تواجه الحكومة الجزائرية الجديدة بقيادة الوزير الأول أحمد أويحي تحديات كبيرة عجزت الحكومات السابقة بقيادة عبد المالك سلال وعبد المجيد تبون عن إيجاد حلول لها، أهمها التحديات الاقتصادية في ظلّ تواصل انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، إلى جانب التحديات الاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للجزائريين.
تحديات اقتصادية
يمثّل الملف الاقتصادي أبرز التحديات التي تنتظر الوزير الأول الجزائري الجديد أحمد أويحي (65 عامًا) زعيم حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، فالجزائريون ينتظرونه لإيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ اقتصاد بلادهم العليل.
ويرى مراقبون ضرورة عمل الحكومة على إيجاد مخرج بديل عبر تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات (النفط والغاز) وتفعيل الإنتاج الوطني ومواصلة ترشيد النفقات العمومية ومراجعة قانون الاستثمار الأجنبي في ظل تواصل انهيار أسعار النفط العالمي.
إلى جانب ذلك، سجّلت موارد “صندوق ضبط الإيرادات” المخصص لتغطية عجز الموازنة الجزائرية تراجعًا بنحو 59.5% بنهاية عام 2016 مقارنة بعام 2015
وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، وستين مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة، ويعتمد هذا البلد العربي (العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»)، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنته، وتمثّل المحروقات نسبة 96% من صادراته نحو الأسواق العالمية.
إلى جانب ذلك، سجّلت موارد “صندوق ضبط الإيرادات” المخصص لتغطية عجز الموازنة الجزائرية تراجعًا بنحو 59.5% بنهاية عام 2016 مقارنة بعام 2015، حيث بلغت موارد الصندوق 7.6 مليار دولار في ديسمبر 2016 مقارنة بـ18.8 مليار دولار في 2015، وأنشأت الجزائر “صندوق ضبط الإيرادات” لادخار عائدات النفط منذ 17 عامًا، ويضم الإيرادات المحسوبة من الفارق بين سعر النفط المرجعي البالغ 37 دولارًا للبرميل وسعر بيع النفط في السوق.
تراجع أسعار النفط تؤثر سلبيًا على الاقتصاد الجزائري
كما سجّلت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي، تراجعًا كبيرًا حيث هبطت من 194 مليار دولار، نهاية كانون الأول/ديسمبر 2013، إلى 112 مليار دولار في شباط/فبراير 2017، ونتيجة ذلك عادت الجزائر في نوفمبر الماضي إلى الاقتراض الخارجي بعد 11 سنة من قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقف الاستدانة من الخارج، من أجل تمويل مشاريعها في ظل عجز خزينتها العامة، وسبق أن أعلن أويحي عندما كان يشغل منصب مدير ديوان الرئيس، أن الجزائر ستضطر للاستدانة من صندوق النقد الدولي ما يعادل 5 مليارات دولار سنويًا ابتداءً من السنة المقبلة، وذلك إذا تواصل انهيار سعر برميل النفط.
ومن المنتظر أن تبدأ حكومة أويحي الجديدة في تطبيق “نموذج جديد للنمو الاقتصادي” يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة، ويستند النموذج الاقتصادي الجديد في الجزائر إلى سياسة ميزانية تم تجديدها وتعتمد على تحسين عائدات الجباية العادية بما يمكنها مع آفاق 2019 من تغطية نفقات التسيير إلى جانب نفقات التجهيز العمومي غير القابلة للتقليص.
المصالحة مع رجال الأعمال
على عكس سلفه عبد المجيد تبون، من المنتظر أن يمدّ أحمد أويحي يده إلى رجال الأعمال، لمساعدة الحكومة في ظل الظرف المالي الصعب الذي تمر به، ومن الممكن أن يرجع الحديث عن المصالحة الاقتصادية مع مبيضي الأموال الفارين من الجزائر أسوة بما طرحه سنة 1999 ضمن مشروع “الوئام المدني” عقب التحارب الداخلي المسلح أو مشروع “المصالحة الوطنية” سنة 2004.
يقدّر الخبراء أن تكون عائدات المصالحة الاقتصادية في حدود 3700 مليار دينار جزائري
ويرى خبراء اقتصاديون جزائريون أن تمضي الحكومة الجديدة في برنامج للمصالحة الاقتصادية يشمل رجال المال والأعمال الفارين إلى الخارج والمتورطين في التهرب من الضرائب وجرائم تبييض الأموال بهدف فتح الباب أمامهم لضخ أموالهم في خزينة الدولة والبنوك مع معاملتهم كما يعامل “الإرهابي التائب” في إشارة لما تم تطبيقه في مشروع الوئام المدني.
