيًا لثلاثة أشهر”.
إزاء هذا الوضع المتفاقم الذي عانت منه الشركة، عبرت مجموعة “الاتحاد للطيران” المملكومة لحكومة أبو ظبي وتتخذ من أبو ظبي مقرًا لها عن “عميق أسفها” بعدما تلقت “إخطارًا من طيران برلين يفيد بتقدم الأخيرة بطلب وضعها تحت الحراسة القضائية نتيجةً للتدهور المتسارع في الأداء التجاري للشركة الألمانية”. وقال متحدث رسمي باسم الاتحاد للطيران، في بيان إنه “في ظل هذه الظروف الراهنة وباعتبار المجموعة مساهم بحصص أقلية” فإنه “لا يمكنها تقديم المزيد من التمويلات” بعدما كانت الاتحاد للطيران وفرت “دعمًا مكثفًا للشركة لمواجهة تحديات السيولة السابقة ودعمها في جهود إعادة الهيكلة، على مدار السنوات الست الماضية”.
وعلى إثر إعلان الشركة إفلاسها تم إخراج سهم “إير برلين” من التعامل في البورصة بعد انهياره وإعلان إفلاس الشركة، والمعطيات المتوفرة حتى الآن أن شركة الطيران الألمانية العملاقة لوفتهانزا تتمتع بأفضل الفرص للاستحواذ على أهم أجزاء وحقوق الشركة المفلسة بما فيها حقوق الهبوط والإقلاع في برلين ودوسلدورف.
باستثناء تحقيق شركة إير برلين أرباحًا ضئيلة عام 2012، لم تسجل الشركة أرباحًا منذ العام 2008. وتفاقم الوضع مؤخرًا حيث منيت الشركة التي تعاني من دين يبلغ حوالى مليار يورو بخسارة تاريخية في 2016 بلغت 782 مليون يورو.
ويبدو الإماراتبون الخاسر الأكبر من إعلان الشركة إفلاسها، وطائرات شركاتهم لن تحصل على حقوق الهبوط والإقلاع في مطارات ألمانية وضعوا أعينهم عليها منذ سنوات، في برلين ودوسلدورف. إذ ستتم تصفية الشركة بشكل تدريجي، وستذهب عوائد التصفية أولا لتسديد قرض الحكومة الألمانية البالغ 150 مليون يورو. أما الشركاء الآخرون وفي مقدمتهم “الاتحاد الإمارتية” فعليهم شطب القسم الأكبر من قروضهم التي قدموها إلى الشركة المفلسة لأن عوائد التصفية لن تكفي لدفعها.
وتذهب التقديرات إلى أن “الاتحاد” دعمت الشركة الألمانية بمليار يورو على مدى ست سنوات عانت الشركة خلالها من خسائر فادحة بلغت خلال العام الماضي لوحده حوالي 800 مليون يورو، أما حملة الأسهم وفي مقدمتهم الإماراتيون فعليهم تحمل خسائر فادحة تشمل تقريبًا كامل المبالغ الذي استثمروه، في الشركة.
أثر إفلاس الشركة على العلاقات الإماراتية الألمانية
انتقدت الصحف الألمانية عدم وفاء المستثمرين في أبوظبي بوعودهم لميركل، واعتبرت هذه الخطوة مثيرة للدهشة وتشكل خطرًا على العلاقات بين ألمانيا والإمارات، كما جاء في صخيفة “شبيغل أون لاين” الألمانية، التي تساءلت: لماذا الآن؟ فالأزمة المالية للشركة موجودة من زمن طويل وليست وليدة البارحة، بالأخص أن شيوخ أبوظبي وعدوا المستشارة بمواصلة تمويل الشركة على الأقل إلى أواخر خريف 2018، وذلك كي لا تتأثر الحملة الانتخابية للمستشارة في منتصف الصيف بأخبار إفلاس “إير برلين”.
أبو ظبي أرادت بهذا القرار الثأر من المستشارة أنجيلا ميركل وحكومتها “اللتين تميلان إلى الموقف القطري في الأزمة الخليجية الحالية”
وأشارت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” أن أحد أسباب فشل الشركة الألمانية كان الاتحاد للطيران بعدما أجبر الشركة الألمانية التابعة له إلى التركيز على المسافرين من فئة رجال الأعمال، وهو المجال الذي لم تحظى فيه “إير برلين” بفرصة بسبب المنافسة القوية بين لوفتهانزا وباقي الخطوط الجوية الأخرى.
ونقل موقع دويتشه فيله الألماني أن تخلي أبو ظبي عن شركة “إير برلين” تقف خلفه دوافع سياسية مفاجئة، وأبرز هذه الدوافع هو رفض وزير خارجية ألمانيا “زيغمار غابرييل” حصار قطر حيث أكد أكثر من مرة رفضه عزلة الدوحة، وطالب بحل الأزمة الخليجية عبر الحوار.
ونقل الموقع “إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن القرارات المتعلقة بالاستثمارات الضخمة تكون وراءها مواقف سياسية فإن المناخ السياسي الحالي بين البلدين بسبب أزمة قطر سمح لإمارة أبو ظبي باتخاذ قرار وقف الدعم في هذا التوقيت على الأرجح”.
يبدو أن الإماراتيون هم الخاسر الأكبر من إعلان الشركة إفلاسها، وطائرات شركاتهم لن تحصل على حقوق الهبوط والإقلاع في مطارات ألمانية وضعوا أعينهم عليها منذ سنوات.
ورجح مراقبون ألمان أن أبو ظبي أرادت بهذا القرار الثأر من المستشارة أنجيلا ميركل وحكومتها “اللتين تميلان إلى الموقف القطري في الأزمة الخليجية الحالية”. ويأتي “الثأر” من ألمانيا مع أن وزير خارجيتها صرح بأن برلين تقف على الحياد في هذا النزاع بين أصدقائها الخليجيين. وإن هذا القرار سيؤدي لإحجام المستثمرين عن عقد أي صفقة مع الإمارات “التي لم يلتزم شيوخها حتى بالوعد الذي قطعوه للمستشارة أنجيلا ميركل”.
يُذكر أن أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، سبق وقال أن الإمارات هي الشريك الاقتصادي الأول لألمانيا في العالم العربي، وحول العلاقات التجارية بين البلدين، وصل التبادل التجاري بين البلدين عام 2015 إلى 15.52 مليار يورو؛ أي ما يعادل 30% من إجمالي تجارة الدول العربية مع ألمانيا. ووقعت ألمانيا والإمارات اتفاقيتي نقل جوي، ومنع ازدواج ضريبي، فضلاً عن اتفاقية لترقية وحماية الاستثمارات. وعمقت هذه الاتفاقيات العلاقات بين البلدين، وتعدد الزيارات، وتشجيع السياحة، حيث شهد العام 2014 زيارة 750 ألف زائر ألماني لدولة الإمارات.
من غير المتوقع أن يصدر أي ردة فعل من قبل ألمانيا بعد هذه الحادثة بسبب انشغالها بالانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن ثم إن خسائر الشركة بعد تصفيتها ستلحق بالإمارات وديونها أكثر من الحكومة كما أن السوق الألمانية وشركته قادر على امتصاص هذه الصدمة وتدارك ما حصل، إلا أن القادم قد يكون أسوأ من خسارة مادية بالنسبة للإمارات، إذ من المتوقع أن تعيد ألمانيا قراءة علاقتها الاقتصادية وتموضع الاستثمارات الإماراتية في ألمانيا، وربما تدعم قطر أكثر من السابق في أزمتها الخليجية مع دول الحصار.