كما كان متوقعًا، خفضت وكالة “موديز للتصنيف الائتماني” مجددًا تصنيف تونس السيادي إلى “بي 1” مع آفاق سلبية بعد أن كان في مستوى “بي أ 3” (آفاق سلبية) حسب ما نشرته الوكالة نهاية الأسبوع الماضي على موقعها على شبكة الإنترنت، وهو ما يمكن أن يؤثر على الاقتصاد الوطني وثقة المستثمرين في البلاد، في وقت تسعى فيه تونس لتحقيق نتائج إيجابية للحد من التراجع الكبير في اقتصادها.
نتائج سلبية
لم تكتف الوكالة بهذا بل صنفت ديون البنك المركزي التونسي بالعملة الأجنبية التي تتحمل الحكومة التونسية المسؤولية القانونية في سدادها في مستوى “بي 1” مع آفاق سلبية مقابل “بي أ 3” مع آفاق سلبية سابقًا، وهو ما يعكس مخاطر استمرار تراجع احتياطيات النقد الأجنبي أكثر مما كان متوقعًا.
كما خفضت “موديز” تصنيف السندات طويلة الأمد بالعملة المحلية والسندات المصرفية التونسية إلى “بي. أي 1” من “بي. أي. أي 2″، وسقف الودائع البنكية بالعملات الأجنبية طويلة الأجل إلى “بي 2” من “بي 1″، وسقف السندات بالعملات الأجنبية من “بي. أي 1” إلى “بي. أي 2”.
خفضت “موديز” نظرتها المستقبلية لـ4 بنوك من مستقرة إلى سلبية
ويتمثل عمل موديز في تقييم الجدارة الائتمانية للأطراف التي تسعى لنيل التمويل من أسواق الأوراق المالية عن طريق إصدار السندات، ويقصد بالجدارة الائتمانية مدى قدرة الجهات الراغبة في الاقتراض على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها لمستحقيها في الآجال المتعاقد عليها.
وسبق أن أبقت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في مارس 2016، على التصنيف الائتماني للسندات التي تصدرها الحكومة التونسية عند “ب أ 3” مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما كانت موديز قد ثبتت تصنيفها الائتماني لـ5 بنوك تونسية في نوفمبر الماضي، وخفضت نظرتها المستقبلية لـ4 منها من مستقرة إلى سلبية.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت في فبراير الماضي تصنيف تونس درجة واحدة من “بي. بي سلبي” إلى “بي إيجابي” وأبقت الآفاق مستقرة، وأرجعت ذلك إلى تراجع السياحة وتباطؤ نسق الاستثمارات، كما خفضت وكالة التصنيف الياباني واستثمار المعلومات (R & I) تصنيف تونس إلى “بي بي” مع آفاق مستقرة في مايو الماضي.
أسباب ذلك
وكالة “موديز” أرجعت تخفيض التصنيف السيادي لتونس إلى عدة عوامل أبرزها استمرار اختلال التوازنات الخارجية المتمثل في عجز الميزان التجاري واستمرار التدهور الهيكلي لقطاع الضرائب، وضعف المؤسسات وأبرزه التأخر المسجل في برنامج تنفيذ الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
عجز الميزان التجاري وضعف المؤسسات من بين أسباب هذا التراجع
وأوضحت “موديز” أن النظرة السلبية تعكس مخاطر استمرار تراجع احتياطيات النقد الأجنبي أكثر من المتوقع مع ما يصحب ذلك من ضغوط قد تؤدي إلى تفاقم الدين العام، وهو ما يجعل البلاد في ورطة، وتمثل وكالة موديز، التي تأسست لخدمة المستثمرين عام 1909 على يد الأمريكي جون مودي، إحدى أهم وكالات التصنيف الائتماني في العالم من حيث رقم مبيعاتها وحصتها في السوق، وتعد أيضًا أقدم مؤسسة عملت في هذا المجال، وتملك مكاتب تمثيلية في 36 بلدًا تتوزع على مختلف أرجاء العالم.
تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة
هذا التصنيف الجديد جاء بعد أيام من إعلان البنك المركزي التونسي أن احتياطي البلاد تراجع إلى 11.597 مليار دينار (4.80 مليار دولار) في 15 من أغسطس ليغطي ما لا يزيد على واردات 90 يومًا بعد أن كان يغطي واردات 118 يومًا قبل عام، ويقول مسؤولون واقتصاديون إن مستوى واردات 90 يومًا أضعف مستوى منذ 1986 حينما شهدت البلاد أزمة اقتصادية كانت الأسوأ.
يشكل تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى هذا المستوى، حسب العديد من الخبراء، تهديدًا لقدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها
ومن المتوقع أن يبلغ عجز الميزانية بنهاية 2017 نحو 5.9% مقارنة مع توقعات سابقة عند 5.4% بسبب استمرار هبوط قيمة الدينار التونسي وتراجع الإنتاج وتفاقم العجز التجاري المستمر، وفي الأشهر الـ7 الأولى من العام ارتفع العجز التجاري إلى 26% على أساس سنوي مع ارتفاع الواردات بشكل حاد، ووصل العجز التجاري إلى 8.63 مليار دينار في تلك الفترة من 2017، وقبل 3 أشهر أعلنت الحكومة قرارات بالحد من بعض الواردات غير الضرورية لخفض العجز التجاري وكبح تآكل احتياطي العملة الأجنبية.
ويشكل تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى هذا المستوى، حسب العديد من الخبراء، تهديدًا لقدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها واستيراد احتياجاتها من المواد الأساسية والطاقة، وواصل الدينار هبوطه إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة باليورو والدولار، وقال البنك المركزي على موقعه يوم الخميس إنه يجري تداول اليورو مقابل 2.84 دينار والدولار مقابل 2.46 دينار.
زعزعة ثقة الدائنين
تصنيف وكالة “موديز” من شأنه زيادة الوضع سوءًا، ويزيد من زعزعة ثقة الدائنين في قدرة تونس على تسديد ديونها بالإضافة إلى إرباك المستثمرين الأجانب، في ظل آفاق سلبية للاقتصاد التونسي، وسيكون لهذا التراجع أيضًا نتائج سلبية على حظوظ تونس في الاقتراض من الأسواق الدولية وأيضًا على قدرتها على خلاص وارداتها والمحافظة على قيمة الدينار في مواجهة العملات الأجنبية.
وفي نهاية شهر يوليو الماضي كشف وزير المالية التونسي بالنيابة محمد فاضل عبد الكافي أمام أنظار نواب برلمان بلاده أن كل محركات الاقتصاد التونسي شبه معطلة، والضغوطات المالية التي تحاصر بلاده تهدد بعدم صرف رواتب الموظفين لشهري أغسطس وسبتمبر القادمين، الأمر الذي أثار مخاوف لدى عموم التونسيين من إمكانية إفلاس بلادهم وعجز حكومتها عن توفير أجور موظفيها في الأشهر القادمة، مما استدعى تدخل الوزير مجددًا ليبدد المخاوف ويطمئن الرأي العام.
تراجع الاستثمار في تونس
وقال الوزير حينها: “لأول مرة تحتاج الدولة التونسية إلى الاقتراض الخارجي لتوفير موارد مالية للباب الأول من الميزانية العامة للدولة المتعلق بالأجور ومصاريف الدولة والدعم، وهو ما يقرع أجراس الإنذار بشأن توفير الموارد المالية خلال الفترة المقبلة ومواجهة التحديات المالية خاصة على مستوى الزيادات في الأجور المتفق بشأنها بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والتي تدخل حيز التنفيذ خلال النصف الثاني من سنة 2017”.
وقبل ذلك بأيام حذر البنك الدولي في تقرير له تونس من إمكانية الانهيار، وقال البنك إن الحكومة التونسية لا تزال تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية، مما يفرض عليها حماية نظامها المالي من الانهيار وذلك بالسيطرة على عجز الموازنة وميزان المعاملات التجارية، وتحقق تونس، وفقًا لأرقام رسمية، إيرادات سنوية جبائية وغير جبائية تتراوح بين 24 و25 مليار دينار (ما بين 10 و10.4 مليار دولار)، وهي إيرادات غير كافية لتغطية كتلة الأجور والديون ونفقات التصرف بالدولة والدعم، مما يدفع الحكومة إلى السوق العالمية للتداين لتغطية الأجور.