في خطوة مفاجئة، قررت الولايات المتحدة الأمريكية وقف جزء من مساعداتها لمصر بلغت قيمتها قرابة 290 مليون دولار منها 195 مليون تم تأجيلها لعدم إحراز أي خطوات إيجابية في ملف حقوق الإنسان، حسبما أشارت وكالة “رويترز“.
الوكالة نقلت عن مصدرين طلبا عدم نشر اسميهما أن هذا القرار يعكس إحباط واشنطن من موقف القاهرة من منظومة الحقوق والحريات في ضوء العديد من القرارات المتخذة مؤخرًا والتي تسير في إطار المزيد من الانتهاكات وعدم الالتزام بالمعايير الديمقراطية المقرة وفق المواثيق الدولية.
المصادر لفتت إلى قيام الإدارة الأمريكية بما سمي “إعادة برمجة” جزء من المساعدات التي كان مقررًا تقديمها لمصر والبالغ قيمتها 65.7 مليون دولار في صور مساعدات عسكرية عن العام المالي2017 و30 مليون دولار في صورة معونات اقتصادية عن العام المالي 2016، مما يعني أنها ستستخدم في أغراض أخرى ولن تذهب للقاهرة.
التحول في موقف الإدارة الأمريكية حيال الملف الحقوقي المصري من التأكيد على عدم تأثيره على المعونات السنوية المقدمة حسبما لفت البيان الصادر عن البيت الأبيض في 31 من مارس الماضي قبيل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن، إلى اقتطاع جزء من تلك المساعدات بسبب عدم إحراز أي تقدم في منظومة الحريات يضع العديد من التساؤلات عن دوافع هذا التحول، ومدى خضوع ترامب – الذي كان يرى في السيسي صديقه المقرب – إلى ضغوط داخلية مورست عليه في هذا الشأن.
هذه ليست المرة الأولى التي يتراجع فيها الرئيس الأمريكي عن تصريحاته ومواقفه التي أعلنها في السابق، فمنذ دخول الرجل البيت الأبيض يناير الماضي ومنحنى النكوص عن عهوده السابقة يهبط بصورة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
ليست المرة الأولى
بموجب القانون الأمريكي فإن الإدارة يمكنها تجميد 15% من قيمة المساعدات الإجمالية البالغ قيمتها 1.3 مليار دولار تحصل عليها مصر كمساعدات عسكرية سنويًا، وتكون مرهونة بمدى إحراز أي تقدم في ملفي حقوق الإنسان والديمقراطية، فإن استطاعت ذلك تم الإفراج عن هذه القيمة وإلا يعاد استخدامها في مجالات أخرى.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها واشنطن إلى اقتطاع جزء من المساعدات المقدمة للقاهرة، فحسب المصدرين فإن الإدارة الأمريكية في العام الماضي 2016 “اتخذت قرارًا منفصلًا بتجميد مساعدات عسكرية خارجية بقيمة 195 مليون دولار في العام المالي 2016، (نسبة الـ15%)، ولو لم يتم اتخاذ هذا القرار لانتهى أجل هذه المساعدات ولن تكون متاحة في نهاية العام المالي الحالي في 30 من سبتمبر/أيلول”، مما يدل على أن هناك تردد وقلق من قبل البيت الأبيض تجاه مصر.
ومن المقرر أن تودع تلك النسبة (15%) في حساب منفصل، انتظارًا لما يمكن أن تحققه مصر في مجالي الحقوق والحريات، وهو ما أشار إليه المصدر من أن القاهرة قد تحصل على هذه القيمة نهاية المطاف حال تحقيق أي تحسن في هذا السجل، ملفتًا أن “تعزيز التعاون الأمني مع مصر مهم للأمن القومي الأمريكي”، لكنه أضاف “ما زلنا قلقين من عدم إحراز مصر تقدمًا في مجالات رئيسية منها حقوق الإنسان وقانون الجمعيات الأهلية الجديد”.
