ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت تركيا من اكتساب مكانة جد مرموقة على المستوى الدولي في مجال صناعة الأسلحة الخفيفة. في المقابل، لا يمكن اعتبار تركيا رائدة عالميا في مجال التسليح والمعدات العسكرية بشكل عام. ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لا يحتل مجال الصناعات الدفاعية التركية المراتب الأولى عالميا على مستوى المبيعات. وفي الأثناء، لا يمكن إنكار حجم النجاح الذي حققته تركيا في مختلف مجالات الأسلحة الخفيفة. فخلال السنوات الأخيرة، تمكن الأتراك من تحقيق نتائج باهرة في مجال صناعة الأسلحة الخفيفة، أي البنادق والأسلحة المدنية.
في بداية العقد الماضي، انتشرت عينة من الأسلحة الصغيرة المصنعة في تركيا في الأسواق الروسية، وكان تعتبر آنذاك أسلحة غير مألوفة. ومع مرور الوقت، أصبحت الصناعات الدفاعية التركية متداولة أكثر في السوق الروسية. وفي السنوات الأخيرة، لم تكتف تركيا بافتكاك مكانة بارزة في سوق الأسلحة الروسية، بل سعت للانتشار على المستوى الدولي ومنافسة الشركات الأوروبية والأمريكية. من جهة أخرى، أثبت انتشار البنادق التركية في صفوف تجار السلاح الروس الذين كانوا قادة هذا المجال بلا منازع، المكانة المتميزة لتركيا في مجال صناعة الأسلحة الصغيرة.
مضخة بندقية ستوقر 2000
وفقا لبيانات وتقارير رسمية، باتت تركيا تعتبر واحدة من أكبر منتجي ومصدري الأسلحة الخفيفة. وفي هذا الصدد، تتمتع الصناعات التركية بخصائص عديدة جعلتها تحتل المراتب الأولى في هذا المجال المهم للغاية. وفي الأثناء، تصدر تركيا بنادقها نحو روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب بعض الدول الأوروبية والآسيوية. ومنذ مدة، ارتفع الطلب على المنتجات التركية، مما أدى إلى فتح شركات جديدة.
والجدير بالذكر أن من أهم مميزات صناعة الأسلحة التركية، توفر عدد كبير من الشركات المصنعة للأسلحة وهو ما أدى بدوره إلى تنوع الإنتاج. وحتى الآن، منحت السلطات التركية رخص صناعة الأسلحة الخفيفة لصالح حوالي 200 شركة. ولكن، لم تتمكن إلا قلة قليلة من هذه الشركات من إنتاج البنادق وغيرها من الصناعات العسكرية بشكل كامل، بينما اكتفت بعض الشركات الأخرى، التي لا تتسم بقدرات إنتاجية متطورة، بإنتاج بعض مكونات الأسلحة ومن ثم بيعها لشركات أخرى.
أثر تطوير الإنتاج في هذا المجال على نوعية الصناعة التركية، وبطبيعة الحال على سمعة المنتجين الأتراك على المستوى الدولي
عموما، ساهمت العديد من العوامل في تطور هذه الصناعة بسرعة غير مسبوقة، واقتحام السوق الدولية بشكل نشط في وقت قياسي. ومن بين هذه العوامل المؤثرة دور الدولة التركية، التي تدخلت بشكل بارز في هذه المسألة، حيث قدمت أنقرة العديد من الحوافز للشركات المنتجة للأسلحة. فعلى سبيل المثال، وفرت أنقرة معدات جديدة لصالح هذه الشركات، بالإضافة إلى أنها لم تتوان عن دعمها في العمل على تطوير العمليات التقنية، ناهيك عن تقديم امتيازات ضريبية لمثل هذا النوع من الشركات. وبالتالي، ساهمت كل هذه العوامل وغيرها في التطور السريع للإنتاج التركي في هذا المجال، فضلا عن تطوير نماذج الأسلحة الموجودة في الأسواق وابتكار نماذج جديدة.
بندقية هاتسان إسكورت دونوفا تنتمي إلى عائلة كبيرة من البنادق
في سياق متصل، أثر تطوير الإنتاج في هذا المجال على نوعية الصناعة التركية، وبطبيعة الحال على سمعة المنتجين الأتراك على المستوى الدولي. في البداية، لم تكن ردود فعل التجار الروس الموردين الرئيسين للبنادق التركية، إيجابية جدا، حيث كانت المنتجات التركية تعاني من نقائص عديدة، على غرار التجميع غير المحترف لمختلف أجزاء القطعة، وغيرها من المشاكل التي جعلتها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب. بعد ذلك، تمكنت الشركات التركية من تطوير تكنولوجياتها في مجال صناعة الأسلحة، وبالتالي تجاوز جل المشاكل السابقة، مما خلف ردود فعل جد إيجابية في صفوف كل العملاء.
