بدأ وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس السبت الماضي جولة خارجية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا تستمر لخمسة أيام، تهدف إلى إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية بينها وبين الدول التي سيزورها. حيث التقى الوزير، في يوم الإثنين الماضي 21 أغسطس/آب، الملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، محمود فريحات؛ وأعرب لهما عن امتنان الولايات المتحدة لجهود الأردن في محاربة تنظيم “داعش” والتأكيد على تكاتف أمريكا مع الأردن في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
وفي زيارة مفاجئة لم يعلن عنها وصل ماتيس أمس الثلاثاء إلى العاصمة العراقية بغداد، التقى فيها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وكبار المسؤولين في بغداد، كما اجتمع برئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني في أربيل. وأجرى الوزير الأمريكي محادثات مع المسؤولين العراقيين بشأن الخطوات المقبلة في الحرب على تنظيم “داعش”.
أكّد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس من بغداد أن عناصر تنظيم “داعش” أضحوا عالقين في الوقت الحالي بعدما باتوا مطوقين من ناحيتي نهر الفرات الذي يقسم العراق وسوريا، مشيرًا إلى أن أيام التنظيم باتت معدودة.
وحل ماتيس اليوم في تركيا، حيث التقى عدد من المسؤولين الأتراك، ويُذكر أن العلاقة بين الطرفين لا تعد في أحسن أحوالها بسبب تسليح واشنطن للأكراد وعدم الاكتراث لمخاوق الأتراك من انفضال الأكراد في شمال سوريا. وبحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية البناغون قبل الزيارة، فقد ذكر أن الوزير سيؤكد للجانب التركي على التزام واشنطن، “الذي لا يتزعزع”، بالتحالف مع أنقرة، على مستوى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وباعتبارها شريكًا استراتيجيًا. وأضاف أن المباحثات ستسعى لتعزيز التعاون في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، والبحث عن طرق لمساعدة تركيا في التعامل مع مخاوفها الأمنية المشروعة، بما في ذلك الحرب ضد “بي كا كا”.
ومن تركيا سينطلق ماتيس إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، غدًا يوم الخميس 24 أغسطس/آب، للقاء الرئيس بيترو بورشينكو، ووزير دفاعه، ستيفان بولتوراك، من أجل طمأنة شركاء أمريكا الأوكرانيين بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالمحافظة على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وتعزيز الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين البلدين.
أبعاد الزيارة المكوكية لماتيس
زيارة جيمس ماتيس في هذا الظرف الراهن الذي تمر به المنطقة تعد أمر بالغ الأهمية من حيث التوقيت والأحداث الجارية، وبدءًا من الأردن التي شهدت أولى تجليات التوافق الروسي الأمريكي في سوريا عبر الاتفاق على منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري، فقد أراد ماتيس في زيارته الأولى إلى الأردن منذ توليه منصبه، التأكيد على مساندة دعم الإدارة الأمريكية للأردن ورغبتها بتوفير جميع الوسائل الممكنة لزيادة هذا الدعم لمساعدة المملكة على مواجهة التحديات، كجزء من مكافئة الأردن على مشاركتها بفعالية منذ عام 2014 في تحالف دولي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
وحول زيارة ماتيس المفاجئة إلى العراق، فإن مراقبون يرون أنه استبق زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى العراق، اليوم الأربعاء، للقاء الرئيس العراقي فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري، في العاصمة بغداد. وهي رسالة إلى تركيا قبل أن تكون إلى العراق، لضمان العراق إلى جانب واشنطن في حربها ضد “داعش” وضمان عدم تحقيق المطالب التركية في العراق.
زيارة ماتيس المفاجئة إلى المنطقة جاءت بعد ساعات من تصريحات الرئيس التركي أردوغان، بشأن تعاون تركي إيراني ضد الأكراد في سوريا والعراق
وتأتي الزيارة للعراق بعد أيام على انطلاق المعركة في تلعفر آخر أكبر معاقل تنظيم “داعش” في محافظة نينوى بشمال البلاد، حيث تقود القوات العراقية بالتعاون مع الحشد الشعبي المعركة ضد “داعش” لتحرير المدينة التي تبعد عن العاصمة العراقية بغداد مسافة 450 كلم، وعن الحدود السورية حوالي 60 كلم، وهو ما يجعلها معركة هامة جدًا بالنسبة لواشنطن التي كانت دفعت مرارًا لتأجيلها حتى تكون جاهزة ورتبت أوراقها كافة وأولوياتها هناك.
