في هذه التدوينة سنلقي نظرة على وضع المرأة في فترة حكم الدولة العثمانية الإسلامية وفي عصر تأسيس الجمهورية العلمانية التركية، خاصة أن مقارنة مسألة المساواة بين الجنسين في الفترتين استمرت لسنوات طويلة، ضمن سلسلة الإصلاحات التي حدثت في فترة حكم الحزب الجمهوري والتي سماها البعض بـ”الانقلاب”.
فلقد ناقش العلماء العثمانيون قضايا المرأة المتعلقة بالمشاركة السياسية والقوانين المدنية، كما أنهم حاولوا أن يشرعوا بعض الأفكار الحديثة من خلال الإسلام. في فترة حكم الدولة العثمانية حدثت بعض التطورات مثل إعلان المشروطية الأولى والتي تعني إعلان الدستور وتشكيل النظام البرلماني والذي ألغاه السلطان عبد الحميد الثاني، بسبب حدوث حرب ال93، والتي وقعت بين روسيا والعثمانيين بين عامي1877-1878. بعد إلغاء المشروطية الأولى أسس “الأتراك الشباب” جمعية باسم “الاتحاد والترقي”، وهو اتحاد لمجموعات عديدة مؤيدة لإصلاح النظام العام وتحويله إلى نظام برلماني.
فلقد قامت هذه الجمعية بعدة احتجاجات من أجل تحقيق مطالبها، ونتيجة لهذا التمرد أعلن السلطان عبد الحميد الثاني المشروطية الثانية للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع. وبهذا بدأت فترة المشروطية الثانية في عام 1908.
أسس السلطان عبد الحميد الثاني مدارس خاصة بتعليم المرأة، ومن بعدها ازداد عدد النساء المثقفات في مختلف المدن، ومنهن نزيهة محي الدين وخالدة أديب وفاطمة عالية
وفي ذاك الزمن الذي حكم به العثمانيون، كانت البلاد الأوروبية تتخذ الدولة العثمانية قدوة لها، والدليل على ذلك الكتابات التي كتبها الأوروبيون عن مكانة المرأة في الدولة العثمانية وأهميتها في المجتمع العثماني، الذي تأثر بالايديولوجية الليبرالية بعد فترة “المشروطية الثانية”، وهي الفترة التي بدأ فيها إعلان الدستور العثماني من جديد وتشكيل النظام البرلماني التي حدث عام 1908، كما يذكر أن قوانين الجمهورية التركية الحديثة تأثرت بنفس أفكار هذا التوجه الفكري.
بدأت حركة النسوية قبل الفترة المشروطية الأولى واستمرت بتمكين دور المرأة في المجتمع، فلقد أسس السلطان عبد الحميد الثاني مدارس خاصة بتعليم المرأة، ومن بعدها ازداد عدد النساء المثقفات في مختلف المدن، ومنهن نزيهة محي الدين وخالدة أديب وفاطمة عالية، وخلال هذه الفترة دوّن الكثير من الكتابات التي تخص المرأة واستمر هذا الوضع حتى فترة المشروطية الثانية.
ويذكر أن الدولة العثمانية كانت تدعم حقوق النساء، كما أنها شجعت المرأة على المشاركة في الحياة السياسية، ومن أبرز الذين اهتمتوا بقضايا المرأة وتطوير مهاراتها، هو السلطان عبد الحميد الثاني في فترتي المشروطية الأولى والثانية، كما يذكر أن جمعية الاتحاد والترقي ساهمت في تحسين أوضاع النساء أيضًا
أثبتت النساء العثمانيات وجودهن في الساحة العامة ودافعن عن حقوقهن في التعليم، وطالبن بالمساواة بين الجنسين
لذلك، كانت المرأة العثمانية هي السباقة في هذا المجال، ومن بعدها سارت المرأة في الفترة الحديثة على خطوات المرأة في عصر الدولة العثمانية، فلقد أثبتت النساء العثمانيات وجودهن في الساحة العامة ودافعن عن حقوقهن في التعليم، وطالبن بالمساواة بين الجنسين ورفضن قانون تعدد الزوجات، كما أنهن نشرن أول المجلات النسوية، فدافعن من خلال هذه المنشورات عن أفكارهن عبر كتابة الشعر والروايات في هذه الفترة. مع العلم أن كلمة “النسوية” لم تكن مستخدمة من قبل بسبب سياسة السلطان عبد الحميد الثاني في ذاك الحين.
ومع “المشروطية الثانية” تسارعت الإجراءات التي تخص المرأة، فلقد لاقت المرأة اهتمامًا كبيرًا في هذه الفترة أكثر من أي وقت أخر. هذا وقد تشكلت أول جمعية نسوية في هذه الفترة، وعرفت باسم جمعية “الرقي النسائية”، إذ ناقشت النساء العثمانيات مشكلاتهن من خلال تنظيم مؤتمرات سميت بـ”المحاضرات البيضاء” والتي أقيمت بإسطنبول في عام 1911. كما دوّنت هذه المحاضرات في المجلات، وكانت “مفيدة فريد” أول منظمة نسائية لقضايا المرأة في المؤتمرات البيضاء.
نزيهة محي الدين
بالرغم من عدم وجود قانون يسمح للمشاركة السياسية للمرأة، أسست نزيهة محي الدين أول حزب نسائي خلال حكم الدولة العثمانية وتم إغلاقه لمخالفته لقوانين الدستور للمرة الأولى. أما في المرة الثانية، حاولت الناشطة محي الدين تأسيس جمعية تحت اسم “اتحاد نساء تركيا”. وبعد أن تولى الحزب الجمهوري الحكم في البلاد، تم إغلاق هذا الاتحاد بسبب خلافات بتهمة الفساد، إضافة إلى رفض الدستور التركي الحديث للتعددية الحزبية وذلك عام 1924.
العثمانيون لم يحددوا وظيفة المرأة في المجتمع بل سمحوا لها بالدفاع عن وطنها والقتال إن لزم الامر، فبالنسبة إليهم تعتبر المرأة الجنة، وسعادة المرأة من سعادة المجتمع
استطاعت النساء الحصول على حقوقهن في مختلف المجالات، إلا أنهن لم يستطعن الحصول على حقهن في التصويت والترشح في الانتخابات في تلك الفترة. وبالرغم من اعتبار الجمهوريين بأن حقوق المرأة تعتبر أساساً مهماً لتقدم وتطور البلاد. خاصة بعدما أعطى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية المرأة الحق في التصويت والترشح في الإنتخابات، إلا أنه لم يكن هناك أي نشاط سياسي للمرأة في هذا المجال. لأن المرأة العثمانية اعتادت أن تكون مهمتها الأولى في المجتمع هي الأمومة.
والنقطة الوحيدة التي تفصل بين النسوية الجمهوريية والنسوية العثمانية، أنه رغم محاولات المرأة العثمانية في دخول الحياة الاجتماعية والسياسية إلا أنه كان هناك بعض الأفكار النمطية التي عاملت المرأة. إلا أن العثمانيين لم يحددوا وظيفة المرأة في المجتمع بل سمحوا لها بالدفاع عن وطنها والقتال إن لزم الامر، فبالنسبة إليهم تعتبر المرأة الجنة، وسعادة المرأة من سعادة المجتمع.