ويقدّر الخبراء أن تكون عائدات مثل هذه المصالحة والتي تستوجب أن تغض السلطات الطرف عن التجاوزات التي ارتكبها بعض الأطراف في السابق في حدود 3700 مليار دينار جزائري، وهو ما يمكن أن يمنح الحكومة أريحية في التعاطي مع أزمة البترول، خاصة إذا ما فعلت ما يعادل الـ400 مليار دولار متوزعة بين احتياطي الصرف وصناديق الاستثمار المتنوعة والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك.
التحدّي الاجتماعي
نتيجة هذه الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، من المتوقّع أن تواصل حكومة أويحي سياسة التقشف التي بدأتها حكومة الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال وتقليص الإنفاق العمومي والاستعانة بمدخرات احتياطي النقد الأجنبي للحد من تأثيرات هذه الأزمة التي أربكت ماليتها العامة، وهو ما ستكون نتائجه كبيرة على المجتمع الجزائري.
وسبق لنقابات عمالية تنفيذ مسيرات واحتجاجات في مناسبات عديدة ضد قرارات التقشف التي فرضتها حكومة سلال بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقوبلت إجراءات أقرها البنك المركزي بالجزائر منها تعويم العملة المحلية جزئيًا (الدينار)، وقرار الحكومة الجزائرية خفض الإنفاق، بانتقادات حادة من قبل الخبراء والاقتصاديين.
ويربط السلطة الجزائرية وشركاءها الاجتماعيين والاقتصاديين اتفاق يسمى بالعقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وهو اتفاق ثلاثي الأطراف ينظم العلاقة بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، ويشرح حقوق كل طرف في تعامله مع الآخر، ويجدد كل 5 أو 6 سنوات كان آخرها في فبراير 2014.
من المنتظر أن تتواصل أزمة النفط لـ30 سنة على الأقل، وهو ما سيضع الجزائر أمام حتمية استصلاح الأراضي الزراعية
وينتظر أن يتضمن مشروع قانون الموازنة لعام 2018 إجراءات أكثر صرامة مما تضمنه قانون المالية في السنوات الماضية، من ذلك تضمنه إجراءات تقشفية وزيادة في الضرائب ورفع جزء من الدعم على الوقود ومواد استهلاكية أساسية، إلى جانب مراجعة طريقة وسقف التحويلات الاجتماعية التي بلغت 18 مليار دولار في الموازنة السابقة، امتثالاً لتوصيات خبراء محليين وهيئات مالية دولية بالحد من الأعباء الملقاة على الخزينة العمومية، ومن مظاهر التبذير والاستهلاك المفرط.
وبحسب خبراء الطاقة، من المنتظر أن تتواصل أزمة النفط لـ30 سنة على الأقل، وهو ما سيضع الجزائر أمام حتمية استصلاح الأراضي الزراعية والشروع في التصنيع والاعتماد الأوسع على السياحة، أي عملية انتقال على مستوى المنوال التنموي وهو ما سيتطلب في أحسن الحالات 8 سنوات، مما سيضع الحكومة أمام ضغط شعبي حقيقي سيسببه طول فترة التقشف الاضطرارية خاصة مع التقليص المسجل في حجم الدعم ليشمل 3.6 مليون فقير من أصل قرابة 40 مليون نسمة، رغم أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن 6.3 مليون جزائري يحتاجون أن يشملهم هذا الصندوق.
انهيار المقدرة الشرائية
انهيار الاحتياطي الوطني من العملة الأجنبية الناتج عن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية أدّى إلى انهيار قيمة العملة الوطنية قبالة العملات الأجنبية، ووصول سعر صرف اليورو إلى 181 دينارًا جزائريًا والدولار 162 دينارًا جزائريًا، ونتيجة ذلك عرفت الأسعار ارتفاعًا تصاعديًا منذ بداية العام الحالي، مما أدّى إلى تذمر المواطنين.
تراجع المقدرة الشرائية للجزائريين
وشهدت الجزائر الأشهر الماضية احتجاجات في عدة مناطق داخل البلاد، لإثناء الحكومة عن فرض برنامجها التقشفي الذي يهدد السلم الاجتماعي والمقدرة الشرائية للجزائريين حسب عدد من الخبراء الاقتصاديين، إلى جانب ذلك، سجلت نسبة البطالة في الجزائر ارتفاعًا ملحوظًا، حيث كشف أحدث تقرير للديوان الوطني للإحصاءات (حكومي)، عن بلوغها نسبة 12.3%، في نيسان/أبريل 2017، مقارنة بـ10.5%، في أيلول/سبتمبر 2016، مما يعني وجود 1.5 مليون عاطل عن العمل في الجزائر، مما يضع الحكومة الجديد أمام تحدٍ كبير.