يندرج استمرار الاتحاد الأوروبي في توسيع قائمة عقوباته المتعلقة بسوريا، وآخرها القائمة التي شملت مؤخرًا 6 أفراد بينهم مقرّبون من عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد و5 كيانات تابعة له، في إطار التأكيد من التكتّل الأوروبي على عدم تغيير موقفه من التطبيع مع النظام، رغم الانفتاح السياسي على الأخير من بعض دول المنطقة.
فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مستشار اقتصادي لرئيس النظام بشار الأسد، و3 من رجال الأعمال البارزين الذين يدعمون النظام ويستفيدون منه، واثنين مرتبطَين بعائلة الأسد، أما الشركات الخمسة الخاضعة للعقوبات فهي مجموعة الدج وأجنحة الشام ومؤسسة الطير الحر للسياحة والسفر وشركة إيلوما للاستثمارات الخاصة وشركة العقيلة.
وأرجع التكتل الأوروبي عقوباته إلى أن بعض هذه الكيانات متورّط في نقل المرتزقة السوريين أو تجارة الأسلحة أو تهريب المخدرات أو غسل الأموال، موضحًا أنه “بهذه العقوبات يخضع هؤلاء الأفراد والشركات الآن لتجميد أموالهم وأصولهم المالية الأخرى في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، كما يحظر على الجهات في الاتحاد توفير التمويل أو الموارد المالية لهم”.
عائلة الأسد ومستشاره
شملت العقوبات شقيق زوجة بشار الأسد فراس الأخرس، وابن خالتها مهند الدباغ، بسبب ملكيتهما لشركة تكامل المشغّلة للبطاقة الذكية، وكذلك طالت العقوبات مستشار الأسد الاقتصادي يسار إبراهيم، الذي يعدّ “واجهة” آل الأسد الاقتصادية.
لم تخلُ القائمة الجديدة من أسماء شخصيات على ارتباط بروسيا وإيران، حيث شملت رئيس الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة فهد درويش، وعضو المجلس السوري الروسي للأعمال بلال نعال.
الاتحاد الأوروبي لا يدعم التطبيع مع النظام
يمكن من خلال الانتباه إلى الشخصيات التي تضمّنتها العقوبات بحسب كرم شعّار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، القول إن الغرض منها إرسال رسائل سياسية للنظام السوري، مفادها أن “الاتحاد الأوروبي لا يوافق على الانفتاح السياسي على النظام”.
وبذلك يرى شعّار في حديثه لـ”نون بوست” أن الاتحاد الأوروبي ما زال على موقفه الرافض لأي تطبيع مع النظام السوري، لافتًا إلى الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات البحثية السورية في مجال الكشف عن أسماء الشخصيات والكيانات المتورّطة في قضايا اقتصادية مشبوهة.
وجاءت العقوبات بعد فترة وجيزة من إعادة افتتاح سفارة النظام السوري في العاصمة السعودية الرياض، والأنباء عن اعتزام المملكة فتح سفارتها في دمشق، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية لأكثر من عقد.
رسائل مباشرة للأسد
يتفق مع شعّار الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم، في اعتبار أن الهدف من القائمة الجديدة هو تصدير رسائل من التكتّل الأوروبي للنظام السوري، موضحًا لـ”نون بوست” أن “شمول القائمة على أسماء مرتبطة بزوجة الأسد، يدلّ على أن الأسد وزوجته تحت المراقبة الاقتصادية المباشرة”.
ويرى الباحث أن قائمة العقوبات الأخيرة لم تشمل القطاعات التي اعتاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استهدافها، أي قطاع النفط والبنوك والأجهزة الأمنية، وأكمل بقوله: “القائمة الأوروبية الأخيرة استهدفت الأسماء المقربة من الأسد، وبالتالي يمكن تلمُّس حالة عدم رضا أوروبية عن سياسات النظام الاقتصادية، وتحديدًا التي تخصّ توجُّه النظام السوري نحو الشرق الآسيوي، مثل الصين وماليزيا، لإنجاز أعمال اقتصادية في الداخل السوري”.
طبقًا للكريم، أراد الاتحاد الأوروبي إظهار غضبه من توجُّه الأسد الاقتصادي نحو آسيا، لأن ذلك يعني استبعاد الحل السياسي.
بجانب ذلك، يلفت الكريم إلى تزامن العقوبات مع التغييرات في المناصب الأمنية والاقتصادية العليا التي يجريها بشار الأسد، ويقول: “كان الاتحاد الأوروبي يتوقع إقصاء الشخصيات السورية المتورطة بجرائم حرب، وأن يعلَن عن حرب على أمراء حرب ومكافحة المخدرات، لكن النظام سلّمهم مناصب قيادية، ما أحبط الاتحاد الأوروبي، خاصة أن فريق زوجة الأسد هو الذي يؤمّن لهم التمويل ويحدد لهم مهامهم لحماية نشاطات فريقها، ما دفع بالاتحاد إلى تحريك بعض القضايا منها العقوبات كرسالة مبدئية”.
