تمضي السعودية قدمًا في خصخصة قطاعات في الدولة ضمن رؤيتها الهادفة لتنويع مصادر الدخل بعد أن أعلنت تخصيص 16 جهة حكومية في المرحلة الأولى ضمن برنامج التحول الوطني، إذ تهدف هذه الاستراتيجية إلى زيادة دخل الدولة وتطوير نظام المنافسات والمشتريات والاستثمار الأجنبي لزيادة ضريبة الدخل، فضلاً أن الخصخصة تفيد في سياق التطوير والمنافسة من أجل خفض الأسعار وتوفير الوظائف وتطوير الاقتصاد.
علمًا أن برامج الخصخصة في العالم عادة ما تهدف إلى زيادة الكفاءة للخدمات المقدمة، في حين أن هدف السعودية منها يأتي لزيادة دخل الميزانية وتنويع مصادر الدخل بغرض الابتعاد عن إيرادات النفط التي سبب انخفاضها بعد هبوط أسعار النفط انكشاف الاقتصاد السعودي ووقوعه في مشاكل وأزمات.
خصخصة جميع مطارات السعودية
كانت الحكومة أعلنت سابقًا أنها تنوي خصخصة مطارات وشركات خطوط الطيران، وقالت إنها تعتزم خصخصة 3 مطارات رئيسية في البلاد هي مطار الملك خالد الدولي ومطار الملك عبد العزيز الدولي ومطار الملك فهد الدولي، إلا أن مساعد رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السعودية محمد بن عبد العزيز الشتوي، أوضح أمس أن فكرة خصخصة المطارات ستعمم على باقي مطارات المملكة، حيث ستحول إلى شركات لها ضوابط خاصة بما يتسق وتوجهات الدولة نحو تحقيق برامج التحول الوطني وفق رؤية المملكة 2030.
وأوضح الشتوي بحسب وكالة الأنباء السعودية “واس” أن عمليات الخصخصة تمضي وفق خطة مدروسة واستراتيجية محددة، مبينًا أن مطار الملك عبد العزيز الجديد في جدة سينطلق في النصف الثاني من 2018 تحت إدارة شركة (شانجي) السنغافورية التي تدير التشغيل لمدة 20 عامًا وتعد من أفضل الشركات في هذا المجال على مستوى العالم.
يُذكر أن الحكومة السعودية عينت بنك “جولدمان ساكس” الاستثماري الأمريكي لإدارة صفقة بيع حصة في مطار الرياض وذلك في أول عملية خصخصة كبيرة لمطار في السعودية، ويعد مطار الرياض ثاني أكبر المطارات السعودية بعد مطار الملك عبد العزيز في جدة.
خصخصة مشروعات حكومية تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار تعد “ثورة جديدة” يقودها الأمير محمد بن سلمان في السعودية منذ طرح رؤية 2030
خصخصة الحكومة السعودية لمطاراتها والخدمات المتعلقة بها تندرج ضمن مخطط، حتى 2020، يهدف إلى تحسين مستوى الخدمات وتوفير موارد إضافية للخزينة، في ظل انخفاض أسعار النفط، إذ سجلت السعودية عجزًا قيمته 79 مليار دولار في 2016، وتستهدف القضاء على عجز الموازنة بحلول عام 2020، ومن المتوقع جمع نحو 200 مليار دولار في السنوات المقبلة، عبر بيع أصول بمؤسسات حكومية في قطاعات من الرعاية الصحية والمطارات وقطاعات أخرى.
يُشار أن هيئة الطيران المدني ستفصل شركة الطيران المدني القابضة عن الهيئة وبموجب ذلك تصبح “الشركة القابضة” المسؤولة عن الجانب التشغيلي لجميع مطارات المملكة على أن تواصل الهيئة دورها في الجانب التشريعي لقطاع الطيران والنقل الجوي، وتفعيلاً لهذا التوجه تم تأسيس شركة مطار الملك فهد الدولي بالدمام، وسيتواصل تأسيس الشركات لجميع المطارات على أن تكون شركة الطيران المدني القابضة مستقبلاً مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة 100%، بحسب ما أشار محمد بن عبد العزيز الشتوي.
يُذكر أنه منذ بداية العام الحالي صدرت أخبار أفادت بتحول الهيئة العامة للطيران المدني إلى شركة الطيران المدني السعودي القابضة، وتم نقل ملكيتها بالكامل إلى صندوق الاستثمارت العامة، وهو يعني خصخصة الهيئة وتحولها إلى القطاع الخاص بحيث تخضع لقواعد وسياسات الشركات الخاصة.