جدير بالذكر أن الميزانية التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للكونجرس هذا العام أربكت حسابات القاهرة بصورة كبيرة، إذ انخفضت حصة وزارة الخارجية التي تتضمن بداخلها المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر من 38 مليار دولار خلال هذا 2017 إلى 27 مليار 2018، بتراجع قيمته 29% من الميزانية، علمًا بأن الميزانية الجديدة لم تحصن سوى المساعدات المقدمة لـ”إسرائيل” والتي تبلغ قيمتها 3.1 مليار دولار سنويًا، مما يعني أن المساعدات المقدمة للدول العربية ومنها مصر باتت رهن التقييم وهو ما أثار القلق لدى النظام الحالي.
الوكالة نقلت عن مصدرين طلبا عدم نشر اسميهما أن هذا القرار يعكس إحباط واشنطن من موقف القاهرة من منظومة الحقوق والحريات في ضوء العديد من القرارات المتخذة مؤخرًا والتي تسير في إطار المزيد من الانتهاكات
السيسي خلال زيارته لواشنطن أبريل الماضي
الوضع الحقوقي في مصر
تعاني منظومة حقوق الإنسان في مصر من تدهور خلال السنوات الأربعة الأخيرة، ما بين قتل وتعذيب واختفاء قسري واعتقالات وتهديد وابتزاز، وغير ذلك من الصور التي نقلتها التقارير الصادرة عن منظمات وكيانات حقوقية داخل مصر وخارجها.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، في تقرير لها عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال الربع الأول من هذا العام، رصد 50 حالة قتل خارج إطار القانون خلال الفترة من أول يناير إلى 30 من مارس 2017، في جميع محافظات مصر عدا سيناء، 32 منهم داخل مقار احتجازهم، 5 جراء التعذيب على أيدي بعض أفراد الأمن داخل أقسام الشرطة، 23 نتيجة تعريضهم للإهمال الطبي المتعمد في ظل ظروف وأوضاع احتجاز سيئة وغير آدمية، بالإضافة إلى 4 محتجزين توفوا بسبب الفساد المتفشي في إدارات مقار الاحتجاز، هذا فضلاً عن التصفية الجسدية المباشرة لقرابة 18 مواطنًا في أثناء عملية القبض عليهم.
كما بلغت حالات الاعتقال على خلفية سياسية نحو 871 شخصًا، بينهم 27 قاصرًا اعتقلوا بعد مداهمة منازلهم ليلاً أو خطفهم من الجامعات والشوارع والأماكن العامة، ووفق عملية رصد كمي لجلسات محاكمات المعتقلين على خلفية القضايا المتعلقة بمعارضة السلطات في الثلاثة أشهر الأولى من العام 2017، بلغ عدد الأشخاص الذين شملتهم تلك المحاكمات 2673 شخصًا، منهم 7 قصر، تمت تبرئة 595 من هؤلاء المُحاكمين، أي 22.3% من إجمالي عددهم الكلي، بينما حُكم على 2078 بأحكام إدانة مختلفة، أي بنسبة 77.7%، أما الذين حوكموا أمام دوائر قضائية عسكرية فبلغ عددهم 1176 أي بنسبة 44% من إجمالي عدد المحاكمين، من بينهم قاصر واحد، حكم على 1009 منهم بأحكام إدانة مختلفة، بينما تم تبرئة 167 منهم.
أما الوضع في سيناء فالموقف أكثر قسوة من بقية محافظات الجمهورية، حيث رصدت منظمة سيناء لحقوق الإنسان الانتهاكات الواقعة على المدنيين في سيناء خلال النصف الأول من هذا العام 2017، حيث وقع نحو 458 انتهاكًا، 262 في الربع الأول (يناير- فبراير – مارس) و196 في الربع الثاني (أبريل – مايو – يونيو) أسفر عن مقتل 203 مدنيًا وإصابة 194.
التقرير رصد زيادة معدلات الجرائم ضد المدنيين في النصف الأول من هذا العام مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، لا سيما فيما يتعلق بعمليات الخطف والتهديد والابتزاز من قبل الجماعات المسلحة المنتشرة في سيناء خاصة في منطقتي العريش ورفح.
قررت الولايات المتحدة الأمريكية وقف جزء من مساعداتها لمصر بلغت قيمتها قرابة 290 مليون دولار منها 195 مليون تم تأجيلها لعدم إحراز أي خطوات ايجابية في ملف حقوق الإنسان
أما فيما يتعلق بحريات التعبير، فقد أعلنت وزارة الداخلية المصرية في بيان لها غلق 1350 صفحة إلكترونية، على مدى عام من ملاحقة الصفحات التي تصفها الوزارة بـ”المحرضة على العنف”، ولم يتضمن بيان الداخلية أسماء تلك الصفحات أو الجهات التي تدعمها، ولم يذكر تفاصيل عن نوع وكيفية التحريض.