في الحقيقة، من بين العوامل التي ساهمت في تطور المبيعات التركية، النهج الذي اعتمدته تركيا في هذا الصدد، مع العلم أنه وتاريخيا، لم يكن يوجد في تركيا مدرسة لتعليم صناعة الأسلحة. في المقابل، وفي السنوات الأخيرة، تمكن تجار الأسلحة الأتراك من اكتساب الخبرة اللازمة عن طريق نسخ وتعديل العديد من تصاميم البنادق والأسلحة القادمة من بلدان أخرى.
فضلا عن ذلك، لم يتوان الأتراك عن القيام بجملة من التجارب لصناعة الأسلحة وتعديل التصاميم الموجودة سابقا حسب إمكانياتهم الخاصة أو ابتكار أفكار جديدة لتطوير الأسلحة. نتيجة لذلك، تمكن الأتراك من إنتاج مجموعات متنوعة من البنادق التي تشبه إلى حد كبير بعض النماذج الأخرى التي أنتجتها دول رائدة في مجال صناعة الأسلحة، لكن، بفارق بسيط على مستوى التكلفة التي كانت منخفضة للغاية.
تقدم الشركات التركية، سنويا، العديد من نماذج الأسلحة الخفيفة التي تم تصنيعها في تركيا أو تطويرها بالاعتماد على نماذج أجنبية.
من جانب آخر، وكما هو معروف لدى الجميع، تصدر معظم الأسلحة التركية إلى الخارج. وعلى غرار شركات أجنبية، مثَل السوق الأمريكي للأسلحة المدنية حريفا بالغ الأهمية للشركات التركية. وفي الأثناء، دفع انتشار الأسلحة التركية في السوق الأمريكي للأسلحة المدنية البعض إلى الاعتقاد بأن لتركيا يد في الفوضى التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية. فضلا عن ذلك، تبيع أنقرة أسلحتها إلى بلدان أجنبية أخرى، بما في ذلك روسيا، وذلك لعدة أسباب بالغة الأهمية.
من المثير للاهتمام أن شراء الأمريكيين للأسلحة يعتبر جزءا من الثقافة الأمريكية، وقد ساهم ذلك في ازدهار سوق الأسلحة الأمريكية. وفي هذا الإطار، يشتري الأمريكيون سنويا ما لا يقل عن 5 ملايين وحدة من الأسلحة النارية من فئات مختلفة. وفي الأثناء، يحرص المواطن الأمريكي؛ سواء المحترف في استخدام الأسلحة أو الهاوي، على تجديد سلاحه بانتظام، في حين يختار أسلحة من شركات مرموقة. في المقابل، لا يتردد الأمريكيون في تجربة نماذج أسلحة جديدة. من هذا المنطلق، يمكن القول إن المشتري الأمريكي العادي يميل إلى تجربة النماذج الجديدة ومقترحات الشركات المصنعة. وبالتالي، يساهم ذلك في تحفيز هذه الصناعة ودفع المنتجين إلى إتقان تصميم الأسلحة فضلا على تطوير المميزات الأخرى لقطع السلاح التي لا تقل أهمية.
بندقية ذاتية التحميل طراز هاتسان إسكورت رايدير؛ نسخة أخرى من أسلحة “إسكورت”.
في الحقيقة، عمدت معظم شركات الأسلحة التركية الرائدة إلى صناعة مجموعة متنوعة من نماذج الأسلحة. ونتيجة لذلك، تقدم الشركات التركية، سنويا، العديد من نماذج الأسلحة الخفيفة التي تم تصنيعها في تركيا أو تطويرها بالاعتماد على نماذج أجنبية. وقد نجحت الشركات التركية في استقطاب المشترين من مختلف دول العالم.
في الأثناء، تقدم الصناعات التركية التي تقوم بتطوير أسلحة موجهة لأسواق السلاح المدنية، لعملائها العديد من الحوافز، بغية تشجيعهم على شراء الأسلحة التركية، دون غيرها، مع العلم وأن المنتجات التركية تتسم بطرق استخدام بسيطة وسهلة. من جهة أخرى، لم تحاول الشركات التركية إجراء تغييرات جديدة وجذرية على بعض النماذج لبنادق أمريكية أو روسية أو إيطالية أو غيرها من الأسلحة الأجنبية، وإنما اكتفت ببعض التعديلات الضرورية.
