في خطوة جديدة وغير مسبوقة، تندرج تحت سقف حماية التراث الثقافي والشعبي الفلسطيني وتعزيزه عبر الأجيال المتتالية ومواجهة الهجمة الإسرائيلية التي تستهدفه من كل جانب، عكف مطعم في قطاع غزة على تنظيم برنامج تدريبي هو الأول من نوعه محليًا وعربيًا، لتعليم الأطفال فن طهي المأكولات الشعبية الفلسطينية.
وفور إعلان خليل الإفرنجي مدير المطعم وصاحب الفكرة، عن البرنامج لم يصدق حجم التفاعل الكبير الذي حظي به مشروعه، فبدأت طلبات الانضمام والمشاركة في البرنامج تنهال عليه من كل مكان، حتى وصلت لأكثر من 1100 مشترك في البرنامج خلال ساعات قليلة فقط.
وخصص صاحب المطعم الموجود وسط مدينة غزة، مكانًا لتدريب الأطفال على فنون وأصول الطهي وأُسس السلامة في المطبخ، وقد قسمهم إلى ثلاث مجموعات أسبوعيًا، بواقع 11 طفلًا في كل مجموعة، يتدربون ثلاث ساعات يوميًا على مدار 40 يومًا، تحت إشراف ومساعدة الطهاة الكبار.
دعم التراث الفلسطيني
و”الشيف الصغير” أول برنامج تدريبي أطلقه مطعم “زاد الخير”، وسط مدينة غزة، مطلع يوليو الماضي، لتعليم الأطفال في فلسطين فن الطبخ. ويقول خليل الإفرنجي مدير مطعم “زاد الخير”: فكرة إطلاق هذا البرنامج التدريبي الأول من نوعه، نبعت من تعليم أطفاله الطبخ، بسبب قلة الأنشطة الترفيهية المجتمعيّة الخاصة بالأطفال.
وأضاف: “بعد ذلك، طرأت في ذهني فكرة أن أعلن عن البرنامج التدريبيّ لتعليم الطبخ للأطفال، ووصل عدد المتقدمين للمئات، ولكننا اخترنا 120 طفلًا فقط، وتم تقسيمهم إلى مجموعات صغيرة، حيث يتم تدريبهم في فترات مختلفة بالاستعانة بعدد من الطهاة الذين يعملون في المطعم”.
أما هبة الإفرنجي منسقة البرنامج التدريبي، فتقول: “الفكرة جاءت لتدعيم وتثقيف وتطوير حب فن الطبخ وصناعة المأكولات لدى أطفال قطاع غزة”، مضيفة: “البرنامج هو الأول من نوعه على مستوى فلسطين بأكملها، وهو مجاني”. وبعد 40 يومًا من التدريب سيحصل الأطفال الـ120 على شهادات تكريم من إدارة المطعم، كنوع من التحفيز والدعم لجهودهم ومحاولة تطويرها، بحسب الإفرنجي.
ولفتت منسقة البرنامج إلى أن البرنامج حظي بإقبال وتشجيع غير مسبوقين فور الترويج له، حتى وصل عدد المسجلين فيه إلى أكثر من 1000 طفل، إلا أن إدارة المطعم اكتفت بـ120 فقط، لضمان حسن تدريبهم وسهولة تنقلهم داخل المطعم.
وتضيف “هدف هذا البرنامج اجتماعي بحت، نحاول من خلاله إبعاد الأطفال عن جو الحصار والضغط النفسي، وحاولنا من خلال هذا البرنامج أن نطرح فكرة جديدة مغايرة عن أفكار المشاريع والمخيمات التي تُطرح وتستهدف فئة الأطفال، فيما نقدّمه بشكل مجاني مراعاةً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها قطاع غزة”.
ووفقًا لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80% من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر، ويستهدف برنامج “الشيف الصغير”، الذي بدأ منذ نحو 3 أسابيع، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 – 12 عامًا، من كلا الجنسين.
أيادٍ صغيرة تتحدى السكين
ويركز البرنامج على تعليم وسائل الحماية وسلامة الأطفال في استخدام أدوات المطبخ المختلفة وأهمهما “السكين”، وكذلك الطرق الصحيحة في استخدام النار والغاز وتقطيع اللحوم والخضار.
الطفلة حلا المهتدي (13 عامًا) عبرت عن فرحتها بالتحاقها في دورة الشيف الصغير بـ”مطعم زاد الخير” قائلة: “شاركت في امتياز وأحببت مطعم زاد الخير كثيرًا وتعلمت الكبسة، وكنت سعيدة لأنني طبخت في زاد الخير وسوف أساعد والدتي في المطبخ، عملنا الكبسة وقدمنا لبعضنا الأرز وقطعنا البندورة والبصل والفلفل، وهذا الشيء أحببته كثيرًا في حياتي”.
أما الطفل منصور دريملي (12 عامًا)، فقد قال: “بعد مشاركتي في هذه الدورة بدأت أساعد والدتي في البيت، تعلمت البسبوسة، وأهلي يشجعونني لمواصلة التدريب”.
الطاهي أيمن المشهراوي الذي يعمل في هذه المهنة منذ عام 2010 شرح ما يعلمه للأطفال خلال هذا البرنامج التدريبي وقال: “نبدأ مع الأطفال في تعليمهم أساسيات الطبخ وكيفية استخدام أدوات المطبخ مثل السكين، ثم نستمع إلى اقتراحات الأطفال عما يريدون إعداده، ومن ثم نبدأ في التطبيق”. وأضاف: “نعلّم الأطفال مكونات صنع المأكولات والمقادير، مثل المسخن والسندويشات المختلفة مثل السنيتشل، أو الحلويات مثل البسبوسة بالقشطة”.
ويلبس الأطفال خلال التدريب زيّ الطاهي وقبعته المعروفة، فيما لا يترك المشهراوي الأطفال وحدهم في تطبيق ما يتعلمونه، إذ يضع يده فوق يد الطفل عند مسك السكين لتقطيع البصل أو الدجاج بحذر شديد لضمان سلامته. وتتضمن محاور البرنامج التدريبي محورًا عن تعليم وسائل الحماية والسلامة للأطفال مثل الوقاية من النار وعدم إمساك الأدوات الساخنة والطرق السليمة لتقطيع المأكولات.