نهاية الأسبوع الماضي، تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمراهقين مغاربة يتحرشون جنسيًا بفتاة ويمزقون ثيابها ويحاولون اغتصابها على متن حافلة نقل عام في الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية للمملكة)، مما أحدث جدلاً كبيرًا في البلاد، تعالت على إثره أصوات الحقوقيين المطالبين بضرورة التصدي لمثل هذه الممارسات التي تعبر عن معاناة المرأة المغربية.
تفاصيل الحادثة
يظهر في الشريط الذي تناولته مواقع التواصل الاجتماعي، ستة من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، وقد بدا النصف الأعلى من أجسادهم عاريًا وهم يتحرشون جنسيًا وبشكل عنيف بشابة ويضحكون، وبعد أن باتت نصف عارية تبدو الشابة وهي تبكي يائسة، في حين أن الحافلة أكملت طريقها دون أن يتدخل أي راكب لوقف المعتدين.
وأصدرت شركة النقل العام بيانًا أوضحت فيه أن “الاعتداء جرى الجمعة الثامن عشر من آب/أغسطس”، موضحة أنه تم “اعتقال المعتدين في الحادي والعشرين من آب/أغسطس”، فيما أكدت الشرطة في بيان، اعتقال المعتدين الست الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا.
هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق حالات تحرش جنسي ضد النساء
وجرت الحادثة في الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية للمملكة)، حسب ما أوضحت تقارير إعلامية محلية، وقالت الشرطة المغربية إن الضحية البالغة من العمر 24 عامًا تعاني من إعاقة عقلية، وأوضحت أنه قبل بث الفيديو لم تكن قد تلقت أي شكوى لا من السيدة الشابة ولا من سائق الحافلة.
على إثر ذلك، أصدرت شركة النقل العام بيانًا أوضحت فيه أن “الاعتداء جرى الجمعة الثامن عشر من آب/أغسطس”، موضحة أنه تم “اعتقال المعتدين في الحادي والعشرين من آب/أغسطس“، وأعلن التليفزيون الرسمي أن أربعة من مرتكبي هذا “الاغتصاب الجماعي” الست اعتقلوا الإثنين، ويعاقب القانون المغربي المتهم بمحاولة الاغتصاب مثل مرتكب الاغتصاب نفسه، ويحدد العقوبة بمدة تصل إلى السجن خمس سنوات مع النفاذ، وهو ما قد ينتظر الجناة الست.
هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق حالات تحرش جنسي ضد النساء، ففي بداية الشهر الحالي، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر حشدًا من الشباب يلاحقون شابة على كورنيش مدينة طنجة شمال المغرب، ويظهر المقطع الذي يمتد لعشر ثوان، شابة ترتدي سروال جينز وقميصًا دون أكمام، وهي مصابة بالذعر من ملاحقة العشرات لها ومحاولتهم تطويقها.
عريضة إلكترونية
مباشرة إثر نشر هذا الفيديو، أطلق نشطاء مغاربة عريضة إلكترونية موجهة إلى كل من والي جهة الدار البيضاء ووالي الأمن ورئيس الحكومة، من أجل وضع حد لظاهرة التحرش الجنسي التي باتت تقض مضجع الكثير من المغربيات.
العريضة التي تحمل عنوان: “STOP A L’IMPUNITE DE L’HARCELLEMNT AU MAROC“، قالت: “في الوقت الذي كانت فيه “الفتاة المعاقة” تتعرض لهتك عرضها من طرف بعض الشبان داخل الحافلة، فضل بعضهم التوثيق للواقعة عبر تصوير فيديو الاغتصاب، بينما كان بإمكان السائق أن يقود حافلته إلى أقرب مركز شرطة عوض أن يستمتع بمشاهد مجموعة من المراهقين يغتصبون فتاة تعاني من خلل عقلي”.
ولقيت العريضة الإلكترونية على موقع “أفاز” العالمي إقبالاً كبيرًا من المغاربة الذين سارعوا إلى توقيعها، سواء من داخل البلاد أو خارجها، للتعبير عن غضبهم من شريط الفيديو الذي هز الرأي العام الوطني والدولي.