في سياق متصل، ساهم نسخ نماذج الأسلحة الأخرى مع إضافة بعض التغييرات، حسب القدرات الإنتاجية، في جعل آفاق الصناعة التركية أوسع. وفي هذا الصدد، تتسم الصناعات التركية بالقدرة على إضفاء بعض السمات المميزة على النماذج المتوفرة في وقت قياسي. فضلا عن ذلك، تتمتع الصناعات التركية بأمر استثنائي يتمثل في القدرة على نسخ عدة نماذج مع وضع العلامة التجارية “صنع في تركيا”.
عموما، ولأسباب واضحة، تعتمد تركيا على نماذج أسلحة أخرى دون التغيير في الشكل الخارجي للقطعة. وفي حالات أخرى، كانت الدولة التركية تتفوق على المنافسين الأجانب من خلال تغيير القطعة على مستوى الجودة لا شكل.
بندقية “أكدال أم كا أي1919″، الاتجاه الجديد.
في نهاية العقد الماضي، صنع تاجر أسلحة تابع لشركة أكدال التركية لصناعة الأسلحة مسدس أكدال أم كا أي 1919. في الظاهر، تبدو هذه البندقية شبيهة إلى حد كبير بالبندقية الأمريكية طراز أم 16، ولكن مع تغيير طفيف في التصميم. ونتيجة لذلك، أثارت هذه القطعة اهتمام العملاء الأجانب، في حين حققت نسبة مبيعات هامة للغاية. وقد مثل ذلك حافزا للعديد من الشركات التركية. وفي الوقت الراهن، تتوفر مجموعة كاملة من هذه البنادق التي تشبه ظاهريا الأسلحة العسكرية الأجنبية.
من ناحية أخرى، شرعت الشركات التركية الرائدة في مجال صناعة الأسلحة الخفيفة مثل هاتسان، ستوقر، أسلحة أي تي أي رمز، أو تورين آرمز، في صناعة مضخات بنادق، فضلا عن البنادق ذاتية الدفع في حين ركزت على تطويرها. في البداية، استخدمت الشركات التركية مخططا لنموذج البندقية الأمريكية آر 15، التي تعتبر بندقية مدنية وعسكرية على حد السواء، تم تصنيعها بطرازات مختلفة، كما استخدمت في العديد من المجالات. ومنذ وقت قريب، تم تصنيع بنادق تركية بالاعتماد على نموذج البنادق الروسية “سايغا” “وفيبري”. وفيما يتعلق بنظم الإنتاج، يفضل المهندسون الأتراك التركيز على منافسة الشركات الرائدة في السوق، على غرار الشركة الإيطالية “بينيلي”.
إحدى مميزات الصناعات التركية تتمثل في الاعتماد على تكلفة رخيصة إلى جانب الجودة العالية، كانت الصين الطرف الأكثر استعداد حتى حل محل تركيا.
في المراحل الأولى، بادر المنتجون الأتراك، خاصة الشركات الكبيرة والمعروفة، بعرض منتجاتهم بشكل أساسي على روسيا. وفي مطلع العقد الماضي، ظهرت العينات الأولى لصناعة الأسلحة الخفيفة التركية بأعداد محدودة على رفوف تجار السلاح الروس، ليرتفع عددها في وقت لاحق. في الأثناء، كان التجار الروس حذرين خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الجديدة، نظرا لردود الفعل السلبية التي تواترت آنذاك.
في الوقت ذاته، كانت البنادق التركية تباع بأسعار جيدة، إلا أن جودتها لم ترقى إلى المستوى المطلوب. وفي هذا الصدد، كانت هنالك العديد من المشاكل بشأن صناعات الأسلحة التركية، إلا أن الشركات المصنعة تمكنت من النهوض بمستوى جودة أسلحتها، واكتساب سمعة جيدة في الأسواق الدولية، بشكل تدريجي.
“سفير” تي-14 Safir T؛ نسخة أخرى من الأسلحة التركية نصف الآلية..
