حدد مسؤولون في الحكومة العراقية الموعد النهائي لإغلاق مخيمات النازحين بحلول منتصف العام الحاليّ، بعد عقد من الزمن على الأزمة الإنسانية، ما يثير تساؤلات عن مدى استعداد الحكومة لتوفير الظروف الآمنة والمستدامة لعودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.
وعلى مدى السنوات العشرة الأخيرة، واجه النازحون العراقيون تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية تعقدت بسبب الأزمة الإنسانية الناجمة عن الصراعات التي شهدتها البلاد.
وتواجه الحكومة والمجتمع الدولي عوائق عدة تعرقل عملية عودة النازحين، بما في ذلك تأمين الظروف الأمنية والخدمات الأساسية في مناطق عودتهم.
إغلاق ملف النزوح
يأتي ذلك فيما جدّد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري، التزام وزارته بإغلاق جميع مخيمات النزوح نهاية يونيو/حزيران المقبل، لا سيما بعد أن وصل عدد المتبقي منها إلى 22 من أصل 170 مخيّمًا، تضمّ نحو 25 ألف عائلة من أصل 850 ألف عائلة نازحة.
وأكّد النوري في تصريحات إعلامية أدلى بها في 23 يناير/كانون الثاني الحاليّ، أن الوزارة بدأت بمسح ميداني لتحديد النازحين الراغبين بالعودة إلى ديارهم، وستسهم نتائج المسح في تحديد متطلبات المرحلة المقبلة.
ونوّه النوري إلى وجود بعض الصعوبات، لكن الحكومة وضعت الخطط اللازمة لمعالجتها ضمن رؤية ودراسة وإجراءات طارئة لمواجهة المشاكل المتمثلة في أزمة السكن أو الدور المهدمة، وفق برنامج حكومي مدعوم.
من جانبه، أفاد المتحدث الرسمي باسم الهجرة والمهجرين علي عباس جهاكير لصحيفة “الصباح” الحكومية الرسمية، بأن الوزارة تسعى بجميع إمكاناتها لإغلاق ملف النزوح بشكل نهائي، وتوفير كل ما من شأنه تأمين وضع مستقر للأسر المذكورة في مناطقها الأصلية.
وأعرب جهاكير عن اعتقاده بأن الوزارة تعكف على إجراءات المسح تمهيدًا لتنفيذ الخطة الاستباقية لإعادة النازحين، التي قد تستغرق من 3 إلى 4 أشهر، لتحقيق العودة الفعلية بحلول منتصف العام الحاليّ.
وكان مجلس الوزراء العراقي قد اعتمد في 23 يناير/كانون الثاني الحاليّ، آلية لتشجيع العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم، تضمّنت منح 4 ملايين دينار (3000 دولار أمريكي) لكل عائلة تترك مخيمات النزوح المنتشرة في إقليم كردستان.
وتضمّن البرنامج الحكومي منح فرص وظيفية للعائدين وخطط للإعمار، وتفعيل لجان المصالحة للتنسيق مع وجهاء العشائر ورؤساء الإدارات المحلية في المحافظات لحل المشاكل العشائرية والاجتماعية العالقة.
عقد من المعاناة
وعانى النازحون على مدى 10 أعوام من صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وسُبل العيش الكريم، وسط غياب الحلول الجادّة لتخفيف تلك الأزمة الإنسانية وتشجيع العودة بشكل آمن ومستدام.
ويقول الناشط الإغاثي أركان الراوي، إن معاناة النازحين خلال العقد الماضي كانت تتكرر في كل موسم، إذ يعاني النازحون خلال فصل الشتاء من البرد الشديد والأمطار والرياح، بسبب تهالك الخيام وانعدام وقود التدفئة وشح الغذاء والرعاية الصحية وغيرها.
ويؤكد الراوي في حديثه لـ”نون بوست” أنه بعد 10 أعوام من النزوح، أصبحت العودة إلى الديار حلم كل نازح، لكن هناك الكثير من المناطق التي لا يستطيع النازحون العودة إليها في الوقت الراهن لأسباب عديدة.
وينوّه إلى أن الكثير من النازحين بحاجة إلى إصدار أوراق ثبوتية بعد أن فقدوها خلال فترة الحرب والنزوح، وكذلك فإن أغلب الأطفال المولودين في مخيمات النزوح بحاجة إلى استصدار البطاقة الوطنية الموحّدة والمستمسكات الضرورية الأخرى.
ويؤكد الراوي على ضرورة تشكيل لجنة لإدارة أزمة النزوح والعمل على إغلاق هذا الملف وفق برنامج حكومي متكامل وتعاون دولي لتوفير احتياجات النازحين.
ويشدد الناشط الإغاثي على أهمية إعداد برامج للتعايش المجتمعي والتأهيل النفسي والتدريب المهاراتي للعائدين، والعمل على سد احتياجاتهم الأساسية.
ويشيد الراوي بجهود المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، لكنه يقترح إعادة النظر بانتقاء المشروعات وتحديد الأولويات والتركيز على المشروعات التي يكون لها أثر إيجابي على حياة العائدين وعدم الانشغال بالمشروعات غير الضرورية.
عوائق عودة النازحين
وتعترض طريق عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية في العراق الكثير من العقبات، بسبب دمار البنية التحتية وعدم الاستقرار الأمني ونقص الخدمات الأساسية والمناطق المتنازع عليها.
وعن ذلك، يقول الصحفي والكاتب العراقي سلام خالد، إن أبرز العوامل الرئيسة التي تعيق عملية عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية تتعلق بمشاكل أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية.
ويوضّح خالد في حديثه لموقع “نون بوست”، أن بعض العوائل النازحة التي انتمى أحد أفرادها إلى تنظيم داعش الإرهابي، تخشى العودة بسبب وجود قيود قضائية عليها، إضافة إلى الرفض الاجتماعي لهم وإمكانية تعرضهم للثأر العشائري، ورغم وجود لجان المصالحة، فإنها تعمل بشكل بطيء.
ويضيف أنه من الناحية الاقتصادية فإن الكثير من الموجودين في مخيمات النازحين من الكسبة ومعدومي الدخل، وبالتالي فإنهم سيواجهون مشقة كبيرة للبحث عن سكن ومأوى وعمل بعد عودتهم.
ويرى خالد أن موضوع النزوح والتهجير هو ملف سياسي بحت وليس اقتصاديًا أو اجتماعيًا فحسب، فهناك مخاوف أمنية من وجود خلايا نائمة تهدد أمن المناطق الأصلية التي سيعودون إليها.
ويلفت إلى أن نازحي جرف الصخر ويثرب وعزيز بلد والعوجة ومناطق أخرى أهلها ممنوعون من العودة رغم مرور سنوات على تحريرها، وسط مخاوف من علاقة ذلك بالتغيير الديموغرافي.
ويشير الكاتب والصحفي إلى أن الحكومات السابقة منذ عام 2014 وحتى اليوم، تعهّدت جميعها بإنهاء ملف النزوح ولكن على ما يبدو أن الحلول الواقعية لا تزال بطيئة.
ويشدد خالد على أن عملية إعادة النازحين تتطلب برامج تشمل معالجة الملفات القضائية، والمصالحة وإعادة الدمج والتأهيل وإعمار المناطق المنكوبة وتعويض المتضررين وتوفير فرص اقتصادية، وإلا فبقاؤهم في المخيم على المساعدات أفضل بكثير من العودة إلى مناطقهم الأصلية دون مأوى أو عمل.