ما يميز الدول عن بعضها قوة قطاع التعليم فيها، والذي تستند عليه باقي المجالات الأخرى كالسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي حال وجود خلل في هذه المنظومة فمن الطبيعي أن تظهر سمات الضعف على مؤسسات الدولة وأفرادها واقتصادها ومكانتها بين دول العالم الأخرى.
في السنوات الأخيرة ومع سيطرة القوة الاقتصادية على جميع القطاعات بما فيها التعليم، حدثت تغيرت تدريجية حولت قطاع التعليم من خدمة عامة إلى سلعة تجارية لها أبعادها وأرباحها الاقتصادية، وبسبب هذه التحولات الناعمة يمكن ملاحظة تغير الطبيعة التعليمية والتنموية في هذا المجال.
في كتاب “التجارة في التعليم في الوطن العربي” للمؤلفة محيا زيتون، تقول الكاتبة إن هذه التغيرات بسبب التزاوج بين العولمة والنيوليبرالية التي تمدد تأثيرها إلى القطاعات العلمية والثقافية، والتي تهدف إلى خصخصة الخدمات العامة مقابل مصالح ربحية.
ما الذي تغير في قطاع التعليم؟
كشفت الإحصائيات أن الإنفاق العام على التعليم العالي تراجع بنسب كبيرة بسبب عدم تخصيص ميزانية مستقلة والافتقار للتمويل، الأمر الذي جعل المؤسسات التعليمية تفرض رسومًا عالية على الطلاب، والمؤسف في هذه الحالة تحول خدمة التعليم الحكومية أو الأهلية إلى قطاع اقتصادي ذي أهداف ربحية واستثمارية.
ووفقًا لبيانات اليونسكو، فإن الدول تنفق أقل من الربع من ميزانيتها على قطاع التعليم، ففي تونس تنفق الدولة 7.4% من الناتج المحلي على التعليم، وتتبعها السعودية بنسبة 6.5% والمغرب 6%، أما مصر فتخصص 4.7% من ميزانيتها لقطاع التعليم، وأخيرًا الإمارات وتنفق نحو 1.7% على المؤسسات التعليمية.
الاقتصاد الكندي وصلت أرباحه السنوية إلى 6.5 مليار دولار من فعاليات واستثمارات الطلبة الأجانب في البلاد
كما تشير الكاتبة زيتون في كتابها إلى لعب الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات “جاتس” دورًا مهمًا في فتح أبواب التعليم للمشاريع الاقتصادية، وخاصة في ضمان الحرية للاستثمارات الأجنبية التي ترغب بتأسيس مؤسسات تعليمية في أي دولة من أعضاء منظمة التجارة العالمية، وتضيف أن الجودة التعليمية تكون في مستوى متدنٍ مقارنة مع ما تقدمه في بلدها الأصلي، خاصة إن كان البلد الأجنبي عربيًا، وهذا لأن مؤسسي هذه المدارس أو الجامعات الأجنبية لديهم نظرة ربحية وليست تربوية أو تثقفية تنموية.
وبحسب كتابها يمكن التأكيد على أن الطلبة الدوليين أو الأجانب مصدر ربحي مهم لهذه الجهات الداعمة، إذ أصبحت خدمات التعليم من ضمن الركائز الاقتصادية، ففي أستراليا يعتبر التعليم من السلع المصدرة للخارج، فبين عامي 2007 و2008 حققت أستراليا أرباحًا وصلت إلى 14 مليار دولار، أما الاقتصاد الكندي فوصلت أرباحه السنوية إلى 6.5 مليار دولار من فعاليات واستثمارات الطلبة الأجانب في البلاد.
غالبًا ما تحاول بريطانيا تخفيف هذه الأعباء والأقساط عن طريق ربط سداد هذه الديون بحصول الخريج على وظيفة
تعتبر بعض الدول العربية أن هذه السياسة الاقتصادية في مجال التعليم سوف تساعد على حل المشكلات الاقتصادية أو أنها قد تفيد في الحد الأدنى من التوقعات ولن تضر، والبعض الآخر يرى أن تحويل التعليم من أداة تنموية وتثقفية إلى أداة ربحية في مجال مهم كمجال التعليم له عواقبه المقلقة ومخاطر عديدة، مثلًا أن وصول الكثير من الفئات إلى المرحلة الجامعية ودخولهم إلى هذا النظام سيغلق الفجوات الموجودة بين الطبقات المجتمعية، كما أنه يعطي فرصة لكل المهارات العقلية، أما مع تحول القطاع التعليمي إلى سوق اقتصادية يمكن ملاحظة نتائج صادمة بشأن تفاقم الفروقات بين الأفراد في الجامعات التعليمية.
أما في الدول الأوروبية التي تفرض رسومًا مكلفة على الدراسة، مثل بريطانيا، فإنها غالبًا ما تحاول تخفيف هذه الأعباء والأقساط عن طريق ربط سداد هذه الديون بحصول الخريج على وظيفة.
نظرة الخليج العربي للقطاع التعليمي
مؤخرًا بدأت دول الخليج بتنويع اقتصاداتها التي كان يعتمد بالأساس على الثروة النفطية، ومن أجل تحقيق التنوع الاقتصادي استوردت هذه الدول فروع مؤسسات تعليمية أجنبية، وأشهر هذه الدول قطر والإمارات اللتان تحولتا إلى مناطق جذب للمؤسسات الأجنبية، جدير بالذكر أن في دولة قطر فرعًا لجامعة فرجينيا كومونولث وفرع جامعة تكساس ونورث كاليفورنيا.
ما يثير القلق في هذا الأمر فقر جودة التعليم الأجنبي في البلد المستضيف مقارنة مع البلد الأصلي، والاعتماد الكلي على اللغة الأجنبية التي تحولت إلى مقارنة اجتماعية في طبقات المجتمع بين من درسوا بلغة أجنبية ومن يتحدثوا بلغتهم الأم، ومن جهة أخرى يصعب تعميم هذه التغيرات الحديثة على قطاع التعليم وفي نفس الوقت لا يمكن نفي حقيقة تحول هذا القطاع إلى عمل تجاري بين جهات معينة.