رغم تأكيد السلطات السعودية المتواصل أن التحالف العربي الذي تقوده في اليمن متمسك بالالتزام الكامل بالقوانين الدولية المعنية بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، لا سيما الأطفال منهم، ما فتئت العديد من التقارير الحقوقية تؤكد عكس ذلك، مما دفع الأمم المتحدة إلى التفكير الجدي بإدراج التحالف على اللائحة السوداء للمنظمات والدول التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات.
قلق شديد
في آخر حديث له عن اليمن، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجريك عن قلقه الشديد إزاء الغارات التي تشنها قوات التحالف باليمن والتي تزيد من معاناة سكان البلاد، وكان ستيفان دوجريك قال في مؤتمر صحافي أمس الأربعاء بمقر المنظمة الأممية في نيويورك: “ما نراه حاليًا أن تلك الغارات تتسبب في المزيد من المعاناة للشعب اليمني، وقد أكدنا مرارًا على ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني وتجنب إصابة المدنيين أو إلحاق الضرر بالبنية التحتية في اليمن”.
وخلال رده على سؤال بخصوص تقارير إعلامية تحدثت عن استهداف التحالف لنقاط تفتيش أمنية وفندق صغير بمحيط العاصمة اليمنية صنعاء، أوضح دوجريك “الأمم المتحدة ليست في موضع يمكنها من التحقق من التقارير التي اطلعنا عليها بشأن الغارات الجوية التي استهدفت فندقًا بالعاصمة اليمنية اليوم (أمس)”، مشيرًا إلى أن مجلس حقوق الإنسان (التابع للمنظمة الدولية) يتحقق حاليًا من تلك التقارير.
قال دوجاريك إن القرار بشأن هذه التوصية سيُتخذ بما يراه الأمين العام سليمًا بغض النظر عن الضغوط سواء كانت من خارج الأمم المتحدة أم من داخلها
وتزامنت هذه التصريحات، التي جاءت على لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجريك، مع الكشف عن توجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ قرار بشأن توصية بإدراج التحالف العربي بقيادة السعودية على اللائحة السوداء للمنظمات والدول التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات.
وقال دوجاريك إن القرار بشأن هذه التوصية سيُتخذ بما يراه الأمين العام سليمًا بغض النظر عن الضغوط سواء كانت من خارج الأمم المتحدة أم من داخلها، وسبق أن كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عن مشروع تقرير جديد للأمم المتحدة، وصفته بالسري من المتوقع نشره الشهر القادم، يُتهم فيه تحالف العدوان بانتهاكات ضد الأطفال في اليمن، كما أن التقرير سيطالب بإدراج تحالف السعودية في القائمة السوداء.
وبدأ التحالف العربي بقيادة السعودية حملة عسكرية في آذار/مارس 2015 ضد المتمردين الحوثيين، المتهمين بأن لهم صلات مع إيران، لوقف تقدمهم في جنوب اليمن، وسيطر الحوثيون المدعومون من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح على مناطق واسعة من البلاد، ويضم التحالف السعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر ومصر والأردن والمغرب والسنغال والسودان.
فيتو أمريكي
من المنتظر أن تعول المملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف هذا القرار وعدم المصادقة عليه، حيث كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن مسؤولين سعوديين بشكل خاص حثوا الأمم المتحدة على الدخول في مناقشات رفيعة المستوى قبل نشر التقرير، كاشفة عن قيام السعودية بما وصفته تجنيد الولايات المتحدة التي بدورها حثت الأمم المتحدة على عدم إدراج الائتلاف الذي تقوده السعودية، بحجة أن إدراج التحالف في القائمة السوداء، وبعضهم لم يشارك في ارتكاب هذه الانتهاكات، غير عادل.
