أفشلت منصة موسكو اجتماعات الرياض التي بدأت أول أمس الإثنين للتوصل بين منصات المعارضة إلى وفد واحد يفاوض النظام السوري في جنيف، إلى جانب التوصل إلى رؤية موحدة للأزمة السورية، إصرار منصة موسكو على مسألتي الأسد والدستور بجعلهما فوق التفاوض، هو ما أفشل الاجتماعات وأخذت طابعًا بأن قدري جميل رئيس المنصة متحدث باسم النظام السوري وروسيا ويؤدي دورهما بالنيابة في محافل المعارضة، وإصراره على مواقفه تلك دلالة على ترسيخ مبدأ تشتيت المعارضة وانقسامها أمام المجتمع الدولي.
اجتماع الرياض فشل
أشار المتحدث الإعلامي باسم الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان، عقب انتهاء اجتماع وفد الهيئة العليا للمفاوضات ومنصتي القاهرة وموسكو في الرياض أمس الثلاثاء والذي ناقش الاتفاق على برنامج سياسي مشترك، أن منصة موسكو رفضت الإقرار بأي نص يشير إلى مطلب الشعب السوري برحيل بشار الأسد وألا يكون له أي دور في السلطة الانتقالية، إضافة إلى مطالبة مجموعة موسكو بالإبقاء على دستور 2012 مع بعض التعديلات، الأمر الذي لا يمكن للهيئة العليا الموافقة عليه، ولفت رمضان إلى أنه يوجد قدر مهم من التفاهم تم بين وفد الهيئة العليا ووفد مجموعة القاهرة.
يؤمن قدري جميل بعلمانية الدولة، ويقول إن منصته تعمل لاستعادة سوريا كاملة وظيفة ودولة وسيادة، ويرى أن اتفاقات “تخفيف التوتر” التي ترعاها روسيا تدفع بشكل قوي للانتقال السياسي
خرج المجتمعون في اجتماع الرياض دون التوصل إلى نتائج إيجابية في مجمل القضايا التي كانت قيد الطرح والتباحث، إذ تبين أن منصة موسكو تسعى للتوصل إلى وفد واحد للمعارضة في مفاوضات جنيف بمرجعيات مختلفة وهذا أمر لم تقبل به الهيئة العليا ومنصة القاهرة، فمنصة موسكو تصر على عدم ذكر مصير الأسد في المرحلة الانتقالية، وتعزي ذلك إلى أن ذكر رحيل الأسد سيجعل النظام يرفض حضور المفاوضات، وفق عبد السلام النجيب من منصة القاهرة.
بينما وجدت كل من منصة القاهرة والهيئة العليا للتفاوض نفسيهما على توافق مبدأي في الطرح، إذ أكدت كلتاهما أنه لا وجود للأسد في مستقبل سوريا، وتطالبان بتحقيق انتقال سياسي خلال مرحلة انتقالية تبدأ دونه، كما عبرت منصة القاهرة عن موقفها من دستور 2012 بأنه لا يمكن القبول بدستور 2012 الذي أنشأه الأسد على مقاسه، وتطالب بإعلان دستوري يتضمن مبادئ يمكن التصويت عليها في وقت لاحق بعد استقرار الوضع في سوريا، بينما تصر منصة موسكو على أنه لا يمكن إنشاء دستور في المرحلة الانتقالية وتتبنى دستور العام 2012.
من جهتها أكدت الهيئة العليا مسبقًا أنها لن تقدم تنازلات مجانية في اجتماع الرياض، من حيث القبول بالنقطتين المحورتين اللتين يدور بشأنهما الخلاف، الدستور وبقاء الأسد، وترى الهيئة العليا أن منصة موسكو لعبت دورًا معطلًا للتوافق على رؤية واحدة في وفد المعارضة، وذكر مستشار الهيئة العليا الدكتور يحيى العريضي لـ”عنب بلدي”: “لم يكن قدري جميل يريد الذهاب إلى الرياض ولكنه جرب حظه ورغم ذلك بقي متمترسًا بمطالب موسكو”.
رفضت منصة موسكو الإقرار بأي نص يشير إلى مطلب الشعب السوري برحيل بشار الأسد، إضافة إلى مطالبتها بالإبقاء على دستور 2012 مع بعض التعديلات
وتشير الهيئة العليا أن روسيا ليست راغبة بوجود توافق بين أطياف المعارضة السورية، لذلك أوجدت شخصًا كقدري جميل ليوفر ذريعة تُمكنها من نسف مصداقية المعارضة، وبفشل الاجتماع عادت المعارضة إلى النقطة الأولى والخلاف المتجذر بين المنصات ووفد تفاوضي غير موحد في جنيف وضغوط ديمستورا للمعارضة على التوحد.
