يميل معظمنا -إن لم يكن جميعنا- لشراء البضائع والحاجات التي لا نحتاجها، ويتزايد الأمر خلال مواسم التخفيضات والتنزيلات التي تصمّمها المتاجر والمحلات بين الفينة والأخرى، مثل بداية السنة الجديدة أو انتهاء فصلٍ ما ومشارفة غيره على الابتداء.
تنطوي رغبتنا على شراء تلك الحاجات والانسياق لإغراءات الأسعار “المخفّضة” تحت كثيرٍ من العوامل النفسيّة والاجتماعية، إذ يلعب المجتمع أيضًا أدوارًا كبيرة ومؤثرة وإن كانت تخفى عنا، في كيفية تعاملنا مع الأسواق والحاجيات التي نشتريها.
وليس غريبًا أنّ الأسواق والمتاجر تلجأ للحيل والخدع النفسية لإقناع الأفراد بالشراء ومتابعة أخبار الأسعار والتخفيضات، فثمّة قواعد ونظريّات سيكولوجية تدرس من الألف إلى الياء نفسيّة المشترين وميولهم وسلوكيّاتهم الشرائية، مثل دراسة تأثير اللون وتصميم المتجر والموسيقى والروائح المستخدمة فيه وغيرها الكثير الكثير.
يعمل دماغك ضدك في كثير من المواقف الحياتيّة منها في مواسم التخفيضات والتحيزات، وذلك بفضل بعض التحيزات المعرفية البسيطة، وهي أنماط من الانحراف في اتخاذ الأحكام والقرارات تحدث في حالات معينة، وتؤدي إلى تشويه في الإدراك الحسي أو لاتخاد أحكام غير دقيقة و تفسيرات غير منطقية، وهو ما يسمى عمومًا باللاعقلانية.
فعلى سبيل المثال؛ يعمل عقلك على إقناعك بأنّك ستكون “الرابح” في حال اشتريتَ سترةً ما بعد أن أصبح سعرها نصف ما كان عليه سابقًا. ستظنّ أنّك حصلتَ على فرصةٍ كبيرة غاضًّا الطرف عن مقارنة قيمتها الحقيقية والفعلية بسعرها حتى لو وصل للنصف.
الخوف من “تفويت الفرصة”
عادة ما تكون مواسم تخفيض الأسعار تصفية جزئية أو كليّة لما هو موجود في الأسوق، سواء استعدادًا لاستقبال بضاعة جديدة أو موسمٍ سنويّ جديد، لذلك يبدأ عقلك بالتفكير أنّك ستفوّت للأبد فرصة حصولك على ذلك الغرض أو تلك القطعة من الملابس، حتى وإن لم تكن بحاجةٍ إليها.
قد لا يلاحظ المشترون أنّ خوفهم من “تفويت الفرصة” هو الدافع للشراء، فالأمر غالبًا يكون في لا وعيهم، ما يعزّز ردة فعلهم العاطفيّ تجاه التخفيضات، فأنتَ لا تفهم سبب اندفاعك القويّ تجاه سترةٍ بخصمٍ وصل لنسبة 70% والتي قد لا تكون لفتت انتباهك مسبقًا عندما رأيتها بسعرها الحقيقيّ. فالقضية إذن هي شعورك بأنّك ستفقد شيئًا للأبد وتفوّت فرصتك الوحيدة للحصول عليه.
ربما تتمثل فكرة تفويت الفرصة في الشراء عبر الإنترنت “أون لاين” أكثر منه من الشراء في المحلات والأسواق. ففي المتاجر يمكنكَ على الأقل لمس البضاعة ومعاينتها بعينيك ويديكَ ومقارنة السعر مع قيمتها الحقيقية، أما عبر الانترنت فلا تستطيع ذلك وبالتالي يتركّز تفكيرك بأنّ شخصًا آخر قد يحصل عليها قبلك بغض النظر عن قيمتها.
المنافسة
يرتبط شعور الخوف من تفويت الفرصة عادةً بشعور المنافسة، فمعرفة أنك تتنافس مع الآخرين للحصول على تلك القطعة التي ربما تكون الأخيرة المتبقية، يزيد من رغبتك في شرائها ومسارعة امتلاكها.