حيث رأى مراقبون أن انطلاق العملية كان مرهونًا بالضغوط الأمريكية القوية التي مارستها واشنطن خلال الفترة الأخيرة على حكومة بغداد لإزاحة الحشد الشعبي من المعركة، إذ سعت أمريكا كثيرًا إلى منع الحشد من الدخول إلى المدينة وفق تبريرات علنية انطوت كالعادة على الحساسيات الطائفية، لكنها في الحقيقة تهدف إلى منع الترابط الميداني بين غرب العراق وشرق سوريا، وقطع الطريق على أي تنسيق سوري عراقي، مثلما حاولت مرارًا منع أي تنسيق لبناني سوري، لتظل الأمور في القبضة الأمريكية.
التلاقي التركي الإيراني والتعاون المشترك بينهما سيؤسس لمشهد إقليمي جديد، تتوسطه روسيا وتشارك فيه
وتحمل الزيارة إلى العراق بعدًا آخر هي مسألة انفصال إقليم كردستان العراق عن الدولة، وهي المسألة التي تقبلها أمريكا ضمنيًا ولكنها تطلب تأجيل الاستفتاء المقرر في 25 سبتمبر/أيلول المقبل لذا يرى محللون أن زيارة ماتيس جاءت للضغط على تأجيل الاستفتاء بعد رفض العراقيين للمطالب الأمريكية سابقًا أو قطع الدعم الأمريكي عن الأكراد. وبنفس الوقت تجد الخطوة رفضًا قاطعًا من الحكومة العراقية وبعض القوى الدولية الأخرى وعلى رأسها تركيا وإيران، وهو ما ذهب جاويش أوغلو للتركيز عليه في زيارته للعراق اليوم.
رسائل الزيارة إلى إيران وتركيا
بات الجميع يدرك أن المرحلة المقبلة ستشهد قطاف الثمار، بعد حرب ضروس في الحرب مع “داعش” في سوريا والعراق، فالحرب في سوريا تم تسليمها للروس الذين يهندسون الاتفاقات السياسية مع المعارضة السورية، والنظام السوري بالتعاون والتنسيق مع السعودية ومصر في هذا الشأن، بعد خروج البيت الأبيض من أعباء الحل في سوريا وتوافقها مع الروس حول سوريا وفق آليات معينة.
ومن شأن الانتصار على “داعش” أن يعيد ترتيب المنطقة من جديد، حيث أكّد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أمس الثلاثاء من بغداد أن عناصر تنظيم “داعش” أضحوا عالقين في الوقت الحالي بعدما باتوا مطوقين من ناحيتي نهر الفرات الذي يقسم العراق وسوريا، مشيرًا إلى أن أيام التنظيم باتت معدودة.
سيجد الأمريكيون أنفسهم بعد نهاية “داعش” في سوريا والعراق، أن عليهم عدم تجاوز هذا التحالف الثلاثي بأي شكل وقدرهم هو البحث عن المصالح البعيدة مع تلك الدول الثلاثة،
وهذا مهم بالنسبة للأردن التي تشترك بحدود مع سوريا العراق وواجهت خطرًا استرتيجيًا من التنظيم، إضافة إلى علاقة الأردن مع أمريكا في ظل إدارة ترامب الذي يركز على حرب الإرهاب والاصطفافات التي شهدتها المنطقة بعد تدخل روسيا في سوريا.
اللافت للانتباه هنا أن زيارة ماتيس المفاجئة إلى المنطقة جاءت بعد ساعات من تصريحات الرئيس التركي أردوغان، بشأن تعاون تركي إيراني ضد الأكراد في سوريا والعراق، الأمر الذي من المؤكد أنه أثار قلق الأمريكيين التي تخشي من توسع النفوذ الإيراني في سوريا والعراق من جهة ومن تدخل تركيا في البلدين بشكل كبير من جهة أخرى.
فالتلاقي التركي الإيراني والتعاون المشترك بينهما سيؤسس لمشهد إقليمي جديد، تتوسطه روسيا وتشارك فيه، فالثلاثي الروسي التركي الإيراني في أستانة والتعاون الذي تم بينهم قادر على تقديم مشهد جديد في سوريا والعراق والمنطقة عمومًا بعد القضاء على “داعش”، بالأخص أن أردوغان زار الأردن قبل يومين وسعى لتعزيز التعاون معها.
وهذا ليس من صالح الأمريكيين، الذين عملوا على تقويض مصالح البلدان الثلاثة في المنطقة والوقوف ضد مصالحها، إذ سيجد الأمريكيون أنفسهم بعد نهاية “داعش” في سوريا والعراق، أن عليهم عدم تجاوز هذا التحالف الثلاثي بأي شكل وقدرهم هو البحث عن المصالح البعيدة مع تلك الدول الثلاثة، وهذا ما تسعى أمريكا لعدم حصوله عبر ضمان علاقتها مع الأردن والعراق والأكراد، والاستمرار في تقويض مصالح إيران وتركيا وروسيا في سوريا.