وذهبت الفورين بوليسي أن التقرير سيضع الأمين العام للأمم المتحدة في معضلة صعبة، وسيواجه خطر إثارة دول عربية لها نفوذ على الأمم المتحدة في حال وجه اللوم إلى السعودية، وفي حال لم يفعل فمن المرجح أن يواجه اتهامات بتقويض التزام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان.
مجلس الأمن الدولي
وسبق أن أدرجت الأمم المتحدة في يونيو 2016 التحالف العربي في القائمة السوداء السنوية لحقوق الأطفال، لكنها رفعت اسمه بعد وقت قصير انتظارًا لمراجعة من قبل التحالف والمنظمة تحت وطأة اعتراضات من السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وتزامن ذلك مع نشر تقارير إعلامية تتحدث عن تهديد السعودية، وهي مانحة رئيسية للمنظمة، بوقف تمويل برنامج المساعدات الفلسطيني وغيره من مبادرات الأمم المتحدة.
وذكر تقرير الأمم المتحدة عن الأطفال في الصراعات المسلحة حينها أن التحالف الذي بدأ حملته الجوية في مارس 2015 لهزيمة الحوثيين المتحالفين مع إيران مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال في الصراع العام الماضي وقتل 510 وإصابة 667 طفلًا.
السعودية مسؤولة عن نحو 51% من القتلى والمصابين من الأطفال
في غضون ذلك، كشفت مسودة تقرير للأمم المتحدة بشأن الدول والجماعات التي ترتكب جرائم ضد الأطفال في مناطق الصراع المسلح، سُربت لوسائل الإعلام الجمعة الماضية، أن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية مسؤول عن نحو 51% من القتلى والمصابين من الأطفال في اليمن العام الماضي، ووصفت ذلك بأنها نسبة مرتفعة بشكل غير مقبول.
خلصت مسودة التقرير إلى أن الهجمات التي نفذت جوًا تسببت في سقوط ما يزيد على نصف العدد الإجمالي لضحايا الأطفال مع مقتل 349 طفلًا وإصابة 333
وحسب المسودة فإن قوات التحالف العربي في اليمن ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الأطفال العام الماضي، مما أدى إلى قتل 502 وإصابة 838 طفلاً، وكانت سببًا في ثلاثة أرباع الهجمات على المدارس والمستشفيات في اليمن.
وخلصت مسودة التقرير إلى أن الهجمات التي نفذت جوًا تسببت في سقوط ما يزيد على نصف العدد الإجمالي لضحايا الأطفال مع مقتل 349 طفلًا وإصابة 333، ويصدر التقرير باسم غوتيريش، لكن من يعد مسودته هي مبعوثته الخاصة المعنية بالأطفال في الصراعات المسلحة فرجينيا جامبا، ورجح مسؤولون نشر التقرير الشهر المقبل، ويُعد هذا التقرير بناء على طلب من مجلس الأمن الدولي.
المستنقع اليمني
مؤخرًا، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عينة جديدة من تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، تتعلق برغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنهاء الحرب في اليمن ومحاولة الخروج من هذا المأزق بعد أكثر من عامين من بدء الحرب التي قادها التحالف العربي بقيادة السعودية، التسريبات تطرقت إلى إفصاح ابن سلمان عن نوايا الخروج من اليمن لمارتن إنديك السفير الأمريكي السابق لدى “إسرائيل” وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وذلك في اجتماع جمعهم قبل 3 أشهر تقريبًا، معربًا عن عدم ممانعته وجود تنسيق أمريكي إيراني مسبق للتمهيد لهذه الخطوة.
السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة
وفي وقت سابق اتهمت 15 منظمة إغاثية، في بيان حمل توقيعها، الطرفين السعودي والحوثي المسؤولية فيما وصلت إليه الأوضاع داخل اليمن من تردٍ وتهديد لحياة الملايين، مع الإشارة إلى آخر مستجدات الوضع الكارثي داخل اليمن، وقبل أيام قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير له إن 7 ملايين من المواطنين اليمنيين باتوا على وشك المجاعة، في بلد يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.