قبل يومين، أصدر العاهل المغربي محمد السادس عفوا ملكيا عن 477 شخصا منهم المعتقلون ومنهم الموجودون في حالة سراح، ومنهم المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة المغربية، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، إلا أن هذا العفو لم يُمنح لأي من معتقلي حراك الريف، فيما شمل 13 متهما بالإرهاب، في مفارقة أصابت عائلات معتقلين “الحراك” بخيبة أمل كبيرة دفعتهم إلى الإعلان عن مقاطعة شعيرة عيد الاضحى المبارك تزامنا مع اضراب عن الطعام يخوضه المعتقلين داخل السجون على سوء معاملتهم.
قضايا الإرهاب
في الوقت الذي توجّه فيه أصابع الاتهام لمغاربة بالضلوع في الهجمات التي استهدفت مدن أوروبية عدّة نهاية الأسبوع الماضي والتخطيط لها، قرّر العاهل المغربي العفو عن 13 معتقلا مغربيا متهما بالإرهاب، سبق أن أُدينوا في أحداث مختلفة، منها الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في 16 ماي 2003.
وجاء في بلاغ لوزارة العدل المغربية، “تجسيداً للعطف الملكي السامي الذي يخص به كل نزلاء المؤسسات السجنية، دون تمييز أو استثناء، فقد أبى مولانا أمير المؤمنين، أعزه الله، في مبادرة ملكية نبيلة، إلا أن يشمل أيضا بالعفو الملكي الكريم مما تبقى من العقوبة السجنية أو الحبسية ثلاثة عشر (13) من المعتقلين المحكومين في قضايا إرهابية شاركوا في برنامج (مصالحة)، وتحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المحدد في ثلاثين سنة (30) لفائدة سجين واحد“، ولا يتم تنفيذ أحكام الإعدام في المغرب منذ عام 1993، ويظل المحكوم بها في السجن مدى الحياة، إن لم يحصل على عفو.
عدد المحكوم عليهم على خلفية تفجيرات 16 مايو/أيار 2003، الذين لا يزالون في السجون المغربية، بعد استفادة المجموعة الأخيرة من العفو، يبلغ 132 موقوفًا
وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن هؤلاء الأشخاص (المحكومين بقضايا الإرهاب) أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وتمت مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب، وأكدوا أنهم رجعوا إلى الطريق القويم.
وحسب معطيات اللجنة المشتركة للدفاع عن “المعتقلين الإسلاميين” (حقوقية غير حكومية)، فإن عدد المحكوم عليهم على خلفية تفجيرات 16 مايو/أيار 2003، الذين لا يزالون في السجون المغربية، بعد استفادة مجموعة اليوم من العفو، يبلغ 132 موقوفًا. وفي 16 مايو/أيار 2003، شهد المغرب تفجيرات إرهابية راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، وتم على إثرها توقيف حوالي 3 آلاف شخص، حُكم عليهم بالسجن لفترات مختلفة تصل إلى المؤبد (السجن مدى الحياة) والإعدام، وقضى بعضهم محكوميته، في حين استفاد البعض من قرارات عفو.
معتقلي الحراك
رغم التقارير التي تحدّث عن امكانية إطلاق سراحهم، لم تتضمن قائمة المتمتعين بالعفو الملكي أي اسم من معتقلي حراك الريف الذين يتجاوز عددهم الـ 300 معتقل داخل السجون المغربية، ما خلّف خيبة أمل كبيرة لديهم ولدى عائلتهم، خاصة وأنهم بادروا في الفترة الأخيرة إلى التهدئة كبادرة حسن نية. ويؤكّد مراقبون أن عدم العفو عن نشطاء الريف يؤكد أن الدولة متشبثة بالقبضة الأمنية ومقاربة العنف والتصعيد، التي انتهجتها منذ بداية الحراك في مدينة الحسيمة شمال البلاد.
تجاوز عدد معتقلي الحراك 300 معتقل
وقامت الشرطة المغربية منذ مايو/ أيار 2017 باعتقال أكثر من 270 شخصاً على خلفية الاحتجاجات بمنطقة الريف، وأُلقي القبض على الكثير من هؤلاء بشكل تعسفي، وبينهم ناشطون سلميون وبعض الصحفيين. ولا تزال الغالبية العظمى منهم قيد الاحتجاز، وصدرت بحق الكثير منهم أحكام بالسجن على خلفية تهم تتعلق بالاحتجاج. ويخضع ما لايقل عن 50 موقوفاً للتحقيق حالياً على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة، بينما يخضع شخص آخر للتحقيق على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب. وقد يُحكم على البعض منهم بالسجن المؤبد جراء ذلك، حسب منظمة العفو الدولية.
حالات تعذيب
رغم كونه من الدول الأطراف في المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، فقد عمدت السلطات المغربية إلى تعذيب معتقلي حراك الريف، وفي هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية إن ما لا يقل عن 66 شخصاً محتجزاً بسبب الاحتجاجات الجماعية في منطقة الريف شمال المغرب قد أبلغوا عن تعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز؛ بما في ذلك تعرضهم للضرب والخنق والتجريد من الملابس والتهديد بالاغتصاب وتوجيه الشتائم والإهانات لهم من طرف الشرطة، وذلك من أجل إجبارهم على “الاعتراف” في بعض الأحيان.
في 7 أغسطس، أعلنت السلطات عن وفاة المحتج عماد العتابي الذي دخل في غيبوبة عقب تعرضه لإصابة خطيرة في الرأس أثناء إحدى المظاهرات في الحسيمة
وفي أوائل يوليو/ تموز الماضي، جرى تسريب مقتطفات من تقرير سري أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، حيث كشفت التسريبات إلى وسائل الإعلام أن المجلس أجرى تحقيقاً في 36 حالة مزعومة من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأوصى بإجراء تحقيقات قضائية شاملة. وكشف وزير العدل والحريات، في 12 يوليو/ تموز الماضي، عن أنه قد تم إصدار أمر بإخضاع 66 شخصاً لفحوص الطب الشرعي.
وفي 7 أغسطس/ آب الجاري، أعلنت السلطات عن وفاة المحتج عماد العتابي الذي دخل في غيبوبة عقب تعرضه لإصابة خطيرة في الرأس أثناء إحدى المظاهرات في الحسيمة بتاريخ 20 يوليو/ تموز الماضي. وأعلنت السلطات في وقت لاحق أنها تجري تحقيقاً في الظروف والملابسات التي أحاطت بإصابة العتابي.
مقاطعة شعيرة العيد وتواصل الاضراب عن الطعام
نتيجة عدم تمتيع أبنائهم بالعفو الملكي، قررت عائلات المعتقلين مقاطعة شعيرة عيد الأضحى تحت شعار: «لا عيد لنا ومعتقلنا وراء القضبان» وتتمثل شعيرة عيد الاضحى بالمغرب في نحر كبش وتبادل التهاني ووجهت دعوات لشباب الريف لشكل اخر من اشكال الاحتجاج، وعقب هذه الدعوة مباشرة، أعلنت عديد العائلات في مدن الريف شمال المملكة مقاطعة شعيرة العيد تضامنا مع عائلات المعتقلين.
تصعيد منتظر من قبل أهالي الريف
في غضون ذلك، يواصل بعض معتقلي الحراك اضرابهم عن الطعام والامتناع عن الخروج من زنازينهم احتجاجا على ممارسات إدارة سجن عكاشة ضدّهم، وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة في هذه المنطقة المهمشة ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من أمزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماكه.