أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي صباح الأحد 20 من أغسطس 2017 عمليات “قادمون يا تلعفر” التي تهدف لاستعادة مدينة تلعفر العراقية من سيطرة تنظيم الدولة الذي كان قد فرض سيطرته عليها منتصف 2014 فما أهمية هذه المعركة؟ وما قيمة مدينة تلعفر بالنسبة لداعش وللحكومة العراقية؟
مدينة تلعفر في سطور
تقع مدينة تلعفر العراقية شمال غرب العراق وتبعد عن الحدود السورية نحو 60 كيلومترًا وعن مدينة الموصل 69 كيلومترًا وتقع شمال بغداد بمسافة 450 كيلومترًا، وتعتبر المدينة من المدن التاريخية العراقية ويعود تاريخها للفترة الأشورية، وتعتبر قلعة تلعفر التاريخية أبرز المعالم الأثرية للمدينة.
غالبية سكان تلعفر من أصول تركمانية وأقلية من الأكراد وأخرى من العرب، يعتنق الغالبية العظمى منهم الدين الإسلامي وينقسمون إلى غالبية بسيطة سنية وأقلية شيعة
يسكن قضاء تلعفر نحو 300 ألف نسمة غالبيتهم من أصول تركمانية وأقلية من الأكراد وأخرى من العرب، يعتنق الغالبية العظمى منهم الدين الإسلامي وينقسمون إلى غالبية بسيطة سنية وأقلية شيعية.
كان هناك مطالبات متعددة من بعض أهالي تلعفر وبعض الجهات السياسية بتحويل قضاء تلعفر إلى محافظة مستقلة عن نينوى كونه يمتلك مقومات أن يكون محافظة لوجود الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية والموارد الاقتصادية والبشرية، لكن ذلك لم يحدث خاصة مع وجود مخاوف من حدوث تشظي لمحافظة نينوى التي تجلس على صفيح ساخن من الفسيفساء المختلفة عرقيًا وطائفيًا ودينيًا.
تبعد مدينة تلعفر عن الموصل 69 كيلومترًا وعن الحدود السورية 60 كيلومترًا
تتبع لمدينة تلعفر أربع نواحي إدارية هي زمار وربيعة والعياضية وبادوش، أما عن تسمية المدينة فيرى أغلب المؤرخين أن (تلعـفر) كلمة مركبة من: (تل) و(عفر) وهي تعني (تل التراب)، ويرى البعض أن (تلعـفر) كلمة مركبة من (تلاد عبرا) الآرامية التي تعني (تل التراب) نسبةً للونه، وقال البعض إن أصل الكلمة (تل عفراء) وتعني (تل الغزلان) لكثرة الغزلان التي كانت تتردد على ماء عينها في أسفل الوادي الذي تشرف عليه القلعة.
المدينة رغم حجمها الصغير مقارنة بمدن العراق الرئيسية كان لها حضور واضح خاصة عندما يتلعق الأمر بالثورات وحمل السلاح، فقد كانت من المدن التي كان لها دور بارز في ثورة العشرين إبان الاحتلال البريطاني للعراق وشاركت في القتال المسلح ضد الأمريكان بشراسة بعد 2003 ومن المدن التي تحملت الكثير خلال الحرب الطائفية عام 2006.
فقد هاجر الكثير من سنة تلعفر واستقر الآلاف منهم داخل الموصل مما شكل ثقلاً أمنيًا واجتماعيًا على المدينة وظهور عدد من الأحياء العشوائية كان لها فيما بعد دور في نمو خلايا القاعدة ثم داعش داخل هذه الأحياء كرد فعل عكسي لحالة الاضطهاد الطائفي التي تعرض لها سنة تلعفر.
هذا الأمر خلق جملة من المشاكل الاجتماعية والأمنية في الموصل نتيجة هذا الصراع “لا يتسع المجال لتفصيلها هنا”، كما تعتبر تلعفر أحد أبرز مراكز القاعدة في العراق منذ الاحتلال الأمريكي، لما تمتلك من أرضية للشحذ الطائفي نتيجة للتماس المباشر بين الشيعة والسنة، وأيضًا لقربها من الحدود السورية التي كانت تعتبر الممر الرئيس للمقاتلين الأجانب الوافدين للعراق بعد 2003.
أهمية مدينة تلعفر
تكمن أهمية تلعفر التاريخية بوقوعها على طريق الشام وفارس وآسيا الصغرى، كما اكتسبت أهمية اقتصادية كونها ذات طبيعة زراعية فريدة خاصة فيما يتعلق بالحنطة والشعير، فتعتبر المدنية سلة خبز حقيقية.
من قراءة المشهد في تلعفر فإن إيران تسبق تركيا بخطوة خاصة أنها تمكنت من جذب شيعة تلعفر – رغم أنهم تركمان القومية – وتسليحهم وتدريبهم وتشكيل تجمعات عسكرية تشارك اليوم في معارك استعادة المدينة من يد التنظيم
في الوقت الراهن فإن أهمية قضاء تلعفر يتعدى البُعد الزراعي أو الطريق التجاري ليكون ضمن توازنات المنطقة العسكرية والسياسية وصراع النفوذ، فتركيا تعتبر مدينتي كركوك وتلعفر اللاتي يوجد بهما تركمان العراق بعد حيوي لها في العراق وجزء من الارتباط القومي والقوة الناعمة لتركيا في المنطقة.
فيما إيران تعتبر تلعفر مهمة جدًا في خط إمداد بين طهران ودمشق خاصة لوجود بؤرة شيعية في محيط سني يجعلها ذات أهمية كمركز انطلاق للمنطقة، خاصة فيما يتعلق بخط الحج الديني البري بين لبنان وسوريا والعراق وإيران.
على ما يبدو من قراءة المشهد في تلعفر، فإن إيران تسبق تركيا بخطوة خاصة أنها تمكنت من جذب شيعة تلعفر – رغم أنهم تركمان القومية – وتسليحهم وتدريبهم وتشكيل تجمعات عسكرية تشارك اليوم في معارك استعادة المدينة من يد التنظيم، فيما وقفت تركيا عاجزة عن تكوين أي تكتل أو مؤسسة لتركمان تلعفر لها قدرة وثقل على الأرض وتدين بالولاء لها.
لكن هذا لا ينفي قدرة أنقرة على إحداث شوشرة والضغط لتحقيق حد أدنى من الشروط وقد تحقق ذلك، فتمكن الضغط التركي من إقصاء عدد من فصائل الحشد الشعبي التابعة للولي الفقيه بشكل مباشر من معركة تلعفر، والسماح بقوات الحشد الشعبي التابعة لمرجعية النجف العراقية بالمشاركة.
كما أسفر الضغط التركي الكردي عن السماح للبشمركة الكردية المتحالفة مع أنقرة بمسك المثلث السوري العراقي التركي لمنع وصول قوات الحشد الشعبي للحدود التركية والاقتراب منها، كما تم إشراك حشد من التركمان السنة في المعركة لتحقيق هامش من التوازن، وهذا ملخص ما استطاعت أنقرة استخلاصه في صراع تلعفر.
فيما يبقى الوتر الذي قد يكون في صالح تركيا هو دور أمريكا في تحجيم النفوذ الإيراني في العراق والذي قد يكون له دور في منع تحول تلعفر لقاعدة انطلاق إيرانية ومركز للعبور بتجاه سوريا، رغم أن بوادر هذا الأمر ضبابية وغير واضحة خاصة أن بيان التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا رحب بعمليات استعادة تلعفر وذكر الحشد الشعبي في البيان بشكل مباشر من ضمن القوات المشاركة بالعمليات العسكرية.
فيما تعتبر تلعفر أبرز معاقل داعش في شمال العراق بعد الموصل الأمر الذي يجعل خسارة التنظيم لها خسارة لكامل وجوده في مدن محافظة نينوى.
طرفا الصراع في تلعفر
يقدر مراقبون أن نحو 1500 – 2000 مقاتل تابع لداعش يتمركزون الآن في تلعفر، يشكل ما يقارب 80% منهم مقاتلين محليين من سنة تلعفر تم تجنيدهم نتيجة للشحذ الطائفي الذي ذكرناه أعلاه، واستخدمت داعش طريقة لجعل المقاتلين المحليين يقاتلون حتى النهاية بعملية تسريب صور وأسماء المقاتلين لمنعهم من الهرب ودفعهم للقتال حتى الرمق الأخير وهذا ما يعزز موقفها الدفاعي عن تلعفر.
يلاحظ عدم إشراك حشود عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي المرتبطة بالولي الفقيه مباشرة
فيما تنقسم القوات المهاجمة لثلاث جهات: القوات العراقية النظامية وتشمل الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب والرد السريع، والحشد الشعبي وتشمل ألوية الحشد الشعبي المشاركين في عمليات “قادمون يا تلعفر”، حسب تصريح الفريق الركن عبد الأمير يارالله: (اللواء 2 (فرقة الإمام علي القتالية)، ️اللواء 3 و4 و5 و10 (بدر الجناح العسكري)، ️اللواء 6 (كتائب جند الإمام)، ️اللواء 11 (لواء علي الأكبر)، ️اللواء 17 (سرايا الجهاد)، ️اللواء 26 (فرقة العباس القتالية)، ️اللواء 43 (سبع الدجيل)، ️اللواء 47 (سرايا الدفاع الشعبي)، اللواء 53 (لواء الحسين – حشد تلعفر) – ويلاحظ عدم إشراك حشود عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي المرتبطة بالولي الفقيه مباشرة – بالإضافة إلى 3 ألوية أخرى لفرقة العباس القتالية غير تابعين لهيئة الحشد الشعبي، فيما يساند هذه القوات طيران التحالف الدولي جوًا، والمدفعية الذكية – الأمريكية الفرنسية – من الأرض.
المخاوف من عمليات تلعفر
تبرز المخاوف الإنسانية من معركة تلعفر من وجود نحو 100 ألف مدني داخل قضاء تلعفر، محاصرين دون طعام أو شراب فيما لا يوجد أي استعادادات حقيقة لاستقبال النازحين، وهذا يعيد للأذهان كوارث النزوح الذي حصل من مدينة الموصل والمعاناة المستمرة إلى اليوم رغم مرور أكثر من شهر على تحرير الموصل، إضافة لمخاوف من سياسة الأرض المحروقة التي قد تصيب مدينة تلعفر القديمة مما يعرقل عودة النازحين بعد طرد داعش من المدينة، ومخاوف من تطهير طائفي كون المدينة تحتوي على تاريخ من التماس الطائفي ما بعد 2003.
لماذا هذا الصمت تجاه معركة تلعفر؟
المشاهد لتغطية المعارك إعلاميًا في العراق، فإن معركة الرمادي والفلوجة وحتى بيجي كانت أكثر وصخبًا وضجيجًا، مما يدفعنا للسؤال ما الذي يجعل تلعفر معركة شبه صامتة رغم أهميتها الاستراتيجية؟ والجواب يكمن في ثلاث نقاط أبرزها التفاهم التركي العراقي الإيراني على المعركة وشبه الاتفاق على عدم الشوشرة الإعلامية بعد حصول تركيا على الضمانات التي ذكرناها أعلاه.
هذه الأسباب جعلت المعركة في تلعفر رغم أهميتها الاستراتيجية معركة غير صاخبة إعلاميًا مما جعل للقوات على الأرض نوعًا من الأريحية وهذا ما انعكس في المعارك
فيما تقلصت مكينة داعش الإعلامية بشكل ملحوظ، وأيضًا معرفة داعش أن المعركة محسومة عسكريًا جعل التغطية الإعلامية الداعشية للمعركة بسيطة، فيما تقف الأزمة الخليجية كسبب ثالث في ابتعاد وسائل الإعلام الخليجية عن الساحة الخارجية لتنشغل داخليًا في الصراع بشكل كبير.
هذه الأسباب جعلت المعركة في تلعفر رغم أهميتها الاستراتيجية معركة غير صاخبة إعلاميًا مما جعل للقوات على الأرض نوعًا من الأريحية وهذا ما انعكس في المعارك، حيث كان التقدم واضحًا خلال اليوم الأول من المعركة بسلاسة لم تشهدها معارك ثانية.