ويقول إن الاتحاد الأوروبي أراد التأكيد على أنه يراقب عمليات غسيل الأموال من جانب النظام السوري من خلال العقوبات، معتبرًا أن هذه القائمة مرشّحة للتوسُّع أكثر، وقد تشمل أبناء الأسد وعائلة زوجة الأسد في المملكة المتحدة.
تهديد السلم الدولي
ثمة حسابات متعلقة بتهديد السلم الدولي بقرار العقوبات التي تتم وفق إجراءات معقّدة، كما يؤكد الباحث الذي أوضح أن “بعض الشخصيات المستهدفة لديها مشاركة بعمليات غسيل أموال لإيران و”حزب الله” وتجارة الذهب السوداني، وبتجارة المخدرات نحو أوروبا انطلاقًا من ليبيا (مجموعة الدج)”.
وحسب تأكيده، فإن للحسابات الأوروبية عمومًا والفرنسية خصوصًا المتعلقة بلبنان، بعض الدور في إصدار قائمة العقوبات الأخيرة، وقال: “ملف لبنان يحظى بأهمية كبيرة لفرنسا وأوروبا عمومًا، لذلك يحاول التكتل الأوروبي تحجيم دور ونفوذ أسماء الأسد المتزايد في لبنان، خاصة من خلال تحويله إلى منصة لغسيل الأموال واستيراد المواد الداخلة في صناعة وتجارة الكبتاغون، وهو ما يحبط أي محاولة سياسية أوروبية للخروج من المأزق اللبناني السياسي”.
لكن رغم كل العقوبات الأوروبية والأمريكية السابقة على النظام السوري، يعتقد العديد من المراقبين الاقتصاديين أن العقوبات لم تدفع النظام إلى تغيير سلوكه، خاصة أنه استطاع الالتفاف عليها في أكثر من مرة.
وفي هذا الإطار، يقرُّ الكاتب والمحلل السياسي المطّلع على الشأن الأوروبي أسامة بشير، بأن العقوبات لم تدفع النظام نحو تغيير نهجه وسياساته، مشددًا على أنه “لا بدَّ من وجود إجراءات أقوى”، وقال لـ”نون بوست”: “نشاهد حزم عقوبات متكررة على النظام السوري، ونشاهد بالمقابل كيف يواصل الأخير تعنُّته، رغم أن العقوبات تزيد من عمق أزمته الاقتصادية”.
وتساءل بشير: “إلى متى نبقى أمام قوائم عقوبات تتلاشى مفاعيلها مع الوقت وتظهر أخرى؟”، وقال: “لكن لا يعني ذلك أن العقوبات غير مفيدة، فبالنهاية العقوبات مكان ترحيب، وتشعرنا أن الملف السوري ما زال يحظى بمتابعة دولية، ولو كان ذلك في الحد الأدنى”.
الائتلاف يرحّب بالعقوبات
وتعليقًا على حزمة العقوبات الأخيرة، يؤكد نائب رئيس الائتلاف، عبد المجيد بركات، على ضرورة استمرار فرض العقوبات على النظام السوري، لأن من شأن ذلك منع التفاف النظام عليها.
وفي حديث خاص لـ”نون بوست”، يقول إن الائتلاف يرحّب بالعقوبات على النظام السوري وأذرعه الاقتصادية، التي تؤمّن التمويل لاستمرار جرائم النظام.
ويرى بركات أن العقوبات تؤكد على استمرار النهج الأوروبي بالتعاطي مع الملف السوري، وقال: “لاحظنا في الفترة الأخيرة بعض البرود من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص إصدار قوائم عقوبات ضد النظام، ما أعطى الأخير فرصة لخلق أدوات جديدة وشخصيات جديدة للالتفاف على العقوبات السابقة، ومن هنا تأتي أهمية القائمة الجديدة”.
وإذ أكد نائب رئيس الائتلاف على حرص المعارضة على بيان أهمية العقوبات ودورها، عبّر عن أمله بأن تدفع العقوبات بالعملية السياسية، وألّا تكون على حساب السوريين بمناطق النظام، خاصة أن نظام الأسد يحمّل دائمًا السوريين أعباء العقوبات.
ومهما كانت نتائج العقوبات على النظام السوري قاصرة، فإن تأثيرها الأشد هو منع تعويم النظام، ودفع الدول التي تفكّر في تطبيع علاقاتها معه إلى إعادة حساباتها.