في حقيقة الأمر، أدت المواءمة بين السعر الجيد ومستوى الجودة المقبول في نهاية المطاف إلى تحقيق نتائج مبهرة. وعلى مدى عدة سنوات، أصبحت تركيا أكبر مصدر أجنبي للأسلحة المدنية في روسيا. ووفقا لعدة تقارير، وفي الفترة الممتدة بين سنتي 2014-2015، اشترت روسيا ما يقارب عن 60 ألف بندقية ذاتية الدفع. وبالتالي، كانت معظم صناعات الشركات التركية للأسلحة توجه إلى السوق الروسية. وقد استمر الوضع على هذا النسق إلى موفى سنة 2015، عندما توترت العلاقات التركية الروسية نظرا لبعض الخلافات السياسية على الساحة الدولية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015، أسقطت القوات الجوية التركية طائرة سو-24 الروسية، مما أدى إلى دخول العلاقات الثنائية في منعرج خطير. وفي الأثناء، توترت العلاقات بين البلدين في حين أوقفت روسيا استيراد البنادق التركية إلى أجل غير مسمى. وفي خضم هذه التطورات، حاول الخبراء التنبؤ بالجهة التي ستحاول أخذ مكان تركيا في السوق الروسية. ونظرا لأن إحدى مميزات الصناعات التركية تتمثل في الاعتماد على تكلفة رخيصة إلى جانب الجودة العالية، كانت الصين الطرف الأكثر استعداد حتى حل محل تركيا.
خلافا لذلك، ولحسن حظ الجانب التركي، استقرت العلاقات التركية الروسية من جديد لتفتح السوق الروسية أبوابها أمام جارتها. وفي هذا الإطار، أخذت إمدادات جديدة من الأسلحة التركية تصل إلى روسيا أهمها البنادق بمختلف أنواعها. وفي ظل استئناف التعاون بين البلدين، استمرت صادرات البنادق التركية باتجاه روسيا في النمو.
أحدث النسخ التركية من “سايغا” الروسية في معرض إي دبليو أي 2017 (IWA-2017).
وفقا للتقارير الرسمية، تعتمد الصناعات التركية بشكل كبير على تطوير منتجات الأسلحة التابعة للدول الأخرى، علما وأن ذلك لم يؤثر على الشركات الروسية المصنعة على غرار “سايغا” “وفيبري”. وحتى الآن، تشهد المنتجات التركية في السوق الروسية منافسة محتدمة مع غيرها من الدول الأجنبية.
خلال الربيع الماضي، قدمت الشركات التركية مجموعة من البنادق ذاتية الدفع، تم تصنيعها بالاعتماد على تصاميم روسية، لتتفوق عليها فيما بعد. في الوقت الراهن، تسعى تركيا لصناعة سلاح مدني يكون نسخة من بندقية كلاشينكوف. وفي هذا السياق، طرح بعض الخبراء تساؤلا مفاده: إلى أي مدى قد تبقى المنتجات الروسية في مأمن في ظل تطور الصناعة التركية؟
في الواقع، اختلف الخبراء في هذا الصدد، حيث اعتبر بعضهم أن النسخ التركية عن “سايغا” لا تختلف كثيرا عن القطعة الأصلية من حيث الشكل، إلا أنها ذات جودة عالية، في حين أكد آخرون أنها تفوقت عن النموذج الأصلي. وفي كل الحالات، تستطيع تركيا الاستفادة من هذا المنتج من حيث السعر.
مكنت الصناعة التركية في هذا المجال الحيوي، تركيا من تحقيق أرباح اقتصادية هامة. ومن المتوقع أن يعمل صانعو الأسلحة التركية على تطوير مكانة تركيا في السوق الدولية
في ظل التطورات التي ما فتئت تعتمدها على مستوى صناعة الأسلحة الخفيفة سواء من خلال نسخ بعض نماذج الأسلحة الأخرى أو ابتكار نماذج جديدة، تمكنت تركيا من كسب مكانة هامة في السوق الدولية بما فيها السوق الروسية. فضلا عن ذلك، أصبح بإمكان تركيا منافسة أفضل منتجي الأسلحة الخفيفة بجدارة.
على مدى السنوات القليلة الماضية، عكست صناعة الأسلحة التركية كل إمكانياتها في حين نجحت في إنتاج العديد من أنواع الأسلحة المدنية بأسعار مختلفة، فضلا عن أنها كانت متفاوتة على مستوى الجودة. وفي هذا الصدد، سمح التطور التدريجي لصناعة الأسلحة الخفيفة ومحاولة اعتماد خصائص عالية، فضلا عن التنويع في حجم الإنتاج، لتركيا بأن تصبح واحدة من أكبر منتجي الأسلحة الموجهة للمدنيين.
على العموم، مكنت الصناعة التركية في هذا المجال الحيوي، تركيا من تحقيق أرباح اقتصادية هامة. ومن المتوقع أن يعمل صانعو الأسلحة التركية على تطوير مكانة تركيا في السوق الدولية، فضلا عن أنهم سيحاولون التميز على المنافسين الأجانب.
المصدر: فاييني آبازيرني