ترجمة حفصة جودة
على تلة طريفة، المدينة الإسبانية المواجهة للمغرب عبر مضيق جبل طارق وعند البر الرئيسي لجنوب أوروبا، ترسم طواحين الهواء المشهد، بالنسبة لراكبي الأمواج في فنادق المدينة، تعتبر الرياح علامة جيدة لتحدي الأمواج، أما بالنسبة لخفر السواحل الإسباني والمنظمات غير الحكومية فهذه العواصف تحذر من أن المهاجرين واللاجئين الذي يحاولون عبور المضيق معرضون لخطر شديد.
ازداد عدد اللاجئين والمهاجرين في تلك المنطقة بشكل كبير جدًا، وكان الأسبوع الماضي مشغولاً بشكل استثنائي بالنسبة للمنقذين، في يوم الأربعاء أنقذت “سالفامنتو مارتيموم” (وكالة الأمن والسلامة البحرية الإسبانية) بالتعاون مع الصليب الأحمر الإسباني نحو 600 شخص من 15 سفينة قبالة ساحل طريفة، ويعد هذا الرقم هو الأكبر منذ أغسطس 2014 عندما هبط نحو 1300 شخص على السواحل الإسبانية في 24 ساعة.
حاول الكثيرون العبور باستخدام القوارب المجدافية والبعض استخدموا الزلاجات أو قوارب النفخ أو قوارب الصيد المتهالكة، ووفقًا لفرونتكس (وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي)، فالعديد من المهاجرين ماتوا في البحر هذا العام أكثر من العام الماضي، ومعظم من يحاولون العبور يعرفون المخاطر التي ستواجههم.
المهاجرون يصلون على متن قارب إسباني إلى ميناء طريفة
“نحن نفضل الموت على البقاء هنا، فالموت لن يأتي سوى مرة واحدة لكننا نفضل أن نخاطر بحياتنا بدلاً من بقائنا هنا”، هذا ما قاله عبدو – 29 عامًا – أحد سكان الأمازيغ الأصليين والذين يعيشون في منطقة الريف الفقيرة شمال المغرب بعد تعرض المئات منهم للاعتقال عقب الاحتجاجات التي حدثت ضد الدولة، وكان عبدو قد تم إنقاذه الأسبوع الماضي مع 7 آخرين في أثناء عبورهم في قارب نفخ اشتروه بسعر 4000 يورو، وهو أرخص وسيلة ليتجنبوا الدفع للمهربين من أجل المرور.
يقول زكريا – 30 عامًا – أن الهليكوبتر أنقذته الأسبوع الماضي بعد أن رآه خفر السواحل مع 7 آخرين في أثناء محاولة السباحة وسط الأمواج المتلاطمة للوصول إلى قارب النفخ، ويضيف: “لقد كنت خائفًا بشدة، فلو لم تصل الهليكوبتر لكنت في عداد الموتى”.
أدت عمليات قمع المهاجرين على الطرق التي تربط بين أوروبا وليبيا إلى زيادة عدد المهاجرين من خلال المغرب، وقالت منظمة الهجرة الدولية “IOM” إن عدد المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا قد يتجاوز اليونان هذا العام.
“المهم أنني غادرت المغرب، لا شيء أهم من ذلك” – عبدو
ووفقًا للمنظمة فقد وصل عدد اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إسبانيا منذ أول العام وحتى منتصف أغسطس إلى 11.849 شخص، كما وصل 3500 لاجئ إلى المقاطعتين الإسبانيتين في إفريقيا سبتة ومليلية، ورغم أن الأعداد التي وصلت إلى إسبانيا تبدو صغيرة بالنسبة لإيطاليا والتي وصل إلى شواطئها 97.376 لاجئ هذا العام، فهناك ضغوط كبيرة على السلطات الإسبانية لتتمكن من حماية وتسجيل كل هذا العدد من المهاجرين واللاجئين.
هناك مخاوف أيضًا من أن يستغل المسلحون طرق المهاجرين إلى أوروبا في أعقاب هجمات نيس وبروكسل وبرشلونة مؤخرًا، وتقول روزا أوتيرو من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في إسبانيا إن البلاد لم تدخل في حالة طوارئ بعد مقارنة بإيطاليا، لكن السلطات تكفاح للتعامل مع الوضع.
وتضيف أوتيرو: “ونظرًا للارتفاع الحالي في عددهم، فلا توجد إجراءات مناسبة للتعامل مع الوافدين بسرعة كبيرة وتوفير الحماية الدولية وغيرها من الاحتياجات مما يترك المهاجرين خاصة الأطفال عرضة للمهربين”.
في كل يوم يصل ما بين 3 إلى 4 حافلات تحمل اسم الحرس المدني إلى بدلة طريفة لنقل المهاجرين إلى مدينة الجزية الخضراء حيث يقع مركز احتجاز الأجانب، ويعود أصل معظم المهاجرين إلى بلدان غرب إفريقيا مثل نيجيريا وغينيا وساحل العاج.
ذراع لاجئ أمازيغي بعد أن تعرض للضرب من قبل السلطات المغربية
يقدم الصليب الأحمر – إحدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في الجزيرة الخضراء – 3 وجبات طعام لطالبي اللجوء ومكانًا للنوم، وفي يوم السبت كانت غرف المركز ممتلئة بالأطفال الذين يستخدمون أجهزة الحاسب بينما تغسل الأمهات الملابس في الخارج، يقول عبدو أحد المقيمين في مرافق الصليب الأحمر إن الرحلة عبر المضيق أخافته بشدة لكنه كان قد عقد العزم على الرحيل.