هذا البيان الصادر في يوليو الماضي جاء بعد أشهر قليلة مما أعلنته الداخلية منذ عدة أشهر بشأن غلق 3343 صفحة إلكترونية أخرى، كما لم يتضمن البيان حينها أي تفاصيل عن تلك الصفحات، إضافة إلى غلق ما يزيد على 100 موقع إخباري خلال الشهرين الماضيين تسبب في تشريد مئات الصحفيين دون إبداء أي سبب وراء تلك الخطوات التي وصفها بعض السياسيين والحقوقيين بأنها “تكميم أفواه” لكل من يغرد خارج السرب.
ثم يأتي قانون الجمعيات الأهلية الذي صدق عليه السيسي ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 من مايو الماضي ليثير حالة من الجدل بين الأوساط الحقوقية، الداخلية والخارجية، حيث وصف بأنه “سيئ السمعة” إذ إن التهديدات التي يحملها لا تتعلق بالنشاط المجتمعي وتأثيره على الفقراء فحسب، بل امتدت لتشمل مساحة كبيرة من الحريات والحقوق.
رسخ القانون الجديد بعض المبادئ والبنود التي من شأنها عرقلة وتطويق دور الجمعيات الأجنبية العاملة في مصر، وهو ما دفع البعض إلى اتهام النظام بمحاولة تقليم أظافر الجمعيات الحقوقية الدولية التي تراقب الوضع الحقوقي داخليًا وتسعى لخدمة المصريين في الدفاع عن حقوقهم المغتصبة هنا وهناك، وهو ما دفع البعض إلى وصفه بأنه “شهادة وفاة” لمنظومة الحقوق في مصر.
485 انتهاكًا لحقوق الإنسان في سيناء فقط خلال النصف الأول من هذا العام
ترامب يتجاهل
لم يشكل الملف الحقوقي أي قيمة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تقييم علاقته بالقاهرة، مقارنة بما كان عليه الوضع في عهد باراك أوباما والذي ظل هذا الملف نقطة خلاف بين الولايات المتحدة والنظام المصري.
البيت الأبيض في بيانه الصادر بتاريخ 31 من مارس 2017 قبيل ساعات قليلة من زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لواشنطن في الثاني من أبريل أشار إلى أن الملف الحقوقي لن يكون حجر عثرة أمام استعادة العلاقات الأمريكية المصرية، وهو ما يترجم شعار “أمريكا أولًا” الذي أطلقه ترامب خلال حملته الانتخابية والذي يهدف إلى تعزيز مصالح أمريكا بصرف النظر عن أي مسائل أخرى.
وتطرق السيسي خلال لقائه ترامب إلى الحديث عن العديد من الملفات المتعلقة بالدعم الأمريكي لمصر ومكافحة الإرهاب وسبل تفعيل التعاون المشترك إقليميًا دون أن يشار لا من قريب أو من بعيد إلى أوضاع حقوق الإنسان في مصر اللهم إلا قضية المواطنة الأمريكية الجنسية آية حجازي، والتي كانت محتجزة في السجون المصرية وقد أفرج عنها فور إعادة الرئيس المصري للقاهرة بناء على رغبة من نظيره الأمريكي.
بموجب القانون الأمريكي فإن الإدارة يمكنها تجميد 15% من قيمة المساعدات الإجمالية البالغ قيمتها 1.3 مليار دولار تحصل عليها مصر كمساعدات عسكرية سنويًا، وتكون مرهونة بمدى إحراز أي تقدم في ملفي حقوق الإنسان والديمقراطية
ضغوط أمريكية
في اليوم التالي لزيارة السيسي لواشنطن عقد الكونجرس الأمريكي جلسة استماع، بهدف مناقشة المساعدات الأمريكية لمصر، وتقييم مدى جدواها في ضوء المستجدات الجديدة، وذلك برئاسة السيناتور ليندسي جراهام، وبشهادة ثلاثة أعضاء هم ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي، وتوم ماليونسكي، مساعد وزير الخارجية السابق، وإليوت أبرامز الزميل بمجلس دراسات الشرق الأوسط للعلاقات الخارجية.