فخصخصة “هيئة الطيران المدني” ستحمل فوائد عدة منها عدم تحمل الدولة للأعباء المالية في الخطط التوسعية المستقبلية لقطاع المطارات، إضافة إلى خلق فرص وظيفية جديدة للشباب وتقليل نسبة البطالة وبالتالي زيادة معدلات النمو الاقتصادي في الدولة، وأشار مساعد رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السعودي، إلى تجربة مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة عن طريق تحالف سعودي تركي (شركة الراجحي وشركة تاف التركية -TAV-)، بنظام البناء ثم نقل الملكية ثم التشغيل لمدة 25 عامًا.
خصخصة مشروعات حكومية في السعودية، تعد تقليدًا للتجربة الإماراتية المنفتحة على الاقتصاد العالمي، والمتنوعة في العديد من المجالات منها السياحة والنقل والمواني والطيران وغيرها
خطوة كخصخصة المطارات تعد جذابة بالنسبة للشركات الأجنبية نسبة إلى حركة المطارات السعودية، لذا من المتوقع ألا تجد هذه الخطوة مشاكل كبيرة من ناحية جذب مستثمرين أجانب في هذا النوع من الاستثمارات، وهذا سينعكس على الحكومة من حيث عدم تحمل المزيد من الأعباء المالية عن تلك المطارات، وستتحسن جودة الخدمات المقدمة بالنسبة للمواطن مع فروق في الأسعار.
ويرى خبراء اقتصاديون أن خصخصة مشروعات حكومية تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار تعد “ثورة جديدة” يقودها الأمير محمد بن سلمان في السعودية منذ طرح رؤية 2030، وتقليدًا للتجربة الإماراتية المنفتحة على الاقتصاد العالمي، والمتنوعة في العديد من المجالات منها السياحة والنقل والمواني والطيران وغيرها.
خصخصة 16 جهة حكومية
تتوزع الشركات والمؤسسات التي تسعى الحكومة السعودية لخصخصتها على قطاعات حيوية منها الطاقة والنفط والمطارات والمطاحن والإعلام والأغذية وحتى الأندية الرياضية المعروفة في السعودية، وتشمل الجهات المستهدفة في المرحلة الأولى من برنامج الخصخصة عددًا من الوزارات في نشاطات معينة منها التعليم والشؤون البلدية والقروية والصحة والعمل والنقل والمواصلات.
تهدف استراتيجية الخصخصة في السعودية إلى زيادة دخل الدولة وتطوير نظام المنافسات والمشتريات والاستثمار الأجنبي لزيادة ضريبة الدخل، فضلاً أنها تفيد في سياق التطوير والمنافسة
ومن أكبر الشركات التي تسعى الحكومة لخصخصتها شركة أرامكو، حيث تعتزم السعودية خصخصة جزء من أسهم شركة أرامكو الوطنية عبر طرح حصة منها بمقدار 5% من أسهمها في أسواق المال العالمية، وتقدر مؤسسات أجنبية قيمة الطرح بنحو 125 مليار دولار في حين تقدره مؤسسات أخرى بأقل من ذلك.
ومن بين الأمور التي ستخصخصها المملكة الأندية الرياضية الكبرى آملة أن تضخ على الخزينة ما يقرب من 30 مليار ريال ومن بين الأندية الكبيرة التي تخطط الحكومة لبيعها خلال الفترة المقبلة: النصر والهلال السعودي والاتحاد والأهلي.
تضمنت خطة التحول الوطني تفعيل دور القطاع الخاص في الاستثمار في قطاع التعليم بما في ذلك رياض الأطفال وتطوير نموذج جديد لتشغيل المدراس الحكومية باسم المدارس المستقلة وتحويل 2000 مدرسة حكومية لتشغيلها من قبل مؤسسات اقتصادية صغيرة الحجم.
كما تسعى الحكومة أيضًا لخصخصة قطاعي التليفزيون والإذاعة، والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية وهي المؤسسة الحكومية المسؤولة عن خط النقل بالسكك الحديدية بين الرياض والدمام، والشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة وتشغل قطار الشمال – الجنوب، كما ستطال الخصخصة أيضًا قطاع توليد الطاقة وبالأخص شركة الكهرباء.
أخيرًا من المفترض أن خصخصة جميع مطارات المملكة خطوة ستحمل آثارًا إيجابية على ميزانية البلاد من حيث تنويع مصادر الدخل وتحسين الخدمات المقدمة، إلا أنها يجب أن تترافق مع مجموعة من الخطوات الأخرى تتعلق بسياسات الاستثمار الأجنبي والعمالة والتعليم والشفافية والإنتاج وأمور كثيرة أخرى تتكامل بعضها مع بعض لمواجهة الخلل الهيلكي القائم في الميزانية بسبب اعتمادها على إيرادات النفط الذي انخفض سعر البرميل عن مستويات التعادل وهو ما ترتب عليه تسجيل عجز مالي، إضافة إلى انخفاض مستوى الإنتاج والاعتماد على الاستيراد بشكل غير متوازن.