في الواقع يرى مراقبون أنه لا غرابة أن تكون نظرة قدري جميل للحل في سوريا تتوافق مع النظام السوري ورؤيته، إذ شارك في صياغة الدستور السوري في عام 2012 الذي صادق عليه النظام بموجب استفتاء شعبي شككت فيه دول ومنظمات أممية في العام نفسه، أضف أنه محسوب على روسيا داعمة الأسد التي لديها رؤية للحل في سوريا.
وقدري جميل المدعوم بشكل مباشر من موسكو يدعو إلى تغيير تركيبة المعارضة بثوابت ورؤى مختلفة تمامًا عن ثوابت الشعب السوري الذي خرج في ثورة عارمة تتبنى الهيئة العليا للمفاوضات ثوابتها ومبادئها والتي على رأسها إسقاط الأسد وكتابة دستور جديد للبلاد، ويؤمن جميل بعلمانية الدولة، ويقول إن منصته تعمل لاستعادة سوريا كاملة وظيفة ودولة وسيادة، ويرى أن اتفاقات “تخفيف التوتر” التي ترعاها روسيا تدفع بشكل قوي للانتقال السياسي.
عملية مرتقبة في إدلب
بعيدًا عن المشهد السياسي، لا يزال الغموض يلف مصير إدلب في الأيام والأسابيع المقبلة، فيما تحاول الحكومة التركية تجنيب المحافظة عملية عسكرية يُحضر لها من قبل 4 دول، بحسب صحيفة “يني شفق” التركية، حيث يتصدر العملية المحتملة الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ويجري الإعداد لها وتسريع خطواتها، وذلك تحت مبرر الحرب على الإرهاب المتمثل في بقايا تنظيم القاعدة وعناصر النصرة المنضوين حاليًا تحت اسم “هيئة تحرير الشام”، وتخشى تركيا أن تؤدي هذه العملية إلى تقوية النظام السوري من خلال إنهاء أكبر معقل للمعارضة السورية المسلحة، بالإضافة إلى الخشية من وقوع كارثة إنسانية على حدودها.
وذكرت الصحيفة التركية المقربة للحكومة أمس الثلاثاء أن تركيا قدمت 3 مقترحات لتجنيب إدلب أي مصير مفجع، يتمثل في 3 نقاط أساسية وهي تشكيل هيئة إدارة محلية مدنية للمدينة تتكفل بإدارة شؤونها الإنسانية والمعيشية، مع تحييد التنظيمات المسلحة عن إدارتها، إضافة إلى تحويل العناصر المسلحة في المعارضة السورية إلى جهاز شرطة رسمي يتكفل بحفظ الأمن، والنقطة الأخيرة تتعلق بحل هيئة تحرير الشام بشكل كامل.
إصرار منصة موسكو على مسألتي الأسد والدستور بجعلهما فوق التفاوض، هو ما أفشل الاجتماعات وأخذت طابعًا بأن قدري جميل رئيس المنصة متحدث باسم النظام السوري وروسيا ويؤدي دورهما بالنيابة في محافل المعارضة
يُشار إلى أن “هيئة تحرير الشام” سيطرت على مفاصل محافظة إدلب الاقتصادية والعسكرية، بعد اقتتال مع حركة “أحرار الشام الإسلامية” انتهى بتراجع نفوذ الحركة وسيطرة الهيئة على معبر باب الهوى الحدودي ومناطق أخرى، وفي هذا السياق اتهم مجلس مدينة إدلب “الإدارة المدنية للخدمات” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” بمحاولة إخضاعه لتبعيتها، من خلال قرارات وصفها بالمتسارعة.
وقالت الإدارة المدنية للخدمات في تعميم نشر يوم الإثنين 21 من أغسطس/آب، إنها الجهة الوحيدة المخولة بمتابعة أمور المجالس المحلية في المناطق المحررة، في إشارة منها لتقويض عمل مجالس محافظة إدلب، وهو ما سيكون حجة أكبر لدى الدول لمواجهة خطر “إرهاب” الهيئة والهجوم على إدلب بذريعة تقويض قوتها والقضاء عليها، وبهذا تدخل الثورة السورية مفترق طرق مهم للغاية بين فشل اجتماع الرياض والضغوط على المعارضة للقبول بالأسد والهجوم على إدلب وفرض أمر واقع بحرب “تحرير الشام” هناك.