الأعضاء الثلاث أكدوا أن المعضلة الأبرز في مسألة المعونة الأمريكية لمصر هي: كيف يمكن للولايات المتحدة دعم بلد مهم وحليف إقليمي قديم في الوقت الذي تتبنى حكومة هذا البلد سياسات تعد بعدم الاستقرار على المدى البعيد؟
وتمحورت شهادات نواب الكونجرس على أن “مصر تستخدم معظم المساعدات العسكرية في تسليح نفسها بأسلحة ثقيلة (مثل الطائرات ثابتة الجناحين والدبابات) وهي أسلحة تصلح لحرب برية لم تخضها مصر منذ عام 1973 ومن المرجح ألا تخوضها أبدًا، متجاهلة النصيحة المستمرة من المسؤولين الأمريكيين بتخصيص المزيد من الأموال في التدريب والأسلحة الأخف والتكنولوجيا الأعلى”.
ميشيل دن قالت في شهادتها: “على الرغم من أنَّ الرئيس السيسي يحلو له أن يعرض مصر على أنها قلعة استقرار وسط منطقة مضطربة، فإنَّ حقيقة الأمر أنَّها تسير بخطى وئيدة نحو الاضطراب في ظرف سنوات قلائل”، منوهة أن مصر بعد تولي السيسي الحكم باتت تواجه ما وصفته بـ”مشكلة تمرد خطيرة”، حيث “قتل الآلاف في عمليات قتل خارج إطار القانون، واختفى المئات قسريًا، وقتل المئات في هجمات إرهابية سنوية بما في ذلك التفجيرات الانتحارية الأخيرة التي استهدفت المسيحيين، وأصبح الوضع الاقتصادي شديد السوء.
تعاني مصر الآن من كل هذه المشكلات إلى جانب استقطاب اجتماعي قوي وما يصاحبه من سهولة التحول للراديكالية”.
إليوت إبرامز طالب أمام رئيس اللجنة أن يكون لهذه المعونة غرض محدد، متسائلاً: ما الذي نريده مقابلها؟ لماذا نعطي هذه المعونة؟ وقال: إنَّ من الإنصاف أن نقول إنَّ الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى رشوة مصر أو مكافأتها على علاقاتها مع “إسرائيل”، فكما رأينا في مدة حكم الرئيس مرسي، فحتى الحكومة التابعة للإخوان المسلمين لم تقطع العلاقات الدبلوماسية، ولا التعاون الأمني مع “إسرائيل”، لأنَّ هذه العلاقات تصب في مصلحة مصر”.
أما ماليونسكي فقال: “الحكم الرشيد ومكافحة الإرهاب لم يكونا من أولويات الجيش المصري في السنوات الأخيرة، بل كان جل تركيزه منصبًا على الحفاظ على هيمنته على الحكم والاقتصاد في مصر، ولتحقيق هذا الغرض، كثف الجيش من اضطهاده للمعارضين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني المستقلة”.
وقد خلصت شهادات نواب الكونجرس إلى ضرورة إعادة النظر في المعونة المقدمة لمصر وربطها بعدد من الخطوات التي يجب اتخاذها في مجال حقوق الإنسان والحريات والالتزام بالمعايير الديمقراطية في الحكم وإدارة الدولة، كذلك ضرورة مراجعة سياسات تكميم الأفواه وتحويل الجزء الأكبر من المعونة لتسليح لا فائدة منه في الوقت الراهن في مقابل إمكانية تخصيصه لقطاعات أخرى تصب في صالح المصريين.
رصدت منظمة سيناء لحقوق الإنسان الانتهاكات الواقعة على المدنيين في سيناء خلال النصف الأول من هذا العام 2017، حيث وقع نحو 458 انتهاكًا، 262 في الربع الأول (يناير – فبراير – مارس) و196 في الربع الثاني (أبريل – مايو – يونيو) أسفر عن مقتل 203 مدنيين وإصابة 194
صدمة وترقب
راهن الكثير من المقربين من النظام المصري على الرئيس ترامب في دعمه المتواصل للسيسي خاصة بعد العزف المتواصل الذي عزفت عليه منظومة الإعلام الداعمة للنظام بشأن التقارب بين شخصيتي السيسي وترامب وإعجاب الأخير بقدرات الرئيس المصري إلى الحد الذي أبدى إعجابه بحذائه خلال زيارته للرياض مؤخرًا.