بالنسبة لبعض المستهلكين يكون الحصول على الغرض قبل الآخرين هو الهدف، بغض النظر عن ماهيّته وقيمته الحقيقية. إلى جانب أنّ حشد المشترين في المتجر الواحد يعزّز من قيمة التنافسية لديهم ويتركّز تفكيرهم حول أنّهم إنْ لم يحصلوا على ذلك الغرض فغيرهم يسعى في اللحظة ذاتها للحصول عليه.
توفّر المتاجر بحشود المشترين الكبيرة جوًّا فوضويًّا يقلّل من قدرة الفرد على التفكير المنطقيّ بعناية في القيمة الحقيقية لما يشتريه ومدى حاجته إليه، فيبدأ بالتخبّط بين ما هو موجود أمامه ساعيًا لشراء ما يجده أمام عينيه.
أثر الإعلانات
تؤثر الإعلانات التي نتعرّض لها يوميًّا علينا بطريقة أكبر مما نعتقد، في الشارع وعلى الهاتف وصفحات الإنترنت وغيرها الكثير الكثير. ومع نشوء التطبيقات الإلكترونية بتنا معرّضين بشكلٍ أكبر ومحدّث بكلّ أخبار المتاجر، وتصلنا رسائل الإعلان عن التخفيضات والتنزيلات دون أنْ إرادةٍ منا.
جميع تلك الإعلانات تحمل نفس الرسالة: إيّاك أنْ تفوّت الفرصة، أو حياتك ستكون أفضل إذا لم تفوّت فرصة التنزيلات لدينا. وبالتأكيد تأثير تلك الإعلانات على العقل الباطنيّ لا يُستهان به، فيبدأ عقلك بالاعتقاد مطلقًا أنّ ثمّة فرصة سوف تفوتك في حال عدم استغلالك لموسم التنزيلات هذا، خاصة وأنها تلاحقك كثيرًا شئت أم أبيت.
رغبتنا في إبهار الآخرين
تحفّز مواسم التنزيلات رغبتنا في إبهار المحيطين من حولنا ولفت انتباههم، ونسعى دومًا لشراء الجديد وامتلاكه حتى لو لم نكن بحاجته. ففي المجتمع الحديث بات الاستهلاك أعلى بمستويات من حاجة الأفراد وأصبح الحسد ومقارنة النفس بالآخرين إحدى القوى الدافعة للنشاط الاقتصادي، فصرنا نستغلّ الفرص دومًا لعرض ثرواتنا وما نملك للآخرين، وتبيان نجاحنا الاقتصادي لهم.
محاولتنا لتعويض عيوبنا
كثيرًا ما نبحث عن الثقة بالنفس والإعجاب بالذات من خلال الملابس التي نرتديها أو السيارة التي نقودها أو الهاتف الذي نحمله. نحن نسعى للهرب من الخسارة، والشعور بالعجز أو الوحدة، أو التخلّص من وجع القلب والانهزامات العاطفية عن طريق شراء العناصر غير الضرورية.
تسير المجتمعات الحديثة نحو تحقيق الكمال والرضى والبحث عنها في الأشياء الماديّة، فنحاول إقناع الآخرين بالأشياء التي نملكها بدلًا من إقناعهم بذواتنا وشخصيّاتنا، وبالتالي نجد في مواسم التنزيلات منفذًا جيّدًا للامتلاك وتجميع المزيد من الأشياء.
توقّف وفكّر قبل الشراء!
العديد من الأبحاث في علم النفس توصّلت إلى أنّ الفرد يميل للتسوق وشراء الأشياء للكثير من الأسباب منها تخفيف التوتر والحدّ من التعب التفسيّ الذي يعترضنا في حياتنا اليوميّة، وتزيد قوة الأسباب في حال تدخّل العوامل التي ذكرناها سابقًا.
ولتخرج نفسك من فخّ العالم الاستهلاكي وشِراك التحيّزات المعرفية التي يضعك عقلك فيها، اسأل نفسك هذه الأسئلة قبل أن تحملها وتسير باتجاه المُحاسب في المتجر:
“هل تناسبني؟” إذا كان جوابك لا، فدعها.
“هل أملك شيئًا مشابهًا؟” إذا كنتَ تملك فأنت لا تحتاجها
“هل سأرتديها خلال الفترة القادمة، أو هل أملك ما أرتديه معها؟” : إذا كنتَ لا تملكَ فكرة عن ذلك، فربّما يجب عليكَ تخطّيها.