يقول عبدو: “المهم أنني غادرت المغرب، لا شيء أهم من ذلك، كنت خائفًا لأن البحر ليس آمنًا لكننا في صراع دائم مع الحكومة المغربية، بالطبع لسنا مثل سوريا لكن الحكومة المغربية تضع الأمازيغ في السجن لأسباب سياسية وليس لنا أي حقوق”، ومثل عبدو، تم إنقاذ شقيقين وأبناء عمومتهم يوم الأربعاء وهم من جماعة الأمازيغ أيضًا.
في الشهر الماضي وفي مدينة الحسيمة شمال جبال الريف كانت هناك مظاهرة مليونية، واستخدم حراس الأمن المغربيون الهراوات والغاز المسيل للدموع لقمع المتظاهرين، وتقول هيومن رايتس ووتش إن 185 شخصًا على الأقل اعتقلوا في تلك الاحتجاجات وحُكم على 46 منهم على الأقل بالسجن 18 شهرًا بعد الحصول على اعترافات قسرية منهم.
سافر الرجال الأربع لمدة ست ساعات لمسافة 105 أميال من بلاجا سوان في الحسيمة إلى موتريل على الشاطئ الجنوبي لإسبانيا باستخدام زلاجة واحدة، احتجزوا فور وصولهم لمدة يومين قبل نقلهم للصليب الأحمر في الجزيرة الخضراء.
بمجرد ركوبك القارب فقد بعت حياتك والحل الوحيد أن تدعوا الله لينقذك حتى تصل إلى وجهتك
هؤلاء الذين يطلبون اللجوء في إسبانيا قد ينتظرون ما بين 6 أشهر وحتى عامين للحصول على القرار، ومع تزايد الأعباء والإجراءات قد تطول المدة عن ذلك، تقول الشرطة المحلية إن مراكز الاحتجاز المحلية المؤقتة تزدحم بطالبي اللجوء والذين يعتمدون على المنظمات غير الحكومية للعثور على سكن.
يقول ألبرت بيتودين ياكا – منسق مؤسسة سيبايم في الجزيرة الخضراء – إنهم وفروا 8 بيوت لإيواء المهاجرين واللاجئين، لكنه يتفق أن هناك نقص في الموارد اللازمة للتعامل مع الوافدين الجدد، ويضيف: “في رأيي، لقد أثبتت السلطات والدول الأوروبية أنها غير فعالة في التعامل مع تلك الظاهرة خاصة عند وصول اللاجئين”.
في أحد منازل المؤسسة يعيش 7 لاجئين في 4 غرف بشقة بأحد المجمعات السكنية ويحصل اللاجئون على 50 يورو شهريًا لإنفاقها كما يحبون و170 يورو للطعام حتى تجيب السلطات الإسبانية على طلبات لجوئهم، يقول ياكا: “في مدينة مثل الجزيرة الخضراء هناك 12 جنسية مختلفة وهم يعلمون أهمية الحياة معًا، لذا في أوقات مثل هجوم برشولونة كانت تأثير هذه الخبرة جيدًا في منع حدوث أي أعمال عدائية”.
لاري: “الوضع هنا أفضل من غانا 100%”
يعيش لاري – لاجئ من غانا 22 عامًا ويتحدث الإنجليزية – في أحد منازل مؤسسة “سيبايم”، كان لاري قد حاول الوصول إلى أوروبا قبل ذلك عبر ليبيا إلى إيطاليا لكنه أوشك على الموت عندما انقلب القارب الذي يحمل 35 شخصًا في الماء بعد ساعة من رحيلهم، يقول لاري: “نجا 12 شخصًا فقط ومات البقية أمام أعيننا من بينهم أطفال ونساء، سبحت إلى القارب وتمسكت به حتى اليوم التالي ووجدنا أحد الصيادين وجلب المساعدة فجاء بعض الأشخاص مع قارب وأنقذونا”.
لم تردعه تلك التجربة، وسافر لاري إلى المغرب للوصول إلى إسبانيا عبر المضيق، يقول لاري إنه ينتمي لجماعة بيموبا والتي تعاني من صراع طويل مع منافستها جماعة كونكومبا، غادر لاري غانا إلى ليبيا بعد أن أنهى دراسته الثانوية بحثًا عن حياة أفضل.
لم يكن لاري يعلم أن هناك قتال في ليبيا، لكنه عمل هناك لمدة 3 سنوات قبل أن يذهب إلى المغرب حيث دفع هناك 1000 دينار (82 جنيهًا إسترلينيًا) للركوب في زورق مع أطفال ونساء، يقول لاري: “في هذا الجو يموت بعض الناس والأمر متروك لله، فربما نصل وربما لا وبمجرد ركوبك القارب فقد بعت حياتك والحل الوحيد أن تدعو الله لينقذك حتى تصل إلى وجهتك”.
وعند سؤاله إذا ما كان الأمر يستحق المخاطرة أجاب لاري: “الوضع هنا أفضل من غانا بنسبة 100%، لقد كنت أعاني هناك وتعرضت للضرب في طريقي من النيجر إلى ليبيا، عندما رأيت أنني الآن في أوروبا رأيت أن الأمر كان يستحق تلك المخاطرة”.
المصدر: الغارديان