صحيفة “الإيكونوميست” علقت على مبالغة الإعلام المصري للعلاقة بين السيسي وترامب بمقال لها عنونت له بـ “السراويل تحترق في القاهرة، لماذا يحب حاكم مصر دونالد ترامب، وكيف يبالغ الإعلام المصري في العلاقة الوطيدة بينهما” كان هذا العنوان الذي اختارته صحيفة “الإيكونوميست” لمقال علقت من خلاله على التناول الإعلامي المصري لزيارة السيسي لواشنطن، والذي وصفته بـ”الكاذب”.
الصحيفة كذبت بعض ما رددته وسائل الإعلام في القاهرة بمدى عمق العلاقة بين الرئيسين، منها أن ترامب تنازل عن راتبه كرئيس من باب اقتدائه “بخطى” نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وليس بإلهام من خطوات مماثلة فعلها قادة أمريكيون سابقون أمثال هربرت هوفر وجون كينيدي، كذلك ما قاله مذيع تليفزيوني مصري بأن السيسي “النموذج ” الذي يسير عليه ترامب، إضافة إلى ما ذكره موقع إخباري بأن السيسي كان على رأس قائمة المدوعين في حفل تنصيب ترامب، وهو ما لم يحدث.
وبعد مرور ما يقرب من أربعة أشهر على زيارة السيسي لواشنطن وأقل من شهرين على لقائه الرئيس ترامب في الرياض، ها هي الإدارة الأمريكية تضرب بما جاء في بيان البيت الأبيض عرض الحائط، مؤكدة على استمراريتها وضع الملف الحقوقي على رأس قائمة معايير التقييم التي على أساسها تقسم المعونات والمساعدات، وهو ما كان صدمة للكثير من المقربين من نظام السيسي.
هل خضع ترامب؟
هذه ليست المرة الأولى التي يتراجع فيها الرئيس الأمريكي عن تصريحاته ومواقفه التي أعلنها في السابق، فمنذ دخول الرجل البيت الأبيض يناير الماضي ومنحنى النكوص عن عهوده السابقة يهبط بصورة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
“نون بوست” في تقرير له أشار إلى تضاؤل قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قراراته – الداخلية كانت أو الخارجية – بنسبة كبيرة في ظل الضغوط الممارسة عليه، وهو ما يجعله أمام أحد سيناريوهين، إما أن يستجيب لتلك الضغوط ويعيد النظر في بعض توجهاته بما يتماشى مع مواقف مؤسسات الدولة المختلفة من أجل القدرة على مواصلة مهامه، وهو السيناريو الأقرب من وجهة نظر الكثيرين وفق الشواهد والدلالات التي تم عرضها، أو أن يدخل في مزيد من الصدام مع أجهزة الدولة بكل انتماءاتها وهو ما يهدد مستقبله السياسي.
التقرير استعرض أبرز محاور الصدام بين الرئيس ومؤسسات الدولة في ظل التباين في التوجهات والمواقف التي ربما قد تهدد مصالح الولايات المتحدة للخطر داخل البلاد وخارجها على رأسها الموقف من العرب والمسلمين، الموقف من روسيا والعراق وسوريا، الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، العلاقات مع أوروبا والموقف من حلف الناتو، والتي خسر الرئيس الأمريكي جميع جولاتها حتى الآن.
وهكذا فإن تجاوز مصر للخطوط الحمراء في ملف الحقوق والحريات وإعادته للأضواء مرة أخرى ربما يقود إلى إعادة رسم خارطة العلاقات بين القاهرة وواشنطن مجددًا حتى وإن تجاهله البيت الأبيض في مرحلة من المراحل، وهو ما ينعكس على نظرة القوى الدولية للقاهرة ومساعداتها المقدمة لها، لا من أمريكا وحدها بل من مختلف دول العالم التي تولي هذا الملف أهمية بالغة وتضعه على قائمة معايير تقييمها للدول.