مواقع التواصل الاجتماعي
مواقع التواصل الاجتماعي، هي الأخرى كانت مسرحًا للتنديد بحادثة تعرض الفتاة للتحرش الجنسي في الحافلة، حيث كتبت المغربية هدى الفيلالي تدوينة على حسابها الخاص في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك جاء فيها: “بلدنا لا يرتقي بعد إلى الاعتراف بما يسمى بحقوق الإنسان، رجعنا عيشين فالسيبة”.
#فتاة_الحافلة.
من جهتها كتبت زينب فوزي: “من اليوم فصاعدًا، لن نطلق على وطننا دولة الحق والقانون، لأن هذا اللقب كبير وواسع عليه، فقط في وطني تستباح الكرامة في وضح النهار وتحت أنظار ومسامع بعضنا البعض”.
من جانبه طالب نعمان الهلو بتسليط أقصى العقوبات على المعتدين على الفتاة وكتب تدوينة في حسابه الخاص في تويتر جاء فيها: “إذا لم نحترم بناتنا في الداخل، فكيف نريدهم أن يحترموهم في الخارج؟ نطالب بأقصى العقوبات للذئاب البشرية الذين اعتدوا على فتاة الحافلة”.
إذا لم نحترم بناتنا في الداخل ، فكيف نريدهم أن يحترموهم في الخارج ؟
نطالب بأقصى العقوبات للذئاب البشرية الذين اعتدوا على فتاة الحافلة .— Nouamane Lahlou (@nouamanlahlou) August 21, 2017
العنف ضد المرأة
حادثة “الحافلة” تعكس ما تتعرض له المرأة المغربية من عنف وتحرش، وفي وقت سابق أكد مكتب الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب في تقرير له وجود 2.4 مليون امرأة مغربية تتعرض للتعنيف والتحرش في الأماكن العامة، الأمر الذي دفع بالمكتب الأممي إلى إطلاق حملة لمناهضة العنف ضد النساء في المغرب تحت شعار “مناهضة العنف ضد النساء في الأماكن العامة”.
سبق أن سجل المغرب 1457 حالة عنف جنسي، 66.4% منها في الأماكن العمومية
ويمثل العنف ضد المرأة، انتهاكًا لحقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية وعائقًا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حسب عديد من الخبراء، كما يحد من تطور المجتمعات اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ويحتفل العالم في 25 من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تدعو الأمم المتحدة الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية إلى تنظيم أنشطة ترفع من وعي الناس بشأن هذه القضية.
وسبق أن سجل المغرب 1457 حالة عنف جنسي، 66.4% منها في الأماكن العمومية، وتعرف الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد النساء بأنه أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة.
مظاهرات للتنديد والمطالبة بتشريعات جديدة
حادثة الاعتداء على الفتاة كانت سببًا في خروج مظاهرات كبيرة دعت إليها فعاليات حقوقية ومدنية، في كل من الدار البيضاء والرباط للتنديد بالحادثة، وتجمع المئات من الأشخاص في ساحة الأمم المتحدة وسط الدار البيضاء حاملين لافتات منددة بالجريمة وبالعنف ضد النساء في المغرب.
وشهدت العاصمة الرباط وقفة مماثلة تحت شعارات تدين العقلية الذكورية وتعامل القضاء مع قضية اغتصاب النساء في المغرب، ورفع المحتجون شعارات تطالب السلطات بالتدخل العاجل، وعبارات من قبيل “الشارع ملكنا جميعا”، “لا للتحرش”، “لا للاغتصاب”، “المرأة تساوي رجل ونصف”، “أنا حرة”.
مظاهرات نسائية ضخمة فى الدار البيضاء
ويجرم القانون المغربي التحرش الجنسي في أماكن العمل فقط ويعاقب بالسجن من سنة إلى سنتين وبغرامة من 500 يورو إلى 5000 يورو لكل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أي وسيلة أخرى مستغلاً السلطة التي تخولها له مهامه لأغراض ذات طبيعة جنسية، ويستثني في ذلك التحرش في الأماكن العامة.
وتطالب الحركة النسائية في المغرب بتشريع جنائي يصون كرامة النساء وسلامتهن الجسدية والنفسية واستقلالهن بذواتهن، بما يضمن حرياتهن الفردية وحقوقهن الأساسية، واعتماد قانون يحمي النساء من العنف القائم على النوع من خلال تجريمه والمعاقبة عليه.